صفة الاستواء

[4] “القول الشافي فيما روي في الاستواء عن ابن الأعرابي”*

[4] “القول الشافي فيما روي في الاستواء عن ابن الأعرابي”*

https://www.facebook.com/groups/202140309853552/posts/790747974326113

….وما نحن فيه من هذا الباب؛ فقد سبق أن نقلنا نصوصَ أكثر من عشرين عالما من كبار أئمة اللغة أن “استوى” يأتي في لغة العرب بمعنى استولى؛ وقول هؤلاء مقدَّمٌ على قولِ ابنِ الأعرابي … بل هنا ـ أي في مسألة الاستواء ـ أولى من تلك المواضع السابقة التي رجح الزبيديُّ وغيره فيها الإثبات، وإنما قلنا أولى لوجوه:

أولا: إن تلك المواضع في تاج العرس نُقل فيها الإنكار صريحا عن بعض أئمة أهل اللغة في تلك الألفاظ والمعاني والأوجه اللغوية المختلفة السابقة… بخلاف ما نحن فيه هنا فإن ابن الأعرابي لم يُنكر أصلا أن يأتي الاستواء في اللغة بمعنى الاستيلاء …غاية ما هناك أنه قال: لا أعرف، فنفى علمه فقط ولم ينف ما في نفس الأمر كما سبق بيانه …

ثانيا: إن تلك المواضع السابقة في تاج العروس كان إنكار من أنكر فيها ثابتا عنهم في كتبهم …وهنا الروايات عن ابن الأعرابي في هذه مسألة الاستواء، في سندها عنه كلام كما سبق في الرواية الأولى، وكما سيأتي في الرواية الثانية.

ثالثا: إن تلك المواضع جاء إثبات من أثبت تلك الألفاظ والمعاني والوجوه مجردا في الغالب عن شواهد شعرية تدعم إثباته ضد من خالفه .. وهنا لدنيا أربعة أبيات من الشعر[1] تؤيد من أثبت أن الاستواء يأتي بمعنى الاستيلاء.

رابعا: أن ثمة مرجحا قويا هنا وهو أن الجوهري كان من جملة من ذَكر أن استوى يأتي بمعنى استولى، وذكر ذلك في كتابه “الصحاح”(6/ 2385) فقال: “واسْتَوى، أي استولى وظهَرَ. وقال: قد اسْتَوى بِشْرٌ على العِراقِ …”.اهـ

ومعلوم أن كتابه هذا وكما ينبئ عنه اسمه اقتصر فيه على صحيح اللغة أي الثابت منها واستبعد الضعيف مما لم يثبت كما صرح هو بذلك في ديباجة كتابه تاج اللغة وصحاح العربية (1/ 33) فقال: “أما بعد فإنى قد أودعت هذا الكتاب ما صحَّ عندي من هذه اللغة”.اهـ

هذا فضلا عن أن مؤلفه الجوهري يُشهد بعلو كعبه في اللغة، وقوله مرجَّحٌ على قول غيره عند الاختلاف، وفي ذلك يقول الزبيدي في تاج العروس (9/ 378) : ….ابن الأَثير: وهذا مَا عَليه أَهلُ العَرَبِيَّة خلافًا لما قَالَه الجوهَرِيُّ، وَهِي قَريبةٌ من الأُولى، قَالَ شيخُنا: وابنُ الأَثير لَيْسَ مِمَّن يُرَدُّ بِهِ كَلاَمُ الجوهريِّ، بل وأَكْثرُ أَئمَّةِ اللُّغة، بل كَلامُه حُجَّةٌ عَلَيْهِم، لأَنه أَعْرف.اهـ

فتأمل كيف صرّح شيخُ الزبيدي ـ وهو الإمام ابن الطيب الفاسي (1170 هـ) اللغويُّ الحجةُ شارح القاموس قبل تلميذه الزبيدي وعليه اعتمد الأخير ـ بأن قولَ الجوهري حجةٌ على أكثر أئمة أهل اللغة ….وهذه شهادة عالية طيبة لائقة بالجوهري …كيف، لا؟!!! وقد أخذ الجوهريُّ علمَ العربية تلقيا عن العرب العاربة الأصلاء، وقد كان كثير السفر والتطواف بين ربوعهم بغرض مشافهتهم وتوسيع ذخيرته اللغوية…. فضلا عن أنه تتلمذ على جبلين راسخين من جبال اللغة وهما: أبو علي الفارسي، وأبو سعيد السيرافي شارح كتاب سيبويه، وغيرهما[2]…. هذا كله سوى ما كان يتمتع به الجوهري من فطنة وذكاء مكّنته من ابتكار منهج فريد في ترتيب معجمه هذا[3] !!!!

لا جرم أن فحول اللغويين ومحققيهم وأصحاب المعاجم أقروا بأن استوى يأتي بمعنى استولى وأدرجوا ذلك في كتبهم ومعاجمهم كصاحب القاموس وشارحه الزبيدي وابن سيده والراغب وأبي بكر الرازي في مختار الصحاح والزجاجي والزجاجي وابن القوطية وغيرهم المتقدمين والمتأخرين وقد سبق أن نقلت نصوصهم[4] …. ولم يعرجوا على رأيِ ابن الأعرابي أصلا …. اللهم إلا أن بعضهم كابن منظور ذكر قصةَ ابنِ الأعرابي على سبيل الحكاية وجَمْعِ كلِ ما قيل في الباب بدليل أن ابن منظور ذَكر في صدرِ كلامهِ ناقلا عن “الجوهري: اسْتَوَى إلى السماء أَي قَصَدَ واسْتَوى أَي اسْتَوْلى وظَهَر ” ثم ذكر ابنُ منظور قصةَ ابن الأعرابي بعد أن ذكر كل أقوال اللغويين في الاستواء كقول الزجاج والفراء والأخفش وثعلب وغيرهم [5].

فظهر بما سبق أن قول ابن الأعرابي ـ إن ثبت عنه ـ مرجوح، وأن الراجح ـ وبقوة ـ هو قول من أثبت أن استوى يأتي في اللغة بمعنى استولى لما تقدم بيانه.

….وبذلك أكون قد أتممت الكلام على الرواية الأولى؛ ونصها أن ابن أبي دؤاد سأل ابنَ الأعرابي: أتعرف في اللغة : استوى بمعنى استولى ؟ فقال : لا أعرف.

وخلاصة ما تقدم أنها لا تثبت لأن فيها ابن الصلت القرشي وهو مطعون فيه؛ وعلى التسليم بصحتها فإن غاية ما فيها أن ابن الأعرابي لم يعرف أن استوى يأتي بمعنى استولى وعرَفَ ذلك كثيرٌ من أهل اللغة سواه، ومن حفظَ حجةٌ على من لم يحفظ كما سبق بيانه.

أنتقل الآن بعونه تعالى إلى الكلام على الرواية الثانية وهي: كنا عند ابن الأعرابي فأتاه رجل فقال له: ما معنى قول الله عز وجل: {الرحمن على العرش استوى} ؟ فقال: هو على عرشه كما أخبر عز وجل. فقال: يا أبا عبد الله ليس هذا معناه إنما معناه: استولى. قال: اسكت، ما أنت وهذا؟ لا يقال: استولى على الشيء إلا أن يكون له مضاد، فإذا غلب أحدهما…. انظر اللاحق:

https://www.facebook.com/groups/202140309853552/permalink/793030110764566/

كتبه وليد ابن الصلاح

ــــــــــــــــــــــــــ

*انظر السابق:

https://www.facebook.com/groups/202140309853552/permalink/782472188487025/

[1] انظرها على:

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/490261857754508/

[2] قال الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء ط الرسالة (17/ 81): إمام اللغة، أبو نصر إسماعيل بن حماد التركي … مصنِّف كتاب “الصِّحاح” وأحد من يُضرب به المثل في ضبط اللغة ….وكان يحب الأسفار والتغرب , دخل بلاد ربيعة ومضر في تطلب لسان العرب ودار الشام والعراق , ثم عاد إلى خُراسان , فأقام بنيسابور يدرس ويصنِّف , ويُعَلِّم الكتابة , وينسخ المصاحف . …وفي “الصِّحاح” أوهامٌ قد عمل عليها حَواشٍ .

….وقد أخذ العربية عن : أبي سعيد السِّيْرَافي , وأبي علي الفارسي , وخاله صاحب “ديوان الأدب” أبي إبراهيم الفارابي . اهـ

[3] انظر: الشاهد النحوي في معجم الصحاح للجوهري، أطروحة معدة للماجستير للباحث مأمون مباركة ص18.

[4] انظر:

https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=552660858098107&id=551774174853442

[5] انظر لسان العرب لابن منظور / مادة: سوا.

السابق
[5] “القول الشافي فيما روي في الاستواء عن ابن الأعرابي”*
التالي
[3] “القول الشافي فيما روي في الاستواء عن ابن الأعرابي”

اترك تعليقاً