صفة الاستواء

الجواب عن إيراد سابق وهو قولهم “” أن كلمة استوى قد جاءت بعد “ثم” التي حقها الترتيب والمهلة، فلو كان المعنى القدرة على العرش والاستيلاء عليه لم يتأخر ذلك إلى ما بعد خلق السموات والأرض…”

الجواب عن إيراد سابق وهو قولهم “” أن كلمة استوى قد جاءت بعد “ثم” التي حقها الترتيب والمهلة، فلو كان المعنى القدرة على العرش والاستيلاء عليه لم يتأخر ذلك إلى ما بعد خلق السموات والأرض…”

https://www.facebook.com/groups/202140309853552/posts/768000323267545/
وهذا الإيراد سبق أن طرحناه بتمامه للنظر والمناقشة*، وهنا أذكر جوابه نقلا عن أحد الإخوة ممن كان يناقش أحدَ الوهابية المسمى بالجندي الذي أورد هذه الشبهة، وكلامه سَيَرد بين قوسين، ثم يأتي كلام الأخ ردا عليه في ما يلي:
‘‘‘‘‘قال الجندي :(لما تفيده “ثم” من الترتيب والتراخى ).
الرد: والمعنى المقصود الترتيب بالإخبار لا بالحصول أي لا تكون الكلمة أو الجملة التي ما بعد لفظة ثم دائماً قد حصلت بعد الكلمة أو الجملة التي قبلها لأنه كما قال علماء النحو واللغة إن لفظة ثم تأتي للتراخي والمهلة وتأتي للإخبار، فيصح في اللغة أن يقال : أنا أعطيتك يوم كذا : كذا وكذا ثم أعطيتك قبل ذلك كذا وكذا، فإن “ثم” ليست دائماً للتأخر في الزمن، أحياناً تأتي لذلك وأحياناً تأتي لغير ذلك، قال الشاعر :-
إن من ساد ثم ساد أبوه ……. ثم قد ساد قبل ذلك جده
( للتأكد من بيت الشعر انظر الموضح في التفسير (ص/120) للسمرقندي والكواكب الدرية (ص/544 ) للأهدل )، ومعروف أن سيادة الجد تكون قبل سيادة الابن بالزمان، فإن ثم هنا بمعنى الإخبار والمراد أن الجد وابنه وابن ابنه حصلت لهم السيادة .
قال اللغوي الفيومي في المصباح المنير ( ص/33 ) ما نصه :- ( قال الأخفش : هي بمعنى الواو لانها استعملت فيما لا ترتيب فيه نحو : والله ثم والله لأفعلن، تقول : وحياتك ثم وحياتك لأقومن، وأما في الجمل فلا يلزم الترتيب بل قد تأتي بمعنى الواو نحو قوله تعالى : ( ثم الله شهيد على ما يفعلون )، أي والله شاهد على تكذيبهم وعنادهم، فإن شهادة الله تعالى غير حادثة، ومثله : (ثم كان من الذين ءامنوا ))اهـ .
وقال اللغوي الفيروزابادي في القاموس المحيط (ص/1402) وكذلك في البرهان في علوم القرءان (4/293 ) للزركشي :- ( الثالث : المهلة، أو قد تتخلف كقولك أعجبني ما صنعتَ اليوم ثم ما صنعتَ أمس أعجبُ، لأن ثم فيه لترتيب الإخبار ولا تراخي بين الإخبارين )اهـ .
قال الجندي:( لأنه لو اخذنا بقولكم لزم أن الله لم يكن مستولياً على عرشه من قبل ، فبفهمكم وبتفسيركم يلزم أن يكون العرش كان لغير الله حتى غالب الله بعد أن عاجزاً على الاستيلاء عليه وكان خارجاً عن يده فغالبه فاستولى عليه !!! وهذا ولا أقول تلميح إلى عجز الله بل أقول تصريح بعجزه وضعفه . عياذاً بالله ).
الرد: تفسير الاستواء بالاستيلاء لا يقتضي المغالبة لان المراد به القهر وقد وصف الله نفسه بأنه القاهر، قال تعالى : ( وهو الواحد القهار ) فإن قلت القهر لا يدل على انه كان مغالبا أقول وكذلك الاستيلاء لا يقتضي أنه كان يتشاجر ويتغالب مع غيره فغلبه الله .
قال الشيخ محمد زاهد الكوثري في تعليقه على الأسماء والصفات (ص/410) ما نصه :- ( من حمله على معنى الاستيلاء حمله عليه بتجريده من معنى المغالبة )اهـ .
ثم نحن أهل السنة وصفنا الله بما هو لائق به وهو الاستيلاء ومعناه القهر اما انتم المجسمة المشبهة فقد وصفتموه بما هو غير لائق به وهو الاستقرار وهذا يقتضي سبق الاضطراب والاعوجاج وذلك محال في وصفه تعالى ولم يصفه به أحد ن اهل السنة لا من السلف ولا من الخلف إلا أن يكون من أسلافكم المجسمة .
ويكفي في الرد عليك وعلى اتباعك قوله تعالى : ( وكان الله عليماً حكيماً ) فإن أهل العلم بالتفسير قالوا : معناه لم يزل كذلك . وقوله تعالى : ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ) فهل تقول أن الله كان ينازعه ويغالبه الكفار والمشركون ثم صارت الغلبة لله فإن قلت : هذا منفي عن الله، قلت لك : كذلك قل في استولى فليس المراد منها المغالبة في حق الله وإن كان هذا الغالب إذا أطلقت على البشر كما في قول النابغة، ولذلك انتبه أحد مجسمة الوهابية ودعاتهم البارزين فقال في كتابه شرح العقيدة الواسطية (1/377) ما نصه :- ( إن الغالب من كلمة استولى أنها لا تكون إلا بعد مغالبة ولا أحد يغالب الله ) اهـ ، فعجباً لكم! لماذا تصرون على حمل معنى استولى على المغالبة في جميع استعمالاتها ؟
ومما يدل على انها تستعمل لغير المغالبة ما قاله أهل اللغة والمفسرون في تفسير قوله تعالى حكاية عن قول المنافقين للكفار : ( ألم نستحوذ عليكم ) أي ألم نستول عليكم بالمولاة لكم .
قال اللغوي الفيروزابادي في القاموس المحيط (ص/425) ما نصه :- ( واستحوذ : غلب واستولى ) اهـ .
ويرد عليكم أيضاً بقول النحوي اللغوي ابن مالك (ت672هـ) في مقدمة كتابه تسهيل الفوائد (ص/1) ما نصه :- ( هذا كتاب في النحو جعلته بعون الله مستوفياً لاصوله مستولياً على أبوابه وفصوله فسميته لذلك …. ) اهـ، فأي مغالبة هنا؟! فليفق المشبهون من غيهم وفسادهم، وابن مالك هذا غني عن التعريف .
ويستدل أيضاً بقول الشاعر :-
إن هو مستولياً على أحدٍ ………. إلا على أضعف المجانين
وهذا البيت يكثر استشهاد النحاة به في باب المشبهات بـ ” ليس ” ومعناه أن الشاعر يصف رجلاً بالعجز وضعف التأثير فيقول إنه ليس غالباً لأحد من الناس ولا مؤثراً فيه إلا أن يكون ذلك المغلوب والمؤثر عليه من ضعاف العقول فهذا الاستيلاء قد يحصل من دون مغالبة .
من العجب أن ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية وأتباعهما الوهابية يشتد نكيرهم على تفسير الاستواء بالاستيلاء لأنهم يزعمون أنه يقتضي سبق المغالبة والعجز وكون العرش في ملك غيره ثم صار إليه مع أنهم يقولون : إن الله استولى على جميع خلقه . قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/145) ما نصه : ( فلما اتفق المسلمون على أنه يقال : استوى على العرش ولا يقال : استوى على هذه الأشياء مع أنه يقال : استولى على العرش والأشياء ) اهـ، وقال في موضع ءاخر من نفس الكتاب (16/396) ما نصه :- ( والاستواء مختص بالعرش باتفاق المسلمين مع أنه مستول مقتدر على كل شىء من السماء والأرض وما بينهما ) اهـ .
وقال تلميذه ابن قيم الجوزية في كتابه المسمى بدائع الفوائد (2/136) ما نصه :- ( بل استواؤه على عرشه واستيلاؤه على جميع خلقه من موجبات ملكه وقهره من غير حاجة إلى عرش ولا غيره ) اهـ .
والوهابية ينقلون كلام زعيميهما الضالين ( ابن تيمية وابن قيم الجوزية ) موافقين لهم في ذلك كما في الكتاب المسمى الكلمات الحسان (ص/190) لأحد دعاة الوهابية وغيره من كتبهم .
فانظروا كيف يعيبون على غيرهم ما هم واقعون فيه فعلى مقتضى مذهبهم : الله كان مغالباً لخلقه ولم يكونوا في ملكه ثم صاروا إليه وهذا يهدم عليهم ما أنكروه علينا وبالله التوفيق .’’’’’
انظر كل ذلك على:http://www.alsakher.com/showthread.php?t=95610&page=3
قال وليد: ولنا عودة إلى هذا الموضوع ثانية لبسطه بالتفصيل في موضعه من بحثي المطول عن الاستواء، إن شاء السميع العليم.
ـــــــــــــ
*انظره على:

https://www.facebook.com/groups/202140309853552/permalink/764642166936694/

https://www.facebook.com/groups/202140309853552/posts/768000323267545/

السابق
تحقيق حال الحلاج فيما نسب إليه من الحلول والاتحاد
التالي
الأشاعرة الماتريدية انصار اصول الدين…لا يمقتهم إلا جاهل بدين الإسلام ، وتأويلات السلف الكثيرة لآيات الصفات