هل يتكلم الله بحرف وصوت

جواب الإمام الباقلاني على شبهات الحشوية في إثباتهم الصوت لله(منقول)

جواب الإمام الباقلاني على شبهات الحشوية في إثباتهم الصوت لله

🛑قال الإمام الباقلاني في كتابه الإنصاف:

• فإن احتجوا في إثبات الصوت لكلام الله تعالى، وأنه متكلم بأصوات، بما روى في الحديث: إذا كان يوم القيامة نادى الله تعالى بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب الخبر.. قالوا: فقد أضاف الرسول عليه السلام الصوت إلى الله تعالى، فصح ما قلناه. الجواب من أوجه:

• #أحدها: أنّك تقول أولاً لا حجة لكم فيه، لأنه صلى الله عليه وسلم ما قال تكلم الله بصوت، ولا قال بصوت، ولا قال كلام الله أصوات، كما تزعمون بجهلكم؛ وإنما قال نادى الله بصوت، وليس الخلاف إلا أن كلامه أصوات، فلا حجة لكم فيه.

•#جواب_آخر: وهو أن هذا الحديث قد روى فيه ما يدل على أن الصوت من غير الله بأمره، لأنه روى إذ كان يوم القيامة جمع الله الخلائق في صعيد واحد، ينفذهم البصر، ويسمعهم الداعي، يأمر منادياً فينادي، فصح أن النداء من غيره، لكن لما كان بأمره أضيف النداء إليه، كما يقال: نادى الخليفة في بغداد بكذا وكذا. ويقال: أمر الخليفة منادياً فنادى بأمره في بغداد بكذا وكذا، ولا فرق بين الموضعين، فإن كل عاقل يعلم أن الخليفة لم يباشر النداء بنفسه، لكن لما كان بأمره جاز أن يضيفه إلى نفسه، وأن يضاف إليه، وإن لم يكن هو المنادي بنفسه، ويصحح جميع ذلك القرآن، قال الله: ” واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج ” فأضاف النداء إلى المنادى، فصح أن الصوت صفة المنادي لا صفة الآمر بالنداء؛ ومن عجيب الأمر أن الجهال لا يجوزون أن يكون النداء صفة المخلوق إذا كان رفيع القدر في الدنيا، كالخليفة والأمير، وينفون عنه ذلك، ثم يجوزونه في حق رب العالمين.

•#جواب_ثالث: وذلك أنا وكل محقق يقول: إن هذا الصوت ليس بموجود اليوم، وإنما يكون يوم القيامة، وكلام الله قديم بقدمه، موجود بوجوده، فصح أن هذا شيء لم يكن بعد، وإنما يكون يوم القيامة، ومن زعم أن صفة الله تعالى ليست بموجودة اليوم، وإنما توجد يوم القيامة فقد جعل كلام الله تعالى مخلوقاً لا محالة، فصح بهذه الجملة أن الصوت ليس بصفة لكلام الله تعالى، وإنما هو صفة للمنادي الذي يأمره الله تعالى بالنداء في ذلك اليوم.

•#جواب_آخر: وهو أن كل ما أضيف إلى الله تعالى لا يجب أن يكون صفة له، فمن زعم هذا فقد كفر وأشرك لا محالة، لأن الخبر قد جاء بقول الله تعالى: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، جعت فلم تطعمني، عطشت فلم تسقني، عريت فلم تكسني فأضاف هذه الأشياء إليه في الخبر، ومن زعم أنه يجوع ويعطش، ويمرض ويعرى، فقد كفر وأشرك لا محالة. وكذلك قال تعالى: ” يوم ننفخ في الصور ” على قراء من قرأ بالنون المفتوحة والنافخ إسرافيل. وقال تعالى: ” إن الذين يؤذون اللّه ” فأضاف الأذية إليه، ومن زعم أن الأذية من صفته فقد كفر لا محالة، فلم يبق إلا أن النداء والصوت حصل من الصايت المأمور، لا من الآمر، لكن لما كان بأمره جاز أن يضاف إليه، كما قال تعالى: ” ولقد جئناهم بكتاب ” وإنما جاء به محمد عليه السلام بأمره. وقال تعالى: ” فطمسنا أعينهم ” والطامس جبريل، وميكائيل، طمسا أعين قوم لوط، لكن لما كان بأمره أضافه إلى نفسه. وكذلك يقال: رجم وجلد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الراجم والجالد غيره، لكن لما كان بأمره حسن أن يضاف إليه. فافهم الحق لتبطل به الباطل.
• فإن احتجوا بما روى: أن الله تعالى إذا تكلم الله بالوحي، وروى بالأمر من الوحي جاء له صوت كجر السلسلة على الصفا.
• #فالجواب عن هذا من وجوه عدة: •#أحدها: أن هذا هو الحجة عليكم، لأن هذا الصوت خلاف ذلك الصوت الذي في الخبر الأول، لأن ذلك قال فيه يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب وهذا الصوت إنما يسمعه بعض الملائكة، فصح أن هذا الصوت خلاف ذلك الصوت، ولو كان الصوت صفة قديمة لما اختلف ولا تغير؛ لأن القديم لا يجوز عليه الاختلاف. ولا التغير، فلما اختلف وتغير دل أن ذلك صفة الخلق لا صفة الحق. فافهم.

•#جواب_آخر: وذلك أنه قال: إذا تكلم الله بالوحي، جاء له صوت، ولم يقل إذا تكلم الله بصوت، فالوحي غير الوحي، لأن الموحي كلام الله تعالى، والوحي إنزال كلام الله، وإعلام كلام الله، والذي يدل على صحة ذلك القرآن. وذلك أن الله تعالى فصل بينهما فقال: ” وكذلك أوحينا إليك قرآناً ” فالوحي إنزال القرآن، وإعلام القرآن، وإفهام القرآن الذي هو كلام الله تعالى، وقال تعالى: ” إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ” أي أنزلنا إليك وأفهمناك كلامنا القديم، كما أنزلنا وأفهمنا من قبلك كلامنا القديم، فالإفهام لم يكن ثم كان. وأما المفهوم الذي هو كلام الله القديم فهو موجود ثابت قبل الإفهام وبعده على صفة واحدة، لا يختلف ولا يتغير.

•#جواب_آخر: وهو أن هذا الحديث قد روي من طرق عدة، وأضيف إليه الصوت المشبه بجر السلسلة إلى الخلق، لا إلى كلام الحق، فمن ذلك ما روى النواس بن سمعان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا تكلم الله بالوحي أخذت السموات منه رجفة شديدة من خوف الله تعالى، فإذا سمع بذلك أهل السموات صعقوا وخروا سجدا، وأول من يرفع رأسه جبريل عليه السلام؛ فتكلم الله من وحيه بما أراد، فينتهي به جبريل عليه السلام على الملائكة، كلما مر بسماء سأل أهلها ماذا قال ربنا ؟ فيقول جبريل الحق، وهو العلي الكبير فثبت أن الصوت المشبه بالسلسلة صوت رجفة السموات، لأنهم سمعوا صوت رجفة السموات لا كلام الله تعالى، ولهذا سألوا جبريل عليه السلام ماذا قال ربنا، فدل على أنهم لم يسمعوا كلامه، وإنما سمعوا صوت رجفة السموات، التي شبهت بجر السلسلة، لأنهم لو سمعوا كما سمع جبريل لفهموا كما فهم جبريل. وروى أبو هريرة رضي الله عنه. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله، كأنه سلسلة على صفوان فأضاف الرسول عليه السلام هذا الصوت المشبه إلى صوت أجنحة الملائكة، لا إلى كلام الله تعالى وحديث أبي هريرة هذا صحيح. أخرجه البخاري، وحديث النواس أخرجه مسلم في كتابه، وروى أبو الضحى مسروق، عن عبد الله أنه قال: إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات صلصلة كصلصلة السلسلة على الصفوان وفي رواية: سمع أهل السماء للسماء صلصلة وليس في شيء من هذه الروايات إذا تكلم الله سمعوا من الله صلصلة، وإنما سمعوا من السماء إذا أحدث الله فيها رجفة، وجعل ذلك علامة لأهل السموات. يعلمون بها أن الله تعالى تكلم بالأمر، وأن المخصوص بسماع كلامه جبريل عليه السلام، ولهذا سألوه ماذا قال ربنا يا جبريل ؟ فيقول: قال الحق. فيقولون: قال الحق. فيصفون الله تعالى بقول الحق، لا بالصلصلة والصوت، فصار هذا الحديث حجة عليهم لا لهم.

•#جواب_آخر: وهو أنه قد روي من الأخبار والآثار ما لا يحصى عدداً، أن الصوت مخلوق، وأنه صفة القارئ لا صفة الباري، فمن ذلك ما روى ابن جريج عن الزهري أنه قرأ بين يديه ” يزيد في الخلق ما يشاء ” فقال هو الصوت الحسن. فقال الأوزاعي رحمه الله أنه قال: ليس أحد من خلق الله أحسن صوتاً من إسرافيل، قيل فإذا أخذ في السماع قطع على أهل سبع سموات تسبيحهم وصلاتهم.
وقال أبو العالية: قال موسى صلى الله عليه وسلم لقومه: قدسوا بأصوات حسنة، فإنه أسمع له، فأضاف الصوت إلى المقدسين لا إلى المقدس. وقال مالك بن دينار في قوله تعالى: ” وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ” قال: يقيم الله داود عليه السلام عند ساق العرش، فيقول يا داود مجدني بذلك الصوت الحسن الرخيم، فيقول كيف أمجدك به وقد سلبتنيه في دار الدنيا ؟ قال: فيقول جل وعز: إني أرده عليك. قال فيرده عليه، فيزداد صوته حسناً، فيأخذ في التمجيد، فيستفرغ داود نعيم الجنان؛ يعني يشتغل أهل الجنة بحسن صوته عن نعيمهم.
فالصوت الحسن المردود المسلوب الرخيم صفة داود عليه السلام التي يمجد بها ويقدس بها، والممجد المقدس هو الله تعالى الخالق لداود ولصوته ولسائر الأصوات.

وروى أن عمر رضي الله عنه كان يقدم الشاب الحسن الصوت لحسن صوته بين يدي المهاجرين والأنصار. وقال أبو عثمان النهدي رضي الله عنه: صلى بنا أبو موسى صلاة الصبح فما سمعت بصوت ولا بربط أحسن صوتاً منه. وتبين من هذه الآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جعل الصوت صفة للقارئ لا لله تعالى، فقد روى عنه في هذا المعنى ما لا يحصى عدداً، فمن ذلك: ما روت عائشة رضي الله عنها قالت: قام رجل من الليل فرفع صوته بالقرآن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد أذكرني كذا. وكذا آية قال أبو ذر كان لي جار وكان يرفع صوته بالقرآن فشكوته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقال له ذو البجادين فقال: دعه فإنه أواه وكان أسيد بن حضير من أحسن الناس صوتاً بالقرآن، فقرأ ليلة وفرسه مربوط عند رأسه، وابنه نائم إلى جنبه، فدار الفرس في رباطه، فقرأ فدار الفرس في رباطه، فانصرف وأخذ ابنه وخشى أن يطأه الفرس، فأصبح فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ أسيد فإن الملائكة لم تزل تسمع صوتك وروى ابن سابط قال: أبطأت عائشة رضي الله عنها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما حبسك يا عائشة ؟ قالت يا رسول الله: سمعت رجلاً يقرأ ما سمعت من رجل يقرأ قراءة أحسن منها، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسمع صوته، فإذا هو سالم مولى أبي حذيفة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي جعل في أمتي مثلك. وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه سمع قراءة أبي موسى ذات ليلة فقال: أبو موسى مزمار من مزامير داود ومعلوم أنه شبه حسن صوته بالقراءة بالمزمار، لا كلام الله القديم الذي لا يشبهه شيء من أصوات الخلق ولا نغماتهم. وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم مر في ليلة هو وعائشة رضي الله عنها، وأبو موسى يقرأ، فقاما فاستمعا لقراءته، ثم إنهما مضيا، فلما أصبح لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لأبي موسى: يا أبا موسى مررت بك الباحرة ومعي عائشة فاستمعنا لقراءتك فقال أبو موسى يا نبي الله، أما إني لو علمت بمكانك لحبرته لك تحبيراً. قال: لقد أعطيت مزماراً من مزامير آل داود. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن وإن كنت لم أر منازلهم حين يدخلون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار وهذا حديث صحيح أخرجه مسلم بن الحجاج في صحيحه، وهو أكبر حجة في نفي الصوت عن كلام الله القديم، لأنه فصل الأصوات من القرآن، فأضاف الأصوات إلى الأشعريين ولم يضفها إلى كلام الله الذي هو القرآن.
وقال شهر بن حوشب: قدم أبو عامر الأشعري على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من قومه، فقال صلى الله عليه وسلم: إنه ليدلني على حسن إيمان الأشعريين حسن أصواتهم بالقرآن وفي هذه الأحاديث التي ذكرنا وأمثالها مما لا يحصى عدداً: أن الأصوات صفة الصايتين لا صفة كلام رب العالمين، وفي بعض ذلك مقنع وكفاية لمن أراد الله له الهداية.

https://m.facebook.com/groups/1340408109701622/permalink/1537287053347059/?mibextid=Nif5oz

السابق
هل صحيح أن الأشاعرة لا يثبتون سوى سبع صفات للباري عز وجل؟
التالي
[1] الدليل الثاني للسلفية على المنع من الاستغاثة: حديث “الدعاء هو العبادة”