فوائد في القواعد الفقهية والأصولية

(5) الفقه التقديري وما أثير له

(5) الفقه التقديري وما أثير له……*

وقد عقد الإمام البيهقي بابًا في كتابه المدخل بعنوان باب من كره المسألة عما لم يكن ولم ينزل به وحي. قال فيه: وقد كره بعض السلف للعوام المسألة عما لم يكن، ولم ينص به كتاب ولا سنة، ولا إجماع، ولا أثر ليعملوا عليه إذا وقع، وكرهوا للمسؤول الاجتهاد فيه قبل أن يقع؛ لأن الاجتهاد إنما أبيح للضرورة، ولا ضرورة قبل الواقعة. وقد يتغير([1]) اجتهادهم عند الواقعة فلا يغنيهم ما مضى من الاجتهاد([2]).

ثم روى البيهقي هذا المذهب عن عمر كما سبق وعن طاوس من التابعين([3]) قال: وبلغني عن الحليمي رحمه الله أنه أباح ذلك للمتفقهة الذين غرض العالم من جوابهم تنبيههم وإرشادهم إلى طريق النظر والإرشاد لا ليعملوا([4]).

ثم أضاف البيهقي: وعلى هذا الوجه وضع الفقهاء مسائل المجتهدات وأَجْرُوا بآرائهم فيها لما في ذلك من إرشاد المتفقهة وتنبيههم على كيفية الاجتهاد([5]).

وقد عقد الإمام ابن مفلح الحنبلي فصلاً في كتابه الآداب الشرعية بعنوان: فصل في كراهة السؤال عن الغرائب وعما لا ينتفع ولا يعمل به وما لم يكن، وقد أورد ابن مفلح في هذا الفصل عدد من الروايات عن الإمام أحمد تشير إلى هذا المعنى مثل ما رواه المرُّوذي عنه أنه قال: سألني رجل مرة عن يأجوج ومأجوج أمسلمون هم؟ فقلت له أحْكَمت العلم حتى تسأل عن ذا؟!!

ومثل ما نقله أحمد بن أصرم عنه أنه سئل عن مسألة في اللعان فقال: سل عما ابتليت به، ونقل عنه أبو داود أنه سأله رجل عن مسألة فقال له: دعنا من هذه المسألة المحدثة، وسألته عن أخرى فغضب وقال: خذ ويحك فيما تنتفع به وإياك وهذه المحدثة وخذ في شيء فيه حديث. ونحو هذه الروايات عنه التي يفهم منها أن الإمام أحمد كان يكره السؤال عن ما لم يحدث، ولكن ابن مفلح حملها على معنى آخر فهو يقول: وقد تضمن ذلك أنه يُكره عند أحمد السؤال عما لا ينفع السائل ويترك ما ينفعه ويحتاجه، وإن العامي يسأل عما يتعلم به([6]).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*انظر السابق: https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=197223820454218&id=100004998042091

([1]) في المطبوع من المدخل “فينظر” والتصويب من الآداب الشرعية لابن مفلح 2/71.

([2]) المدخل للبيهقي ص223.

([3]) المدخل ص226.

([4]) المدخل ص227. ولفظ الحليمي في كتابه المنهاج في شعب الإيمان 2/204: وإنما جاز إخبار المتفقهة بالرأي السانح في الحال ؛ لأن الغرض تنبيهه وإرشاده إلى طريق النظر ، والانتباه ، وتفتيح ذهنه ، ألا ترى أنه لا يجوز أن يفتي غيره بما يسمع ، فبان في ذلك أنه يخالف لما يسأل العمل .

([5]) المدخل ص228.

([6]) الآداب الشرعية 2/70.

السابق
عقيدة الوهابي الخاسر وكيف تخاطبه نفسه (وعقيدتي في الله أني عبدهُ …والله جسمٌ جالس وكبيرُ)
التالي
الرد على دمشقية في قوله بأن الأشاعرة ليسوا من أهل السنة بحجة أنهم تأثروا في التنزيه بعقائد الشيعة!!!