كتب د. حاتم العوني الشريف
عمارة يوم عرفه وعصره بالدعاء لغير الحاج ليس من البدع ، ما دام لم يُزعم أنه من سُنن النبي ﷺ ، بل هو من عموم العمل الصالح الذي تزداد فضيلته بموافقته للأيام الفاضلة ومواسم الخير كيوم عرفة .
وفضل يوم عرفة يخص الحاج ، ويعمّ غير الحاج ، ولذك شُرع تخصيصه بالصيام ، وهو أحد العشر المباركة ، بل هو والعاشر أفضلها .
وقد ثبت عن (ابن عباس وعمرو بن حريث رضي الله عنهما) أنهما عرّفا بغير عرفة ، والتعريف هو اجتماع الناس على الوعظ والتذكير والدعاء يوم عرفة في المساجد ، وسُئل الإمام أحمد عنه فقال : «لا بأس له»، فقيل له : إذن يكثر الناس ؟! فقال : «وإن كثروا ، هو دعاء وخير».
وقد بينت كلام المذاهب الأربعة في التعريف في مقال منشور ، سأضع رابطه تحت هذا المنشور .
وقد رددتُ في ذلك المقال على الشيخ ابن عثيمين (رحمه الله) بالدليل ، وبتقعيد باب البدعة وبيان الفرق بينها وبين المصالح المرسلة ، وبينت مخالفة تبديعه لفعل الصحابيين الجليلين ابن عباس وعمرو بن حريث (رضي الله عنه) وهما (ولا شك) أولى بالسنة والحذر من البدعة من ابن عثيمين ومن ألف ممن سواه ، وبينت مخالفته أيضا لإمام السنة الإمام أحمد بن حنبل في صريح نصه ومعتمد مذهبه ، وهو أعرف بالسنة والأثر من ملء الأرض من المعاصرين .
وهذا كله في التعريف ، وأن الراجح هو جوازه .
فكيف بمجرد الدعاء في يوم عرفة للرجل بينه وبين نفسه ، أو مع أهل بيته في بيته ؟! بغرض استثمار فضيلة اليوم وتوجه القلب فيه باللجوء لله تعالى فيه ، فهذا أبعد ما يكون عن الابتداع من التعريف .
أقول هذا ؛ لأن بعض الناس منفّرون عن الخير ، صادّون عن الدعاء ، بحجة التبديع الباطلة . لقد نغّصوا على الناس توجههم لله بالدعاء في ذلك اليوم ، ونفوس المسلمين من غير الحاج حينئذ بالله متعلقة ، حتى كأن قلوبهم تقف مع الحجاج في عرفات ، وإن كانت أجسادهم في بلدانهم ، يستشعرون عظمة موقف أهل الموقف ، والدموع منهم مسفوحة ، والنفوس تتطاير تستنجد الرحمات وتستعطف الجود الرباني أن يشملهم بما شمل به أهل الموقف .. ثم تأتي هذه الفتاوى لتقف جدارا يصدهم عن باب الخير هذا ، ويريد أن يمنعهم من استمطار الرحمات ، بتبديع ما ليس ببدعة .
اللهم ارحم المسلمين من كل صاد لهم عن رحمتك ، وارحم قلوبهم من كل فتوى يظن صاحبها بها إقامة السنة ، وهي فتوى تقيم سور الصد عن بابك !
https://www.dr-alawni.com/files/books/pdf/1565355413.pdf