حلول الحوادث بذاته تعالى

[3] أدلة حلول الحوادث بذات الله عند ابن تيمية

[3] أدلة حلول الحوادث بذات الله عند ابن تيمية*

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/636524053128287/
قال صديقنا العلامة أحمد زاهر سالم في رسالته للماجستير “قياس الأولى وأثره في فهم صفات الله بين الأشاعرة وابن تيمية” (ص: 343):
‘‘‘‘‘الأدلة النقلية على حلول الحوادث بذات الله عند ابن تيمية:
1ـ آيات من كتاب الله تعالى.
2ـ وأحاديث من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد ذكر أن الآيات التي تدل على أفعال الله تعالى اللازمة والمتعدية الاختيارية أكثر من مئة بل أكثر من أن تحصر، منها ما عُلّق بشرط كقوله تعالى: (لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً) (1) وقوله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) (2)، وقوله: (ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله) (3)، وكذلك الأحاديث المستفيضة الصحيحة المتلقاة بالقبول، كقوله صلى الله عليه وسلم: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) وقوله: (إن ربي قد غضب الليلة غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله) وقوله: (عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل) (4).
وذكر ابن تيمية أحاديث كثيرة تدل على أفعال الله تعالى سواء أكانت من نوع خلقه ورزقه أو نوع كلامه أو نوع رضاه وسخطه. ثم قال: وبالجملة فقد بلغت حداً من الكثرة بحيث لا يمكن ضبطها (5).
وبعد أن ذكر ابن تيمية عدداً كبيراً من الآيات التي جمعها الإمام أحمد بن حنبل في الرد على الجهمية وذكرها عنه الخلال في كتاب (السنة) قال: (لكن الاستدلال بمثل هذا مبني على أن الفعل ليس هو المفعول والخلق ليس هو المخلوق، وهو قول جمهور الناس على اختلاف أصنافهم، وقد قرر هذا في غير هذا الموضع.
ثم هؤلاء على قولين: منهم من يقول: إن الفعل قديم لازم للذات لا يتعلق بمشيئته وقدرته، ومنهم من يقول: يتعلق بمشيئته وقدرته، وإن قيل: إن نوعه قديم فهؤلاء يحتجون بما هو الظاهر المفهوم من النصوص.
وإذا تأول من ينازعهم أن المتجدد إنما هو المفعول المخلوق فقط من غير تجدد فعل فهو خلاف المفهوم الظاهر الذي دل عليه القرآن والحديث) (6).


*انظر السابق:

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/484236681690359/
(1) 1ـ الطلاق:1.
(2) الطلاق:2. 2ـ
(3) 3ـ محمد:28.
(4) ـ انظر: الدرء ج2 ص123ـ147.
(5) ـ الفتاوى ج6 ص237
(6) الدرء ج2 ص122


ويؤكد ابن تيمية أن دلالة ظاهر السمع على ذلك ليس فيها نزاع، وأن غاية ما يدعيه المخالف أنها دلالة ظاهرة لا قاطعة، وأن الدلالة العقلية القاطعة خالفتها فتقدم عليها، فأصل الدلالة متفق عليها.
وبيان ذلك أنه قد علم اتصاف الله بالأفعال اللازمة كالاستواء، والمتعدية كالخلق، والفعل المتعدي مستلزم للفعل اللازم، فإن الفعل لا بد له من فاعل، سواء كان متعدياً إلى مفعول أو لم يكن، والفاعل لابد له من فعل، سواء كان فعله مقتصراً عليه أو متعدياً إلى غيره. والفعل المتعدي إلى غيره لا يتعدى حتى يقوم بفاعله، إذ كان لا بد له من الفاعل (1).
وهذا معلوم سمعاً وعقلاً، أما السمع _ وسنقتصر عليه الآن وقد أوردنا دلالة العقل في موضعها _ فإن أهل اللغة يؤكدون على أنه لا بد أن يكون في الفعل المتعدي ما في الفعل اللازم وزيادة التعدي، فقوله تعالى: (هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش) (2) تضمن فعلين: أولهما متعدٍ إلى المفعول به، والثاني مقتصر لا يتعدى، فإذا كان الثاني ـ وهو قوله تعالى: ثم استوى ـ فعلاً متعلقاً بالفاعل، فقوله (خلق) كذلك بلا نزاع بين أهل العربية.
ولو قال قائل: (خلق) لم يتعلق بالفاعل، بل نصب المفعول به ابتداء، لكان جاهلاً، بل في خلق ضمير يعود إلى الفاعل كما في استوى (3).
أقول: لا شك في نسبة الفعل إلى الله، وهذا ما تفيده اللغة، أما كونه صفة حادثة قائمة بذات الله تعالى فلا تفيده اللغة، بل هو قدر زائد عليها يستدل له بأدلة أخرى تناسبه، فلا يصح استدلال ابن تيمية بها على ذلك.


(1) الدرء ج2ص3 وص150.
(2) سورة الحديد:4.
(3) ـ الدرء ج2 ص5.


3ـ واعتمد ابن تيمية في رأيه على كلمات توهم حلول الحوادث بذات الرب تعالى وردت عن السلف الصالح، كالإمام أحمد بن حنبل الذي كان يقول: إن الله لم يزل متكلماً إذا شاء، والفضيل بن عياض الذي كان يقول: إذا قال الجهمي: أنا أكفر برب يزول عن مكانه فقل: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء، ونحوهما من أئمة السلف الصالح، وبغض النظر عن مدى ثبوت هذه الكلمات عنهم فإنها لا تدل على ما يذهب إليه ابن تيمية الذي يفسرها بما يوافق مذهبه من قيام الحوادث التي يسميها الأفعال الاختيارية بذاته تعالى، وذلك أن من ينفي قيام الأفعال الاختيارية ممن يعظم هؤلاء السلف كالقاضي أبي بكر الباقلاني وابن عقيل وعياض وغيرهم يحمل كلامهم على أن مرادهم بقولهم: (يفعل ما يشاء) أن يحدث شيئاً منفصلاً عنه من دون أن يقوم به هو فعل أصلاً.
ولكن ابن تيمية لا يرتضي هذا التفسير لكلامهم ويرى أنه تفسير بعيد خاطئ أوجبه أصلان للنفاة ثم يذكرهما ساعياً في إبطالهما:
(أحدهما: أن الفعل عندهم هو المفعول، والخلق هو المخلوق، فهم يفسرون أفعاله المتعدية ـ مثل قوله تعالى: (خلق السموات والأرض) (الأنعام:1)، وأمثاله ـ أن ذلك وجد بقدرته من غير أن يكون منه فعل قام بذاته، بل حاله قبل أن يخلق وبعدما خلق سواء، لم يتجدد عندهم إلا إضافة ونسبة وهي أمر عدمي، لا وجودي، كما يقولون مثل ذلك في كونه يسمع أصوات العباد ويرى أعمالهم وفي كونه كلم موسى وغيره، وكونه أنزل القرآن، أو نسخ منه ما نسخ، وغير ذلك، فإنه لم يتجدد عندهم إلا مجرد نسبة وإضافة بين الخالق والمخلوق، وهي أمر عدمي لا وجودي.
وهكذا يقولون في استوائه على العرش إذا قالوا: إنه فوق العرش، وهذا قول ابن عقيل، وهو أول قولي القاضي أبي يعلى، ويسمي ابن عقيل هذه النسبة: الأحوال) (1).


(1) ـ شرح حديث النزول ص156ـ157.


(والأصل الثاني: نفيهم أن تقوم به أمور تتعلق بقدرته ومشيئته، ويسمون ذلك: حلول الحوادث، فلما كانوا نفاة لهذا امتنع عندهم أن يقوم به فعل اختياري يحصل بقدرته ومشيئته، لا لازم ولا متعد، لا نزول ولا مجيء، ولا استواء، ولا إتيان، ولا خلق ولا إحياء، ولا إماتة، ولا غير ذلك.
فلهذا: فسروا قول السلف في النزول: بأنه يفعل ما يشاء، على أن مرادهم: حصول مخلوق منفصل) (1).
أقول: قد ذكرنا في (فصل أثر قياس الأولى في صفات الأفعال عند الأشاعرة) من الكلام عن مسألة الفعل والمفعول وحلول الحوادث ما يغني عن إعادته هنا، وبينا أن القول بحلول الحوادث بذات الرب والكمالات المتعاقبة التي لا أول لها وقدم النوع وحدوث الشخص باطل مرفوض حتى عند القائلين من الماتريدية بمغايرة الفعل للمفعول وقدم صفة الفعل.


(1) ـ شرح حديث النزول ص159ـ160.


وقد أغرب ابن تيمية أيما إغراب إذ قال: (وما ذكره أئمة السنة والحديث متبعين لما جاء في الآثار من أنه سبحانه لم يزل كاملا بصفاته لم تحدث له صفة ولا تزول عنه صفة ليس هو بمخالف قولهم: إنه ينزل كما يشاء ويجيء يوم القيامة كما يشاء وإنه استوى على العرش بعد أن خلق السموات وأنه يتكلم إذا شاء وأنه خلق آدم بيديه ونحو ذلك من الأفعال القائمة بذاته، فإن الفعل الواحد من هذه الأفعال ليس مما يدخل في مطلق صفاته، ولكن كونه بحيث يفعل إذا شاء هو صفته، والفرق بين الصفة والفعل ظاهر، فإن تجدد الصفة أو زوالها يقتضي تغير الموصوف واستحالته ويقتضي تجدد كمال له بعد نقص أو تجدد نقص له بعد كمال، كما في صفات الموجودات كلها إذا حدث للموصوف ما لم يكن عليه من الصفات، مثل ما تجدد العلم بما لم يكن يعلمه والقدرة على ما لم يكن يقدر عليه ونحو ذلك أو زوال عنه ذلك، بخلاف الفعل، وهكذا يقوله طوائف من أهل الكلام المخالفين للمعتزلة والذين هم أقرب إلى السنة منهم من المرجئة والكرامية وطوائف من الشيعة، كما نقلوه عن الكرامية الذين يقولون إنه تحله الحوادث من القول والإرادة والاستماع والنظر، ويقولون مع ذلك: لم يزل الله متكلماً ولم يزل بمشيئته القديمة فاعلاً ولم يزل سميعاً بصيراً، أجمعوا على أن هذه الحوادث لا توجب لله سبحانه وصفاً ولا هي صفات له سبحانه)، ثم ذكر أن المخالفين لهم هم المعتزلة والأشاعرة (1).
بيان وجه الإغراب: أنه ادعى عدم مخالفة ما ذكره السلف الصالح من أزلية كمال الله وصفاته للنزول والمجيء … إلخ معللاً ذلك بأن هذه الأفعال والفعل الواحد منها لا يدخل في مطلق صفاته، وإنما الصفة كونه بحيث يفعل إذا شاء، ثم يقول: إن الفرق بين الصفة والفعل ظاهر.


(1) ـ التسعينية ج 1ص 328 – 331.


أقول: هذا يناقض ما ذكره من كون الفعل قائماً بالفاعل وصفة حقيقية له ولولا ذلك لما اتصف به، ولاسيما أنه يقول بالمغايرة بين الفعل والمفعول، وأن الفعل صفة قديمة قائمة بذات الله تقتضي قدم المفعول لا بأفراده بل بنوعه، فلا قيمة لقوله: والفعل الواحد لا يدخل في مطلق صفاته، فإن الفعل إذا كان صفة فهو صفة سواء أكان واحداً أو عشراً أو مئة أو نوعاً ـ على القول بوجوده ـ أو فرداً من أفراده، ثم قوله: “الصفة كونه بحيث إذا شاء” الظاهر أنه قريب من قول الأشاعرة إن الصفة القديمة بالله هي القدرة على الأفعال لا الأفعال نفسها، أما قوله بعد ذلك: “والفرق بين الصفة والفعل ظاهر”، فأقول: أجل هو ظاهر على مقتضى كلام أهل السنة الأشاعرة، أما ظهوره بناء على قولك: إن الفعل صفة قائمة بذات الله تعالى فلا والله ما هو بظاهر. فيا سبحان الله يرى ابنُ تيمية الذي يدعي أنه تابع للسلف كلاماً تشرق عليه أنوار الهدى والسداد للسلف الصالح والأئمة المقتدى بهم، ولكنه يخالف مذهبه فيعمل فيه تأويلاً هو بالتحريف أصدق وأحق مع أنه ينعي بشدة وعنف على المؤولين وهم يستندون إلى أدلة ظاهرة واصفاً إياهم بالتعطيل والتحريف والتلاعب، وصدق من قال: رمتني بدائها وانسلت.
ثم إذا كان تجدد الصفة أو زوالها يقتضي تغير الموصوف واستحالته فلا ينجيه من هذا المنزلق الخطير تعلقه بأذيال ما اخترعه من قدم نوع الصفة، فإن أفرادها قائمة بالله كما يقوم نوعها أيضاً، وفي الحقيقة لا وجود للنوع في نفسه وإنما وجوده ضمن وجود أفراده، وتحققه بتحقق أفراده، فلا نسلم أصلا صحة وجود شيء اسمه: نوع الصفة القديمة.
وكثيراً ما يدعي ابن تيمية الإجمال الذي يحتاج إلى تخصيص وتفصيل في الكلمات المنقولة عن السلف الصالح التي يظهر منها ما يخالف مذهبه، أو في الكلمات التي يوردها أهل السنة من الأشاعرة، على الرغم من ظهور دلالتها ووضوح معناها وعموم مدلولها.


ـ فمن ذلك قولهم المتفق عليه: (النقص على الله تعالى محال) وهي جملة تامة مبينة، و (أل) في النقص للجنس المفيد للاستغراق وشمول جميع أفراد النقص، ولكن ابن تيمية يدعي أن لفظ النقص في هذا مجمل (1) لكي يسلم له نفي لزوم النقص إذا قيل بحلول الحوادث في ذات الله تعالى.
ـ ومن ذلك لفظ الحوادث في قولنا: (لا تحل الحوادث في ذاته تعالى) وهو جمع معرف بأل يفيد العموم، وهو مصطلح بيّن معروف المعنى عند أهله يراد به الموجود بعد عدم أو المتجدد بعد عدم، ويشمل الأفراد ونوعها ـ إذا سلمنا بوجودها ـ، ولكن ابن تيمية يدعي أنه لفظ مجمل، إما أن يراد به أنه لا يقوم به جنس له نوع لم يحصل منه شيء قبل ذلك، وإما أن يراد به أنه لا يقوم به لا نوع ولا فرد من أفراد الحوادث، فإن أريد الاحتمال الأول فالنزاع فيه مع الكرامية ونحوهم، وإن أريد الاحتمال الثاني فالسلف وأئمة السنة والحديث وكثير من طوائف الكلام على خلافه (2).
ـ ومن ذلك لفظ التغير في قولهم: (التغير على الله محال) وهو مصطلح يريد به أهل السنة مطلق التغير بمعنى الانتقال والتحول سواء أكان تغير استحالة وفساد أو تغير انتقال من حال إلى حال، فالطعام إذا فسد يقال له: تغير، وكذا إذا حول من مكان إلى مكان يقال له: تغير، ولا نظر إلى غلبة الاستعمال، ولكن ابن تيمية ينتقل من البحث في المصطلح الكلامي إلى البحث في أصل المعنى اللغوي الذي يريد حصره فيما غلب استعماله عند الفقهاء وعامة الناس، ثم يقول: (والناس إذا قيل لهم: التغير على الله ممتنع، فهموا من ذلك الاستحالة والفساد، مثل انقلاب صفات الكمال إلى صفات نقص أو تفرق الذات ونحو ذلك مما يجب تنزيه الله عنه. وأما كونه سبحانه يتصرف بقدرته فيخلق ويستوي ويفعل ما يشاء بنفسه ويتكلم إذا شاء ونحو هذا فهذا لا يسمونه تغيراً) (3).


(1) ـ الدرء ج4 ص14.
(2) ـ الفتاوى ج6 ص324.
(3) ـ الفتاوى ج6 ص249ـ250.


ويقول: (ولكن حجج النفاة مبناها على ألفاظ مجملة موهمة، كما قال الإمام أحمد: يتكلمون بالمتشابه ويلبسون على جهال الناس بما يشبهون عليهم، حتى يتوهم الجاهل بأنهم يعظمون الله، وهم إنما يقودون قولهم إلى فرية على الله) (1).
هذا، ويؤكد ابن تيمية أن العقل مطابق وموافق لما أخبرت به النصوص ودلت عليه لا معارض له، وأن القرآن والسنة يثبتان ما يقدر الله عليه ويشاؤه من أفعاله التي ليست هي نفس المخلوقات، خلافاً للنفاة الذين يزعمون أن المخلوقات هي نفس فعل الله ليس له فعل عندهم إلا نفس المخلوقات.
وهؤلاء لما ظنوا مخالفة المنقول للمعقول خالفوا في ذلك وتأولوا وردوا، (فالجهمية والمعتزلة بنوا على أصلهم: أن الرب لا يقوم به صفة لأن ذلك بزعمهم يستلزم التجسيم والتشبيه الممتنع، إذ الصفة عرض، والعرض لا يقوم إلا بجسم.
والكلابية يقولون: هو متصف بالصفات التي ليس له عليها قدرة ولا تكون بمشيئته، فأما ما يكون بمشيئته فإنه حادث، والرب ـ تعالى ـ لا تقوم به الحوادث، ويسمون الصفات الاختيارية بمسألة حلول الحوادث، فإنه إذا كلم موسى بن عمران بمشيئته وقدرته وناداه حين أتاه بقدرته ومشيئته كان ذلك النداء والكلام حادثاً. قالوا: فلو اتصف الرب به لقامت به الحوادث، قالوا: ولو قامت به الحوادث لم يخل منها، وما لم يخل من الحوادث فهو حادث، قالوا: ولأن كونه قابلاً لتلك الصفة إن كانت من لوازم ذاته كان قابلاً لها في الأزل، فيلزم جواز وجودها في الأزل، والحوادث لا تكون في الأزل، فإن ذلك يقتضي وجود حوادث لا أول لها، وذلك محال لوجوه قد ذكرت في غير هذا الموضع.
وإن لم يكن من لوازم ذاته صار قابلاً لها بعد أن لم يكن قابلاً فيكون قابلاً لتلك الصفة، فيلزم التسلسل الممتنع، ويعلق على ذلك ابن تيمية فيقول: وقد بسطنا القول على عامة ما ذكروه في هذا الباب، وبينا فساده وتناقضه على وجه لا تبقي فيه شبهة لمن فهم هذا الباب).


(1) ـ الدرء ج4 ص75.


ولم يكتف بذلك بل ذهب إلى القول (بأن فضلاءهم وهم المتأخرون كالرازي والآمدي والطوسي والحلي وغيرهم معترفون بأنه ليس لهم حجة عقلية على نفي ذلك، بل ذكر الرازي وأتباعه أن هذا القول يلزم جميع الطوائف، ونصره في آخر كتبه كالمطالب العالية وهو من أكبر كتبه الكلامية الذي سماه نهاية العقول في دراية الأصول (1)، ولما عرف فساد قول النفاة لم يعتمد على ذلك في مسألة القرآن. وكذلك الآمدي ذكر في أبكار الأفكار ما يبطل قولهم وذكر أنه لا جواب عنه، وقد كشفت هذه الأمور في مواضع، وهذا معروف عند عامة العلماء حتى الحلي بن المطهر ذكر في كتبه أن القول بنفي حلول الحوادث لا دليل عليه، فالمنازع جاهل بالعقل والشرع)، ويمضي في توهين رأي مخالفيه حتى يصرح أن (المتقدمين من قبل هؤلاء كأبي المعالي وذويه، إنما عمدتهم أن الكرامية قالوا ذلك وتناقضوا، فيبينون تناقض الكرامية ويظنون أنهم إذا بينوا تناقض الكرامية وهم منازعوهم فقد فلجوا، ولم يعلموا أن السلف وأئمة السنة والحديث بل من قبل الكرامية من الطوائف لم تكن تلتفت إلى الكرامية وأمثالهم، بل تكلموا بذلك قبل أن تخلق الكرامية، فإن ابن كرام كان متأخراً بعد أحمد بن حنبل في زمن مسلم بن الحجاج وطبقته، وأئمة السنة والمتكلمون تكلموا بهذه قبل هؤلاء، وما زال السلف يقولون بموجب ذلك) (2).
ثم قال: (والناس في هذا الباب ثلاثة أقسام:
1ـ الجهمية المحضة من المعتزلة ومن وافقهم يجعلون هذا كله مخلوقاً منفصلاً عن الله تعالى.
2ـ والكلابية ومن وافقهم: يثبتون ما يثبتون من ذلك إما قديماً بعينه لازماً لذات الله، أو مخلوقاً منفصلاً عنه.
3ـ وجمهور أهل الحديث وطوائف من أهل الكلام يقولون: بل هنا قسم ثالث قائم بذات الله متعلق بمشيئته وقدرته كما دلت عليه النصوص الكثيرة.


(1) ـ كذا في الأصل، وصوابه أن يضاف: (وفي كتابه) الذي سماه … إلخ.
(2) ـ الفتاوى ج6 ص220ـ222.


ثم بعض هؤلاء يجعلون نوع ذلك حادثاً كما تقوله الكرامية، وأما أكثر أهل الحديث ومن وافقهم فإنهم لا يجعلون النوع حادثاً بل قديماً، ويفرقون بين حدوث النوع وحدوث الفرد من أفراده، قياساً على الفرق بين دوام النوع ودوام الواحد من أعيانه كنعيم أهل الجنة (1).
ولما كان القول بحلول الحوادث بذات الله تعالى مستلزماً للقول بحوادث لا أول لوجودها التزمه ابن تيمية، ثم زاد في الطنبور نغماً فادعى أن ذلك مذهب الأئمة والسلف الصالح.
بيان اللزوم: أن الله لا أول لوجوده، وابن تيمية يدعي أن من كمال الله أن يكون خالقاً بالفعل وأن تعطيله عن الفعل نقصاًن، وأن الفعل صفة قائمة بذاته تعالى مغايرة للمفعول وللفاعل، وأنه ما دام الفعل كمالاً والتعطيل عن الفعل نقصاناً فيقتضي ذلك دوام الفعل أزلاً وأبداً، لأن دوامه دوام الكمال، فأدى ذلك إلى القول بحوادث لا أول لها.
و يدل على ذلك نصوص من كلامه، منها قوله:( وإذا قيل: لم يزل يخلق، كان معناه: لم يزل يخلق مخلوقاً بعد مخلوق، كما لا يزال في الأبد يخلق مخلوقاً بعد مخلوق، ننفي ما ننفيه من الحوادث والحركات شيئاً بعد شيء، وليس في ذلك وصفه بدوام الفعل ولا بأن معه مفعولاً من المفعولات بعينه. وإن قدر أن نوعها لم يزل معه، فهذه المعية لم ينفها شرع ولا عقل، بل هي من كماله، قال الله تعالى: (أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون) والخلق لا يزالون معه….) (2).
وقوله:( والثاني: التسلسل في الآثار، بأن يكون الحادث الثاني موقوفاً على حادث قبله، وذلك الحادث موقوف على حادث قبل ذلك، وهلم جراً، فهذا في جوازه قولان مشهوران للعقلاء، وأئمة السنة والحديث مع كثير من النظار من أهل الكلام والفلاسفة يجوزون ذلك، وكثير من النظار وغيرهم يحيلون ذلك…..) (3).
ولكن القول بذلك يؤدي إلى التسلسل، وهو باطل، فماذا كان موقف ابن تيمية؟
كان موقفه عجباً، زعم أن لفظ التسلسل فيه إجمال ……’’’’ انظر اللاحق:

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/892352010878822/
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الدرء ج2 ص147ـ148.
(2) مجموعة الرسائل والمسائل ج2 ص 371.
(3) الدرء ج1 ص240ط العلمية.

السابق
محمد أركون الباطنية الجديدة/ د. سعيد فودة
التالي
تأويل الضحك المنسوب إلى الله في بعض الأحاديث