الوجه الثالث: إن الحج بشكل خاص فيه تقرب إلى الله بالسفر إلى البيت الحرام والوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة[1] والطواف بالكعبة والصلاة أمامها وتقبيل الحجر واستلام الركن والذبح في منى؛ فكل هذه المناسك نتقرب بفعلها إلى الله ونعتقد أنها تقربنا إلى الله، فلو طبقنا نظريتكم وفهمكم لآية الزمر ” مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ” وهو أن التشنيع على المشركين فيها إنما كان لأجل اتخاذهم مطلق وسيط ووسيلة تقربهم إلى الله، لو كان الفهم صحيحا لكان الحج كله شعائر وثنية كما زعم بعض الملحدين قديما وحديثا؛ أما قديما فكما فعل أبو العلاء المعري، فقد قيل : “انتقد المعري العديد من عقائد الإسلام، مثل الحج، الذي وصفه بأنه ”رحلة الوثني“.كما أعرب عن اعتقاده بأن طقوس تقبيل الحجر الأسود في مكة المكرمة من هراء الأديان الخرافية التي لم تنتج سوى التعصب الأعمى والتعصب الطائفي وإراقة الدماء لإجبار الناس على معتقداتهم بحد السيف”[2]
وأما حديثا فقد نقل الأخ الفاضل د.أحمد إدريس الطعان في كتابه “العلمانيون والقرآن الكريم” عن بعض العلمانيين المتطرفين قولهم: ‘‘‘‘‘‘‘وإسلامنا مجموعة أساطير مخلوطة من أساطير الشعوب القديمة البابلية ، والسومرية ، والأشورية، والفرعونية ([3]) ، وما هو إلا امتداد للأساطير والوثنيات السابقة كعبادة الإله بعل إله القمر ، لذلك جاءت العبادة العروبية عبادة قمرية ، وتحتفظ إلى اليوم بقدسية القمر، فالشهور قمرية ، والتاريخ قمري ، والصيام قمري، والزمن العربي كله قمري ([4]) . واحتفظ الإسلام ببعض الشعائر والطقوس من الجاهلية وأديان الشرق الأوسط القديم جداً مثل الحج ، والاعتقاد بالجن ، وتقديس الحجر الأسود ، والختان وعذاب القبر وبعض التصورات الأسطورية الأخرى، واستخدمها من أجل إعادة توظيف نتف متبعثرة من خطاب اجتماعي قديم ، بغية بناء قصر إيديولوجي جديد ([5]) . وهكذا يقرر الخطاب العلماني……..اهـ’’’’’’’ انتهى كلام صديقنا د. الطعان نقلته مع الحواشي من كتابه المذكور.
قال وليد: وكلام هؤلاء العلمانيين صحيح لو طبقنا مفهوم ابن تيمية وابن عبد الوهاب ومن تبعهما للعبادة، فكلاهما أي العلمانيون وابن تيمية ومن معه ظنا أن العبادة هي مجرد أفعال لا ترتبط بالعقيدة ولا بالنية، وهذا باطل بل الفعل لا يكون عبادة إلا بالنية والاعتقاد، نية فعل النسك بقصد العبادة، واعتقاد أن المعبود هو رب وإله، وفضلا عن ذلك فإن الإتيان بمناسك الحج هو عبادة لله لأنه هو تعالى أمر به، فما يأمر به تعالى ففعله عبادة لله وتركه معصية بغض النظر عن ماهية المأمور به أو المنهي عنه، ولهذا الكلام مزيد بسط في موضع آخر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] قال ابن حجر في فتح الباري 3/523: وسميت المزدلفة إما لاجتماع الناس بها أو لاقترابهم إلى منى أو لازدلاف الناس منها جميعا أو للنزول بها في كل زلفة (وقت) من الليل أو لأنها منزلة وقربة إلى الله أو لازدلاف آدم إلى حواء بها.اهـ
[2] كذا في:
http://ar.wikipedia.org/…/%D8%A3%D8%A8%D9%88_%D8%A7%D9…
([3]) حاول تركي علي الربيعو في كتابه ” الإسلام وملحمة الخلق الأسطورة ” أن يعقد مقارنات بين العقائد الإسلامية والأساطير القديمة زاعماً أن إسلامنا ما هو إلا امتداد لهذه الأساطير . وانظر : رشيد الخيون ” جدل التنزيل ” ص 74 ، 75 يقول الخيون : إن طه اسم إله عند الهنود الحمر ، وعند السومريين اسم مسيح منتظر . قلت : إن طاهايو الذي ينتظره السومريين ما هو إلا بشارة بطه أي بمحمد صلى الله عليه وسلم .
([4]) انظر : سيد القمني ” رب الزمان ” ص 168 .
([5]) انظر لأركون ” القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني ” ص 108 و ” نافذة على الإسلام ” ص 114 و ” تاريخية الفكر العربي الإسلامي ” ص 231 وانظر : طيب تيزيني ” النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة ” ص 113 وانظر ” عبد المجيد الشرفي ” الإسلام بين الرسالة والتاريخ ” ص 26 .
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/418630301584331/