قضايا فكرية معاصرة

محمد أركون الباطنية الجديدة/ د. سعيد فودة

محمد أركون الباطنية الجديدة

“الفكر الباطني اعتمد على عدة أسس في تأويل النصوص، ومن أهم هذه الأسس أن الظاهر الذي لا يمنع مانع من إرادته ليس هو بالضرورة المعنى المقصود من النص، فهم يفترضون أن صاحب النص يريد إيهام الناس بما لا يريده من النص حقيقة، ولذلك فهم يبحثون عما بطن من المعاني في النص، ولما لم تساعدهم القواعد اللغوية الظاهرة التي اعتمدها العلماء في النحو والأصول ومعاني المفردات، صرت تجدهم ينحازون إلى قواعد ومعان يلصقونها بالنصوص والألفاظ، قد لا يحتملها اللفظ مطلقاً وقد تكون مردودة بالمرة، وقد تكون متعارضة مع ما نقطع به من المعاني المأخوذة من النصوص، إلا أنهم لم يتورعوا عن اتباع نحو هذه السبيل، فشرعوا يحرفون النصوص ويصرفونها عن ظواهرها ودلالاتها؛ ولذلك سماهم العلماء بالباطنية، وجعلوا هذا اللقب عليهم علامة على الذم الوارد عليهم نتيجة لهذه الأسس التي اخترعوها.

وهذا النظام الذي يتناولون النصَّ من خلاله، يعتمد كما نرى على أن صاحب النص مخادع لسبب أو آخر، ولذلك فهم عندما يلصقون تلك المعاني المنكرة بالنصوص تراهم يقطعون أنها هي التي يريدها صاحب النص لأنهم يعتقدون أنهم اكتشفوا هذه المخاتلة والمخادعة منه، وغاصوا في أثناء النص وفي أعماقه، حتى اكتشفوا المراد، ولذلك يسمون أنفسهم بأصحاب الحقائق، ويذمون مخالفيهم بأنهم تمسكوا بالظواهر !!

وهذا الأسلوب هو عين الأسلوب الذي طبقه زعماء الباطنية على نص القرآن، فأنتجوا معانٍ ما أنزل الله بها من سلطان، ولذلك فارقوا أهل السنة وفارقهم أئمة الحق، حتى حكموا عليهم بالخروج من الإيمان. ونحن نرى أن الطريقة التي يدعو إليها محمد أركون لتحليل النصوص هي طريقة الباطنية ولكنها مطورة، تراها وقد أسبغ عليها هؤلاء الباطنية الجدد بعض الاصطلاحات وزينوها ببعض التسميات. ولكن صاحب الفكر الغواص، يكتشف ما بين هؤلاء وأولئك من أواصر القربى وروابط النسب. فهؤلاء أصحاب القراءات الجديدة ما هم في نظرنا إلا أصحاب عقائد باطنية تنكر حقيقة الألوهية، وتنزيه النصّ عن العبثية والكذب، ولذلك يسارعون إلى حمله على محامل مخترعة ومعانٍ مبتكرة لا أصل لها ولا تاريخ. والعجيب أنهم يزعمون بكل صلافة تجديد الدين، وأنهم بعملهم هذا يساعدون المسلمين على اكتشاف المخبوء، وبيان المسكوت عنه، ووجدان الغائب والمنسيِّ، بحجة أن الغائب هو الحق الذي يأتمون به، وهو صاحب الأمر والنهي الذي يتعلقون به… وما هي إلا أوهام وصور مكررة من الماضي تظهر لصاحب القريحة.”

من كتاب: مقالاتٌ نقديّةٌ في الحداثَةِ والعَلمانيّةِ. للشيخ د. سعيد فودة

الأصلين للدراسات والنشر

السابق
حيث بيّن أحمد رحمه الله أن فيه اختلافا بين الرواة في ألفاظه حيث أن بعضهم يقول أعتقها إنه مؤمنة، وبعضهم أعتقها. فقط وأنه مروي بالمعنى.
التالي
[3] أدلة حلول الحوادث بذات الله عند ابن تيمية