الرواق المنهجي والحنبلي( بإشراف الشيخ محمد عبد الواحد الأزهري الحنبلي).
بين ابن مفلح وابن القيم:
الناظر في تعامل السادة الحنابلة مع اثنين من كبار تلامذة ابن تيمية: يدرك عمق فهمهم وحسن نظرهم.
أعني: ابن مفلح وابن القيم.
فعلى الأول: مدار التصحيح في المذهب،
وعلى كتابه “الفروع”: الاعتماد،
وعلى اتجاهاته وتصحيحاته: التعويل.
وأما الثاني: فقلما يُذكر في كتب أصحابنا الفقهية والأصولية بالنظر إلى كبار أئمة المذهب عموما، وقياسا بابن مفلح خصوصا.
(ملحوظة للمتعصبين: لا أنفي ذكره والنقل عنه أحيانا).
بل عرضوا به مرة أنه لم يفهم مراد الحنابلة.
وهذا موجود في كتاب العلامة المرداوي: “الإنصاف”!
- لماذا هذا الفرق، وكلاهما كبير في العلم؟
لأن شخصية ابن مفلح كانت عصية على الذوبان والابتلاع؛
فهو حافظ قدر شيخه، وناقل أقواله ومستودعها، ولكنه يأخذ ويرد، ويقبل وينتقد، ويحافظ على روح المذهب وأعمدته وأركانه.
بخلاف ابن القيم الذي وظيفته الكبرى: شرح كلام شيخه، وإعادة صياغته، وتسهيله، وتطويله.
وقد يقع مع ذلك في مزالق كان الشيخ يتوقف عن ولوجها.
وهو درس مهم: أنه إذا كان ابن القيم -وهو من هو-: وقع في مزالق من جراء طرد الطريقة مع عدم التنبه التام: فكيف بمن هو دونه بمراحل في العلم والفهم؛ ممن هم: سم هذا الزمان الزعاف، وبلاؤه العظيم؟!
وعلى كل حال:
فالحنابلة بعد ابن تيمية كانوا أهل وعي وإنصاف، كما سبق بيان ذلك.
وابن تيمية أوسع من أن: يفهمه الأغبياء، ويتمثله الحمقى.
وفي القراءة له دون تأهل ووعي: ضرر بالغ، فكيف بالاقتصار عليه -والزمان شاهد، والحمقى متوافرون-؟!
وليس ذا ذما لابن تيمية، لكن اللحم يقتل الرضيع، وطعام الكبار سم الصغار.
وابن تيمية إنما كان يعالج مشاكل زمانه، بنظرته.
وبعض من يخالفه الآن:
يعالج مشاكل زماننا التي تسبب فيها من استورد النموذج التيمي دون فهم له ولا أهلية.
بل بعضهم: تيمي وهو يخالف ابن تيمية؛ أكثر ممن يدعي الانتساب إليه؛ لأن العبرة بالمنهج والحقائق، لا بظواهر الأقوال.
وهذا بعينه سبب مخالفة بعض من عاصره إياه في بعض ما قرره؛ لبعد نظرهم.
وسيأتي لنا كلام في هذا -إن شاء الله-.