البسيط في المذهب للإمام الغزّاليّ (مقال قيم)
مكانة البسيط بين كتب المذهب: إنّ لأبي حامد الغزاليّ شخصيّته العلميّة المتفرّدة، لكنّ شخصيّته الفقهيّة ارتبطت إلى حدٍّ كبير بأستاذه إمام الحرمين الجوينيّ، وذلك من خلال ارتباط كتابه “الوسيط في المذهب” بكتاب إمام الحرمين (نهاية المطلب في دراية المذهب)، الّذي هو أبرز كتب المذهب الشافعيّ في عصره، فلذا أُطلق عليه فيما بعد كتاب (النهاية)، أو (المذهب الكبير) وقالوا: “منذ صنف الإمام كتابه (النهاية) لم يشتغل الناس إلا بكلام الإمام، فعلّل ذلك علامةُ المتأخرين من الشافعية ابن حجر الهيتمي، بقوله: “لأنَّ تلميذه الغزالي، اختصر النهاية المذكورة في مختصر مطول حافل، وسماه (البسيط) واختصره في أقلَّ منه وسماه (الوسيط) واختصره في أقل منه وسماه (الوجيز) ، فجاء الرافعي، فشرح الوجيز شرحا مختصراً، ثم شرحاً مبسوطاً، ما صنف في مذهب الشافعي مثله”[2].
ونلمس من كلام ابن حجر، أنّ كتاب البسيط للغزالي، لم يكن مجرد اختصارٍ لنهاية الإمام الجويني، لكنه الوسيط الذي من خلاله عرِفت النهاية.
يقول الدكتور عبد العظيم الديب، الّذي قام بتحقيق كتاب النهاية لإمام الحرمين الجويني: “إننا لا نريد أن نثبت أن الغزالي مجرد ناقلٍ لفقه إمام الحرمين -حاشاه-، فلم يأخذ النهاية عفواً صفواً، وكيف يصح هذا في عقل عاقل، والغزالي هو من هو، إن عمل الغزالي في إعادة صياغة (النهاية) ، وترتيبه المسائل والفصول ترتيباً منطقياً، وبناء بعضها على بعض، ليس عملاً هيناً، بل يحتاج إلى عقلٍ واعٍ وفكر ثاقب، وذهن متوقد، وقدرة على الإحاطة الشاملة الكاملة بالأبواب والفصول، وإدراك ضوابطها، ومعاقدها، ومفاصلها. ثم إن الغزالي له مع ذلك زياداته، واختياراته. فالقول بأنه اختصر (النهاية) في (البسيط) لا يقدح في منزلته، ولا ينال من علو منصبه، وارتفاع مرتبته. “[3].
إضافةً إلى ذلك، فإنّ أبا حامد الغزالي يقول في خطبة البسيط: “…. وجعلته حاوياً لجميع الطرق، ومذاهب الفرق القديمة والجديدة، والأوجه القريبة والبعيدة، ومشتملاً على جميع ما اشتمل عليه مجموع إمامي إمام الحرمين أبي المعالي قدس الله روحه “[4].
لكنّ قول الغزاليّ: “وجعلته حاوياً لجميع الطرق، ومذاهب الفرق القديمة والجديدة، والأوجه القريبة والبعيدة”، يُعزّز قول القائلين بأنّ البسيط ليس اختصاراً للنهاية وحدها، بل ضمّ إليه “أموراً من الإبانة للفوراني، ومنها أخذ الترتيب الحسن الواقع في كتبه، وتعليق القاضي حسين، والمهذّب، واستمدادُه منه كثيرٌ”[5].
منهجيّة الغزاليّ في عرض البسيط وترتيبه:
يقول الدكتور الديب: “كتاب (البسيط) للإمام الغزالي حجة الإسلام، مبنيٌّ على كتاب شيخه (النهاية) ولكن الغزالي استطاع أن يأتي بترتيب بديع، بلغ الغاية في الضبط والإحكام؛ حيث أخذ فقه إمام الحرمين، ولكنه لم يلتزم ترتيبه، بل اتبع ترتيباً عجيباً لم يسبق إليه، يقوم على منطق واضح القسمات، بيِّن الملامح، فهو -فيما نعلم- أول من قسم الفقه إلى أرباع، ونص على ذلك صراحة: ربع العبادات، وربع المعاملات، وربع المناكحات، وربع الجراح.
ثم يبدأ كلّ كتابٍ بتمهيد، ثم يبين في سطورٍ معدودات، أقسام الكتاب، وأبوابه، وموضوع كل منها، ولنعرض ما جاء في أول كتاب الحج نموذجاً لهذا الترتيب:
افتتح كتاب الحج بذكر أدلة الحج، ثم قال: ” هذا تمهيد الباب، ومقاصده يحصرها ثلاثة أقسام:
الأول – في المقدمات والسوابق، وهي شرائط صحة الحج ووجوبه، ومواقيت الحج.
الثاني – في المقاصد، وهي ما يجب فعله وتركه في الحج، وكيفية وجوه أدائه.
الثالث – في التوابع واللواحق، وهي فوات الحج والدماء الواجبة فيه، وأبدالها “. اهـ.
ثم إذا جاء إلى كل واحد من الأقسام الثلاثة، قسمها إلى أبواب، والباب إلى فصول، والفصل إلى مسائل أو مباحث، فإذا شذّ عن ذلك شيء أتى بها آخراً تحت عنوان (فرع) أو (فروع) .
وقد كان الغزالي متفطناً لقيمة عمله، مباهياً به، وذلك قولُه في خطبة الكتاب:
“وقد أتيتُ فيه بترتيبٍ، خف -مع كبر حجم الكتاب- محمله، وسهل مع غموض معانيه تناوله؛ ترغيباً لأولي المآرب، وتسهيلاً على الراغب الطالب”[6].
مخطوطات البسيط:
عن كتاب البسيط، يقول الدكتور مشهد العلاف، في معرض بحثه عن كتب أبي حامد الغزاليّ: “سمَّاه الغزالي ” البسيط في المذهب ” كما قال في “الوسيط”، وأحياناً يسمى: “البسيط في الفروع”. وهو تصنيف في المذهب أي في فقه المذهب الشافعي. وهو مخطوط[7].
وفي كتابه “مؤلفات الغزالي”، ذكره الدكتور عبد الرحمن بدوي، وذكر المكتبات التي توجد فيها مخطوطاته، فكانت حسب بحثه: الديوان الهندي، والإسكوريال الإسبانيّة، والمكتبات التركية، والمكتبة الظاهرية بدمشق، ودار الكتب المصرية.
وقد نُشر في بعض مواقع الشبكة العنكبوتيّة، أنّه قد قدّمت رسالةٌ إلى الجامعة الإسلامية، بالمدينة المنورة، يقوم فيها الطالب إسماعيل حسن بن محمد حسن علوان، بتحقيق كتاب البسيط في المذهب، “من أول الكتاب إلى آخر كتاب الطهارة”، دراسة وتحقيق، تحت إشراف الدكتور إبراهيم بن علي صندقجي، يبدو أنّه لم يتم الفراغ منها ومناقشتها بعدُ، إذ لم يُشر المصدر إلى هذه المعلومة المهمة، وإن ذكر ملخصاً تعريفيّاً بالرسالة.
قال: “وقد اعتمد الباحث في تحقيقه على ثلاث نسخ خطية، وصفها كالآتي:
1- نسخة المكتبة الظاهرية، رقمها (2111/174 فقه الشافعي).
2- نسخة متحف طب فيي سراي في إستانبول بتركيا.”[8].
كما نُشر في موقع مكتبة المسجد النبوي الشريف، أنّه قد “تمَّ اعتماد تسجيل رسالة ماجستير في جامعة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحد، بعنوان: تحقيق ربع الجراح الأخير من كتاب البسيط للإمام محمد بن محمد بن محمد الغزالي، من كتاب الصيد و الذبائح إلى نهاية كتاب السبق و الرمــي، للطالب: يوسف عبدالواحد عبدالواحد الشحــــي”[9].
كذا في
http://fiqh.islammessage.com/NewsDetails.aspx?id=4008
[2] نهاية المطلب في دراية المذهب: المقدمة/ 37.
[3] نهاية المطلب في دراية المذهب: المقدمة/ 243.
[4] نهاية المطلب في دراية المذهب: المقدمة/ 243.
[5] شذرات الذهب: 4/12.
[6] نهاية المطلب في دراية المذهب: المقدمة/ 270.
[7] كُتُب الإمام الغزالي الثَّابت مِنها والمنحول، موقع الإمام ا لغزالي:
http://www.ghazali.org/…/AuthenticityofGhazaliWorks-AR.htm
[8] موقع هدي الإسلام، أ. د. عبد الحي الفرماوي:
http://www.hadielislam.com/arabic/index.php….
[9] عمرالوفي، البسيط للإمام الغزالي، موقع مكتبة المسجد النبوي الشريف:
http://www.mktaba.org/vb/showthread.php?p=49124.
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/1285710501542969/