(2) مناقشة قول ابن تيمية بأن استواء الله تعالى يُفسر بنفس معنى استوائنا على الدواب[1]
#الفروق_بين_استواء_المخلوقين_واستواء_الخالق
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/3167603210020346/
سبق أن ذكرنا فرقين بين استوائنا على الدواب وبين استواء الله على العرش، الفرق الأول: أن استواءنا هو استواء أجسام على أجسام، وابن تيمية نص على أن استواء الله ليس من قبيل استواء الأجسام على الأجسام، والفرق الثاني أن استواءنا هو باتخاذ مكان عليها. وابن تيمية متردد في نسبة المكان لله كما هو متردد في أن الله جسم أو ليس بجسم، هذا كله سبق أن بسطناه في المشور السابق، نتابع ذكر الفروق بحول الله:
الفرق الثالث: أن استواءنا على الدواب، هو من قبيل استواء مخلوق على مخلوق، وأما استواء الله فهو استواء خالق على مخلوق اتفاقا، وفي ذلك يقول ابن تيمية: وكذلك إن جعل صفات الله مثل صفات المخلوقين فيقول: استواء الله كاستواء المخلوق أو نزوله كنزول المخلوق ونحو ذلك فهذا مبتدع ضال[2].اهـ
الفرق الرابع: أننا بحاجة للدواب ونحوها لنستوي عليها فتقلنا لتقضي حوائجنا كما قال تعالى {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} [النحل: 7] وقال { اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79) وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} [غافر: 79، 80]، والله غني عن العرش اتفاقا. وفي ذلك يقول ابن تيمية: وهو غني عن العرش وعن كل مخلوق[3].اهـ بل قال كما سيأتي نصه كاملا: “فمن قال: إنه في استوائه على العرش محتاج إلى العرش كاحتياج المحمول إلى حامله فإنه كافر“[4].
وقال: وأن الله غني عن العرش وعن كل ما سواه لا يفتقر إلى شيء من المخلوقات[5].اهـ
وقال ابن القيم نقلا عن الكرجي: كان ربنا وحده ولا شيء معه ولا مكان يحويه خلق كل شيء بقدرته وخلق العرش لا لحاجة إليه[6].اهـ
الفرق الخامس: أن استواءنا على الدواب هو من أجل أننا نتعب من الوقوف أو المشي الكثير في السفر فنجلس عليها لنستريح من التعب، وأما الله فلا يتعب ليجلس كما قال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ } [ق: 38]. قال ابن تيمية: فنزه نفسه عن مس اللغوب[7].اهـ وقال أيضا: قال أهل اللغة: اللغوب الإعياء والتعب[8].اهـ وقال: فنفى عنه اللغوب الذي يظن في لفظ “الاستراحة” الذي في التوراة، فإن فيها أن الله خلق العالم في ستة أيام، ثم استراح في يوم السبت، فظن بعض الناس أنه تعب فاستراح[9].اهـ وقال: وذكر أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسه من لغوبلَمّا قال مَن قال من اليهود أنه استراح يوم السبت، فنزه نفسه عن أن يمسه لغوب[10].
ويقول ابن تيمية نقلا عن الكرجي: وإذا تقرر أن تأويل الصحابة مقبول فتأويل ابن عباس أولى بالاتباع والقبول فإنه البحر العباب وبالتأويل أعلم الأصحاب فإذا صح عنه تأويل الاستواء بالاستقرار[11]وضعنا له الحد بالإيمان والتصديق وعرفنا من الاستقرار ما عرفناه من الاستواء وقلنا إنه ليس باستقرار يتعقب تعبا واضطرابا بل هو كيف شاء وكما يشاء والكيف فيه مجهول والإيمان به واجب[12].اهـ
وقال الذهبي في العلو نقلا عن الكرجي في الاعتقاد القادري: كان ربنا عزوجل وحده لا شيء معه ولا مكان يحويه فخلق كل شيء بقدرته وخلق العرش لا لحاجة إليه فاستوى عليه استواء استقرار[13]كيف شاء وأراد لا استقرار راحة كما يستريح الخلق. قلت – أي الذهبي -: ليته حذف استواء استقرار وما بعده فإن ذلك لا فائدة فيه بوجه والباري منزه عن الراحة والتعب[14].اهـ
وقال الذهبي في ترجمة قوام السنة إسماعيل التيمي: قال أبو موسى المديني: سألت إسماعيل يوما: أليس قد روي عن ابن عباس في قوله: استوى: قعد[15]؟ قال: نعم. قلت له: إسحاق بن راهويه يقول: إنما يوصف بالقعود من يمل القيام. قال: لا أدري أيش يقول إسحاق[16].اهـ وكذا نقله ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (6/ 413) ولكن بلفظ ” إنما يوصف بالقعود من يمثل القيام” فوقع “يمثل” والصواب “يمل” وحرف الثاء زائد. وقال الألباني: والعقيدة السلفية أن الله عز وجل غني عن العالمين، وهو ليس بحاجة إلى العرش، وإلى الجلوس عليه، والتمكن منه[17].اهـ
قال وليد:وكذا نقول: استوى على العرش بقهره وتدبيره واستيلائه دون سبق مغالبة، كما تقولون هنا بأنه استقر أو جلس دون تعب!!! وما هو جوابكم هو جوابنا!!
الفرق السادس: أن الدواب تحملنا، وأما عرش الله فالله يحمله، وفي ذلك يقول ابن تيمية: “وهو عال على كل شيء وهو الحامل للعرش ولحملة العرش بقوته وقدرته”[18].اهـ وقال: وإذا كان المسلمون يكفّرون من يقول: إن السموات تقله أو تظله؛ لما في ذلك من احتياجه إلى مخلوقاته فمن قال: إنه في استوائه على العرش محتاج إلى العرش كاحتياج المحمول إلى حامله فإنه كافر؟ لأن الله غني عن العالمين حي قيوم هو الغني المطلق وما سواه فقير إليه [19].اهـ وقال: بل هو مع استوائه على عرشه يحمل العرش وحملة العرش بقدرته ولا يمثل استواء الله باستواء المخلوقين[20].اهـ
وقال ابن القيم: فالرب تعالى أجل شأنا وأعظم أن يلزم من علوه من خصائصه، وهي حمله السافل، وفقر السافل إليه، وغناه سبحانه عنه وإحاطته عز وجل به ; فهو فوق العرش، وعدم إحاطة العرش به ; وحصره للعرش وعدم حصر العرش له، وهذه اللوازم منتفية عن المخلوقين، ولو ميز أهل التعطيل هذا التمييز لهدوا إلى سواء السبيل، ولما فارقوا الدليل[21].اهـ
وقال ابن عثيمين: وأما قولهم: يلزم أن يكون محتاجا إلى العرش. فنقول: لا يلزم، لأن معنى كونه مستويا على العرش: أنه فوق العرش، لكنه علو خالص، وليس معناه أن العرش يقله أبدا، فالعرش لا يقله، والسماء لا تقله، وهذا اللازم الذي ادعيتموه ممتنع، لأنه نقص بالنسبة إلى الله عز وجل، وليس بلازم من الاستواء الحقيقي، لأننا لسنا نقول: إن معنى {استوى على العرش}، يعني: أن العرش يقله ويحمله، فالعرش محمول: {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية}، وتحمله الملائكة الآن، لكنه ليس حاملا لله عز وجل، لأن الله سبحانه وتعالى ليس محتاجا إليه، ولا مفتقرا إليه، وبهذا تبطل حججهم السلبية[22].اهـ
ولكن يبدو أن ابن تيمية له رأي آخر[23]وهو أن العرش يحمله تبعا لعثمان الدارمي، فقد قال ابن تيمية: قال عثمان بن سعيد الدارمي في نقضه على المريسي وصاحبه وأعجب من هذا كله قياسك الله بقياس العرش ومقداره ووزنه من صغير أو كبير، وزعمت كالصبيان العميان إن كان الله أكبر من العرش أو أصغر منه أو مثله فإن كان الله أصغر فقد صيرتم العرش أعظم منه وإن كان أكبر من العرش فقد ادعيتم فيه فضلا عن العرش وإن كان مثله فإنه إذا ضم إلى العرش السموات والأرض كانت أكبر مع خرافات تكلم بها … فيقال لهذا البقباق النفاخ إن الله أعظم من كل شيء وأكبر من كل خلق ولم يحمله العرشُ عظما ولاقوة ولا حملةُ العرشِ حملوه بقوتهم ولا استقلوا بعرشه ولكنهم حملوه بقدرته وقد بلغنا أنهم حين حملوا العرش وفوقه الجبار في عزته وبهائه ضعفوا عن حملهواستكانوا وجثوا على ركبهم حتى لقنوا لا حول ولا قوة إلا بالله فاستقلوا بهبقدرة الله وإرادته ولولا ذلك ما استقل به العرش ولا الحملة ولا السموات والأرض ولا من فيهن ولو قد شاء لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرتهولطف ربوبيته فكيف على عرش عظيم أكبر من السموات والأرض وكيف تنكر أيها النفاخ أن عرشه يقله والعرش أكبر من السموات السبع والأرضين السبع … فكيف تقله الأرض في دعواك ولا يقله العرش الذي هو أعظم منها[24].اهـ
فقد نقل ابن تيمية هذا الكلام الوثني المضحك عن الدارميدون أن يتعقبه بحرف بل كان به مستشهدا، والذي ليس فيه فقط أن الله محمول على العرش كما في قوله “ولم يحمله العرشُ عظما ولاقوة ولا حملةُ العرشِ حملوهبقوتهم ولا استقلوا بعرشه ولكنهم حملوه بقدرته“، وأن العرش يقله وأنه تعالى يثقل على الملائكة الذي يحملون العرش حتى يحوقلوا كما في قوله “حين حملوا العرش وفوقه الجبار في عزته وبهائه ضعفوا عن حملهواستكانوا وجثوا على ركبهم حتى لقنوا لا حول ولا قوة إلا بالله فاستقلوا بهبقدرة الله وإرادته”، بل ينكر على من أنكر أنه محمول على العرش كما في قوله “وكيف تنكر أيها النفاخ أن عرشه يقله “!!!
بل إن ابن تيمية في موضع آخر صرح بموافقته فإنه سرد أثرا لكعب الأحبار وفيه: … قال كعب أخبرك أن الله خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن …ثم رفع العرش فاستوى عليه فما في السموات سماء إلا لها أطيط كأطيط الرّحل العُلا في أول ما يرتحل من ثُقل الجبار فوقهن.اهـ
ثم قال ابن تيمية معقبا: وهذا الأثر وإن كان في رواية كعب فيحتمل أن يكون من علوم أهل الكتاب ويحتمل أن يكون مما تلقاه عن الصحابة ورواية أهل الكتاب التي ليس عندنا شاهد هو لا دافعها لا يصدقها ولا يكذبها فهؤلاء الأئمة المذكورة في إسناده هم من أجل الأئمة وقد حدثوا به هم وغيرهم ولم ينكروا ما فيه من قوله من ثقل الجبار فوقهن فلو كان هذا القول منكرًا في دين الإسلام عندهم لم يحدثوا بهلو كان هذا القول منكرًا في دين الإسلام عندهم لم يحدثوا به على هذا الوجه[25].اهـ
قال وليد – عصمه الله وإياكم من الزلل ويسر أمره وأموركم -: هذه المسألة من ضمن المسائل والتفصيلات الكثيرة في الاستواء التي خاض فيها التيمية والوهابية كمسألة هل الاستواء جلوس أم لا؟! وهل هو استقرار أم لا؟!! وهل يكون بمماسة أم لا؟!! وهل العرش حامل لمعبودهم أم هو حامل للعرش؟!! وهل يجلس على العرش كله أم يترك أربع أصابع لنبيه صلى الله عليه وسلم يُجلسه معه يوم القيامة؟!! وهل يجلس معبودهم على العرش وعلى الكرسي، أم يجلس على العرش ويضع قدميه على الكرسي؟!!! وهل يخلو منه العرش إذا نزل إلى السماء الدنيا أم لا يخلو؟!!
إلى غير ذلك من التفصيلات الكثيرة في الكيف الذي قالوا أصلا: نحن نفوضه!!! فلا أدري إذا كانوا لا يفوضونه ماذا يقولون أكثر من ذلك!!! ثم اختلفوا في كل ذلك ثم تراشقوا فيما بينهم حتى ضلّل بعضهم بعضا في ذلك، بل صاروا يرمون بعضهم بعضا بتهمة التجم والتجسيم، وهذا سأخصص له منشورا آتي بنصوصهم في ذلك إن شاء الله.
الفرق السابع: أننا قبل أن نستوي على الدواب لا نكون فوقها، وإنما نكون فوقها بعد الاستواء عليها، وأما الله فهو عند ابن تيمية فهو لا زال في العلو حتى قبل أن يستوي، حيث يقول: وقال: وإذا عرف تنزيه الرب عن صفات النقص مطلقا فلا يوصف بالسفول ولا علو شيء عليه بوجه من الوجوه بل هو العلي الأعلى الذي لا يكون إلا أعلى وهو الظاهر الذي ليس فوقه شيء كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم[26].اهـ ويقول: يوجبون له العلو ويقولون إنه عالٍ بذاته ويمتنع أن يكون غير عالٍوإن جوزوا عليه الحركة والانتقال وإذا كان كذلك فهؤلاء يقولون لا نسلم إمكان خروج الله عن صفة العلو[27].اهـ
الفرق الثامن: أننا حينما ننزل من الدابة تخلو الدابة منا، وأما الله فلا يخلو منه العرش إذا نزل في الثلث الأخير من الليل عند ابن تيمية حيث يقول: إنه لا يزال فوق العرش، ولا يخلو العرش منه، مع دنوه ونزوله إلى السماء الدنيا، ولا يكون العرش فوقه. وكذلك يوم القيامة كما جاء به الكتاب والسنة، وليس نزوله كنزول أجسام بني آدم من السطح إلى الأرض، بحيث يبقى السقف فوقهم، بل الله منزه عن ذلك، وسنتكلم عليه إن شاء الله، وهذه المسألة تحتاج إلى بسط[28].اهـ
ويقول أيضا: فعلم أن الرب سبحانه لم يزل عاليا على عرشه[29]. ويقول: وهو مما يبين أن الله لا يزال عاليا على المخلوقات مع ظهوره وبطونه وفي حال نزوله إلى السماء الدنيا[30].اهـ وقال: وهو ـ سبحانه ـ لم يزل فوق العرش، فإن صعوده من جنس نزوله. وإذا كان في نزوله لم يصر شيء من المخلوقات فوقه، فهو ـ سبحانه ـ يصعد وإن لم يكن منها شيء فوقه[31].اهـوقال ابن تيمية: أنه لا يكون إلا عالياً حتى يقولوا إنه ينزل إلى السماء الدنيا ولا يخلو منه العرش[32].اهـ
الفرق التاسع: أن الدابة التي يركبها أحدنا تكون عادة أكبر منه حجما وأثقل وزنا، وأما عرش الله فالله أكبر منه عند ابن تيمية حيث قال: والحلولية يقولون: إنه يأتي ويجيء بحيث يخلو منه مكان ويشغل آخر فيخلو منه ما فوق العرش ويصير بعض المخلوقات فوقه… لا سيما إذا قالوا: إنه يحويه بعض المخلوقات فتكون أكبر منه سبحانه وتعالى عما يقول هؤلاء وهؤلاء علوا عظيما. وكذلك قوله: {أأمنتم من في السماء} إن كان قد قال أحد: إنه في جوف السماء فهو شر قولا من هؤلاء[33].اهـ وسيأتي قوله “وأن العرش خلق من مخلوقات الله لا نسبة له إلى قدرة الله وعظمته، فكيف يتوهم بعد هذا أن خلقًا يحصره ويحويه”[34].اهـ
وقال ابن عثيمين: وإن أردتم بكونه محدوداً: أن العرش محيط به، فهذا باطل، وليس بلازم، فإن الله تعالى مستوى على العرش، وإن كان عز وجل أكبر من العرش ومن غير العرش، ولا يلزم أن يكون العرش محيطاً به بل لا يمكن أن يكون محيطاً به، لأن الله سبحانه وتعالى أعظم من كل شيءوأكبر من كل شيء والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة، والسماوات مطويات بيمينه[35].اهـ
فإذن يصرح ابن تيمية وأتباعه بأن الله أكبر من العرش، ولكن لم يصرح بأنه أكبر منه حجما أو جسما، ربما لأنه متردد في إثبات أن الله جسم أم لا كما رأينا في المنشور السابق، وأما أن الله أثقل من العرش وزنا فهذا أيضا لم يصرح به ولكنه لم يستنكر أن يكون لله وزنا كما رأينا في الفرق السادس حين ذكر أثر كعب “لها أطيط كأطيط الرّحل العُلا في أول ما يرتحل من ثُقل الجبار فوقهن” ثم ذكر أنه يحتمل مما رواه عن أهل الكتاب وأنه “ليس عندنا شاهد هو لا دافعها لا يصدقها ولا يكذبها فهؤلاء الأئمة المذكورة في إسناده هم من أجل الأئمة وقد حدثوا به هم وغيرهم ولم ينكروا ما فيه من قوله من ثقل الجبار فوقهن فلو كان هذا القول منكرًا في دين الإسلام عندهم لم يحدثوا بهلو كان هذا القول منكرًا في دين الإسلام عندهم لم يحدثوا به”!!!
ثم إن إن ابن تيمية بعد حوالي ثلاثين صفحة من الكتاب نفسه ينقل عن القاضي أبي يعلى أنه أثبت ثقلا للذات الإلهة ولكن لا على جهة الجسمية والوزن كما صرح هو نفسه ولم يتعقبه ابن تيمية على هذا النفي سوى بقوله ” قال على طريقته في مثل ذلك ” يقصد ابن تيمية أن أبا يعلى ينفي الجسمية عن الله كما ينفي الأعضاء والأبعاض مرارا في كتابه إبطال التأويلات[36]، وهذا النفي يعتبره ابن تيمية بدعة كما سبق، يعني أن ابن تيمية لا يوافق أبا يعلى على هذا النفي.
ولنسرد هنا ما نقله ابن تيمية عن كتابه “إبطال التأويلات” لأبي يعلى الذي أورد أثر “عن ابن مسعود..فتعرض عليه أعمالكم بالأمس أول النهار اليوم فينظر فيه ثلاث ساعات فيطلع منها على ما يكره فيغضبه ذلك فأول من يعلم بغضبه الذين يحملون العرش يجدونه يثقل عليهم فيسبحه الذين يحملون العرش وذكر الخبر”.
ثم ينقل ابن تيمية قولَ أبي يعلى تعقيبا على هذا الذي الخبر: اعلم أنه غير ممتنع حمل الخبر على ظاهره وأن ثقله يحصل بذات الرحمن إذ ليس في ذلك ما يحيل صفاته. ثم قال ابن تيمية: قال – أي أبو يعلى – على طريقته في مثل ذلك: لأنا لا نثبت ثقلا من جهة المماسة والاعتماد والوزن لأن ذلك من صفات الأجسام ويتعالى عن ذلك وإنما نثبت ذلك صفة لذاته لا على وجه المماسة …
إلى أن يقول أبو يعلى: فإن قيل ذلك محمول على ثقل عظمته وهيبته في قلوبهم وما يتجدد لهم في بعض الأحوال من ذكر عظمته وعزته كما يقال الحق ثقيل مر وليس المراد به ثقل الأجسام وقال سبحانه “إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا” قال القاضي قيل هذا غلط لأن الهيبة والتعظيم مصاحب لهم في جميع أحوالهم ولا يجوز مفارقتها لهم ولهذا قال سبحانه “يسبحون الليل والنهار لا يفترون” وما ذكره من قول القائل الحق ثقيل وكلام فلان ثقيل فإنما لم يحمل على ثقل ذات لأنها معان والمعاني لا توصف بالثقل والخفة وليس كذلك هنا لأن الذات ليست معاني ولا أعراضا فجاز وصفها بالثقل .
ثم يقول أبو يعلى: وأما قوله تعالى “إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا” فقد فسره أهل النقل أن المراد به ثقل الحكم ولأن الكلام ليس بذات قال فإن قيل يحمل على أنه يخلق في العرش ثقلا على كواهلهم وجعل لذلك أمارة لهم في بعض الأحوال إذا قام المشركون قيل هذا غلط لأنه يفضي أن يثقل عليهم بكفر المشركين ويخفف عنهم بطاعة المطيعين وهذا لا يجوز لما فيه من المؤاخذة بفعل الغير وليس كذلك إذا حملناه على ثقل الذات لأنه لا يفضي إلى ذلك لأن ثقل ذاته عليهم تكليف لهم وله أن يُثقل عليهم في التكليف ويخفف“[37].
ثم عقّب ابن تيمية بعد ذلك بقوله: قلت المقصود هنا التنبيه على أصل كلام الناس في ذلك وأما الكلام في الخفة والثقل ونحو ذلك فربما نتكلم عليه إن شاء الله في موضعه[38].اهـ يعني أنه وعد بأن يتكلم على هذه المسألة لاحقا وهي مسألة ثقل الله ووزنه – تعالى الله عن ذلك علو كبيرا – ونحو ذلك، ولنا عودة إلى ذلك إن شاء الله.
الفرق العاشر : … انتظر اللاحق
https://www.facebook.com/…/permalink/3171574106289923/
————–
[1] انظر السابق:
https://www.facebook.com/…/permalink/3160367610743906/
[2] «مجموع الفتاوى» (٥/ ٢٦٢)، «دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية » (ص١٥٦)
[3] «مجموع الفتاوى» (١٦/ ١٠٠)
[4] مجموع الفتاوى (2/ 188)
[5] «مجموع الفتاوى» (٥/ ٢٦٢)
[6] «الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة» (٤/ ١٢٨٨)، وانظر ذلك في: «العلو للعلي الغفار» (ص٢٤٥)، «معارج القبول بشرح سلم الوصول» (١/ ١٩٩)، «إثبات علو الله ومباينته لخلقه والرد على من زعم أن معية الله للخلق ذاتية» (ص١٠٥).
[7] مجموع الفتاوى (17/ 110)
[8] «مجموع الفتاوى» (١٧/ ١١٠)
[9] الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (4/ 418)
[10] بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية لابن تيمية (ص: 368)
[11] قال وليد: ولكن لم يصح عنه ذلك ، بل هو مروي عنه بسلسلة الكذب ، انظر:
https://www.facebook.com/…/permalink/859606894153334/
[12] بيان تلبيس الجهمية (6/ 403)
[13] قد بينت في منشور سابق أن قوله ” استواء استقرار ” وقع هكذا في العلو للذهبي، لكن قال الذهبي في «تاريخ الإسلام ت تدمري» (٢٩/ ٣٢٢): وفيها قرئ الاعتقاد القادري بالديوان. أخرجه القائم بأمر الله، فقرئ وحضره العلماء والزهاد… وفيه: كان ربنا [٣] ولا شيء معه ولا مكان يحويه، فخلق كل شيء بقدرته، وخلق العرش لا لحاجة إليه، واستوى عليه كيف شاء وأراد، لا استواء راحة كما يستريح الخلق.اهـ كذا وقع هنا “لا استواء راحة “، وفي الاعتقاد القادري ص247 – دراسة وتحقيق أحد الوهابية: عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف – وقع بلفظ “فاستوى عليه كيف شاء وأراد، لا استقرار” قال عبد العزيز هذا في الحاشية عند قوله “فاستوى عليه”: زاد ـ أي ابن تيمية ـ في الدرء ٦/٢٥٣: استواء استقرار، وكذا جاء في العلو للذهبي ٢/١٣٠٣، والصواعق المرسلة ٤/١٢٨٨.اهـ وقال عبد العزيز في الحاشية عند قوله “لا استقرار”: جاء في الصواعق المرسلة (4/1288) : لا استواء راحة.اهـ
انظر: https://www.facebook.com/…/permalink/3095796540534347/
[14] العلو للعلي الغفار (ص: 239)
[15] علق محققو كتاب «سير أعلام النبلاء ط الرسالة» (٢٠/ ٨٧) وهم بإشراف شعيب الأرناؤوط فقالوا: في ثبوت ذلك عن ابن عباس وقفة، فقد نقل عنه محيي السنة البغوي في تفسيره وأكثر المفسرين أن معناه: ارتفع.اهـ قال وليد: هذا باطل عن ابن عباس بلا توقف، إذ هو مروي عنه بإسناد قال فيه الحافظ هو سلسلة الكذب لا سلسلة الذهب، كما بينته في منشور مستقل، انظر:
https://www.facebook.com/…/permalink/859606894153334/
[16] «سير أعلام النبلاء ط الرسالة» (٢٠/ ٨٧)
[17] موسوعة الألباني في العقيدة (6/ 346)
[18] «مجموع الفتاوى» (١٦/ ١٠٠)
[19] مجموع الفتاوى (2/ 188)
[20] «مجموع الفتاوى» (٥/ ٢٦٣)
[21] «مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة» (ص١٩٨)
[22] «شرح العقيدة الواسطية للعثيمين» (١/ ٣٨٠)، وانظر أيضا: «مجموع فتاوى ورسائل العثيمين» (٨/ ٣٢٢)
[23] انظر:
https://www.facebook.com/…/permalink/776367699097474/
[24] «بيان تلبيس الجهمية» (٣/ ٢٤٢)
[25] «بيان تلبيس الجهمية » (٣/ ٢٦٧)
[26] مجموع الفتاوى (5/ 518)
[27] «بيان تلبيس الجهمية» (٤/ ١٧٨)
[28] شرح حديث النزول (ص: 66)، المكتب الإسلامي، بيروت، ط5/1977م.
[29] مجموع الفتاوى (5/ 581)
[30] شرح حديث النزول (ص: 191)
[31] شرح حديث النزول (ص: 147)
[32] «بيان تلبيس الجهمية » (٤/ ١٧٨)
[33] «مجموع الفتاوى» (١٦/ ١٠٨)
[34] الفتوى الحموية الكبرى (ص: 526)
[35] «شرح العقيدة الواسطية للعثيمين» (١/ ٣٨٠)
[36] ونصوص أبي يعلى في ذلك كثيرة في كتابه إبطال التأويلات، منها قوله (ص: 115):” لأننا نثبت كفا كما أثبتنا يدين وسمعا وبصرا ووجها، لا عَلَى وجه الجوارح والأبعاض”. وفي (ص: 119): وقد بينا جواز ذَلِكَ فِي الخبر الذي قبله، وقد بينا أنه لا يمتنع إطلاق ذَلِكَ لا عَلَى وجه الأبعاض والجوارح كما جاز إطلاق نفس وذات فإن قيل: ذكر.اهـ وفي (ص: 129): الثالث: جواز الإتيان عليه، وهذا غير ممتنع إطلاقه إذا لم يوصف بالانتقال، ومثل هَذَا قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} يجوز إطلاق هَذِهِ الصفة عليه لا عَلَى وجه الانتقال والحدوث، وإن كان حرث ثم يقتضي ذَلِكَ فِي اللغة، وكذلك قوله: ” ينزل الله إلى السماء الدنيا ” يجوز إطلاق ذَلِكَ من غير انتقال وشغل مكان. وفي (ص: 146): أننا لا نطلقها عَلَى وجه الجوارح والأبعاض، وتغير الأحوال، وإنما نطلقها كما نطلق غيرها من الصفات من الذات والنفس والوجه واليدين والعين وغير ذَلِكَ، وليس فِي قوله: شاب وأمرد وجعد وقطط وموفر إثبات تشبيه،لأننا نثبت ذَلِكَ تسمية كما جاء الخبر لا نعقل معناها.اهـ وفي (ص: 157): ” ينزل الله إلى السماء الدنيا فِي كل ليلة ” وذلك جائز لا عَلَى وجه الانتقال من مكان وشغل مكان آخر كما جاز وصفه بالاستواء عَلَى العرش عَلَى وجه الانتقال.اهـ وفي (ص: 168): لأنا لا نحمل القبضة عَلَى معنى الجارحة والعضو والبعض ومعالجة وممارسة، بل نطلق هَذِهِ التسمية كما أطلقنا قوله: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ، عَلَى ظاهره وكذلك الوجه والعين والاستواء لا فِي مكان“.اهـ
[37] بيان تلبيس الجهمية (3/ 271)
[38] بيان تلبيس الجهمية (3/ 274)