ثالثا: ما جاء عن الإمام سفيان بن عيينة “: كل ما وصف الله تعالى من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته ، والسكوت عليه”
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري لابن حجر (13/ 407): وأسند البيهقي بسند صحيح عن احمد بن أبي الحواري عن سفيان بن عيينة قال كل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عنه[1].اهـ
فقول ابن عيينة ” فتفسيره تلاوته والسكوت عنه ” يدل دلالة صريحة على عدم تفسير آيات الصفات عامة، بل تُتلى فقط، ويُسكت عنها، فهل ثمة دليل أقوى من ذلك على أن السلف لم يكونوا يفسرون آيات الصفات؟!! أوَليس هذه الرواية بمفردها كافية لنقض زعم ابن تيمية من أن السلف كانوا يفسرون آيات الصفات المتشابهة، ويحملونها على معناها الظاهر، دون أن يخوضوا في الكيف؟!
ولعل ابن تيمية أدرك أن هذه الرواية عصية على التأويل، لأنه حين تأول كلام محمد بن الحسن الشيباني وأبي عبيد حين نقلا عن السلف أنهم ما كانوا يفسرون آيات الصفات، زعم ابن تيمية أن مرادهما أن السلف ما كانوا يفسرون آيات الصفات بتفسير الجهمية، ولكن ابن تيمية أدرك أن هذا التأويل إن صلح هناك في كلام الشيباني وأبي عبيد لا يصلح هنا في كلام ابن عيينة، إذ سوف يصير الكلام هنا معناه: وتفسيره تلاوته، أي وتفسير الجهمية تلاوته والسكوت عنه، وهذا معنى باطل عند ابن تيمية نفسه، لأنه يرى أن الجهمية ما كانت تكتفي بتلاوة آيات الصفات والسكوت عليها، وإنما كانت تتأولها ولذلك رد عليهم السلف.
فلا جرم أن ابن تيمية أعرض عن كلام ابن عيينة حين رآه عصيا على التأويل، فتجاهله تماما، هو وتلميذه ابن القيم فلم يَرَد كلامُ ابن عيينة هذا في كتبهما قط[2]، ولا ورد في كتب السلفية المعاصرة، اللهم أن بعض السلفية أورده لتأويله كما سيأتي.
وهذا كله يزيدنا تأكيدا أن ابن تيمية وأتباعه لم يرفضوا التفويض ويشنعوا عليه، انطلاقا من مذهب السلف، وإلا لما تأولوا كلامَ السلف كما فعل ابنُ تيمية في كلام الشيباني وتلميذه أبي عبيد، وكما سيأتي في تأويله لكلام أحمد بن حنبل نفسه في الباب؛ ولا تجاهلوا بعضَه الآخر كما فعل ابن تيمية مع كلام ابن عيينة هنا؛ غاية ما في الأمر أن ابن تيمية رفض مذهب التفويض ورفض أن يُنسب التفويض إلى السلف من أجل التمهيد لمذهبه في التجسيم ليَحمل آياتِ الصفات على المعنى الحسي لها، مدعيا أن هذا هو مذهب السلف لئلا يُنكِر عليه أحد؛ لأنه ـ حسب ظن ابن تيمية ـ سيكون منكرا على السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم وهم خير القرون.
ولكن ندرك معنى تجاهل ابن تيمية لقول ابن عيينة :”فتفسيره تلاوته، والسكوت عليه” في مسألة التفويض هذه التي أقام ابن تيمية الدنيا من أجلها ….أقول: لكي ندرك ذلك يجب أن نقارن تجاهل ابن تيمية هذا بعبارة أخرى يكثر تردادها في كتبه لأنها تؤيد مذهبه، وهي ما روي عن السلف “الاستواء معلوم، والكيف مجهول” فهذه الرواية كررها ابن تيمية في كتبه عشرات المرات واستشهد بها على بطلان التفويض عند السلف؛ مع أن جملة ” والكيف مجهول” لم تثبت عن أحد من السلف[3]، فتأمل كيف يكرر ابن تيمية العبارة التي لم تصح عن السلف، لأنها تؤيد مذهبه؛ ويتجاهل الرواية الصحيحة عن السلف أو يؤولها إذا أوردها، لأنها تخالف مذهبه؛ فأين هو من مذهب السلف الذي يدعيه؟
وأما الألباني ومن على شاكلته فقال مراد سفيان بالتفسير التأويل؛ قلنا:…….انتظره
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*انظر السابق:https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/418657854914909/
[1] روي هذا عن ابن عيينة بأسانيد متعددة، انظر: الأسماء والصفات للبيهقي (2 / 307)، و(2 / 117) وقد صحح أيضا الحاشدي ـ وهو من السلفية ـ محقق الأسماء والصفات إسنادَه، وانظر: كتاب الاعتقاد للبيهقي أيضا (1 / 70).
[2] حسب بحثي واطلاعي على كتب ابن تيمية وتلميذه، بالإضافة إلى الاستعانة بالحاسوب.
[3] وإنما الثابت “والكيف عنه مرفوع”، أو “والكيف غير معقول” وسوف أفصّل ذلك لاحقا في مقال مستقل، إن شاء الله.
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/449858551794839/