بحث في ( الرد على من ادعى بأن الامام مالك والشافعي وأحمد قد ذموا التصوف وبيان بطلانه )
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان الا على الظالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى الهوصحبه الطيبين الطاهرين ..
وبعد …
قال محمد اليافعي : لقد انتشر في الآونة الاخيرة روايات عن مالك والشافعي واحمد وغيرهما تذم التصوف !! ، ولكن هل هي صحيحة ام لا ؟؟..
فالمقياس في معرفة الصحيح من الضعيف هو الاسناد ، فلولا الاسناد لقال من شاء ما شاء ، ولهذا فأني انقل لكم هذا الحوار الذي دار بين الفقير وبين احد الوهابية حول هذه المرويات ، ولكن بشكل منظم ، فاقول وبالله التوفيق ومنه السداد :
قول مالك في التصوف :
الاثر الاول :
روى الإمام ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس صفحة: (392) عن عبد الملك بن زياد النصيبي قال: كنا عند مالك فذكرت له صوفيين في بلادنا ، فقلت له: يلبسون فواخر ثياب اليمن ، ويفعلون كذا. قال: ويحك ومسلمين هم.!؟ قال: فضحك حتى استلقى. قال فقال لي بعض جلسائه: يا هذا ما رأينا أعظم فتنة على هذا الشيخ منك مارأيناه ضاحكا قط.
الجواب :
وهذا اثر لا يصح ابداً !!..
فابن الجوزي يرويه بلاغاً عن عبد الملك بن زياد النصيبي !! دون اسناد ، ولهذا فلا يلتفت لهذا الاثر لعدم وجود الاسناد ..
الاثر الثاني :
ورواها القاضي عياض رحمه الله في كتابه ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك (2ـ54) عن عبد الله بن يوسف التنيسي ، وكان أحد الحاضرين لهذه القصة ، وهو من مشاهير أصحاب الإمام مالك.
قال التنيسي: كنا عند مالك وأصحابه حوله فقال رجل من أهل نصيبين: يا أبا عبد الله عندنا قوم يقال لهم الصوفية يأكلون كثيراً ثم يأخذون في القصائد ثم يقومون فيرقصون.
فقال مالك: أصبيان هم? قال: لا.
قال: أمجانين? قال: لا ، قوم مشائخ وغير ذلك عقلاًء.
قال مالك: ما سمعت أن أحداً من أهل الإسلام يفعل هذا.
قال الرجل: بل يأكلون ثم يقومون فيرقصون نوائب ويلطم بعضهم رأسه وبعضهم وجهه. فضحك مالك ثم قام فدخل منزله.
فقال أصحاب مالك للرجل: لقد كنت يا هذا مشؤوماً على صاحبنا، لقد جالسناه نيفاً وثلاثين سنة فما رأيناه ضحك إلا في هذا اليوم.
الجواب :
وهذا الاثر لايصح موصولا الى التنيسي ..
فالقاضي عياض رحمه الله يروي عن التنيسي وهو لم يدركه !! ، فكيف تصح رواية بهكذا طريق ؟؟..
قول الشافعي في ذم التصوف :
الاثر الاول :
روى البيهقي في مناقب الشافعي (2 – 208) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا محمد جعفر بن محمد بن الحارث يقول: سمعت أبا عبد الله: الحسين بن محمد بن بحر يقول: سمعت يونس بن عبد الله الأعلى يقول: سمعت الشافعي يقول: لو أن رجلاً تصوَّف من أولالنهارلم يأت عليه الظهر إلا وجدته أحمق.
الجواب :
قلت : هذا اثر لا يصح عن الشافعي ، ففي اسناده الحسين بن محمد بن بحر وهو مجهول العين ..
وليس هو الحسن بن محمد بن بحر البتة كما ادعى احد الوهابية ، وقد حاول التملص من هذه الورطة المحقق للكتاب حيث ادعى ان في احدى النسخ ” الحسن بن محمد بن بحر ” !! بدل ” ابو عبد الله الحسين بن بحر ” !! ..
فأما دعوى التصحيف فليست صحيحة ابداً ، اذ ان التصحيف ليس بالامر السهل ، فالاسناد فيه مجهول اسمه ” الحسين بن محمد بن بحر ” ، وكنيته ” ابو عبد الله ” …
واما محاولت تصحيف الاسم فهذا عبث بالاسناد ، فإذا كان كل محقق خفي عليه اسم راوٍ ذهب وصحف اسمه ! فسيصبح علم الاسناد مهزلة ، وهذا لا يقول به عاقل …
وطالما ان الشك تطرق في الاسناد عند الوهابية ، فنقول لهم : ما طرأه الاحتمال سقط به الاستدلال ..
وبهذا فان هذا الاثر لا يصح ..
ولهذا الاثر طريق آخر جاء في الحليه ( 9 / 142 )حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، حدثني أبو الحسن بن القتات ،ثنا محمد بن أبي يحيى ، ثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : سمعت الشافعي ، يقول : ” لوأن رجلا عاقلا تصوف لم يأت الظهر حتى يصير أحمق”
قلت : وهذه الطريق كذلك لا تصح ..
ففي الاسناد أبو الحسن بن القتات وهو مجهول العين ..
وبهذا فأن طرق هذا الاثر لا تصح لوجود المجاهيل فيها …
الاثر الثاني :
وروى ابن الجوزي في تلبيس إبليس ( ص 371 ) عن الشافعي قوله: “ما لزم أحد الصوفيين أربعين يوماً فعاد عقله أبداً.
الجواب :
وهذا اثر لا يصح ابداً !!..
فابن الجوزي يرويه بلاغاً عن الشافعي !! دون اسناد ، ولهذا فلا يلتفت لهذا الاثر لعدم وجود الاسناد ..
الاثر الثالث :
قال الإمام الشافعي رحمه الله:”تركت بالعراق شيئاً يقال له (التغبير) ،أحدثه الزنادقة ،ويصدُّون الناس عن القرآن” روى ذلك الخلال في الأمربالمعروف والنهي عن المنكر( 36 ) ، وأبو نعيم في الحلية ( 9/146 ) ، وابن الجوزي( 244-249) وقال الألباني إسناده صحيح ، وكذلك ابن القيم ..
الجواب :
ليس فيه اشارة الى الصوفية البتة ..
فالشافعي يتكلم عن الزنادقه !!…
فالوهابية في واد والشافعي في واد آخر !!
الاثر الرابع :
أخبرنا محمد بن عبد الله قال: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: سمعت أحمد بن محمد بن السندي يقول: سمعت الرَّبيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: ما رأيت صوفياً عاقلاً قط إلا مسلم الخوَّاص.
الجواب :
هذا الاثر في اسناده أحمد بن محمد بن السندي .
قال عنه الذهبي في الميزان ( 1 / 152 ) : ( أحمد بن محمد بن السندي، أبو الفوارس بن الصابونى المصرى.
صدوق إن شاء الله، إلا أنى رأيته قد تفرد بحديث باطل عن محمد بن حماد الطهراني كأنه أدخل عليه. ) !!..
وذكره ايضاً الذهبي في المغني في الضعفاء ( 1 / 58 ) برقم ( 456 ) فقال : ( احمد بن محمد ابو الفوارس ابن الصابوني المصري ، روى عن الطهراني حديثا كأنه ادخل عليه ) …
قلت : فالرجل اذاً مغفل ادخلت عليه اشياء !! …
فكيف يحتج بمثله ، وهذا جرح مفسر ، فلا يغرك لفظة صدوق ، لان الائمة يطلقونها على سلامة الشخص من الكذب ويكون بذلك حسن الحديث ، هذا اذا كانت لوحدها، واما في مثل حال أحمد بن محمد بن السندي هذا فقد ارفقت بجرح مفسر وهو ايراده حديث باطل!! كأنه ادخل عليه !! ، ومن كان هذا حاله فلا يصح الاحتجاج به؟؟؟
واما احتجاج البعض عليّ بأن الامام ابو زرعة الرازي لا يروي الا عن ثقة ، فقد رد على هذا الكلام الحافظ ابن كثير رحمه الله في الباعث الحثيث لاختصار علوم الحديث في النوع الثالث والعشرون – معرفة من تقبل روايته ومن لا تقبل وبيان الجرح والتعديل حيث قال : ( … وأما رواية الثقة عن شيخ فهل يتضمن تعديله ذلك الشيخ أم لا ؟ فيه ثلاثة أقوال …
ثالثها: إن كان لايروي إلا عن ثقة : فتوثيق وإلا فلا.
والصحيح أنه لا يكون توثيقا له حتى ولو كان ممن ينص على عدالة شيوخه .
ولو قال : حدثني الثقة ،لايكون ذلك توثيقا له على الصحيح ، لأنه قد يكون ثقة عنده لا عند غيره ،وهذاواضح ولله الحمد )
وهذا هو الصحيح ، اذ انه قد يكون ثقة عند هذا الشخص ، ولكنه مجروح عند الآخرين كما هو حال هذا الرجل ..
ونعطي مثالاً لمن لايروي الا عن ثقة فقط ، وهو الامام احمد بن حنبل رضي الله عنه ..
قال المعلمي في التنكيل ( 1 / 429) : ( نص ابن تيمية والسبكي على أن أحمد لايروي إلا عن ثقة وفي تعجيل المنفعة وغيرها ما حاصله على أن عبدالله لايكتب في حياة أبيه إلا عمن أذن له أبوه وكان أبوه لايأذن له بالكتابة إلا عن الثقات وقال وفي فتح المغيث وقوله ( إلا في النادر ) لايضرنا( !!! )
وإنما احترز بها لأن بعض أولئك المحتاطين قد يخطئ في التوثيق فيرويي عمن يراه ثقة وهو غير ثقة وقد يضطر إلى حكاية شيء عمن ليس بثقة فيحكيه ويبين أنه ليس بثقة والحكم فيمن روى عنه أحد المحتاطين أن يبحث عنه فإن وجد أن الذي روى عنه قد جرحه تبين أن روايته عنه كانت على وجه الحكاية فلا تكون توثيقا وإن وجد أن غيره قد جرحه جرحا أقوى مما تقتضيه روايته ترجح الجرح وإلا فظاهر روايته عنه التوثيق .. )
قلت : وهذا تسرع في الحكم من المعلمي رحمه الله …
فقد روى احمد عن اناس اشتهر الكلام فيهم ..
وممن روى عنهم احمد من المتكلم فيهم :
محمد بن القاسم الأسدي
وعمر بن هارون البلخي
وعلي بن عاصم الواسطي
وإبراهيم بن أبي الليث – صاحب الأشجعي –
ويحيى بن يزيد بن عبدالملك النوفلي
ونصر بن باب ،وتليد بن سليمان الكوفي
وحسين بن حسن الأشقر
وأبي سعيد الصاغاني
ومحمّد بن ميسر
علي بن مجاهد الكابلي
وعامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير بن العوام هذا هو المعروف بأبي الحارث عامر بن صالح الزبيري الأسدي المديني.
فلا يخفى عليك ان من هؤلاء ممن اتهم بالكذب والوضع كعامر بن صالح ، وإبراهيم بن أبي الليث ، وعلي بن مجاهد الكابلي وغيره ..
فهؤلاء عند الامام احمد هم ثقات، ولكنهم عند غيره مجروحين جرحاً مفسراً يسقط عدالتهم وترد به رواياتهم ، ولهذا فأن قاعدة التوثيق بـ ( حدثني الثقة ) غير مقبوله دائماً عند المحدثين ..
الاثر الخامس :
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا عبد الله الرازي يقول: سمعت إبراهيم بن المولد يحكي عن الشافعي أنه قال: ( لا يكون الصوفي صوفياً حتى يكون فيه أربع خصال كسول أكول نئوم كثير الفضول ) .
الجواب :
اولاً : من حيث الاسناد : هذا اثر مرسل ، والمرسل من أقسام الضعيف ..
ثانياً : من حيث المتن : وهو مخالف لمعنى التصوف القائم على الاجتهاد بالطاعة والزهد ، بل ان المعنى الذي فهمه إبراهيم بن المولد وهو صوفي يبين انه لو صح – ونحن لا نسلم لذلك – فأنه يقصد المدسوسين على التصوف ، وليس ائمته وارباب المنهج من الاولياء والصالحين ، بدليل ان إبراهيم بن المولد الصوفي هو من يذكر هذه القصة ارسالاً عن الشافعي رحمه الله ..
فاليعلم الفرق
قول الامام احمد في ذم الصوفية :
الاثر الاول :
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى : ” ذكر طائفة من أصحابنا أنَّ الكشف ليس بطريق للأحكام ، وأخذه القاضي أبو يعلى من كلام أحمد في ذمِّ المتكلِّمين في الوساوس والخطرات
…. وإنما ذمَّ أحمدُ وغيره المتكلمين على الوساوس والخطرات من الصوفية حيث كان كلامُهم في ذلك لا يستند إلى دليل شرعيٍّ ؛ بل إلى مجرد رأي وذوقٍ “جامع العلوموالحكم (ص 482)
الجواب :
اما كلام ابن رجب عن الامام احمد فهو بلا اسناد !! ، وانما بلاغاً عنه ، ولا اسناد له البته ..
وأما كلام ابن رجب فهو رأيه …
وكل انسان يؤخذ من كلامه ويردالا رسول الله صلى الله عليه وسلم …
الاثر الثاني :
قال الخلال: أخبرنا إسماعيل بن إسحاق الثقفي أن أبا عبدالله سئل عن سماع القصائد. فقال: أكرهه.
وقال أيضاً أخبرني محمد بنموسى ، قال: سمعت عبدان الحذاء، قال سمعت عبدالرحمن المتطبب ، قال سألت أحمد بن حنبل ، قلت: ماتقول في أهل القصائد؟ قال: بدعة لا يجالسون “
المسائل والرسائل (2/276)
الجواب :
اقول :هذا رأي احمد في مذهبه لاأكثر ، فالمسألة هنا هي مسألة فقهية ، والاختلاف فيها وارد ، بل مؤكد ، فليس فيه تشنيع على الصوفيه لانها مسألة فقهية خلافية ..
وهذا ان صح الاسناد الى احمد، وسنبحث في صحته لاحقاً ..
الاثر الثالث :
وسئل عنه – السماع -أحمد؟ فقال: “بدعة”
وفي رواية: “فكرهه ونهى عن استماعه” وقال: “إذا رأيت إنساناً منهم في طريق فخذ في طريق أُخرى”
رواه الخلال أيضاً من طريق عنه والزيادة من مسألة السماع ص(124) نقلاً عن تحريم الآلات الطرب للألباني.
الجواب :
اقول: وهذه ايضاً مسألة فقهية قد اطال العلماء في الكلام عنها، وطالما ذكرت لي الحافظ ابن رجب رحمه الله قبل قليل ، فلا بأس ان انقل كلامه من كتابه نزهةالأسماع في مسألة السماع ، حيث يقول : ( فنقول سماع الغناء وآلآت الملاهي على قسمين فإنه تارة يقع ذلك على وجه اللعب واللهو وإبلاغ النفوس حظوظها من الشهوات واللذات .
وتارة يقع على وجه التقرب إلى الله عز و جل باستجلاب صلاح القلوب وإزالة قسوتها وتحصيل رقتها )
فاما الامام احمد فقد حرم القسم الاول حيث يقول ابن رجب ايضا : (القسم الأول :
أن يقع على وجه اللعب واللهو فأكثر العلماء على تحريم ذلك أعني سماع الغناء وسماع آلآت الملاهي كلها وكل منها محرم بانفراده وقد حكى أبو بكر الآجري وغيره إجماع العلماء على ذلك والمراد بالغناء المحرم ما كان من الشعر الرقيق الذي فيه تشبيب بالنساء ونحوه مما توصف فيه محاسن من تهيج الطباع بسماع وصف محاسنه فهذاهو الغناء المنهي عنه وبذلك فسره الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية وغيرهما من الأئمة ..
فهذا الشعر إذا لحن وأخرج بتلحينه على وجه يزعج القلوب ويخرجها عن الاعتدال ويحرك الهوى الكامن المجبول في طباع البشر فهو الغناء المنهي عنه فإن أنشد هذا الشعر على غير وجه التلحين فإن كان محركا للهوى بنفسه فهو محرم أيضا لتحريكه الهوى وإن لم يسم غناء .
فأما ما لم يكن فيه شيء من ذلك فإنه ليس بمحرم وإن سمي غناء وعلى هذا حمل الإمام أحمد حديث عائشة رضي الله عنها في الرخصة في غناء نساء الأنصار وقال هو غناء الركبان أتيناكم أتيناكم يشير إلى أنه ليس فيه ما يهيج الطباع إلى الهوى .
ويشهد لذلك حديث عائشة أن الجاريتين اللتين كانتا عندها كانتا تغنيان بما تقاولت به الأنصار رضي الله عنهم يوم بعاث وعلى مثله يحمل كل حديث ورد في الرخصة في الغناء كحديث الحبشية التي نذرت أن تضرب بالدف في مقدم النبي صلى الله عليه و سلم وما أشبهه من الأحاديث ويدل عليه أيضا ما في صحيح البخاري عن الربيع بنت معوذ قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم غداة بني بي فجلس على فراشي وجويريات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر إلى أن قالت جارية منهن وفينا نبي يعلم ما في غد فقال لها أمسكي عن هذه وقولي التي كنت تقولين قبلها ، وفي مسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لعائشة أهديتم الجارية إلى بيتها قالت نعم قال فهلا بعثتم معها من يغنيهم يقول
أتيناكم أتيناكم … فحيونا نحييكم
فإن الأنصار قوم فيه معزل وعلى مثل ذلك أيضا حمل طوائف من العلماء قول من رخص في الغناء من الفقهاء من أصحابنا وغيرهم وقالوا إنما أرادوا الأشعار التي لا تتضمن ما يهيج الطباع إلى الهوى وقريب من ذلك الحداء وليس في شيء من ذلك ما يحرك النفوس إلى شهواتها المحرمة)
وبهذا سقط دليل من انكر على الصوفية رحمهم الله..
الاثر الرابع :
قال ابن تيمية : ” أن الإمام أحمد ذكر له عن السرى السقطى أنه ذُكر عن بكر بن حبيش العابد أنه قال: لما خلق الله الحروف سجدت له ، إلا الألف ، فقالت: لا أسجد حتى أُومر. فقال أحمد: هذا كفر”
الاستقامة لابن تيمية (1/201)
وعن ابن تيمية ايضاً :”ثم إن هذه الحكاية المعروفة عن السرى لما بلغت الإمام أحمد أنكرها غاية الإنكار ، حتى توقَّف عن مدح السرى ، مع ما كان يذكر من فضله وورعه ، ونهى عن أن يذكر عنه مدحه حتى يظهرخطأه في ذلك”
الاستقامة (1/205)
الجواب :
اقول :هذا الاثر عن احمد لا يصح مسنداً ..
فابن تيمية يرويه عن احمد بنحنبل !! بلاغاً ..
فاين السند الى احمد بن حنبل حتى نعرف هل هو موصول او مقطوع ، صحيح ام ضعيف ؟؟؟
الاثر الخامس :
وقال علي بن أبي خالد: قلت لأحمد بن حنبل -رحمه الله- : إن هذا الشيخ – لشيخ حضر معنا – هو جاري ، وقد نهيته عن رجل ، ويحب أن يسمع قولك فيه: حارث القصير – يعني حارثاً المحاسبي – وكنت رأيتني معه منذ سنين كثيرة، فقلت لي: لا تجالسه ، فما تقول فيه؟:
فرأيت أحمد قد احمرّ لونه ، وانتفخت أوداجه وعيناه ، وما رأيته هكذا قط ، ثم جعل ينتفض ، ويقول: ” ذاك؟ فعل الله به وفعل ، ليس يعرف ذاك إلا من خَبَره وعرفه ، أوّيه ، أوّيه ، أوّيه ،ذاك لا يعرفه إلا من قد خبره وعرفه ، ذاك جالسه المغازلي ويعقوب وفلان ، فأخرجهم إلى رأي جهم ،هلكوا بسببه .
فقال له: يا أبا عبدالله يروي الحديث ، ساكنٌ خاشعٌ ، من قصته ومنقصته؟
فغضب أبو عبدالله ، وجعل يقول: لا يغرّك خشوعه ولِينه ، ويقول: لا تغتر بتنكيس رأسه ، فإنه رجل سوء ذاك لا يعرفه إلا من خبره ، لا تكلمه ، ولا كرامة له ، كل من حدّث بأجاديثِ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وكان مبتدعاً تجلس إليه؟! لا ،ولا كرامة ولا نُعْمَى عين ، وجعل يقول:ذاك ، ذاك “
طبقات الحنابلة (1/234)
الجواب :
اما خلاف احمد والحارث المحاسبي فهو معروف انه في مسألة خلق القرآن لاأكثر من ذلك ، وليس لهذا الموضوع دخل في التصوف حتى يقحمه الوهابية !! …
فما دخل خلاف احمد والحارث المحاسبي في موضوع التصوف ؟؟..
وهذه الفتنة – خلق القرآن – ذهب ضحيتها عدد من العلماء ؟؟..
فرأي الحارث المحاسبي والبخاري هو واحد ..
فهل الوهابية الرد علىالبخاري ايضاً ؟؟
كلام الحافظ ابو زرعة الرازي في التصوف :
قال البرذعي : سئل أبو زرعة عن المحاسبي وكتبه ، فقال للسائل : إياك وهذه الكتب ، هذه كتب بدع وضلالات ، عليك بالأثر فإنك تجد فيه ما يغنيك عن هذه الكتب. قيل له : فيه ذه الكتب عبرة ، فقال : من لم يكن له في كتاب الله عبرة فليس له في هذه عبرة ،بلغكم أن مالك بن أنس أو سفيان الثوري أو الأوزاعي أو الأئمة صنفوا كتباً في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء ، هؤلاء قوم قد خالفوا أهل العلم ……. ثم قال: ما أسرع الناس إلى البدع.
تهذيب التهذيب” (2ـ135)
الجواب :
فأما كلام ابو زرعة رحمه الله فهو رأيه لاأكثر ، وكل انسان يؤخذ من كلامه ويرد ..
فالخلاف بين اهل الاثر وأهل الرأي قديم ، وانتهى الامر الى عدم الالتفات اليه ….
اذ أن لكل حججه وبراهينه على منهجه ، فلا يصح هذا في التجريح بشيء ..
وقد مدحه الخطيب وترجم له ترجمة حافلة في تاريخ بغداد ( 8 207 – 208 – 209 – 210 – 211 ) برقم ( 4330 ) فالتراجع ..
واما اعتراض الوهابية على الخطرات ! ، فأقول لهم : ماذا تقولون على هذا النص :
قال أبو الحُسين بنَ الفَرَّاء في «طبقات الحنابلة» في ترجمة أبو الفَرجعبد الواحد بن محمد بن علي بن أحمد الأنصاري الحنبلي : (( … قال : ويُقال : إنَّه اجتمع بالخَضِرِ عَليه السلام مَرَّتين، وكان يتكلّم في عِدَّةِ أوقات على الخواطر ، كما كان يتكلَّم ببغداد أبو الحسن بن القَزْويني الزاهد ، وكان الملك تُتُش يُعظِّمه ،لأنه تَمَّ له مكاشفةٌ معه …. )) ؟؟!!
فماذا سيقولون عن ائمة مذهبهم الحنابلة ؟؟
تعليق الذهبي على كلام ابوزرعة :
قال الذهبي مُعلقاً على كلام أبي زرعة في ميزان الاعتدال (1ـ431 ) : ((وأين مثل الحارث؟ فكيف لو رأى أبو زرعة تصانيف المتأخرين كالقوت لأبي طالب، وأين مثل القوت ! كيف لو رأى بهجة الأسرار لابن جهضم ،وحقائق التفسير للسلمي لطار لُبُّه.
كيف لو رأى تصانيف أبي حامد الطوسي في ذلك على كثرة ما في الإحياء من الموضوعات؟!! – يعني كتاب أبو حامد الغزالي الطوسي الإحياء – ، كيف لو رأى الغنية للشيخ عبد القادر!كيف لو رأى فصوص الحكم والفتوحات المكية؟!
بلى لما كان لسان الحارث لسان القوم في ذلك العصر كان معاصره ألف إمامفي الحديث، فيهم مثل أحمد بن حنبل وابن راهويه، ولما صار أئمة الحديث مثل ابن الدخميس، وابن حانه كان قطب العارفين كصاحب الفصوص وابن سفيان. نسأل الله العفو والمسامحة آمين )) .
الجواب :
كنظرة سريعة على تعليق الذهبي :
اولاً : كلامه عن قوت القلوب وبهجة الاسرار وحقائق التفسير ، هو رأي له لا اكثر ..
وليس هو قدح في المؤلفين لهذه الكتب …
ففرق بين ان انتقد كتاباً ،وان انتقد الكاتب ..
واظن ان هذه النقطة قد اتضحت ..
ثانياً :كلامه عن الاحياء هو من جنس الكلام عن الكتاب وليس الكاتب ، ولعمري اي كتاب من كتب اهل السنة والجماعة يخلو من وجود الموضوعات فيه؟؟..
ثالثاً : مما يؤكد كلامي في النقطتين الاولى والثانية ، من ان الامام الذهبي ينتقد الكتاب الفلاني وليس المؤلف نفسه هو قوله : ( كيف لو رأى الغنية للشيخ عبدالقادر) ، فالامام عبد القادر الجيلاني هو فوق الثقة عن الحنابلة – الذهبي شافعي – شيوخ الذهبي كابن تيمية الذي كان كثيراً ما يمدح الجيلاني ..
والذهبي هنا ينكر الاحاديث الموضوعة في الغنية ، ولم ينكر على الجيلاني ، وكذلك اشار الى هذا ابن كثير في تاريخه …
فعلى الاخوة الوهابية فهم الفرق ..
رابعاً : واما كلامه عن فصوص الحكم ، وليس عن مؤلفه – ابن عربي – ، وذلك للامر نفسه ..
وليس هو قدحاً منه في ابن عربي ..
وإليك قول الذهبي في سيدي محي الدين ابن عربي قدس سره :
نص الذهبي في ترجمته برقم (7984 ) على توثيقه فقال بما نصه فإنه كان عالما بالآثار والسنن ، قوى المشاركة في العلوم . وقولى أنا فيه: إنه يجوز أن يكون من أولياء الله الذين اجتذبهم الحق إلى جنابه عند الموت ، وختم له بالحسنى ) انظر الميزان ( 3/66) ..
ويقول ابن حجر عن ابن عربي في اللسان يجوز ان يكون من أولياء الله تعالى الذين اجتذبهم الحق الى جناته عندالموت ، وختم لهم بالحسنى ، ومن قوله في الله عز وجل :
يا من يراني ولا اراه // كمذا اراه ولا يراني
فلما تسامع الناس بهذا القول انكروه فزاد بيتين اخر فسراه وأزال غموضه :
يا من يراني مذنبا // ولا أراه اخذا
كم ذا أراه منعما // ولايراني لائذا
فهدأت موجة اعتراضهم اذ رأوا القول ممكن التأويل ، ويكاد يكون معظم كلامه الذي اعترض عليه به من هذا القبيل ، أما ما نسب اليه مما لا يمكن تأويله فالراجح أنه مدسوس عليه ) ..
ومثله اشار الذهبي في تاريخ الاسلام ..
وهذا آخر الرد على تشغيب البعض وادعائهم ان الائمة الاعلام قد ذموا التصوف ..