[5] هل تعلم أن ابن تيمية يدّعي أن الرسل لم تأمر الناس بالإيمان بالله عز وجل؟*
…..ثم هل يصح شيء في الدين بعد التشكيك بأصله وهو الإيمان بالله؟! وما هو الفرق الأساسي أصلا بين الدين واللادين، وبين المتدين والملحد؟! فهل هو شيء سوى الإيمان بالخالق لهذا الكون؟! ويا لَغبطة الملحدين بعد اليوم؟ وهل نستطيع أن نواجههم بحجة أو برهان بعد أن ألغينا الفارق الرئيسي بيننا وبينهم؟! لا جرم أن كان قول ابن تيمية قولا خطيرا فضلا عن كونه عجيبا؟ وهذا كله من مفرزات نظريته العجيبة المخترعة في تقسيم التوحيد إلى ربوبية وألوهية…..!!
والطريف أن ابن تيمية أقام نظريته هذه بحجة القضاء على الشرك وذرائعه، ولكن ادعاءه بأن “الرسلَ لم تأمر الناسَ بالإيمان بالله” يفتح باب الإلحاد على مصراعيه؛ فيكون ابن تيمية قد قضى على الشرك من جهة، وفتَح بابَ الإلحاد من جهة أخرى؛ وبعبارة أخرى: إن ابن تيمية سد باب الشرك وذرائعه حسب زعمه، وفتح باب الإلحاد على مصراعيه…… وهذا من أطرف الأمور!!
ولقد حاول ابنُ تيمية وأتباعه أن يرقعوا دعواهم هذه، ليتهربوا من هذا الإلزام، فقالوا ما محصله: إن قولنا بأن الرسل ـ عليهم السلام ـ لم تأمر الناسَ بالإيمان بالله تعالى ربا واحدا لا يلزم منه أن الإيمان بالله ربا واحدا غيرُ واجب، بل الإيمان بالله ووحدانيته واجب قطعا، وذلك من وجهين:
الأول: أن الإيمان بالله مركوز في فطرة الناس أجمعين، فالجبلة تقتضيه كالأكل والشرب والنوم، فلا حاجة لئن تأمر الرسلُ به، كما أنها لم تأمر بالأكل والشرب ونحو ذلك.
الثاني: أن الرسل أَمرت بتوحيد الألوهية ويلزم منه توحيد الربوبية[1].
وعليه، فثبت أنه لا يلزمنا أننا فتحنا باب الإلحاد، بقولنا إن الرسل عليهم السلام لم تأمر الناسَ بالإيمان بالله ووحدانيته في الربوبية.
قلنا: ما ذكرتم من الوجهين لا يدفع عنكم الإلزام السابق من أنكم فتحتم باب الإلحاد بقولكم إن الرسل لم تأمر الناس بالإيمان بالله ووحدانيته، وبيان ذلك من وجوه:
الوجه الأول،: أننا لا نسلم بأن الإيمان بالله ووحدانيته مركوز في فطرة الإنسان، بل هذا باطل بالشرع والحس، أما الشرع فقد قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل : 78]، فنفت الآية أي علم عن المولود، ثم امتنّت بجعل السمع والأبصار والأفئدة، التي يَكتسب بها المولود العلم فيما بعد شيئا فشيئا، ليشكر المكلف نعمة العلم بعد الجهل الذي ولد عليه([2])، ولو كان الإنسان يولد عالما لما كان لهذا الامتنان وجه؛ فإذا كان المولود يولد خاليا من العلم بأي شيء، فإنه ـ قطعا ـ يولد خالي العلم بالله ووحدانيته، وإنما العلم به تعالى وبوحدانيته أتى استجابة لقوله تعالى: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ } [محمد: 19]، ولقوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص: 1]، والإيمان به جاء استجابة لقوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا } [آل عمران: 193]، ونحو ذلك من الآيات الكثيرة، وأنى للمولد الجديد العلم بهذه الآيات فضلا عن أن يفهمها فضلا عن أن يستجيب لها إلا بعد أن يكبر ويعقل ويُوفَّق من الله للإيمان به….؟!!!
وأما الحس فهو دال على أن المولد يولد ولا يعرف شيئا حتى أمه وأباه، ولكنه يكتسب العلمَ شيئا فشيئا بما حوله؛ ولعل أول شيء يدركه ويعلم به هو الرضاعة ثم عِلمه بمن حوله كأمه وأبيه وإخوته، ثم يدرك سائر المبصرات والمسموعات من حوله، ليبدأ بعد ذلك بالتفكير والتحليل والاستنتاج، وهذا الأمر يتطلب سنوات عديدة تختلف من طفل إلى آخر ومن بيئة إلى أخرى على ما هو معروف عند علماء التربية والاجتماع، وأما معرفة الطفل بخالقه فهذا يكتسبه غالبا من محيطه ومجتمعه، فإذا كان المجتمع مؤمنا بخالق فالمولود غالبا يكون مؤمنا مثلهم تقليدا لهم، وغالبا ما تكون هذه الأمة قد آمنت بالخالق بعد أن أرسل الله إليها رسولا كما قال تعالى ” {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر : 24]”.
وأما إن كان المجتمع ملحدا ـ ككثير من مجتمعات الغرب والشرق ـ فالولد ينشأ ملحدا كذلك تقليدا، وهذا أمر مشاهد ومحسوس[3]، اللهم إلا إن خلع ربقة التقليد وبدأ بالتفكير والبحث والنظر فحينئذ سوف يصل إلى إدراك أن للعالم خالقا، هذا إن حالفه التوفيق في بحثه ونظره، ثم يحتاج بعد ذلك أن يبحث من جديد من هو هذا الخالق وهل هو واحد أم متعدد، وما هي صفاته، وهل أمر أو نهى أو كلف الناس بشرع أو دين؟
وهذا كله يحتاج إلى سنين طويلة ليصل إليه من سلك طريق البحث بتجرد وموضوعية وتحرٍ والتزام بمعيار العلم وقواعد النظر ومنهج منطقي سليم، وأنت خبير بأن هذه الطريق يسلكها القلة القليلة من الناس؛ وذلك لشُغْل سائرِ الناس بالحياة الدنيا، وانصرافهم إلى ملذاتهم العاجلة واكتفائهم بتقليد آبائهم، لذلك قطع الله أعذارهم بأن بعث الله رسلا إليهم كما قال تعالى{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } [النساء : 165]، ولذلك أيضا كانت الدعوة إلى الله أحسن الأعمال، كما قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [فصلت : 33] وما ذلك إلا لكثرة عوائد الدعوة إلى الله من إدخال الناس في دين الله أفواجا؛ بخلاف ما لو تُرك الناس اعتمادا على الفطرة والعقل، إذن لما آمن بالله إلا القليل، بل إن كثيرا من الأمم والأقوام لم يؤمن منها إلا القليل بعد إرسال الرسل إليهم كما هو الحال في قوم نوح حيث قال الله عنهم { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ } [هود : 40]، وقال أيضا: { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف : 103] فكيف لو لم يرسل إليها أحد؟!
والحاصل أن الحس والمشاهدة تدلان على أن معرفة الإنسان بالخالق ليست معرفة فطرية، بل هي معرفة مكتسبة إما تقليدا للمجتمع أو عن طريق الرسل أو عن طريق التفكير الصحيح؛ فبطل ما ادعيتم.
فإن قيل قد روى الشيخان عن أبي هريرة مرفوعا” مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ…….انتظره
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*انظر السابق: https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/401606299953398/
[1] انظر: موقف ابن تيمية من الأشاعرة، د.المحمود، ص975.
([2]) جامع البيان، للإمام الطبري (17 / 265)
[3] انظر مثلا: أطفال سويديون يتحدثون عن وجود الله http://www.youtube.com/watch?v=PTVLElMgzlk
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/430360313744663/