[8] هل تعلم أن عبارة اللاءات التي يرددها ابن تيمية في كتبه ويستشهد بها وينسبها للسلف وهي: “نثبت الصفات بلا تمثيل ولا تعطيل ولا تكييف ولا تأويل” هي عبارة ملفقة ومبتورة ومتلاعَب فيها؟!
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/399665656814129/
ثانيا: ما جاء عن الإمام أبي عبيد القاسم بن السلام وحكايته التفويض عن السلف.
فقد جاء في مجموع الفتاوى لابن تيمية- (5 / 51): وروى البيهقي[1] وغيره بإسناد صحيح عن أبي عبيد القاسم بن سلام قال : هذه الأحاديث التي يقول فيها { ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره } { وإن جهنم لا تمتلئ حتى يضع ربك فيها قدمه } { والكرسي موضع القدمين } وهذه الأحاديث في ” الرؤية ” هي عندنا حق حملها الثقات بعضهم عن بعض ؛ غير أنا إذا سئلنا عن تفسيرها لا نفسرها وما أدركنا أحدا يفسرها .
فأبو عبيد وهو القاسم بن سلام (150 – 224ه) وهو من تلامذة محمد بن الحسن وأبي يوسف والشافعي، يصرح فيقول عن أخبار الصفات المتشابهة هذه ” إذا سئلنا عن تفسيرها لا نفسرها وما أدركنا أحدا يفسرها” إذن هو يمتنع عن تفسيرها وينقل عن شيوخه أنه ما سمعهم يفسرونها، فهل يقول ابن تيمية إن أبا عبيد أراد: ما أدركنا أحدا يفسرها تفسير الجهمية؟ كيف، وابن تيمية يدعي أن السلف هم الذين ردوا على الجهمية[2] وضللوهم وكفروهم لأنهم تأولوا آيات الصفات وفسّروها، فكيف يرد السلفُ عليهم تفسيرهم ولا يعلمون به؟!
إذن السلف كانوا يعلمون بتفسيرات الجهمية فكيف يستقيم تأويل ابن تيمية لكلام أبي عبيد هنا؟
وهنا بحث ابن تيمية عن تأويل آخر فقال في مجموع الفتاوى (5 / 51): “وقد أخبر أنه ما أدرك أحدا من العلماء يفسرها : أي تفسير الجهمية”.
قارن أخي القارئ بين عبارة ابن تيمية هذه؛ وبين عبارة أبي عبيدة الذي قال فيها: ” إذا سئلنا عن تفسيرها لا نفسرها وما أدركنا أحدا يفسرها” لتعرف ماذا زاد ابن تيمية فيها.
ولدى المقارنة نجد أن عبارة أبي عبيد هي ” وما أدركنا أحدا يفسرها”
وبعد تأويل ابن تيمية لها صارت ” ما أدرك أحدا من العلماء يفسرها : أي تفسير الجهمية “، فيكون ابن تيمية زاد كلمتين وهما “من العلماء” و “الجهمية”.
وحاصل هذا التأويل لابن تيمية أن أبا عبيد يقصد أنه لم يدرك أحدا من العلماء من غير الجهمية يفسرها تفسير الجهمية!!
فتأمل يرعاك الله كيف يتفنن ابن تيمية في التأويل الباطل وهو من قبل كان قد أنكر على الأشاعرة التأويل الصحيح؛ إن الأشاعرة حين قالوا بالتأويل وضعوا له شروطا وضوابط بحيث إذا اختل منها شرط بطل التأويل وصار تحريفا عندهم. فالتأويل لا بد له من أن يكون اللفظ صالحا له بأن يحتمل في اللغة أكثر من معنى في اللغة ولكن بعضها أرجح من بعض فيُحمل على المعنى المرجوح لقرينة، فإذن لا بد له من قرينة، وكذلك لا بد أن يكون ظاهر اللفظ يخالف أدلة أخرى أقوى منه، فلذلك يؤول اللفظ لتتفق الأدلة ولا تختلف.
فهذه شروط التأويل الصحيح الذي التزم بها الأشاعرة في تأويلهم لآيات الصفات المتشابهة، ومع ذلك أنكر عليهم ابن تيمية هذا التأويل المنضبط؛ ولكنه هنا نراه يؤول ما لا يتفق مع مذهبه دون التزام بأي من شروط التأويل.
ولن نتوقف كثيرا هنا لبيان تناقض ابن تيمية في قضية التأويل حيث ينكره قولا على خصومه، ويطبقه فعلا في مذهبه، ولكن دون ضوابط وإنما حسب ما يقتضيه نصرة مذهبه وعقيدته، وإنما نشير هنا إلى أمور:
الأمر الأول: إن تأويل ابن تيمية لكلام أبي عبيد هذا يؤكد مرة أخرى أن ابن تيمية لا ينطلق في إنكاره للتفويض من مذهب السلف كما يزعم[3]، وإلا لما تأول كلام الشيباني ومن بعده كلام تلمذه أبي عبيد السابق، ولكن ينطلق من نصرة مذهبه في التجسيم فإنه أقامه على تتبع المتشابه من آيات الصفات وأخبارها وتفسيرها على ظاهرها، ثم لمّا وجد أن السلف قالوا بأنها لا تُفسر اضطر ابن تيمية إلى تأويل كلامهم موحيا للناس أنه بذلك موافق للسلف.
الأمر الثاني: إن تأويل ابن تيمية لكلام أبي عبيد وقوله: ” وقد أخبر أنه ما أدرك أحدا من العلماء يفسرها : أي تفسير الجهمية”: معارض بمثله، فنحن نقول : ” وقد أخبر أنه ما أدرك أحدا من العلماء يفسرها : أي تفسير المشبهة”. وما هو جواب ابن تيمية عن ذلك هو جوابنا، وقد سبق نحو هذا في تأويله لكلام الشيباني.
الأمر الثالث: إن ابن تيمية إذا استطاع أن يؤول هذا الكلام الواضح الثابت لكل من الشيباني وتلميذه أبي عبيد أفلا نستطيع أن نؤول ما يحتج به ابن تيمية على مذهبه في إنكار التفويض من أقوال للسلف هي أقل وضوحا وثبوتا، أو مجملة ـ حسب تعبير ابن تيمية ـ مثل قول مالك “الاستواء معلوم والكيف مجهول”، كما سيأتي ذلك مفصلا؟!
ثالثا: ما جاء عن الإمام سفيان بن عيينة من قوله”: كل ما وصف الله تعالى من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته ، والسكوت عليه”…… انتظره
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الأسماء والصفات للبيهقي، بتحقيق الحاشدي وصحح إسناده، (2/ 198)، وعزاه الحاشدي لابن مندة في التوحيد، والذهبي في العلو، والدارقطني في الصفات، واللالكائي في شرح السنة،والآجري في الشريعة.
[2] فمثلا يقول ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (5/ 39): “ولكن مقصود السلف الرد على هؤلاء الجهمية…”، ويقول أيضا في الفتاوى الكبرى (6/ 376): لما ابتدعت الجهمية هذه المقالات، أنكر ذلك سلف الأمة وأئمتها وبقايا التابعين وأتباعهم وصاروا يظهرون أعظم المقالات.اهـ
[3] قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (3 / 169): فقلت ما جمعت إلا عقيدة السلف الصالح جميعهم ليس للامام أحمد اختصاص بهذا والامام أحمد انما هو مبلغ العلم الذى جاء به النبى صلىالله عليه وسلم ولو قال احمد من تلقاء نفسه ما لم يجىء به الرسول لم نقبله وهذه عقيدة محمد وقلت مرات قد أمهلت كل من خالفنى فى شىء منها ثلاث سنين فان جاء بحرف واحد عن احد من القرون الثلاثة التى أثنى عليها النبى حيث قال خير القرون القرن الذى بعثت فيه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم يخالف ما ذكرته فأنا أرجع عن ذلك. اهـ
قال وليد: كل هذا ادعاء فارغ، فها نحن أتينا بكلام الشيباني وتلميذه أبي عبيد وستأتي روايات أخرى كثيرة عن السلف، وكلها تفيد أنهم كانوا لا يفسرون آيات الصفات؛ فضرب بها ابن تيمية عرض الحائط وراح يؤولها ليسلم مذهبه؛ فهل نصدق بعد كل هذا أنه سلفي؟!!!