رابط المقال على الفيس بوك:
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/793558827424808/
“ولكن المراد أن الندامة لو كانت قليلة لوجب أن يتجنب ما يؤدي إليها ، فكيف وهي كثيرة ؟ فصار لفظ التقليل هنا أبلغ من التصريح بلفظ التكثير”(#تفسير، سورة الحجر)
‘‘‘‘‘_ المراد بـ ( رُبَّ ) في قوله تعالى {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2] :
رجح أبوحيان أن معنى ( رُبَّ ) في هذا الموضع التكثير ، وأنه المفهوم من سياق الكلام ؛ حيث قال : (( ومن قال : إنّ التقليل والتكثير إنما يفهم من سياق الكلام لا من موضوع ( رُبَّ ) ، قال : دل سياق الكلام على الكثرة ))[1] .
وبين في النهر الماد أن اختيار التقليل أوالتكثير في معنى ( رُبَّ ) يكون على حسب الفهم من سياق الكلام ؛ حيث قال : (( وقد اختلفوا تفيد التقليل أم التكثير ، والذي يظهر أن ذلك يفهم من سياق الكلام لا من موضعها ، ومثال هذا التركيب القرآني قول الشاعر :
ربما تكره النفوس من الأمر له فرجة كحل العقل[2] ))[3] .
الدراسة والموازنة :
اختلف المفسرون في ( رُبَّ ) تفيد التقليل أم التكثير على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أنها للتقليل والتكثير ، وأن التقليل والتكثير إنما يفهم من سياق الكلام لا من موضوع رب ، وهو ما رجحه أبو حيان ، ووافقه ابن عثيمين[4] ، والسياق هنا دل على الكثرة[5] .
واستدلوا بما يلي :
1 _ أن “ربما” تقع على التقليل والتكثير ، وهو وارد في اللغة ،كما يقع الناهل : على العطشان والريَّان ، والجَوْن : على الأسود والأبيض[6] .
2 _ أنها جاءت على هذا المعنى _ وهو التكثير _ في الشعر كثيراً[7] . ومنه قول الشاعر :
ربما تكره النفوس من الأمر له فرجة كحل العقل .
3 _ أن سياق الكلام دل على الكثرة[8] .
القول الثاني : أنّ ( رُبَّ ) للتقليل ، وهو قول الزجاج[9] ، والنحاس[10] ، والزمخشري[11] ، وابن عطية[12] ، وابن الجوزي[13] ، والرازي[14] ، والبيضاوي[15] ، والبقاعي[16] ، والخازن[17] ، والثعالبي[18] ، وأبي السعود[19] ، والمراغي[20] .
وذكر الرازي أن العلماء اتفقوا على ذلك[21] ، ورد عليه أبو حيان أن دعواه اتفاق العلماء على ذلك باطلة[22] .
و احتاج أصحاب هذا القول إلى تأويل مجيء ( رُبَّ ) هنا[23] ؛ لأن هذه الآية خارجة مخرج الوعيد ، فإنما يناسب الوعيدَ تكثيرُ ما يُتوعَد به ، فاستدلوا بثلاثة أمور :
1 _ دلالة سياق الآية اللاحقة عليه .
قال النحاس _ رحمه الله _ : (( والدليل على أنه وعيد وتهديد قوله بعد {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر: 3][24].
2 _ أنه وارد على مذهب العرب في قولهم : لعلك ستندم على فعلك ، وربما ندم الإنسان على ما فعل ، ولا يشكون في تندمه ، ولا يقصدون تقليله ، ولكنهم أرادوا : ولو كان الندم مشكوكاً فيه أو كان قليلاً لحق عليك أن لا تفعل هذا الفعل ؛ لأنّ العقلاء يتحرّزون من التعرّض للغم المظنون ، كما يتحرّزون من المتيقن ومن القليل منه ، كما من الكثير ، وكذلك المعنى في الآية : لو كانوا يودّون الإسلام مرة واحدة ، فبالحري أن يسارعوا إليه ، فكيف وهم يودّونه في كل ساعة ، فقـوله تعـالى {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2] حكاية ودادتهم[25] ، وهو مستعمل في التهكم والتخويف[26] ، وأبلغ في التهديد[27] .
وذكروا أن لفظ التقليل أبلغ من لفظ التكثير فقالوا : إن الرجل يقول لصاحبه : لا تعادي فربما ندمت . وهذا موضع ينبغي أن تكثر فيه الندامة ، ولكن المراد أن الندامة لو كانت قليلة لوجب أن يتجنب ما يؤدي إليها ، فكيف وهي كثيرة ؟ فصار لفظ التقليل هنا أبلغ من التصريح بلفظ التكثير . وعلى هـذا تـأولوا قـوله تـعالى {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2][28] .
2 _ وقيل : تدهشهم أهوال ذلك اليوم فيبقون مبهوتين ، فإن كانت منهم إفاقة في بعض الأوقات من سكرتهم تمنوا ؛ فلذلك قلل[29] .
3 _ أنهم قالوا ذلك في بعض المواضع لا في كلها[30] .
القول الثالث : إنها مستعملة في هذا الموضع للتكثير ، وإن كانت في الأصل موضوعة للتقليل ، أي : يود الكفار في أوقات كثيرة لو كانوا مسلمين ، قاله الكوفيون[31] ، وهو قول الماوردي[32] ، والقرطبي[33] ، والشوكاني[34] .
فالتكثير على هذا القول في الآية ظاهر ؛ لأنّ ودادتهم ذلك كثيرة[35] .
وبين ابن عطية أنها تجيء شاذة للتكثير ، وذكر أن قوماً قالوا : إن هذه الآية من ذلك ، ومنه : رب كأس هرقت يا ابن لؤي[36] [37] .
وذكر ابن جزي أنه قيل في توجيه هذا القول : إنما عبر عن التكثير بأداة التقليل على وجه التهكم كقوله تعالى{ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ } [النور: 64][38] .
وأنكر الزجاج[39] ، والنحاس[40] ، والنسفي[41] على من قال : إنها للتكثير ، بأنه سهو ، ولا يعرف في كلام العرب ، وهو ضد ما يعرفه أهل اللغة في أنها وضعت للتقليل ، وإنما خوطبوا بما يعقلون .
ورد أبو حيان على الزجاج فقال : (( وقول الزجاج : إن رب للكثرة ضد ما يعرفه أهل اللغة ليس بصحيح[42] )) [43] .
الترجيح :
مما سبق يظهر أن الراجح _ والله تعالى أعلم بالصواب _ القول الأول وهو ما رجحه أبو حيان ومن معه ، وهو أنه يفهم من السياق هل هي للتقليل أم التكثير ، وهي هنا في هذه الآية للتكثير ، وكذلك يترجح القول الثالث ، وهو أنها للتكثير في هذا الموضع ، وإن كان الأصل فيها أنها للتقليل ؛ وذلك لما يلي:
1 _ وروده في اللغة .
2 _ أن القول بالتكثير في الآية واضح لا يحتاج إلى تأويل ، والقول بالاستقلال مقدم على القول بالإضمار[44] .
3 _ هذه الآية خارجة مخرج الوعيد ، فإنما يناسب الوعيدَ تكثيرُ ما يُتوعََد به .’’’’’
كذا في ترجيحات أبي حيان الأندلسي في التفسير من الآية: (10) من سورة الرعدإلى الآية: (79) من سورة النحل، جمعاً ودراسة وموازنة ((من خلال تفسيره البحر المحيط))، بحث مقدم لنيل درجة الدكتوراه من قسم الكتاب والسنة، إعداد الطالبة: هيفاء بنت صالح بن طاهر بوقس.
===========================
[1] _ البحر المحيط : ( 5 / 433 ) .
[2] _ قال الشهاب : (( هو من شعر أمية بن الصلت ، وقيل : لحنيف بن عمير اليشكري ، وقيل : للبهر ابن أخت مسيلمة الكذاب )) . حاشية الشهاب : ( 5 / 494 ) .
[3] _ النهر الماد : ( 2 / 212 ) .
[4] _ ينظر : شرح المقدمة الآجرومية : ( 20 ) .
[5] _ ينظر : البحر المحيط : ( 5 / 433 ) ، واختيارات أبي حيان النحوية في البحر المحيط : ( 2 / 519 ) .
[6] _ ينظر : زاد المسير : ( 4 / 381 ) .
[7] _ ينظر : إملاء ما من به الرحمن : ( 368 ) .
[8] _ ينظر : البحر المحيط : ( 5 / 433 ) .
[9] _ ينظر : معاني القرآن : ( 3 / 172 ) .
[10] _ ينظر : معاني القرآن : ( 4 / 9 ) .
[11] _ ينظر : الكشاف : ( 3 / 396 ) .
[12] _ ينظر : المحرر الوجيز : ( 9 / 107 )
[13] _ ينظر : زاد المسير : ( 4 / 380 ) .
[14] _ ينظر : التفسير الكبير : ( 19 / 156 ) .
[15] _ ينظر : تفسير البيضاوي مع حاشية الشهاب : ( 5 / 495 ) .
[16] _ ينظر : نظم الدرر : ( 4 / 397 ) .
[17] _ ينظر : لباب التأويل في معاني التنزيل : ( 4 / 133 ) .
[18] _ ينظر : الجواهر الحسان : ( 2 / 206 ) .
[19] _ ينظر : إرشاد العقل السليم : ( 5 / 64 ) .
[20] _ ينظر : تفسير المراغي : ( 14 / 5 ) .
[21] _ ينظر : التفسير الكبير : ( 19 / 156 ) .
[22] _ ينظر : البحر المحيط : ( 5 / 431 ) .
[23] _ ينظر : البحر المحيط : ( 5 / 433 ) .
[24] _ معاني القرآن : ( 4 / 9 ) .
[25] _ ينظر : معاني القرآن : ( 3 / 172 ) ، و الكشاف : ( 3 / 396 ) ، و تفسير البيضاوي مع حاشية الشهاب : ( 5 / 495 ) ، ونظم الدرر : ( 4 / 397 ) ، و تفسير المراغي : ( 14 / 5 ) .
[26] _ ينظر : التحرير والتنوير : ( 14 / 11 ) .
[27] _ ينظر : إعراب القرآن ، للأصبهاني : ( 185 ) .
[28] _ ينظر : الجنى الداني في حروف المعاني : ( 1 / 74 ) .
[29] _ ينظر : معاني القرآن : ( 3 / 172 ) ، والكشاف : ( 3 / 396 ) ، وزاد المسير : ( 4 / 381 ) ، ومدارك التأويل وحقائق التنزيل : ( 1 / 268 ) ، والبحر المحيط : ( 5 / 433 ) ، وتفسير البيضاوي مع حاشية الشهاب : ( 5 / 495 ) .
[30] _ ينظر : النكت والعيون : ( 3 / 148 ) .
[31] _ ينظر : الجامع لأحكام القرآن : (10 / 1 ) ، وفتح القدير : ( 3 / 121 ) .
[32] _ ينظر : النكت والعيون : ( 3 / 148 ) .
[33] _ ينظر : الجامع لأحكام القرآن : (10 / 1 ) .
[34] _ ينظر : فتح القدير : ( 3 / 121 ) .
[35] _ ينظر : البحر المحيط : ( 5 / 433 ) .
[36] _ أنشده ابن بري :
رب كأس هرقتها ابن لؤي حذر الموت لم تكن مهراقة . ينظر : لسان العرب : (10 / 315 ، 365 ) ، وتاج العروس : ( 1 / 6557 ، 6623 ) ,
[37] _ ينظر : المحرر الوجيز : ( 9 / 107 _ 108 )
[38] _ ينظر : التسهيل لعلوم التنزيل : ( 2 / 263 ) .
[39] _ ينظر : معاني القرآن : ( 3 / 172 ) .
[40] _ ينظر : معاني القرآن : ( 4 / 9 ) .
[41] _ مدارك التنزيل وحقائق التأويل : ( 1 / 268 ) .
[42] _ اختلف أهل اللغة في معنى ( رُبَّ ) على أقوال :
الأول : أنها للتقليل . وهو مذهب أكثر النحويين . ونسبه صاحب البسيط إلى سيبويه .
والثاني : أنها للتكثير . نقله صاحب الإفصاح عن صاحب العين ، وابن درستويه ، وجماعة . ولم يذكر صاحب العين أنها تجيء للتقليل .
الثالث : أنها تكون للتقليل والتكثير . فهي من الأضداد . وإلى هذا ذهـب الفارسي في كتاب الحروف .
الرابع : أنها أكثر ما تكون للتقليل .
الخامس : أنها أكثر ما تكون للتكثير ، والتقليل بها نادر. وهو اختيار ابن مالك .
السادس : أنها حرف إثبات ، لم يوضـع لتقليل ولا تكثير . بل ذلك مستفاد من السياق ، وهو ما رجحه أبو حيان .
السابع : أنها للتكثير في موضع المباهاة والافتخار . ينظر : الجنى الداني في حروف المعاني : ( 1 / 74 ) ، والإتقان : ( 1 / 186 ) ، وروح المعاني : ( 9 / 432 ) .
[43] _ ينظر : البحر المحيط : ( 5 / 431 ) .
[44] _ ينظر : قواعد الترجيح عند المفسرين : ( 2 / 421 ) .