من صفات شيخ الأزهر
الإمام محمد عبدالله الخرشي
أبو عبدالله محمد بن جمال الدين عبدالله بن علي الخَرَشِي البُحَيرِي المالكي
(1010هـ/ ت1101هـ)
أول شيخ للأزهر الشريف، ولي مشيخته 1090هـ -وكان عمره آنذاك ثمانين عاما- حتى وفاته رحمه الله تعالى.
« .. كان رحمه لله متواضعا، عفيفا، لا يكاد جليسه يملّ من مجالسته، انتهت إليه الرئاسة في العلم، ووقف الناس عند فتاويه.
وكان متقشفا في مأكله وملبسه ومفرشه.
وكان لا يصلي الصبح صيفا وشتاء إلا بالجامع الأزهر.
وكان خُلقه واسعا؛ إذا تجادل عنده الطلبة يشتغل هو بالذكر حتى يفرغ جدالهم.
وكان يقضي بعضَ مصالحه بيده من السوق ويحملها، ويتعاطى مصالحَ بيته في منزله أيضا.
وكان كثير الأدب والحياء، كريم النفس، جميل المعاشرة، حلو الكلام.
وكان كثيرَ الشفاعات عند الأمراء وغيرهم، وكانوا يهابونه ويجلّونه، ويقبلون شفاعته.
وكان مهيب المنظر، عليه خَفَرُ العلماء العاملين والأولياء والصالحين.
وكان دائمَ الطهارة، كثير الصمت، زاهدا، ورِعاً، كثير الصيام، طويل القيام.
وكان له تهجُّدٌ عظيمٌ في الليل. وكان نهاره كلّه في طاعة؛ إمّا في علم أو قراءة قرآن أو وِردٍ.
يقول مَن عاشَرَه: ما ضَبَطْنا عليه قطُّ ساعةً هو فيها غافلٌ عن مصالح دنياه أو آخرته!
وكان يَتعمَّمُ بشملة بيضاءَ صوفٍ إذا دخل منزله. وله سُبحةٌ ألفُ حبة. وكانت ثيابه قصيرةً على السنة المحمدية.
وكان كثير الذكر الله تعالى، لا يكاد يغفُل عن قول (لا إله إلا الله) في حال دَرسِه، وفي حال عمله.
وكان النور يخفُقُ على وجهه يُدرِكُه كلُّ المؤمنين.
وكان إذا رَكب حمارته ومرّ في السوق يَقتتلُ الناسُ عليه لأجل التبرُّك به وتقبيل يده، ومَن لا يصل إلى يده يتمسحُ بدابّته أو بظَهر الشيخ ويمسح بها وجهه.
وكان قد اشتهر في أقطار الأرض كالغرب وبلاد التكرور والشام والحجاز والروم واليمن، وصاروا يضربون به المثل، وأذعنَ له علماء مصر الخاص منهم والعام.
وكان دائم الطهارة، لا يُحدِثُ إلا ويتوضأ.
وكان لا يُسمَعُ منه قطّ مذاكرةُ أحدٍ بســوء.
قال أصحابه: وكان لا يذكُرُ أحداً بغِيبة، ولا يحسُدُ أحداً من أقرانه على ما آتاه الله من علم أو جاهٍ أو إقبال من الناس، بل يقول: «لولا أنه يستحق ما أعطاه الله تعالى».
وكان إذا حضر إليه جماعةٌ ممن يحسُدونه يُجِلُّهم ويكرِمُهم في غَيبَتِهم وحضورهم، ولا يؤاخذ أحداً منهم على ما وقع منه في حقه؛ بل هو كثيرُ احتمالِ الأذى بطِيبة نفس.
وما كان قطّ يُزاحِمُ على شيء من الدنيا، ولا يَتردَّد إلى أحد من الولاة إلا لضرورة شرعية من شفاعةٍ لمظلوم ونحو ذلك.
وكان يُعِيرُ مِن كُتبه، ومِن خِزانتهِ الكتبَ الغريبة العزيزةَ للطالب بحيث لا يفتّش بعد ذلك عنها كائناً ما كان من جميع الفنون، فضاع له بذلك جملةٌ من الكتب.
وكان يعطي من الكتاب بالكبشة من غير عددِ أوراق.
وكان يأتيه الطالب ببراءةٍ فيها اسمُ كتابٍ يطلبه، فيُخرِجُه من الخزانة فيعطي له من غير معرفةِ اسمه واسم أبيه أو بلده، فيقيِّدُ بعدما يتوجَّه مِن عنده: أخذ من الكتاب الفلاني الرجلُ الطويل أو القصير، أو لحيته كبيرة أو صغيرة أو أبيض أو أسود أو نحو ذلك. وكان منه في ذلك العَجَب العُجاب إيثاراً لوجه الله تعالى.
وكان لا يأنف في دَرسِه وخارِجه مِن مُبتدِئٍ ولا بَليدٍ أفنى فيه عمرَه! مع تثبُّتِه لحوائج العامة والأرملة.
وكان إذا أتى إليه طفلٌ يشكو إليه توجَّهَ معه إلى مطلوبه فيقضي حاجتَه.
لازَمَ القراءةَ سيما بعد شيخه البرهانَ اللقاني وأبي الضياء علي الأجهوري، كان يقرأ من صلاة الإمام الحنفي في مجلسه بمدرسة الابتغاوية إلى الضحى الكبيرة قراءةَ تحقيق وتدقيق، ثم يقوم يصلي الضحى ويتوجه إلى بيته، وربما مشى بعدُ لشفاعةٍ في أمر الناس أو يصلح بين الناس، ثم يرجع إلى المسجد يصلي الظهر بمجلسه بالابتغاوية، ثم يأتي إلى الدرس بجوار المنبر بالمقصورة، فيقرأ درسَه من مختصر خليل، ثم يتوجه إلى مجلسه المذكور أو إلى بيته.
وكان يُقسِّمُ متنَ خليلٍ نصفين، نصفٌ يقرؤه في مجلسه بالابتغاوية، ونصف يقرؤه بعد الظهر عند المنبر.
وكان يمازحُ الطلبةَ في درسه ويقول لهم: أنتم جهلاء، ولا يعقلها إلا العالمون! ويقول لهم: إنما أقول لكم ذلك لأجل أن تبذلُوا هِممَكم لطلب العلم ومطالعته».
انظر: «حاشية العدوي على شرح مختصر خليل للخرشي» [1/ 2]
وكان يأتيه الرجل فيطلب منه التوجّهَ للحكام من غير أن يسأله عن حاجته، ويأتي الحاكمَ فيسأله الحاكمُ عن حاجته، فيشير إلى مَن جاء به فتُقضى الحاجة.
انظر: «فهرسة علي بن خليفة المساكني» (ص44)