إذا روي الحديث مرسلا مرة، وروي مرة أخرى موصولا؛ فما هو الراجح؟ للعلماء خمسة أقوال، القول الأول: أن الراجح الوصل، والثاني: أن الراجح الإرسال، والثالث: الترجيح لمن رواته أكثر، والرابع: الترجيح للأحفظ، والخامس: التوقف.
وفي الواقع أنه ليس ثمة قول واحد من هذه الخمسة يمكن أن يكون قاعدة مطردة مع جميع الأحاديث التي تتعارض فيها الوصل والإرسال؛ قال د.ماهر ياسين الفحل بعد أن حكى الأقوال الخمسة السابقة ـ في أطروحته التي قدمها للدكتوراة والتي هي بعنوان أثر اختلاف المتون والأسانيد في اختلاف الفقهاء: “هذا ما وجدته من أقوال لأهل العلم في هذه المسألة ، وهي أقوال متباينة مختلفة ، وقد أمعنت النظر في صنيع المتقدمين أصحاب القرون الأولى ، وأجلت النظر كثيرا في أحكامهم على الأحاديث التي اختلف في وصلها وإرسالها ، فوجدت بونا شاسعا بين قول المتأخرين وصنيع المتقدمين ، إذ إن المتقدمين لا يحكمون على الحديث أول وهلة ، ولم يجعلوا ذلك تحت قاعدة كلية تطرد عليها جميع الاختلافات ، وقد ظهر لي من خلال دراسة مجموعة من الأحاديث التي اختلف في وصلها وإرسالها: أن الترجيح لا يندرج تحت قاعدة كلية ، لكن يختلف الحال حسب المرجحات والقرائن ، فتارة ترجح الرواية المرسلة وتارة ترجح الرواية الموصولة . وهذه المرجحات كثيرة يعرفها من اشتغل بالحديث دراية ورواية وأكثر التصحيح والتعليل ، وحفظ جملة كبيرة من الأحاديث، وتمكن في علم الرجال وعرف دقائق هذا الفن وخفاياه حتى صار الحديث أمرا ملازما له مختلطا بدمه ولحمه”اهـ ثم ضرب على ذلك أمثلة فانتظر بعضها.
والواقع أن ما توصل إليه هذا الباحث، نص عليه غير واحد من العلماء، هذا السخاوي يقول في كتابه الجليل: فتح المغيث: ” والظاهر أن محل الأقوال (أي الخمسة) فيما لم يظهر فيه ترجيح ، كما أشار إليه شيخنا ، وأومأ إليه ما قدمته عن ابن سيد الناس ، وإلا فالحق حسب الاستقراء من صنيع متقدمي الفن – كابن مهدي ، والقطان ، وأحمد ، والبخاري – عدم اطراد حكم كلي .بل ذلك دائر مع الترجيح ، فتارة يترجح الوصل ، وتارة الإرسال ، وتارة يترجح عدد الذوات على الصفات ، وتارة العكس، ومن راجع أحكامهم الجزئية تبين له ذلك”.اهـ
انظر المنشور أعلاه أيضا على: