هل يتكلم الله بحرف وصوت

وبعد، فهذه نصوص كثيرة عن أهل السنة من المتكلمين والمفسرين والمحدثين وغيرهم من العلماء في أن كلام الله ليس بحرف ولا صوت… إن ابن تيمية نفسه يجعل القول بالحرف والصوت بدعة لم يقلها السلف، وهذه هي الضربة القاضية للوهابية

وبعد، فهذه نصوص كثيرة عن أهل السنة من المتكلمين والمفسرين والمحدثين وغيرهم من العلماء في أن كلام الله ليس بحرف ولا صوت، طبعا هناك المزيد من هذه النصوص، وكلها عن أئمة الدين وشيوخ الإسلام وسادات الأمة رحمهم الله.
والآن نختم بهذه الضربة القاضية حيث إن ابن تيمية نفسه يذهب في بعض المواضع أبعد مما سبق فيجعل القول بالحرف والصوت بدعة لم يقلها السلف!!!
(4)وأين الذين تنمروا علينا وراحوا ينقلون لنا نصوص أئمتنا الأشاعرة كالغزالي والعز والتفتازاني … فهل هذا هو العقل والضرورة والفطرة وعقيدة العوام التي يحدثنا عنها ابن تيمية والوهابية ؟![1]

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/5118751061572208/
كنا قد قلنا في آخر المنشور السابق: ونختم ببعض النصوص عن أئمة أهل السنة من السلف والخلف في بيان صفة كلام الله وكلها خالية من هذا الهذيان السابق .
وإليكم الآن ما وعدنا به من سرد نصوص كثيرة في صفة الكلام:
نبدأ بقول أول الأئمة الأربعة وهو أبو حنيفة (المتوفى: 150هـ) رحمه الله حيث يقول في الفقه الأكبر المنسوب إليه[2]: «ويتكلم لا ككلامنا ويسمع لا كسمعنا ‌ونحن ‌نتكلم ‌بالآلات والحروف والله تعالى يتكلم بلا آلة ولا حروف والحروف مخلوقة وكلام الله تعالى غير مخلوق»[3]
و«قال عبد الله بن ‌كلاب (ت 241 هـ): إن الله لم يزل متكلما… وإن الكلام ليس ‌بحرف ‌ولا ‌صوت، ولا ينقسم، ولا يتجزأ، ولا يتبعض، ولا يتغاير وإنه معنى واحد بالله تعالى، وإن الرسم هو الحروف المتغايرة وهو قراءة القرآن»[4]
«وذكر ابن القيم الأقوال في كلام الله ومنها قول الأشعري (ت 324هـ) فقال:” المذهب الخامس: مذهب الأشعري ومن وافقه: انه معنى واحد، قائم بذات الرب، وهو صفة قديمة أزلية، ليس ‌بحرف ‌ولا ‌صوت، ولا ينقسم، ولا له أبعاض، ولا له أجزاء….. »[5]
وقال الباقلاني (المتوفى: 403هـ) في “الإنصاف” ص: 99: “ويجب أن يعلم أن الله تعالى لا يتصف كلامه القديم بالحروف والأصوات، ولا شيء من صفات الخلق” (40).
وقال ابن فورك (المتوفى: 406هـ): “وكلام الباري ليس بحروف، وإنما هو معنى موجود قائم بذاته، يسمع وتفهم معانيه به، والحروف تكون أدلة عليه، كما تكون الكتابة أمارات الكلام ودلالات عليه، وكما نعقل متكلما لا مخارج له ولا أدوات، كذلك نعقل له كلاما ليس بحروف ولا أصوات”[6].
وقال ابن فورك أيضا في «مشكل الحديث وبيانه» (ص351): «أعلم أن كلام الله تعالى ‌ليس ‌بحرف ‌ولا ‌صوت عندنا وإنما العبارات عنه تارة تكون بالصوت والعبارات هي الدالة عليه وأمارات له تظهر للخلق»
وقال الإمام البيهقي (المتوفى : 458هـ) نحو قول أبي حنيفة السابق: « وإن كان المتكلم غير ذي مخارج سمع كلامه غير ذي حروف وأصوات، والباري جل ثناؤه ليس بذي مخارج، وكلامه ليس بحرف ولا صوت، فإذا فهمناه ثم تلوناه تلوناه بحروف وأصوات»[7]
“وإذا كان كلام الله نفسياً عند البيهقي وأصحابه الأشاعرة وليس بذي حروف وأصوات فما هو الكلام الذي سمعه موسى عليه السلام وكيف سمعه مع أن الله تعالى لا يتكلم به بصوت؟ لقد أجاب البيهقي عن هذا السؤال بأن الله تعالى أزال المانع عن موسى عليه السلام الذي يمنعه من سماع كلامه بلا حرف ولا صوت، وخلق له قوة أدرك بها كلامه القديم وفي هذا المعنى يقول البيهقي – رحمه الله – عند إيضاحه لمعنى قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً}[8]يقول “فوصف نفسه بالتكلم ووكده بالتكرار فقال تكليماً، ثم ذكر ما كلم الله به موسى وقال بعد ذلك فهذا كلام سمعه موسى عليه السلام بإسماع الحق إياه، بلا ترجمان بينه وبينه، دله بذلك على ربوبيته، ودعاه إلى وحدانيته…”[9].
ونجد جواباً لذلك أوضح عند السنوسي (895) في شرحه لعقيدة أهل التوحيد الكبرى حيث ذكر أنه تعالى – بفضله – أزال المانع عن موسى عليه السلام، وخلق اسه سمعاً وقواه حتى أدرك به كلامه القديم[10].
وقال الإسفراييني: «وأن تعلم أن كلام الله تعالى ‌ليس ‌بحرف ‌ولا ‌صوتلأن الحرف والصوت يتضمنان جواز التقدم والتأخر وذلك مستحيل على القديم سبحانه وما دل من كتاب الله تعالى على أن متعلقات الكلام لا نهاية لها دليل على أنه ‌ليس ‌بحرف ‌ولا ‌صوت لوجوب التناهي فيما صح وصفه به»[11]
وقال الجويني: «إذا ثبت أن القائم بالنفس كلام وليس هو حروفا منتظمة ولا أصواتا مقطعة من مخارج الحروف فليستيقن العاقل أن الكلام القديم ‌ليس ‌بحروف ‌ولا ‌أصوات ولا ألحان ولا نغمات فإن الحروف تتوالى وتترتب ويقع بعضها مسبوقا ببعض وكل مسبوق حادث»[12]
وقال الغزالى (المتوفى: 505هـ) في “«قواعد العقائد» (ص59): «وأنه تعالى متكلم آمر ناه واعد متوعد بكلام أزلي قديم قائم بذاته لا يشبه كلام الخلق فليس بصوت يحدث من انسلال هواء أو اصطكاك أجرام ولا بحرف ينقطع بإطباق شفة أو تحريك لسان»[13].
وقال حجة الإسلام أيضا في «المستصفى» (ص185): «وكما أن كلامه ليس من جنس البشر فسمعه الذي يخلقه لعبده ليس من جنس سمع الأصوات، ولذلك يعسر علينا تفهم كيفية سماع موسى كلام الله تعالى الذي ‌ليس ‌بحرف ‌ولا ‌صوت كما يعسر على الأكمه تفهم كيفية إدراك البصير للألوان والأشكال».اهـ ونقله بعض شراح البخاري مقرين مثل ابن الملقن [14]، والعيني[15]، والجكني الشنقيطي في الكوثر الدراري[16].
وفي «المحصول للرازي» (4/ 275): «البحث في أصول الفقه غير متعلق بالكلام القائم بذات الله تعالى الذي ‌ليس ‌بحرف ‌ولا ‌صوتبل عن الكلام المسموع الذي هو الأصوات المقطعة»
وفي «تفسير ابن عرفة المالكي » (2/ 245): «ولأن كلمة الله غير مركبة؛ إذ ‌ليس ‌بحرف ‌ولا ‌صوت»
وقال أبو العباس القرطبي المالكي المحدث(578 – 656 هـ): “لا خلاف بين أهل السنة في أن موسى سمع كلام الله الذي لا يشبهه كلام البشر الذي ليس بصوت ولا حرف، ولو سمعه بالحرف والصوت لما صحت خصوصية الفضيلة لموسى بذلك إذ قد سمع كلامه تعالى بواسطة الحرف والصوت المشترك، كما قال تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} “.
وعند شرحه لقوله – عليه السلام – في بيان كيف يأتيه الوحي: “أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي … “. قال: “والذي عندي في هذا الحديث: أن هذا تشبيه لأصوات خفق أجنحة الملائكة، فيعني أنها متتابعة متلاحقة، لا أن الله تعالى يتكلم بصوت، فإن كلامه تعالى ليس بحرف ولا صوت كما هو مبرهن عليه في موضعه فإن أراد هذا القائل: أن كلام الله تعالى القائم به صوت يسمع بحاسة الأذن فهو غلط فاحش، وما هذا اعتقاد أهل الحق، وإن أراد: أن الملائكة تسمع كلام ملك آخر يبلغهم عن الله بصوت فصحيح”[17]
وقال شيخه أبو عبد الله القرطبي في تفسيره:«معنى كلام الله تعالى، وأنه ‌ليس ‌بحرف ‌ولا ‌صوت»[18]، وقال في رده على النصارى «وإنما كان يلزمنا هذا لو قلنا إن الله تعالى كلمه بصوت وحرف يخرج من لهواتويقطعه لسان ونحن لا نقول بشيء من ذلك بل نقول إن الله تعالى متكلم بكلام هو وصف قائم بذات الله ‌ليس ‌بحرف ‌ولا ‌صوت وهذا معقول مفهوم فإنا نحس من أنفسنا كلاما قائما بذواتنا فنتحدث به مع أنفسنا ‌ليس ‌بحرف ‌ولا ‌صوت وهذا مما يجده الإنسان من نفسه بالضرورة ويكون الحرف والصوت دالين على ذلك المعنىالذي في النفس وهذا لاستحالته في كلام بناسبه»[19]
وقال القرافي:«البحث في أصول الفقه غير متعلق بالكلام القائم بذات الله تعالى، الذي ‌ليس ‌بحرف، ‌ولا ‌صوت، بل عن الكلام المسموع الذي هو الأصوات المقطعة»[20]
وقال العز ابن عبد السلام كما نقله عنه السبكي والنويري: «وأنه حى مريد سميع بصير عليم، قدير متكلم قديم أزلى ‌ليس ‌بحرف ‌ولا ‌صوت ولا يتصور فى كلامه أن ينقلب مدادا فى الألواح والأوراق، بل الكتابة من أفعال العباد»[21]
وقال ابن جزي المالكي في «القوانين الفقهية» (ص10): «فإنه جل وعز متكلم بصفة أزلية ‌ليس ‌بحرف ‌ولا ‌صوت ولا يقبل العدم ولا ما في معناه من السكوت ولا التبعيض ولا التقديم ولا التأخير الذي لا يشبه كلام المخلوقين كما لا تشبه ذاته ذوات المخلوقين لا تنفذ كلماته كما لا تحصى معلوماته ولا تنحصر مقدوراته»
وقال أمير بادشاه الحنفي في تيسير التحرير:«إشارة إِلَى مَا ذهب إِلَيْهِ أهل الْحق من أَنه تَعَالَى مُتَكَلم بِكَلَام قديم وَاحِد بالشخص قَائِم بِذَاتِهِ ‌لَيْسَ ‌بِحرف ‌وَلَا ‌صَوت هُوَ بِهِ طَالب بِهِ مخبر»[22]
وفي تفسير النيسابوري : «وعند أهل السنة الإرهاص جائز فلم يوجبوا إحالة تلك الخوارق إلى غيره. وعندهم أن الله تعالى أسمعه الكلام الذي ‌ليس ‌بحرف ‌ولا ‌صوت. والمعتزلة أنكروا وجود ذلك الكلام»[23]
وقال الزركشي في «البحر المحيط في أصول الفقه» (2/ 180):«الإعجاز يقع عندنا في قراءة كلام الله لا في نفس كلامه .. وكلام الله تعالى أزلي، فوجب أن ينصرف ذلك إلى القراءة الحادثة، ولأن الإعجاز وقع في النظم، والنظم يقع في القراءة، وكلام الله ‌ليس ‌بحرف ‌ولا ‌صوت»
وقال الآمدي: «ذهب أهل الحق من الإسلاميين إلى كون البارى تعالى متكلما بكلام قديم ازلى نفسانى احدى الذات ‌ليس ‌بحروف ‌ولا ‌اصوات وهو مع ذلك ينقسم بانقسام المتعلقات مغاير للعلم والقدرة والإرادة وغير ذلك من الصفات»[24]
وقال ابن الملقن في شرحه للبخاري عند حديث “فيناديهم بصوت”: «ومعنى: “فيناديهم” يأمر ملكا ينادي، أو يخلق صوتًا يسمعه الناس، وإلا فكلامه ليس ‌بحرف ‌ولا ‌صوت. وفي رواية أبي ذر: “فينادَى” عَلَى ما لم يسم فاعله»[25]
ونحوه قول الدماميني ـ وقاله العيني أيضا[26]ـ في شرحه على البخاري:«قال القاضي: والمعنى: يَجعل مَلَكاً ينادي، أو يخلق صوتاً يسمَعُه الناس، وأما كلامُ الله، فليس ‌بحرف ‌ولا ‌صوت»[27]
ونحوه قول عبد القادر الأسطواني في «أصل الزراري شرح صحيح البخاري – مخطوط» (ص26 بترقيم الشاملة آليا): «وقوله: (فيناديهم) المعنى: يجعل ملكًا يناديهم أو يخلق صوتًا ليسمعه الناس، وأمَّا كلام الله؛ فليس ‌بحرف ‌ولا ‌صوت»
وقال ابن حجر في بعض المواضع : «فإنه حيث ذكر الارتحال فقط جزم به؛ لأن الإسناد حسن وقد اعتضد، وحيث ذكر طرفًا من المتن لَم يجزم به؛ لأن لفظ الصوت مما يتوقف في إطلاق نسبته إلَى الرب، ويحتاج إلَى تأويل، فلا يكفي فيه مجيء الحديث من طريق مختلف فيها ولو اعتضدت، ومن هُنَا يظهر شفوف علمه، ودقة نظره، وحسن تصرفه -رَحِمَهُ الله تَعَالَى-»[28]
وبعد، فهذه نصوص كثيرة عن أهل السنة من المتكلمين والمفسرين والمحدثين وغيرهم من العلماء في أن كلام الله ليس بحرف ولا صوت، طبعا هناك المزيد من هذه النصوص، وكلها عن أئمة الدين وشيوخ الإسلام وسادات الأمة رحمهم الله، فلا نطيل بذكر نصوصهم، وحسبك أن تعلم أن ابن تيمية الذي أقام الدنيا وأقعدها وهو ينتصر لمذهبه في أن كلام الله بحرف وصوت، وأن هذا ما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف!! لم يستطع أن يأتي بسوى بعض الأحاديث والآثار المتكلم فيها أصلا، وقد سبق أن تكلمنا عليها سواء في مقالات[29]أو تسجيلات[30].
وأما دعوى ابن تيمية إجماع السلف على الحرف والصوت حيث قال ” وإجماع سلف الأمة وهو أن القرآن جميعه كلام الله… وأن الله يتكلم بصوت كما جاءت به الأحاديث الصحاح “[31] فعجيب!! كيف؟ وأبو حنيفة نص على أنه تعالى لا يتكلم بحروف فقال كما سبق “‌ونحن ‌نتكلم ‌بالآلات والحروف والله تعالى يتكلم بلا آلة ولا حروف “.
بل نُقل الإجماع على قوله، فقال أبو الحسن ابن القطان الفاسي (ت ٦٢٨ هـ) «أجمعوا على أن كلام الله عز وجل ‌ليس ‌بحروف ‌ولا ‌أصوات، وأنه يقرأ بالحروف، ويسمع بالعبارات على أنه شيء قرئ بهذه العبارة المخصوصة على لغة مخصوصة، وقع الفهم به للسامع، فقيل له: عربي، ومنزل على لغة العرب»[32]
ولعله قد أدرك ابنُ تيمية نفسه أن دعواه الإجماع دعوى عريضة، ولذا تواضع فجعل ذلك قول الجمهور فقط، فقال: وجمهور المسلمين يقولون : إن القرآن العربي كلام الله وقد تكلم الله به بحرف وصوت[33].اهـ ثم تواضع أكثر فقال في موضع آخر :«قد ثبت عن غير واحد من السلف والأئمة: ‌أن ‌الله ‌يتكلم ‌بصوت، وجاء ذلك في آثار مشهورة عن السلف والأئمة وكان السلف والأئمة يذكرون الآثار التي فيها ذكر تكلم الله بالصوت ولا ينكرها»[34]ثم ذكر أن هذا مذهب البخاري وأحمد!!!
أي أن ابن تيمية لم يستطع بعد كل دعاوى الإجماع هذه أن يأتي بسوى نصين في ذلك عن أحمد والبخاري من السلف!!! وسنأتي على الكلام عليهما إن شاء الله، حتى ابن خزيمة وعثمان الدارمي اللذين يعول عليهما دائما ابن تيمية لم يسعفاه هنا!! إذ لم ينصا على أن الله يتكلم بحرف وصوت وهذا ما لفت نظر بعض الوهابية كما سنرى.
وليس هذا فحسب بل إن ابن تيمية أقر في نهاية المطاف أن هذه المسألة محدثة لم يتكلم فيها السلف نفيا إثباتا إلا بعد القرن الثالث ، فإن قد ((وقد سئل شيخ الإسلام عن القرآن: هل هو حرف وصوت؟ فأجاب بأن إطلاق هذا الجواب- نفيا وإثباتا – ‌من ‌البدع ‌المولدة، ‌الحادثة بعد المئة الثالثة))[35]، وذلك أنه ” لما قال قوم من متكلمة الصفاتية: إن كلام الله ..مجرد معنى واحد هو صفة واحدة قامت بالله .. عارضهم آخرون من المثبتة فقالوا: بل القرآن هو الحروف والأصوات”[36]، وهكذا نرى ” أن الكلام في هذه القضية إنما ‌حدث ‌في ‌حدود ‌المئة ‌الثالثة، وانتشر في المئة الرابعة، بمعنى أن الكلام فيها حدث بعد أن لم يكن موجوداً في عهد الصحابة والتابعين، بسبب ما وقع من جدال مرير بين السلف والمعتزلة في مسألة القول بخلق القرآن “[37]
قال وليد وفقه الله وإياكم: فأي إجماع هذا الذي أجمع عليه السلف على الحرف والصوت طالما أن ابن تيمية نفسه يعترف أن هذه المسألة نفيا وإثباتا محدثة مولدة في القرن الثالث والرابع الهجري؟!!! وتبعه على ذلك الغامدي في «البيهقي وموقفه من الإلهيات»، وعبد الرحمن محمود في «موقف ابن تيمية من الأشاعرة»، وقد سبقت نصوصهما ، فضلا عن أحمد العوايشة في رسالته للدكتوراه “الإمام ابن جرير الطبري ودفاعه عن عقيدة السلف” ص391 الذي صرح بأن هذه المسألة ما تكلم فيها الصحابة والتابعون، كما هو موثق في الصور أدناه.
وهذا د. المحمود يذكر لنا سبب عدم خوض السلف في هذه المسألة نفيا وإثباتا فيقول: «وهذا من دقة السلف رحمهم الله في مسائل العقيدة، وخاصة ما يتعلق منها بالله وصفاته. حيث إنهم لا يبتدعون كلاما جديدا، بل يصفون الله بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله – صلى الله عليه وسلم -، ولما لم يرد إطلاق أن القرآن بحرف وصوت لم يطلقوه عليه كما يفعله البعض، وإنما يقولون: القرآن كله حروفه ومعانيه كلام الله، كما يقولون إن الله نادى موسى، والنداء لا يكون إلا بصوت»[38].
قلت: قوله ” والنداء لا يكون إلا بصوت ” هذا من كيس المحمود، وإلا فالسلف لم يقولوا هذا، ومن زعم فعليه أن يأتينا بروايات صحيحة صريحة عن الصحابة والتابعين في ذلك، نعم النداء لا يكون بصوت، هذا إذا كان من البشر والخلق لا من الخالق، تماما كما تقولون “إن نزوله تعالى ليس كنزول المخلوق، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا دون أن يخلو منه العرشويصير العرش فوقه، وهذا مستحيل بالنسبة لنزول المخلوق الذي يستلزم تفريغ مكان وشغل آخر”[39].اهـ وكذا نقول بالنسبة لكلام الله وندائه فليس بحرف ولا صوت منه تعالىوإن كان الكلام والنداء من البشر قد لا يكون إلا بحرف ولا صوت، وسيأتي بسطه.
والآن نختم بهذه الضربة القاضية حيث إن ابن تيمية نفسه يذهب في بعض المواضع أبعد مما سبق فيجعل القول بالحرف والصوت بدعة!!! حيث يذكر أن بعض القضاة سأله عن قوله في الحرف والصوت هل فعلا يثبته؟ فينكر ذلك ابن تيمية ويذكر أن الخوض في هذا كله نفيا وإثباتا بدعة لم يقل السلف لا هذا ولا هذا!!
وفي ذلك يقول ابن تيمية رحمه الله: وأما قول القائل: لا يقول إن كلام الله حرف وصوت قائم به، بل هو معنى قائم بذاته [فليس في كلامي هذا -أيضًا- ولا قلته قط، بل قول القائل: إن القرآن حرف وصوت قائم به بدعة، وقوله: إنه معنى قائم بذاته] بدعة لم يقل أحد من السلف لا هذا ولا هذا، وأنا ليس في كلامي شيء من البدع، بل في كلامي ما أجمع عليه السلف أن القرآن كلام الله غير مخلوق[40].اهـ وقال في الجهة مثل ذلك أي أن الخوض فيها نفيا وإثباتا بدعة.
فماذا بقي لكم أيها الوهابية بعد نص ابن تيمية هذا نفسه بأن القول بالحرف والصوت بدعة نفيا وإثباتا!!!

نعود الآن إلى نص البخاري وأحمد في الصوت، أضف إلى ذلك السجزي الذي يتمسكون برسالته إلى أهل زبيد في إثبات الحرف والصوت، وإلى مذهب الحنابلة بشكل عام لأنهم يثبتون الحرف والصوت أيضا لنبين أنه لا حجة لابن تيمية في كل ذلك ، وأن تمسك ابن تيمية والوهابية بهؤلاء إنما هو تمسك الغريق بقشة !!! لأن الوهابية مخالفون لهؤلاء كلهم في مسائل كثيرة في العقيدة بما فيها صفة الكلام كما سنرى، وإنما ينتقون منهم ما يعجبهم وما يتوهمون أنه يوافق هواهم، حتى ابن خزيمة والدارمي تركهم الوهابيةُ هنا لأنهما لم ينصا على الحرف والصوت… وإليك الآن التفصيل والبيان … انتظره

================

[1] انظر السابق:
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/5036087796505202/
[2] والوهابية يحتجون به ولكن ينتقون منه ما يعجبهم!! فمثلا يحتجون بقول أبي حنيفة في الفقه الأكبر”ولا يقال: إن يده قدرته” ، وانظر بسط هذه الانتقائية:
صفة الكلام/ مسألة: هل كلام الله أزلي؟/ (سلسلة ابن تيمية حَكَما على الأمة ودِينها، بسلفها وخلفها، الإمام أبو حنيفة نموذجا)/ الاتباع الانتقائي للوهابية لأبي حنيفة.
https://drwaleedbinalsalah.com/صفة-الكلام-مسألة-هل-كلام-الله-أزلي؟-سل/
[3] «الفقه الأكبر» لأبي حنيفة (ص26)
[4] «التسعينية» (1/ 349):
[5] «موقف ابن تيمية من الأشاعرة» (1/ 396) نقلا عن مختصر الصواعق (2/ 291)
[6] «شعب الإيمان» (1/ 337 ط الرشد) نقلا عن ابن فورك
[7] «الأسماء والصفات – البيهقي» (2/ 28)، ونقله الحافظ في «فتح الباري لابن حجر» (13/ 458) وتعقبه، «شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري» (10/ 429)
[8] «البيهقي وموقفه من الإلهيات» (ص247)
[9] الأسماء والصفات ص: 190.
[10] شرح عقيدة أهل التوحيد الكبرى للسنوسي ص: 275 ‌‌
[11] «التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين» (ص167):
[12] «لمع الأدلة في قواعد عقائد أهل السنة والجماعة» (ص105):
[13] «قواعد العقائد» (ص59)، «تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري» (ص302)، «طبقات الشافعية الكبرى للسبكي» (6/ 235)
[14] «التوضيح لشرح الجامع الصحيح» (2/ 224):
[15] «عمدة القاري شرح صحيح البخاري» (1/ 45)
[16] «كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري» (1/ 197):
[17] «المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» (6/ 171):
[18] «تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (8/ 77):
[19] «الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام» (ص108)، و109، 129، 150
[20] «نفائس الأصول في شرح المحصول» (7/ 2858)
[21] «طبقات الشافعية الكبرى للسبكي» (8/ 219)، «نهاية الأرب في فنون الأدب» (30/ 68)
[22] «تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه» (3/ 270)
[23] «تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان» (4/ 520)
[24] «غاية المرام في علم الكلام» (ص88):
[25] «التوضيح لشرح الجامع الصحيح» (3/ 402)، وقال أيضا (33/ 470): «وقال ابن التين: اختلف المتكلمون في سماع كلام الله تعالى، فقال الشيخ أبو الحسن: كلام الله القائم بذاته الذي ليس ‌بحرف ‌ولا ‌صوت يسمع عند تلاوة كل تال، وقراءة كل قارئ. والقاضي يقول: لا يسمع وإنما تسمع التلاوة دون المتلو والقراءة دون المقروء»
[26] «عمدة القاري شرح صحيح البخاري» (2/ 74)
[27] «مصابيح الجامع» (10/ 237)
[28] «فتح الباري لابن حجر» (1/ 174) وسيأتي مزيدا مع نصوصه في ذلك ومنها قوله في «فتح الباري» (13/ 458):
«وإذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة وجب الإيمان به ثم إما التفويض وإما التأويل»
[29] انظر:
https://drwaleedbinalsalah.com/1-محاسن-الكلام-في-صفة-الكلام-علل-أحادي/
[30] انظر سلسلتنا على اليوتيوب: ” علل أحاديث الصوت المنسوب لله سبحانه”
https://www.youtube.com/playlist?list=PLUamjyDJOb5LmZbEKjVh7CuclwrGeueFK
[31] «مجموع الفتاوى» (12/ 242)، «موقف ابن تيمية من الأشاعرة» (3/ 1295)
[32] «الإقناع في مسائل الإجماع ت الصعيدي» (1/ 41)، وقد احتج به الوهابية، فقال أحدهم: قال ابن القطان المالكي:-وأجمعوا أنه تعالى فوق سمواته/ الإقناع في مسائل الإجماع. انظر:
https://www.facebook.com/322740865210143/posts/772901190194106/
[33] مجموع الفتاوى (5/ 556)
[34] «مجموع الفتاوى» (6/ 527)
[35] «موقف ابن تيمية من الأشاعرة» (3/ 1295)
[36] «مجموع الفتاوى» (12/ 242)
[37] «البيهقي وموقفه من الإلهيات» للغامدي (ص248):
[38] «موقف ابن تيمية من الأشاعرة» (3/ 1296):
[39] «مختصر العلو للعلي العظيم» (ص192)
[40] التسعينية (1/ 116)

السابق
(1) “محاسن الكلام في صفة الكلام”/ علل أحاديث الصوت
التالي
حكم الاستغفار للمشركين والترحم عليهم من الموسوعة الفقهية الكويتية