مقالات في الصفات

[2] “القول الشافي فيما روي في الاستواء عن ابن الأعرابي”

[2] “القول الشافي فيما روي في الاستواء عن ابن الأعرابي”

الكلام على متن رواية ابن الأعرابي في الاستواء التي بلفظ ” سئل: أتعرف في اللغة استوى بمعنى: استولى؟ فقال: لا أعرف”

بعد أن تكلمنا على سند هذه الرواية وبينّا ما فيه من كلام في بعض رواتها؛ ننتقل إلى الكلام على متنها؛ فنقول: إنه على التسليم بصحتها فلا دليل فيها على أن “استوى” لا يأتي بمعنى “استولى” عند أهل اللغة؛ إذ إن ابن الأعرابي في هذه الراوية لم يَدّع ذلك، غاية ما قال عندما سئل: أتعرف في اللغة استوى بمعنى: استولى؟ فقال: لا أعرف .اهـ

فقوله هنا : “لا أعرف” إخبار عن نفسه فقط أنه لا يعرف أن “استوى” تأتي بمعنى “استولى”؛ فهو أولا:

لم يُنكر، ويقول إن هذا المعنى باطل في اللغة.

ثانيا: نفى علمَه بهذا المعنى لكلمة استوى، وهذا النفي نسبه لنفسه فقط فقال: لا أعرف، ولم يقل لا يعرفه أحدٌ من العرب أو من أهل اللغة…..لأن هذا متعذر أصلا، فإن لغة العرب واسعة جدا ولا يحيط بها شخص بعينه، ولهذا عقد الإمام السيوطي فصلا في كتاب المزهر في علوم اللغة (1/ 52) قال فيه: “المسألة الرابعة عشرة – في سعَة اللغة : قال ابن فارس في فقه اللغة : باب القول على لغة العرب وهل يجوز أن يُحاط بها

قال بعض الفقهاء : كلامُ العرب لا يحيطُ به إلاّ نبيٌّ

قال ابنُ فارس : وهذا كلام حَريٌّ أن يكوَن صحيحاً وما بَلَغَنا أن أحداً ممنْ مَضَى ادَّعى حفظَ اللغة كلّها….”.اهـ

ومن هنا اقتصر ابنُ الأعرابي في هذه الرواية على قوله: لا أعرف؛ وهذا من فطنته وورَعه، رحمه الله، وأين هذا من مجازفات ابن تيمية وأتباعه حين ينقل الإجماع على أن استوى لا يأتي في اللغة بمعنى استولى ….؟!!!!!

والحاصل أن ابن الأعرابي في هذه الرواية لم ينكر أن يأتي الاستواء بمعنى الاستيلاء، وإنما أخبر عن عدم علمه هو فقط به؛ والقاعدة تقول: من عَلِم حجة على من لم يعلم، ومن حَفِظ حجة على من لم يحفظ… والمثبت مقدّمٌ على النافي؛ لأن المثبتَ عنده زيادةُ العلم….وهذه القواعد الثلاث هي معوّل العلماء في مثل هذه المواضع في كثير من مسائل الحديث والتفسير واللغة وغيرها من العلوم….حيث يأخذون بقول من يُثْبت أو يَعْلم، لا بقول من ينفي أو لا يعلم … وبما أننا في حقل اللغة الآن فإنني أسوق بعض نصوص أهل اللغة في التعويل على هذه القاعدة في مثل هذه المواضع.

قال الإمام الحجة أبو الفيض محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني الملقّب بمرتضى الزَّبيدي (المتوفى: 1205هـ) في كتابه تاج العروس من جواهر القاموس (6/ 554): (والصَّمَحْمَح، والصَّمَحْمَحِيّ: الرّجلُ الشَّدِيدُ) ، كَذَا فِي (الصّحاح) ، (المُجْتَمعُ الأَلْواحِ) وكذالك الدَّمَكْمَكُ. قَالَ: وَهُوَ فِي السِّنّ مَا بَين الثّلاثينَ والأَربعينَ. ومثلُه فِي الرِّوْض الأُنف للسُّهَيْليّ. وَلَا عِبْرةَ بإِنكار شَيخنَا عَلَيْهِ فِي التّحديد، فمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ على من لم يَحفظْ.اهـ

وقال الزبيدي أيضا في تاج العروس (3/ 326) أيضا: (و) العَذْبُ والعُذُوبُ، بالضَّمِّ: (تَرْكُ) الرَّجُلِ والحِمَارِ والْفَرَسِ (الأَكْل مِنْ شِدَةِ العَطَشِ) … قَالَ الأَزْهَرِيُّ: القَوْلُ فِي العَذُوبِ والعَاذِبِ أَنه الذِي لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ أَصْوَبُ مِنَ القَوْلِ فِي العَذُوبِ أَنَّه الَّذِي يَمْتَنِع عَنِ الأَكْلِ لِعَطَشِه.وأَمَّا قَوْلُ أَبِي عُبَيْد: وجَمْعُ العَذُوبِ عُذُوبٌ فخَطَأٌ، لأَنَّ فَعُولاً لَا يُكْسَّر عَلَى فُعُول.

قُلْتُ (القائل الزبيدي): هُوَ مِنْ غَرَائِبِ اللُّغَةِ وفَوَائِد الأَشبَاهِ والنَّظَائِر، وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ على مَن لم يَحْفَظ.اهـ

وفي تاج العروس أيضا (3/ 197): (و) الصَّقْبُ (مِنَ النَّاقَة: وَلَدُهَا) . وَقَالَ شَيْخُنَا: السِّينُ أَفْصَحُ فِيهِ، بَل أَنكَرَ بَعْضُهُم كَوْنَه بالصَّادِ، ولِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْه أَهْلُ صَحِيحِ اللُّغَةِ كالجَوْهَرِيّ وابْنِ فَارِس فِي المُجْمَل وغَيْرِ وَاحِدٍ، انْتهى.

قلت: هُوَ بالصَّادِ فِيهِ، ذكَرَه ابنُ سِيدَه فِي المُحْكَم، ونَقْلَه ابْنُ مَنْظُورٍ فِي لِسَان العَرَب، وكَفَى بهما قُدْوَةً.اهـ

وقد كرر ذكر هذه القاعدة الزبيدي مرات كثيرة في كتابه[1] هذا معولا عليها في إثبات كثيرا من الألفاظ والمعاني والأوجه التي حصل في ثبوتها خلاف حيث أثبتها بعض أهل اللغة، وأنكرها بعضهم، أو بعضهم عَرَفها وحفظها ونقلها، وبعضهم لم يعرفها ولا حفظها ولا نقلها؛ ولكن لم ينكرها؛ فيرجح الزبيديُّ وغيره قولَ من أثبتها وعرفها وحفظها ونقلها؛ لأن المثبت مقدم على النافي ومن حفظ حجة على من لم يحفظ كما في الأمثلة السابقة.

والمتتبع لقاموس الإمام الفيروزآبادي يجده يثبت كثيرا من الألفاظ والمعاني والأوجه ثم يوضح الزبيدي في شرحه أن ثمة من أنكرها، ولكن مع ذلك لم يلتفت إلى إنكاره صاحبُ القاموس ولا شرحه… وكذا فعل غيره من أصحاب المعاجم وإليك طائفة من النصوص في ذلك:

جاء في تاج العروس……وانظر اللاحق : https://www.facebook.com/groups/202140309853552/permalink/782472188487025/

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*انظر السابق: https://www.facebook.com/groups/202140309853552/permalink/767191366681774/

[1] وفي تاج العروس (17/ 410): قالَ شَيْخُنَا: قُلْتُ: ابنُ دُرَيْدٍ أَثْبَتُ مِنَ المُصَنِّفِ وأَعْرِفُ، وردُّ اللغَةِ المَنْقُولَةِ بمجَرّدِ العِنْدِيّة لَا يَصِحُّ، بَلْ هُوَ من بابِ الدّعْوَى المجَرّدَةِ عَن الدّلِيلِ، ومَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ على غَيْرِهِ.اهـ

وفي تاج العروس أيضا (13/ 295): وَقد يُجابُ عَن هَذَا

بأَنَّ الكَسْرَ مَحْكىٌّ أَيضاً، كَمَا نَقله ابنُ بَرّيّ، ومَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ على مَنْ لم يَحْفَظ.

وفي تاج العروس أيضا (18/ 365): ولِذَا قَالَ المُصَنِّف: إِنْ صَحَّ، إِشَارَةً إِلى قَوْلِ مُجَاهدٍ هذَا، ومَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ على مَنْ لم يَحْفَظ.

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/667527113361314

السابق
القول الجميل في تحقيق ما نُسب في الاستواء إلى الفراهيدي خليل
التالي
( سلسلة ابن تيمية حَكَما على الأمة ودينها، بسلفها وخلفها، الذهبي نموذجا، ج1)