🛑التفريق بين تأويل المعتزلة والجهمية،وتأويل أهل السّنة لنصوص الصفات الخبرية🛑
• أهل السنة أصل مذهبهم التفويض،ولايلجأون إلى التأويل إلاّ للضّرورة، فالتأويل وضيفته الدفاع عن عقيدة التنزيه والرّد على شبه المجسّمة والملاحدة، على أنّ يكون التأويل على سبيل الإحتمال، لا على سبيل الجزم، وأكثر مايقع من تأويل أهل السنّة في شرحهم وكلامهم على النصوص لا في كلامهم على الصفات نفيًاو إثباتاً، ولا ينبغي أن يقع ذلك من آحاد النّاس بل يقوم به العلماء الجامعون للحديث والفقه واللغة وغيرها من علوم الشريعة(1)
أمّا المعتزلة والجهمية فالتأويل عندهم أصل يجب اللجوء إليه، وليس عندهم تفويض أصلاً، وتأويلهم على الجزم لا على الإحتمال، وهم يؤولون الصفات لا النصوص.
• فالفارق بين تأويل المعتزلة للصفات، وبين تأويل أهل السنة لبعض ما ورد في ذلك، أنّ المعتزلة ينفون الصفة، ويؤولون اللفظ الوارد وجوبا، أمّا أهل السنّة فيثبتون الصفة، وينفون عنها المعنى الذي يحتمل التشبيه والتجسيم، مفوّضين علم حقائقها للّه تعالى،أو ذاكرين أنّ اللفظ الوارد يحتمل معنى ليس فيه تجسيم ولا تشبيه هو كذا، وأنّ العرب تستعمل هذا اللفظ بهذا المعنى في مثل هذا السياق في لغتها خاطبنا ﷲ بها، فيحتمل أن يكون مراد ﷲ ذلك، فالمعتزلي حينما تسأله ما معنى قول ﷲ تعالى:{يدﷲ فوق أيديهم}؟: يقول قدرة ﷲ جزماً، وليس لله تعالى صفة اليد، والسنّي يقول له: له تعالى يدان صفة بلا كيف لا نعلم حقيقتها على التعيين، بل يعلمها ﷲ عزّ وجل،وهي دالة على القدرة وليست هي عين القدرة وليست جارحة ولا عضو، فالفارق: أنّ الأوّل ناف مطلقاً، مؤولا جازما، والثاني مثبت مطلقا، مفوّض ومنزّه دائما، ويؤول أحياناً إحتمالا، لا جزما.
•وهاهنا أمر لا بد من التنبيه عليه وهو:أنّ الآيات والأحاديث الواردة بالصفات الخبرية بعضها لا يستقيم معناه إلا بتأويله، بغض النظر عن التعرّض للصفة بالنفي، فقوله تعالى:{كل شيء هالك إلاّ وجهه} لابد من تأويله بالذات، وإلاّ لكان المعنى أن الذات أيضا تهلك! ولا يبقى إلاّ الوجه، وهذا في غاية الشّناعة، وقوله تعالى:{وهو معكم أينما كنتم} لا بدّ من تأويل المعية هنا بمعيةالعلم لا الذات، وإلاّ لأدّى ذلك إلى حلول الذات في كل مكان تعالى ﷲعن ذلك علوا كبيرا.
فهذا تفريق آخر بين تأويل الصفة، وبين تأويل السياق بما يستقيم مع ما سيق لأجله.
إنّ الدّافع لأكثر هذه التأويلات عند أهل السنة هو خشية أن يقع للسامع توهّم التشبيه والتجسيم، وهو اثبات الشبه بين ﷲتعالى وبين خلقه بوجه من الوجوه ذاتا أو صفاتا أو أفعالا، وأمّا التجسيم فهو إثبات صفات الأجسام للّه تعالى من التّركب من أجزاء وأعضاء أو جوارح، أو التحيّز في مكان، أو الإنتقال والحركة من مكان إلى مكان، أو ماشاكل ذلك،والتشبيه والتجسيم محالان على ﷲ تعالى لقوله:{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.
ولمزيد الفائدة نختم بكلام الحافظ ابن عساكر…
• قال الحافظ المحدث ابن عساكر الدمشقي الشافعي الأشعري رحمه الله في كتابه كذب المفتري فيما نسب للإمام أبي الحسن الأشعري ص:410
((وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ فِي جَمِيْعِ الْأَقْطَارِ عَلَيْهِ [مَذْهَبُ الْسَّادَةِ الْأَشَاعِرَة] وَأَئِمَّةُ الْأَمْصَارِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ يَدْعُونَ إِلَيْهِ، وَمُنْتَحِلُوهُ هُمْ الَّذِيْنَ عَلَيْهِم مَدَار الْأَحْكَامِ، وَإِلَيْهِم يُرْجَعُ فِي مَعْرِفَةِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَهُم الَّذِيْنَ يفْتُونَ الْنَّاس فِي صِعَابِ الْمَسَائِلِ، وَيُعْتَمَدُ عَلَيْهِمْ الْخَلْق فِي إِيْضَاحِ الْـمُشْكِلَاتِ وَالْنَّوَازِلِ، وَهَلْ مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنَ
الْحَنَفِيَّةِ وَالْـمَالِكِيَّةِ وَالْشَّافِعِيَّةِ
إِلَّا مُوَافِقٌ لَهُ أَوْ مُنْتَسِبٌ إِلَيْهِ أَوْ رَاضٍ بِحَمِيْدِ سَعْيِهِ فِي دِيْنِ اللهِ أَوْ مُثْنٍ بِكَثْرَةِ الْعِلْمِ عَلَيْهِ، غَيْر شِرْذِمَة يَسِيرَة تُضْمِرُ الْتَّشْبِيْهَ وَتُعَادِي كُلّ مُوَحِّدٍ يَعْتَقِدُ الْتَّنْزِيه، وَتُضَاهِي أَقْوَال أَهْل الِاعْتِزَالِ فِي ذَمِّهِ وَتُبَاهِي بِإِظْهَارِ جَهْلهَا بِقُدْرَةِ سَعَة عِلْمِهِ)
•وَقَالَ أيضا: في (ص:367)]..
((فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَاذَا الَّذِي تَنْفِرُ مِنْهُ الْقُلُوب عَنْهُم [الْسَّادَة الْأَشَاعِرَة] أَمْ مَاذَا يَنْقِمُ أَرْبَابُ الْبِدَعِ مِنْهُم؟!: أَغَزَارَة الْعِلْمِ؟!، أَمْ رَجَاحَة الْفَهْمِ؟!، أَمْ اعْتِقَاد الْتَّوْحِيدِ وَالْتَّنْزِيهِ؟!، أَمْ اجْتِنَاب الْقَوْل بِالْتَّجْسِيمِ وَالْتَّشْبِيهِ؟!، أَمْ الْقَوْل بِإِثْبَاتِ الْصِّفَاتِ؟!، أَمْ تَقْدِيْس الْرَّبِّ عَنِ الْأَعْضَاءِ وَالْأَدَوَاتِ؟!، أَمْ تَثْبِيت الْمَشِيئَة لِلَّه وَالْقَدَر؟!، أَمْ وَصْفه عَزَّ وَجَلَّ بِالْسَّمْعِ وَالْبَصَرِ؟!، أَمْ الْقَوْل بِقِدَمِ الْعِلْم وَالْكَلَام؟!، أَمْ تَنْزِيههم الْقَدِيم عَنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ؟!)
•وقال أيضا:
(فإنهم – يعني الأشاعرة – بحمد الله ليسوا معتزلة، ولا نفاة لصفات الله معطلة، لكنهم يثبتون له سبحانه ما أثبته لنفسه من الصفات، ويصفونه بما اتصف به في محكم الآيات، وبما وصفه به نبيّه ‘ في صحيح الروايات وينزهونه عن سمات النقص والآفات، فإذا وجدوا من يقول بالتجسيم أو التكييف من المجسمة والمشبهة، ولقوا من يصفه بصفات المحدثات من القائلين بالحدود والجهة فحينئذ يسلكون طريق التأويل، ويثبتون تنزيهه تعالى بأوضح الدليل، ويبالغون في إثبات التقديس له والتنزيه خوفاً من وقوع من لا يعلم في ظُلم التشبيه، فإذا أمنوا من ذلك رأوا أن السكوت أسلم، وترك الخوض في التأويل إلا عند الحاجة أحزم، وما مثالهم في ذلك إلا مثل الطبيب الحاذق الذي يداوي كلّ داء من الأدواء بالدواء الموافق، فإذا تحقق غلبة البرودة على المريض داواه بالأدوية الحارّة، ويعالجه بالأدوية الباردة عند تيقنه منه بغلبة الحرارة، وما هذا في ضرب المثال إلا كما رُويَ عن سفيان: إذا كنت بالشام فحدّث بفضائل عليّ رضي الله عنه، وإذا كنت بالكوفة فحدّث بفضائل عثمان رضي الله عنه.
وما مثال المتأوّل بالدليل الواضح إلا مثال الرجل السابح، فإنه لا يحتاج إلى السباحة ما دام في البر، فإن اتفق له في بعض الأحايين ركوب البحر، وعاين هوله عند ارتجاجه وشاهد منه تلاطم أمواجه، وعصفت به الريح حتى انكسر الفُلك، وأحاط به إن لم يستعمل السباحة الهُلك، فحينئذ يسبح بجهده طلباً للنجاة، ولا يلحقه فيها تقصير حبّاً للحياة، فكذلك الموحّد ما دام سالكاً محجّة التنزيه، آمناً في عقده من ركوب لجّة التشبيه، فهو غير محتاج إلى الخوض في التأويل لسلامة عقيدته من التشبيه والأباطيل، فأما إذا تكدّر صفاء عقده بكدورة التكييف والتمثيل، فلا بدّ من تصفية قلبه من الكدر بمصفاة التأويل، وترويق ذهنه براووق الدليل، لتسلم عقيدته من التشبيه والتعطيل) اهـ.(تبيين كذب المفتري 388).
(1)راجع بيان الأشاعرة لا يلجأون إلى التأويل إلاّ عند الضّرورة:((إلجام العوام عن علم الكلام ص:٢٨)) و[[اتحاف السادة المتقين:(105/2)]] و[[الفواكه الدواني للنفراوي(59/1)]]
🖋كتبه الفقير إلى عفو ربه: عبدالوهاب قداري
https://m.facebook.com/groups/1340408109701622/permalink/1542753636133734/?mibextid=Nif5oz