سلسلة الاستدلال بالضعيف

سلسلة الاستدلال بالضعيف والموضوعات والاسرائيليات وما لا أصل له على مسائل العقيدة عند ابن تيمية وأتباعه … أثر مجاهد في إجلاس النبي صلى الله عليه وسلم على العرش مع ربه!!!

سلسلة الاستدلال بالضعيف والموضوعات والاسرائيليات وما لا أصل له على مسائل العقيدة عند ابن تيمية وأتباعه … أثر مجاهد في إجلاس النبي صلى الله عليه وسلم على العرش مع ربه!!!
جاءني السؤال التالي: ((وأما رأي شيخ الإسلام نفسه، فيؤخذ من قوله: ” وإنما الثابت أنه عن مجاهد وغيره من السلف، وكان السلف والأئمة يروونه ولا ينكرونه، ويتلقونه بالقبول. وقد يقال: إن مثل هذا لا يقال إلا توفيقاً، لكن لا بد من الفرق بين ما ثبت من ألفاظ الرسول، وما ثبت من كلام غيره، سواء كان من المقبول أو المردود” انتهى من “درء التعارض” (5/ 237). قال ابن جرير: وهذا ليس مناقضا لما استفاضت به الأحاديث من أن المقام المحمود هو الشفاعة باتفاق الأئمة من جميع من ينتحل الإسلام ويدعيه لا يقول إن إجلاسه على العرش منكر – وإنما أنكره بعض الجهمية- ولا ذكرُه في تفسير الآية منكر” . وينظر كلام ابن جرير رحمه الله في تفسيره (17/ 531). كما ينظر: كتاب “السنة” للخلال، وكتاب “العرش”، للذهبي (2/ 273 – 282)، ففيهما النقل عن جماعة من أئمة السلف ، ممن قبل هذا الأثر، منهم أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو عبيد القاسم بن سلاَّم، وغيرهم.
هذا ما نقل الي صديقي الوهابي ، مس صحة هذا الخبر ؟
هل مجاهد رحمه قد نقل هذه الرواية حقا ، ؟؟؟
يأتي بها ابن تيمية مقرا فى فتاويه ويناقضها
فى كتابه درء التعارض ،
اوضحني هذه القضية من فضلكم افيدونا افادكم الله))
الجواب وبالله التوفيق:
أما قوله ” وأما رأي شيخ الإسلام نفسه، فيؤخذ من قوله: وإنما الثابت أنه عن مجاهد ….” فغير مسلّم بل الأثر المشار إليه عن مجاهد ضعيف ومخالف لما صح في البخاري وغيره من أن المقام المحمود هو الشفاعة، وإليك تقرير كليهما:
قال الذهبي في العلو ردا على من قال بوجوب الأخذ بأثر مجاهد: ” فأبصر -حفظك الله من الهوى- كيف آل الفكر بهذا المحدث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر …اهـ وقال أيضا “ولكن ثبت في “الصحاح”[1] أن المقام المحمود هو الشفاعة العامة الخاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم”.
وقد نقل ذلك الألباني عن الذهبي ثم قال معقبافي مختصر العلو ص16: قلت: وهذا هو الحق في تفسير المقام المحمود دون شك ولا ريب للأحاديث التي أشار إليها المصنف رحمه الله تعالى, وهو الذي صححه الإمام ابن جرير في “تفسيره” “15/ 99” ثم القرطبي “10/ 309” وهو الذي لم يذكر الحافظ ابن كثير غيره, وساق الأحاديث المشار إليها. بل هو الثابت عند مجاهد نفسه من طريقين عنه عند ابن جرير[2]. وذاك الأثر عنه ليس له طريق معتبر, فقد ذكر المؤلف “ص125” أنه روي عن ليث بن أبي سليم وعطاء بن السائب وأبي يحيى القتات وجابر بن يزيد “. قلت: والأولان مختلطان والآخران ضعيفان بل الأخير متروك متهم.اهـ
وقال الألباني أيضا في «سلسلة الأحاديث الضعيفة» (13/ 1043): {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} ؛ قال: يجلسني معه على السرير) . باطل. أخرجه الديلمي في “مسند الفردوس” …. إلى أن يقول: هذا الحديث الباطل المخالف لأحاديث جمع من الصحابة بعضها في “البخاري” (4718) : أن المقام المحمود هي شفاعته صلى الله عليه وسلم الكبرى يوم القيامة.اهـ
ومع ذلك قال بعض الوهابية: وهذا إسناد صحيح إلى ليث بن أبي سليم وهو صدوق في نفسه لكنه سيء الحفظ… لكن روايته عن مجاهد في التفسير – على وجه الخصوص – مقبولة لأنها صحيفة منقولة فأمنا بذلك من سوء حفظه. قال ابن حبان في الثقات: لم يسمع التفسير من مجاهد أحد غير القاسم بن أبى بزة وأخذ الحكم وليث بن أبى سليم وابن أبى نجيح وابن جريج وابن عيينة من كتابه ولم يسمعوا من مجاهد. قلت: فالأثر صحيح إلى مجاهد ولا مرية، ومما يزيده ثبوتا عنه ما جاء في السنة للخلال من متابعة عطاء بن السائب وأبو يحيى القتات لليث، فبهذا يعلم عدم تفرده[3].اهـ
قال وليد: هذا كلام مضحك مردود، وبيان ذلك من وجوه:
أولا: قوله “روايته عن مجاهد في التفسير – على وجه الخصوص – مقبولة لأنها صحيفة منقولة فأمنا بذلك من سوء حفظه” واستدلاله على ذلك بقول ابن حبان، فجوابه أن ليثا هذا طعنوا فيه لعدة أسباب وليس فقط لسوء حفظه، فقالوا بأنه مدلس، وأنه اختلط بآخره ، ومضطرب حتى عن مجاهد!!
أما أنه مدلس، فقد “وصفة بالتدليس الحافظ الهيثمي في (مجمع الزوائد) (3 / 27 و (5 / 189) وقال: ثقة ولكنه مدلس). وتعقبه الحافظ بن حجر في زوائده على البزار وقال: (ما علمت احدا صرح بانه ثقة ولا وصفه بالتدليس). قلت: قد صرح البويصري في زوائد بن ماجة (ج 2 / ص 738) بان ليثا ضعيف ومدلس”[4].اهـ
أما أنه اختلط بأخره، فقد أورده الحلبي في الاغتباط بمن رمي من الرواة بالاختلاط (ص: 295) فقال: ليث بن أبي سُليم الليثي الكوفي. قال ابن حبان في آخر عمره.اهـ وسيأتي نص ابن حبان بتمامه.
وقال الذهبي: وقال مؤمل بن الفضل: سألت عيسى بن يونس عن ليث بن أبي سليم، فقال: قد رأيته وكان قد اختلط، وكنت ربما مررت به ارتفاع النهار، وهو على المنارة يؤذن[5].اهـ
وفي “الفوائد” (ص 470): “ليث كما في التقريب “صدوق اختلط أخيرًا ولم يتميز حديثه فترك” ومثله: إذا جاء بالمنكر الشديد الإنكار اتجه الحكم بوضعه”[6]. اهـ.
وقال الحافظ: صدوق، اختلط جدا ولم يتميز حديثه؛ فترك[7].
وأما اضطرابه وسوء حفظه حتى عن مجاهد: فقد قال الذهبي في الميزان : قال أحمد: مضطرب الحديث، ولكن حدث عنه الناس. وقال يحيى والنسائي: ضعيف. وقال ابن معين أيضا: لا بأس به. … وقال الدارقطني: كان صاحب سنة، إنما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاوس ومجاهد حسب، … وقال عبد الله بن أحمد: حدثنا أبي، قال: ما رأيت يحيى بن سعيد أسوأ رأيا في أحد منه في ليث، ومحمد بن إسحاق، وهمام. لا يستطيع أحد أن يراجعه فيهم. وقال ابن معين: ليث أضعف من عطاء بن السائب.[8].اهـ
وقال الحافظ في التهذيب : و قال ابن سعد : كان رجلا صالحا عابدا ، و كان ضعيفا فى الحديث ، يقال : كان يسأل عطاء و طاووسا و مجاهدا عن الشىء فيختلفون فيه فيروى أنهم اتفقوا ، من غير تعمد . و قال ابن حبان : اختلط فى آخر عمره فكان يقلب الأسانيد و يرفع المراسيل و يأتى عن الثقات بما ليس من حديثهم ، تركه القطان و ابن مهدى و ابن معين، و أحمد . كذا قال . و قال الترمذى فى ” العلل الكبير ” : قال محمد : كان أحمد يقول: ليث لا يفرح بحديثه ، قال محمد : و ليث صدوق يهم . و قال الحاكم أبو أحمد : ليس بالقوى عندهم . و قال الحاكم أبو عبد الله : مجمع على سوء حفظه . و قال الجوزجانى : يضعف حديثه . و قال البزار : كان أحد العباد إلا أنه أصابه اختلاط فاضطرب حديثه ، و إنما تكلم فيه أهل العلم بهذا ، و إلا فلا نعلم أحدا ترك حديثه . و قال يعقوب بن شيبة : هو صدوق ، ضعيف الحديث . و قال ابن شاهين فى ” الثقات ” : قال عثمان بن أبى شبيبة : ليث صدوق ، و لكن ليس بجحة . و قال الساجى : صدوق فيه ضعف ، كان سىء الحفظ كثير الغلط ، كان يحيى القطان بآخره لا يحدث عنه . و قال ابن معين : منكر الحديث ، و كان صاحب سنة ، روى عن الناس ـ إلى أن قال الساجى : و كان أبو داود لا يدخل حديثه فى كتاب ” السنن ” الذى ( صنفه ) . كذا قال ، و حديثه ثابت فى ” السنن ” لكنه قليل، والله أعلم [9]. اهـ .
قال وليد – يسر الله أمره وشرح صدره -: فهذا يفيد ضعف الليث واضطرابه وسوء حفظه مطلقا حتى عن مجاهد بدليل قول البرقاني: سألت الدارقطني عن ليث بن أبي سليم، فقال: صاحب سنة، يخرج حديثه، ثم قال إنما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاووس ومجاهد حسب[10].اهـ وكذا قول ابن سعد: يقال : كان يسأل عطاء و طاووسا و مجاهدا عن الشىء فيختلفون فيه فيروى أنهم اتفقوا ، من غير تعمد .اهـ فهو صريح أنه يخلط حتى عن مجاهد كما ترى.
وأما ما استدل به من قول ابن حبان عن ليث ” لم يسمع التفسير من مجاهد أحد غير القاسم بن أبى بزة وأخذ الحكم وليث بن أبى سليموابن أبى نجيح وابن جريج وابن عيينة من كتابه ولم يسمعوا من مجاهد ” فهو عليه لا له!!! لأن هذا النص يؤكد الانقطاع بين ليث ومجاهد لأنه نص على أنه لم يسمع منه، ويؤكد تهمة التدليس السابقة التي قيلت في ليث هذا، وكونه أخذ التفسير عن مجاهد من كتابه، فهذا غاية ما فيه أنه وجادة وقد نصوا على أن الوجادة منقطعة[11]، وكأن الخصم خلط بين قضية سيئ الحفظ الذي يقرأ من كتاب سمعه من شيخه، وبين سيئ الحفظ يقرأ من كتاب لم يسمعه، فالأول لا يضره سوء حفظه ما دام يقرأ من كتاب سمعه من شيخه، والثاني لا يفيده قراءته من كتاب لم يسمعه، وليث هو من الثاني لا الأول كما ظن الخصم، فتنبه.
ثم العجب أن القوم طعنوا برواية ابن أبي نجيح عن مجاهد في تأويله للساق، حيث قال الهلالي في المنهل الرقراق: هذا إسناد ضعيف فيه …ابن ابي نجيح هو عبد الله كان مدلسا وقد عنعنه ولم يسمع التفسير من مجاهد[12].اهـ فتأمل كيف جعل الهلالي علة الخبر ابن أبي نجيح لأنه لم يسمع من مجاهد، هذا مع أن ابن أبي نجيح أخذ عن التفسير من كتاب مجاهد بدليل قول ابن حبان السابق نفسه ” وأخذ الحكم وليث بن أبى سليم وابن أبى نجيح وابن جريج وابن عيينة من كتابه ولم يسمعوا من مجاهد “، هذا فضلا عن أن ابن أبي نجيح موثق[13]وليس مثل ليث المضعف فإذا لم تقبلوا ما رواه ابن أبي نجيح الموثق عن مجاهد في تأويل الساق بحجة أنه لم يسمع منه فكيف تقبلون من ليث المضعَّف المدلّس المخلِّط ما رواه عن مجاهد؟ هذا هو الهوى الذي اتخذ إلها. نعوذ بالله منه.
وأما قوله ” ومما يزيده ثبوتا عنه ما جاء في السنة للخلال من متابعة عطاء بن السائب وأبو يحيى القتات لليث، فبهذا يعلم عدم تفرده “
فهذا مما يزيده ضعفا فوق ضعف!! لأن هؤلاء المتابِعين له مثله في الضعف أو أشد كما أقر الألباني، وفي علل أحمد: حدثني عثمان بن أبي شيبة قال سألت جريرا عن ليث وعطاء بن السائب ويزيد بن أبي زياد فقال فإن يزيد أحسنهم استقامة في الحديث ثم عطاء بن السائب وكان ليث أكثر تخليطا وسألت أبي عن هذا فقال أقول كما قال جرير[14].اهـ “و قال أيضا : قلت ليحيى بن معين : ليث بن أبى سليم أضعف من يزيد بن أبى زياد ، و عطاء بن السائب ؟ قال : نعم”[15]
وأما قوله ” وكان السلف والأئمة يروونه ولا ينكرونه، ويتلقونه بالقبول …”،
فأولا: من هم السلف الذين تقصدونهم هنا؟ هل هم الصحابة والتابعون؟ فهذا كذب؛ لأن الأثر أصلا عن مجاهد وهو من التابعين ولم يثبت عنه كما سبق، وإنما رواه عنه بعض الضعفاء كما سبق، وسيأتي قول ابن تيمية “وفيها أشياء عن بعض السلف رواها بعض الناس مرفوعة كحديث قعود الرسول صلى الله عليه و سلم على العرش رواه بعض الناس من طرق كثيرة مرفوعة وهي كلها موضوعة وإنما الثابت أنه عن مجاهد ..”
فأقر ابن تيمية ضمنا بأن أحدا من الصحابة لم يقل بذلك ولا رواه، وإنما هو من قول مجاهد وغيره، وإذا كان الأمر كذلك وهو أنه ليس قولا لأحد من الصحابة، فالقاعدة عند ابن تيمية هي ما قاله “سعيد بن جبير: ” ما لم يعرفه البدريون فليس من الدين “[16]. وأن ” قولنا فيها ما قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والسابقون الأولون: من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان؛ وما قاله أئمة الهدى بعد هؤلاء الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم وهذا هو الواجب على جميع الخلق في هذا الباب وغيره”[17].
وعليه فيكون أثر الإقعاد ليس من الدين لأنه لم يقل به أهل بدر ولا السابقون من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، بل يكون بدعة وضلالا لقول ابن قدامة: قال أبو عمر ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من نقل الثقات أو جاء عن الصحابة رضي الله عنهمفهو علم يدان به وما أحدث بعدهم ولم يكن له أصل فيما جاء عنهم فبدعة وضلالةوما جاء في أسماء الله وصفاته عنهم سلم له ولم يناظر فيه كما لم يناظروا فيه[18].اهـ
وأما من روى أثر مجاهد لاحقا من الأئمة فهذا لا يعني أنهم صححوه فضلا عن أنهم قالوا بموجبه، وإنما رووا ما وصلهم بالأسانيد السابقة التالفة، ومن أسند فقد أحالك، وبرئت ذمته.
قال السخاوي: والقائلون بأنه أعلى وأرجح من المسند، وجهوه بأن من أسند، فقد أحالك على إسناده والنظر في أحوال رواته والبحث عنهم، ومن أرسل مع علمه ودينه وإمامته وثقته، فقد قطع لك بصحته[19].
وقال السيوطي: من أسند فقد أحالك، ومن أرسل فقد تكفل لك[20].
وقال الألباني في تحقيقه لكتاب ( اقتضاء العلم العمل ، ص 4 ) : إن القاعدة عند علماء الحديث أن المحدث إذا ساق الحديث بسنده ، فقد برئت عهدته منه، ولا مسؤولية عليه في روايته ، ما دام قد قرن معه الوسيلة التي تُمكِّن العالم من معرفة ما إذا كان الحديث صحيحًا أو غير صحيح ، ألا وهي الإسناد .ا.هـ.
ومن هذا الباب قول الطبري في مقدمة تاريخه: (وليعلم الناظر في كتابنا هذا أن اعتمادي في كل ما أحضرت ذكره فيه، مما اشترطت أني راسمه فيه، إنما هو على ما رويت من الأخبار التي أنا ذاكرها فيه، والآثار التي أنا مسندها إلى رواتها فيه، … فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة، ولا معنى في الحقيقية، فليعلم أنه لم يؤت ذلك من قبَلنا، وإنما أتى من قبل ناقليه إلينا، وأنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدّي إلينا)[21]!
وأما قوله: وقد يقال: إن مثل هذا لا يقال إلا توفيقاً …إلخ قلنا: أولا: أثبتْ العرشَ ثم النقش، أثبت أنه قاله مجاهد ثم بعدها لكل حادث حديث. ثانيا: حتى لو ثبت عن مجاهد وأن له حكم الرفع، فغايته أنه حديث مرسل، والحديث المرسل هو كما قال الحاكم: الذي يرويه المحدث بأسانيد متصلة إلى التابعي فيقول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم[22].
والمرسل من أقسام الضعيف عند جمهور المحدثين. قال الإمام مسلم _ رحمه الله تعالى _ : ((والمرسل في أصل قولنا ، وقول أهل العلم بالأخبار ، ليس حجَّة ))، قال النووي معقبا: هذا الذي قاله هو المعروف من مذاهب المحدثين وهو قول الشافعي وجماعة من الفقهاء وذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد وأكثر الفقهاء إلى جواز الاحتجاج بالمرسل[23].
وقال أبو عمرو ابن الصلاح: ( وما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل، والحكم بضعفه هو المذهب الذي استقر عليه آراء جماهير حفاظ الحديث ونقاد الأثر، وقد تداولوه في تصانيفهم).[24]
وأما قوله: ((قال ابن جرير: وهذا ليس مناقضا لما استفاضت به الأحاديث من أن المقام المحمود هو الشفاعة باتفاق الأئمة من جميع من ينتحل الإسلام ويدعيه لا يقول إن إجلاسه على العرش منكر – وإنما أنكره بعض الجهمية- ولا ذكرُه في تفسير الآية منكر” .
وينظر كلام ابن جرير رحمه الله في تفسيره 17/ 531((
فالجواب أن هذا نقله ابن تيمية كما سيأتي عن الطبري ولكن ليس في تفسيره ولا في غيره، وإنما في تفسيره: “إن ما قاله مجاهد من أن الله يقعد محمداً صلى الله عليه وسلم على عرشه؛ قول غير مرفوض صحته؛ لا من جهة خبر، ولا نظر”اهـ (تفسير الطبري 15/148) فهو يتكلم عن إقعاد النبي على العرش وليس أن الله يجلس معه والعياذ بالله.
وأما قول الخصم: كما ينظر: كتاب “السنة” للخلال، وكتاب “العرش”، للذهبي … ففيهما النقل عن جماعة من أئمة السلف ، ممن قبل هذا الأثر، منهم أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو عبيد القاسم بن سلاَّم، وغيرهم.
فالجواب: لينقله هؤلاء وعشرة أضعافهم فهذا ماذا يفيد هنا؟ هل هذا يجبر ضعف ليث بن أبي سليم وسوء حفظه وتدليس واختلاطه؟!!!
وأما قولكم:هل مجاهد رحمه قد نقل هذه الرواية حقا ؟؟؟ فالجواب: مجاهد لم ينقل الرواية، وإما نُقلت عنه وقد بينا أنه لم يصح النقل عنه.
وأما قولكم “يأتي بها ابن تيمية مقرا فى فتاويه ويناقضها فى كتابه درء التعارض ، اوضحني هذه القضية من فضلكم افيدونا افادكم الله”
فلا أرى أن تناقضا بين نصيه فهو في كليهما يقر بأثر مجاهد ويزعم أنه ثابت وأن السلف رووه وقبلوه، فهو يقول في مجموع الفتاوى (4/ 374): إذا تبين هذا فقد حدث العلماء المرضيون وأولياؤه المقبولون: أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسه ربه على العرش معه. روى ذلك محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد؛ في تفسير: ** عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} وذكر ذلك من وجوه أخرى مرفوعة وغير مرفوعة قال ابن جرير: وهذا ليس مناقضا لما استفاضت به الأحاديث من أن المقام المحمود هو الشفاعة باتفاق الأئمة من جميع من ينتحل الإسلام ويدعيه لا يقول إن إجلاسه على العرش منكر- وإنما أنكره بعض الجهمية ولا ذكره في تفسير الآية منكر.اهـ
وقال في الدرء: وفيها أشياء عن بعض السلف رواها بعض الناس مرفوعة، كحديث قعود الرسول صلى الله عليه وسلم على العرش، رواه بعض الناس من طرق كثيرة مرفوعة، وهي كلها موضوعة، وإنما الثابت أنه عن مجاهد وغيره من السلف، وكان السلف والأئمة يروونه ولا ينكرونه، ويتلقونه بالقبول وقد يقال: إن مثل هذا لا يقال إلا توفيقاً، لكن لا بد من الفرق بين ما ثبت من ألفاظ الرسول، وما ثبت من كلام غيره، سواء كان من المقبول أو المردود.[25].اهـ

وهذا الذي قاله ابن تيمية في نصيه كله دعاوى غير مسلمة سبق نقضها وبالله التوفيق… ولعل لنا عودة لنتمم ما يتعلق بهذا الأثر. والله الموفق

———–

[1] من ذلك حديث البخاري(6/ 86) عن ابن عمر رضي الله عنهما، يقول: ” إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا، كل أمة تتبع نبيها يقولون: يا فلان اشفع، يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود.اهـ
[2] جاء في تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (15/ 45): حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى: {مقاما محمودا} قال: شفاعة محمد يوم القيامة حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.اهـ
[3] ” الرد بالعدة والعتاد عــــــــــــــــلــــــــــــــــــــى من أنكر أثر مجاهد في الإقعاد “، انظره على:
https://moslimin.123.st/t128-topic
[4] قاله د.عاصم بن عبد الله القريوني في ملحق طبقات المدلسين للحافظ ص65
[5] ميزان الاعتدال (3/ 420)
[6] النكت الجياد المنتخبة من كلام شيخ النقاد (1/ 525)
[7] تحفة اللبيب بمن تكلم فيهم الحافظ ابن حجر من الرواة في غير «التقريب» (2/ 21)
[8] ميزان الاعتدال (3/ 420)
[9] تهذيب التهذيب 8 / 468
[10] موسوعة أقوال أبي الحسن الدارقطني في رجال الحديث وعلله (2/ 536)
[11] قال العراقي في التبصرة والتذكرة ت ماهر الفحل (ص: 140):
548 – ثم الوجادة وتلك مصدر … وجدته مولدا ليظهر
..
552 – وكله منقطع، والأول … قد شيب وصلا ما، وقد تسهلوا
[12] انظر: المنهل الرقراق في تخريج ما روي عن الصحابة والتابعين في تفسير {يوم يكشف عن ساق} لسليم الهلالي، ص38، دار ابن الجوزي.
[13] قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ط الرسالة (6/ 125): 38 – عبد الله بن أبي نجيح يسار أبو يسار الثقفي * (ع) الإمام، الثقة، المفسر، أبو يسار الثقفي، المكي.اهـ
وقد بسطنا الكلام فيه ، انظره على هذا الرابط:

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/3291003717680294/

[14] «العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد الله» (3/ 384)
[15] «تهذيب الكمال في أسماء الرجال» (24/ 283)
[16] «مجموع الفتاوى» (4/ 5)، «جواب أهل السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والزيدية (مطبوع ضمن الرسائل والمسائل النجدية، الجزء الرابع، القسم الأول)» (ص100). قال مشهور آل سلمان في تحقيقه في «الموافقات» (4/ 458): أخرجه ابن عبد البر في “جامع بيان العلم” “1/ 771 بإسناد لا بأس به.اهـ
[17] مجموع الفتاوى (5/ 5)
[18] «ذم التأويل» (ص21)
[19] «فتح المغيث بشرح ألفية الحديث» (1/ 176):
[20] «تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي» (1/ 223):
[21] تاريخ الأمم والملوك: 1: 13 خطبة الكتاب، دار الكتب العلمية، بيروت، ط. ثانية 1408 هـ، 1988 م. وانظر: «الجامع الصحيح للسيرة النبوية»، د. سعد المرصفي (1/ 140)
[22] معرفة علوم الحديث/ 67.
[23] «شرح النووي على مسلم» (1/ 132):
[24] مقدمة ابن الصلاح = معرفة أنواع علوم الحديث – ت فحل (ص: 130)
[25] درء تعارض العقل والنقل (5/ 237)

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/3328541040593228/

السابق
انتشار عقيدة أهل السنة الأشاعرة في المغرب العربي بالحجج العقلية لا بالسيف كما يزعم خوارج العصر!
التالي
نصوص العلماء على وجوب اتباع المذاهب الفقهية الأربعة دون غيرها ونقل الإجماع على ذلك….