مقالات في الرد على نظرية تقسيم التوحيد وما بني عليها

اتهام ابن تيمية الحراني للصحابي الجليل سيدنا عبد الله بن عمر: بالتشبه بأهل الكتاب!!! وفتح ذرائع الشرك!!! (منشور للشيخ الفاضل ياسين بن الربيع)

أولا: يعد الصحابي الجليل سيدنا عبد الله بن عمر أحد العبادلة الأربعة الذين كان مدار العلم والفتيا والرواية عنهم كما نص الحافظ البيهقي والعلامة ابن خلدون وغيرهما، وقد ثبت عن هذا الحبر العالم أنه كان يتحرى الآثار المصطفوية ليتبرك بها: نعم فقد جاء في موطأ الإمام مالك (503): ((عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك، أنه قال: جاءنا عبد الله بن عمر في بني معاوية -وهي قرية من قرى الأنصار- فقال: هل تدرون أين صلى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم من #مسجدكم_هذا؟، فقلت له: نعم؛ وأشرت إلى ناحية منه، فقال لي: هل تدري ما الثلاث التي دعا بهن فيه؟، فقلت له: نعم، قال: فأخبرني بهن، قال: فقلت: دعا بأن لا يظهر عليهم عدوا من غيرهم، ولا يهلكهم بالسنين فأعطيهما، ودعا بأن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعها، قال: صدقت. قال ابن عمر: فلن يزال الهرج إلى يوم القيامة)).

قال الحافظ ابن عبد البر المالكي (ت:463ه): ((فيه ما كان عليه ابن عمر من التبرك بحركات رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم اقتداء به وتأسيا بحركاته؛ ألا ترى أنه إنما سألهم عن الموضع الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم من مسجدهم ليصلي فيه تبركا بذلك ورجاء الخير فيه)) [التمهيد (197/19)].

وقال القاضي الإمام ابن العربي المالكي (ت:543ه): ((في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم كان يأتي قرى الأنصار ويصلي في مساجدها ودورها، ليتبرك بالصلاة فيها بعده)) [المسالك في شرح موطأ مالك (479/3)].

وقال الإمام المحدث العلامة محمد عبد الباقي الزرقاني المالكي (ت:1122ه): ((“هل تدرون أين صلى رسول الله، صلى الله عليه [وآله] وسلم من مسجدكم هذا؟”: لأصلي فيه وأتبرك به لأنه كان حريصا على اقتفاء آثاره)) [شرح الإمام الزرقاني على موطأ الإمام مالك (390/1)]. ..الخ كلام أيمة الإسلام..

ثانيا: نص الإمام التقي الحصني في كتابه “دفع شبه من تشبه وتمرد ونسب ذلك إلى السيد الجليل الإمام أحمد”، والذي ألفه في الرد على ابن تيمية..نص على أن هذا الحراني اتهم الصحابي الجليل سيدنا عبد الله بن عمر بفتح ذرائع الشرك الأكبر!!!. وكذب بعض التيمية صدور هذه الشناعة العظيمة من شيخهم الأكبر، فراحوا يتهمون الإمام بالكذب على خصمه!!!. فهل ثبت حقا وقوع الحراني في هذا الضلال العظيم؟!!!..

ثالثا: نص كلام ابن تيمية في اتهام الصحابي الجليل سيدنا عبد الله بن عمر بالتشبه بأهل الكتاب!!! وفتح ذرائع الشرك!!!: قال ابن تيمية الحراني: ((فأما قصد الصلاة في تلك البقاع التي صلى فيها اتفاقا [صلى الله عليه وآله وسلم]، فهذا لم ينقل عن غير #ابن_عمر من #الصحابة!!!،…وتحري هذا ليس من سنة الخلفاء الراشدين!!!، بل هو مما: #ابتدع!!!، وقول الصحابي إذا خالفه نظيره، ليس بحجة، فكيف إذا انفرد به عن جماهير الصحابة؟. أيضا: فإن تحري الصلاة فيها ذريعة إلى اتخاذها مساجد، #والتشبه_بأهل_الكتاب!!! مما نهينا عن التشبه بهم فيه، وذلك: #ذريعة_إلى_الشرك_بالله!!!)) بشينه ومينه!!! [اقتضاء الصراط المستقيم (2 /756-757)]..

وخلاصة كلام الحراني:

● ثبت عن سيدنا عبد الله بن عمر أنه كان يتحرى الصلاة في البقاع التي صلى فيها الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه، وهذا من باب التبرك بالآثار المصطفوية..

● لم ينقل عن أحد من الصحابة قصد هذه البقاع غير سيدنا عبد الله بن عمر!!!..

هذا الفعل من سيدنا عبد الله بن عمر يعد: بدعة ضلالة!!! وتشبه بأهل الكتاب!!! وذريعة إلى الشرك الأكبر المبيح للدم والمال!!!..

رابعا: رد افتراء الحراني: جاء في صحيح البخاري (402): (باب ما جاء في القبلة): عن أنس بن مالك، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، “وافقت ربي في ثلاث: فقلت يا رسول الله، #لو_اتخذنا_من_مقام_إبراهيم_مصلى، فنزلت: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} [البقرة:125]…” وهذا يناقض بمائة وثمانين درجة دعوى ابن تيمية، ويبين بمكان حرص الخليفة عمر بن الخطاب للحفاظ على الآثار الإبراهيمية للصلاة فيها، فكيف سيكون موقفه إذا رضي الله تعالى عنه من التبرك بالآثار المصطفوية لأفضل الأنبياء والرسل أجمعين؟!..

وقال الحافظ ابن كثير: ((قال الإمام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، ثنا حماد بن سلمة، عن أبي سنان، عن عبيد بن آدم وأبي مريم وأبي شعيب، أن عمر بن الخطاب كان بالجابية، فذكر فتح بيت المقدس. قال: قال ابن سلمة: فحدثني أبو سنان، عن عبيد بن آدم، سمعت عمر يقول لكعب: أين ترى أن أصلي؟ قال: إن أخذت عني صليت خلف الصخرة، فكانت القدس كلها بين يديك. فقال عمر: ضاهيت اليهودية، لا ولكن أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم. فتقدم إلى القبلة فصلى، ثم جاء فبسط رداءه وكنس الكناسة في ردائه وكنس الناس. وهذا إسناد جيد اختاره الحافظ ضياء الدين المقدسي في كتابه “المستخرج”)) [البداية والنهاية (9 /662)]..فالفاروق سيدنا عمر بن الخطاب كان يتحرى الصلاة في الأماكن التي صلى فيها سيد الخلق وحبيب الحق: ((أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم))، وهذا بلا مثنوية تبرك بالآثار المصطفوية..

وأخرج مسلم في صحيحه (509): ((عن سلمة وهو ابن الأكوع أنه كان يتحرى موضع مكان المصحف يسبح فيه، وذكر: “أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم كان يتحرى ذلك المكان، وكان بين المنبر والقبلة قدر ممر الشاة”))..فالصحب الكرام رضوان الله تعالى عليهم كانوا يتحرون التبرك بمواضع عبادته صلى الله تعالى عليه وآله وسلم..

وجاء في مصنف ابن أبي شيبة (16129): ((عن ابن قسيط قال: “رأيت نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم إذا خلا لهم المسجد، قاموا إلى رمانة المنبر القرعاء فمسحوها ودعوا”، قال: “ورأيت يزيد يفعل ذلك”))..قال الإمام القاضي عياض المالكي (ت:544ه) في الشفا: ((ورؤي ابن عمر واضعا يده على مقعد النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم من المنبر ثم وضعها على وجهه. وعن ابن قسيط والعتبي: كان أصحاب النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم إذا خلا المسجد جسوا رمانة المنبر التي تلي القبر بميامنهم ثم استقبلوا القبلة يدعون))[الشفا (2 /672)]..

وقال الإمام العلامة الملا علي القاري الحنفي (ت:1014ه) في شرح الشفا ممزوجا بالمتن: (( “ابن عمر واضعا يده على مقعد النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم” أي: موضع قعوده، “من المنبر ثم وضعها” أي: يده (على وجهه) رواه ابن سعد عن عبد الرحمن بن عبد القارىء أنه رآه واضعا يده على مقعد النبي صلى الله تعالى عليه [وآله] وسلم…”كان أصحاب النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم إذا خلا المسجد” أي: من عامة الناس، “جسوا” بفتح الجيم وتشديد السين المهملة أي: حسوا ومسوا: “رمانة المنبر” أي: العقدة المشابهة للرمانة، “التي تلي القبر” يعني التي كان يأخذها عليه السلام بيمينه، “بميامنهم” متعلق بجسوا أي: تمسحوا بأيمانهم طلبا لليمن والبركة في زيادة الإيمان وإيقان الإحسان، “ثم استقبلوا القبلة يدعون” أي: الله سبحانه بهذه الوسيلة المشتملة على الفضيلة، رواه ابن سعد)) [شرح الشفا (2 /153-154)]..

قال مفتي المالكية في المدينة المنورة الإمام المحدث محمد الخضر الجكني الشنقيطي (ت:1354ه): ((فقد عرف من صنيع ابن عمر استحباب تتبع آثار النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم والتبرك بها. وقد قال البغوي من الشافعية: “إن المساجد التي ثبت أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم صلى فيها، لو نذر أحد الصلاة فيها، تعين كما تتعين المساجد الثلاثة”.

وقال أشهب من المالكية: “لا يعجبني ذلك إلا في قباء، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يأتيه راكبا وماشيا، ولم يفعل ذلك في تلك الأمكنة”. وما فعله ابن عمر مع ما علم من تشدده في الاتباع، لا يعارض ما ثبت عن أبيه من أنه: رأى الناس في سفر يتبادرون إلى مكان، فسأل عن ذلك، فقالوا: قد صلى فيه النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، فقال: “من عرضت له الصلاة فليصل، وإلا فليمض، فإنما أهلك أهل الكتاب أنهم يتتبعون آثار أنبيائهم، فاتخذوها كنائس وبيعا”، لأن ذلك من عمر محمول على أنه كره زيارتهم لمثل ذلك بغير صلاة، أو خشي أن يشكل ذلك على من لا يعرف حقيقة الأمر فيظنه واجبا، وكلا الأمرين مأمون من ابن عمر، وقد تقدم حديث عتبان (1) وسؤاله النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم أن يصلي له في بيته ليتخذه مسجدا، وإجابة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم إلى ذلك، فهو حجة في التبرك بآثار الصالحين))(2).

ثم قال: ((ولم تزل المسلمون من لدن عصر الصحابة إلى الآن يتبركون بآثار الصالحين، لم يخالف في ذلك إلا الخوارج دمرهم الله. وقد قال العلماء: إن فعل ابن عمر، ونهي أبيه رضي الله تعالى عنهما، فائدة جليلة في الدين، ففي فعل ابن عمر اقتفاء آثاره عليه الصلاة والسلام والتبرك والتعظيم له. وفي نهي عمر الاحتياط في السلامة من الابتداع لمن يخشى منه ذلك))(3).

ثم ذكر الإمام بما فعله الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، فقال: ((وقد ذكر عمر بن شبة في “أخبار المدينة” المساجد والأماكن التي صلى فيها النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم بالمدينة مستوعبا. وروى عن أبي غسان عن غير واحد من أهل العلم: “إن كل مسجد بالمدينة ونواحيها مبني بالحجارة المنقوشة المطابقة، فقد صلى فيه النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، وذلك أن عمر بن عبد العزيز حين بنى مسجد المدينة سأل الناس -وهم يومئذ متوافرون- عن ذلك، ثم بناها بالحجارة المنقوشة المطابقة”))(4). ثم عقب الإمام على فعل الخليفة الراشد بفذلكة مهمة حول المسألة، فقال: ((قلت: في هذا حجة قوية على التبرك بآثار الصالحين، لصدوره من خامس الخلفاء عمر بن عبد العزيز، لم يوجد أحد في زمنه مثله في اتباع السنة، كما شهد له بذلك إجماع المسلمين، وعدم إنكار أحد من التابعين وأتباعهم المتوافرين يومئذ كذلك، فصار إجماعا، ولا يحتمل أن يقصد بفعله إلا بقاء الآثار معلومة ليتبرك بها))(5).. ..الخ تقريرات أيمة الإسلام..

خامسا: موقف الفاروق عمر بن الخطاب من اقتفاء الآثار المصطفوية وبيان تلبيس ابن تيمية الحراني وأتباعه الوهابية في ذلك!: https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=1945115085723118&id=100006739351796 نسأل الله السلامة والعافية..

____________

(1) يقصد حديث البخاري في صحيحه (425): ((عن ابن شهاب، قال: أخبرني محمود بن الربيع الأنصاري، أن عتبان بن مالك وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ممن شهد بدرا من الأنصار أنه أتى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، فقال: يا رسول الله قد أنكرت بصري، وأنا أصلي لقومي فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم، لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم، ووددت يا رسول الله، أنك تأتيني فتصلي في بيتي، #فأتخذه_مصلى، قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سأفعل إن شاء الله” قال عتبان: فغدا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهار، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فأذنت له، فلم يجلس حتى دخل البيت، ثم قال: “أين #تحب أن #أصلي_من_بيتك” قال: فأشرت له إلى ناحية من البيت، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر، فقمنا فصفنا فصلى ركعتين ثم سلم…)) الحديث.

(2) كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (7/ 358)، تأليف: الإمام المحدث العلامة الشيخ محمد الخضر الجكني الشنقيطي، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع-بيروت، الطبعة الأولى: 1415ه-1995م. (3) المصدر نفسه: (7 /358-359).

(4) المصدر نفسه: (7 /359).

(5) المصدر نفسه: (7 /359).

انظر: https://www.facebook.com/yacine.ben.rabie/posts/2938365233064760


السابق
مؤلفات الإمام أبي حفص النسفي رحمه الله وقائمة بالعلماء الذين سأنشر تسجيلات حول مؤلفاتهم بحول الله
التالي
ما مقصود الرازي من قوله ـ الذي فرح به ابن تيمية وأتباعه ـ من أن حلول الحوادث بذاته تعالى لازم لمعظم العقلاء ومذاهبهم؟!