فوائد في القواعد الفقهية والأصولية

«الخروج من الخلاف مستحب ، نعم ، ولكن بقيودٍ ثلاثة» (منقول)

«الخروج من الخلاف مستحب ، نعم ، ولكن بقيودٍ ثلاثة» .
يشيع على لسان طلبة العلم أن القاعدة ال‍فقهية تقول : «الخروج من الخلاف مستحب» .
ويقصد بالخروج من الخلاف : تركُ معتقدِ الجوازِ إتيانَ الفعل إن كان بعض المجتهدين قال بتحريمه ، أو إتيانه الفعل استحبابًا إن كان بعض المجتهدين يعتقد وجوبه.
ولكن ؛ لا يكون الخروج من الخلاف مستحبًا إلا بثلاثة شروط :
الشرط الأول : أن يكون مأخذ المخالف قويًا ، فإن كان واهيًا لم يراعَ .
قال العز ابن عبد السلام في «قواعده» (1/215) : «والضابط : أن مأخذ الخلاف إن كان في غاية الضعف فلا نظر إليه ، لا سيما إذا كان مما ينقض الحكم بمثله ، وإن تقاربت الأدلة بحيث لا يبعد قول المخالف كل البعد ، فهذا مما يستحب الخروج منه ؛ حذرًا من كون الصواب مع الخصم» .
والنظر هنا إنما هو في الأقوال ومداركها قوة وضعفًا لا إلى المجتهدين ، كما نبه عليه التاج السبكي في «الاشباه والنظائر» (1/130) .
ويعنون بالقوة في هذا الصدد – كما قال التاج – ما يوجِب وقوفَ الذهن عندها وتَعَلُّقَ ذي الفطنة بسبيلها لانتهاض الحجة بها ؛ فإن الحجة لو انتهضت بها لما كنا مخالفين لها ، ومن ثم فمن قوي مدركه اعتد بخلافه وإن كانت مرتبته في الاجتهاد دون مرتبة مخالفه ، ومن ضعف مدركه لم يعتد بخلافه وإن كانت مرتبته أرفع ، وربما قوي مدرك بعضهم في بعض المسائل دون بعض ؛ بل هذا لا يخلو عنه مجتهد .
قال التاج السبكي : «وقد يظهر الضعف أو القوة بأدنى تأمل ، وقد يحتاج إلى تأمل وفكر ، ولا بد أن يقع هنا خلافٌ في الاعتداد به ناشئًا عن المدرك قوي أو ضعيف».
ومثل الزركشي على هذا الشرط بالرواية المنقولة عن الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه في بطلان الصلاة برفع اليدين ، فإن بعضهم أنكرها ، وبتقدير ثبوتها لا يصح لها مستند ، والأحاديث الصحيحة معارضة لها ، وكذلك ما نقل عن عطاء من إباحة وطء الجواري بالعارية ، ورغم الطعن في إسناده فلو صح فشبهته ضعيفة لا أثر لها ؛ فإن الأبضاع لا تباح بالإذن كما في بضع الحرة ، فصار كشبهة الحنفي في النبيذ ، فإنه لا أثر لها .
وعقب الزركشي بأن ذلك ليس خاصًّا بالخلاف العالي بين المذاهب ، بل هو كذلك في المذهب الواحد ، كخلاف الإصْطَخْرِي في التصوير ، وقوله : «إنما حرم لقرب عهد الناس بالأصنام» .
وعزى الزركشي للقفال – في ظاهر كلامه – يقول بمراعاة الخلاف وإن ضعف المأخذ إذا كان فيه احتياط ، فإنه قال في «فتاويه» : «إذا نقص من القلتين شيءٌ يسير ، ووقع فيهما نجاسة ينبغي أن يقلد من يقول : القلتان خمسمائة رطل تحديدًا ، فإذا نقص شيءٌ ووقع فيها نجس تأثرت ، وحينئذ : يتيمم ثم يقضي بِناء على المذهب ، وهو أن هذا لا يتأثر بالنجاسة» .
وكأنه رأى استحباب الإعادة للخروج من الخلاف .
الشرط الثاني : أن لا تؤدي مراعاته إلى خرق الإجماع .
ومثاله : ما نقل عن ابن سريج أنه كان يغسل أذنيه مع الوجه ويمسحهما مع الرأس ويفردهما بالغسل ؛ مراعاةً لمن قال أنهما من الوجه أو الرأس أو عضوان مستقلان ، فوقع في خلاف الإجماع ؛ إذ لم يقل أحدٌ بالجمع .
الشرط الثالث : أن يكون الجمعُ بين المذاهب ممكنًا ، فإن لم يكن كذلك فلا يترك ‍الراجح عند معتقده ؛ لمراعاة المرجوح لأن ذلك عدول عما وجب عليه من اتباع ما غلب على ظنه ، وهو لا يجوز قطعًا .
وفقنا الله وإياكم لكل خير …

الشيخ محمد سالم بحيري

السابق
تفاوت أجر الصلاة على النبي ﷺ حسب التعظيم والقصد عند السادة الصوفية (منقول)
التالي
[27] هل صحيح أن لله يدين؟/ “أصلا لا يُعرف في كتب النحو: إضافة الصفة إلى الموصوف على الشكل الذي يقصده ابن تيمية…”