علوم الحديث الشريف

لقب شيخ الإسلام

شيخ الإسلام :
لقبٌ أو وصفٌ يُفترض أن يدلَّ على سعة علمِ من وُصف به ورسوخِه في العلم ، وإمامتِه في الدين، وصلاحِه لإفتاء الأمة والمشاركة العظيمة في إصلاح أحوالها ، ودعوتِها إلى الله على بصيرة.
وأشهر من اشتهر بهذا الوصف هو الإمام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية رحمه الله .
وهذه الكلمة قديمة الاستعمال قالها الذهبي في (الكاشف) في الإمام عبد الله بن المبارك ، فقال : (وناهيك به شيخ الإسلام ، وشيخُ الإسلام إنما هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه الذي ثبّت الزكاة، وقاتل أهل الردة ؛ فاعرفه)(1) .
وقد أخرج الخطيب في (الرحلة في طلب الحديث) (ص91-92) عن الفضل قال : سمعت أحمد رحمه الله وقال له رجل : عمن ترى يكتب الحديث ؟ فقال له : أخرج إلى أحمد بن يوسف ، فإنه شيخ الإسلام .
وقال السخاوي في (الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر) (1/66) :
(ولم تكن هذه اللفظة مشهورة بين القدماء بعد الشيخين : الصدّيق والفاروق، رضي الله عنهما؛ الوارد وصفهما بذلك عن علي رضي الله عنه، فيما ذكره المحب الطبري في “الرياض النضرة” بلا إسناد—-) .
__________
(1) نقل كلمة الذهبي هذه عن كتابه (الكاشف) الحافظُ السخاوي في (الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر) (1/66) ؛ وهذه الجمل التي نقلها السخاوي لم يرد في مطبوعة (الكاشف) شيء منها ، وإنما ورد فيها (1/591) (2941) وصفه بأنه (شيخ خراسان) ، وعلق محمد عوامة على كلمة (شيخ خراسان) هذه بقوله : (هو كذلك في الأصل ونسخة السبط ، لا يحتمل أدنى لَبْس ، لكن في النسخة الحلبية الثانية : شيخ الإسلام ، وهكذا نقله السخاوي في الجواهر والدرر 1/15 ! ) .

=======

وقال السخاوي أيضاً (1/68) عقب شيء ذكرَه : (وقد وصف الإمام المبجل أحمد بن حنبل – وناهيك بورعه وتحريه – أبا الوليد الطيالسي، وأحمد بن يونس(1)، بمشيخة الإسلام، ولم يكن لهما سوى فنِّ الحديث ؛ ولم تنحصر مشيختُه(2) في واحد منهما، رحمهم الله وإيانا). انتهى.
وإذا قال ابن حجر في (فتح الباري) : (شيخنا شيخ الاسلام) ، فالمراد به شيخه البلقيني ، وأحياناً يصرح به .
وهذه اللفظة أطلقها السيوطي وغيره على ابن حجر ، بل كاد السيوطي في (تدريب الراوي) أن يقتصر عليها وحدها عند ذكره ابن حجر ؛ وأطلقها أيضاً ابن القيم في (مدارج السالكين) – وأحياناً في غيره من كتبه – على الشيخ الهروي صاحب (منازل السائرين) الذي شرحه هو في (المدارج)(3) ؛ ثم أطلقتْ أيضاً على زكريا الأنصاري وهو من مشاهير متأخري الشافعية (ت 925هـ) .
وأطلقت – بعد أن صارت منصباً رسمياً في الدولة العثمانية – على جماعة من المتأخرين الذين شغلوا ذلك المنصب.
وأطلق الآلوسي في (روح المعاني) هذا اللقب على المفسر أبي السعود ، فكان إذا نقل عنه من (تفسيره) قال – غالباً – : (قال شيخ الإسلام)(4) .
__________
(1) هو أحمد بن عبدالله بن يونس الكوفي التميمي ؛ قال المزي في (تهذيب الكمال) (1/377) : (قال الفضل بن زياد القطان : سمعت أحمد بن حنبل – وقال له رجل : عمن ترى أن نكتب الحديث ؟ – قال : اخرجْ إلى أحمد بن يونس ، فإنه شيخ الإسلام).
(2) أي مشيخة الحديث.
(3) ومن عباراته في (المدارج) هذه العبارة العظيمة الشهيرة – وهي في منزلة الرجاء (2/37) – : (شيخ الإسلام حبيب إلينا ، والحق أحب إلينا منه ، وكل من عدا المعصوم فمأخوذ من قوله ومتروك ) ، ثم قال عقبها: (ونحن نحمل كلامه على أحسن محامله ثم نبين ما فيه—-).
(4) وكان الالوسي إذا نقل عن (تفسير البيضاوي) يقول : قال القاضي ؛ وإذا نقل عن (تفسير الفخر الرازي) يقول : قال الإمام .

=======

وتكلم السخاوي في (الجواهر والدرر) (1/65-68) على معنى هذه اللفظة وتاريخ استعمالها وشيوعها، وذكر جماعة ممن لُقبوا بها ؛ ومما قاله هناك هذه الجملة :
(وابتُذلت هذه اللفظة، فوُصف بها على رأس المئة الثامنة ، وما بعد ذلك، من لا يُحصى كثرةً، حتى صارت لقباً لكل من ولي القضاء الأكبر، ولو كان عارياً عن العلم والسن وغيرهما؛ بل صارت جهلةُ الموقِّعين وغيرهم يَجمعون جُلَّ الأوصاف التي لا توجد الآن متفرقة في سائر الناس ، للشخص الواحد؛ والعجب ممن يُقرّهم على ذلك؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون).

كذا في:

الكتاب : لسان المحدثين
(مُعجم يُعنى بشرح مصطلحات المحدثين القديمة والحديثة ورموزهم وإشاراتهم وشرحِ جملة من مشكل عباراتهم وغريب تراكيبهم ونادر أساليبهم)
المؤلف : محمد خلف سلامة
(الموصل: 14/2/2007)
عدد الأجزاء : 5 أجزاء
مصدر الكتاب : ملفات ورد نشرها المؤلف في ملتقى أهل الحديث.

http://islamport.com/w/mst/Web/2396/832.htm


السابق
الفخر الرازي: واعلم أن ‌الناس ‌يفهمون ‌من ‌العظمة ‌كبر ‌الجثة، ويفهمون من العلو علو الجهة، ويفهمون من الكبر طول المدة، وجل الحق سبحانه عن هذه الأوهام
التالي
[2] الكلام على أثر ابن مسعود في النهي عن الذكر