ومنها أيضا قول أبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي[1] (ت219هـ):”لا نزيد فيه ولا نفسّره ونقف على ما وقف عليه القرآن والسنة”
[12] هل تعلم أن عبارة اللاءات التي يرددها ابن تيمية في كتبه ويستشهد بها وينسبها للسلف وهي: “نثبت الصفات بلا تمثيل ولا تعطيل ولا تكييف ولا تأويل” هي عبارة ملفقة ومبتورة ومتلاعَب فيها؟!
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/507757446004949/
روى ابن قدمة بسنده في كتابه ذم التأويل (ص: 22) والذهبي[2] من طريقه عن أبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي أنه قال: أصول السنة ..فذكر أشياء ثم قال: وما نطق به القرآن والحديث مثل : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} [المائدة: 64] ومثل {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] وما أشبه هذا من القرآن والحديث لا نزيد فيه ولا نفسّره ونقف على ما وقف عليه القرآن والسنة ونقول: الرحمن على العرش استوى؛ ومن زعم غير هذا فهو معطل جهمي.اهـ
وهذا النص نقله أيضا ابن تيمية[3] وابن القيم على وجه الاحتجاج[4] كما أقر بذلك الألباني[5].
فتأمل قول الحُميدي عما ورد من الآيات والأحاديث المتشابهة “لا نزيد فيه ولا نفسّره، ونَقِف على ما وقف عليه القرآن والسنة، ونقول: الرحمن على العرش استوى ” تجده كلاما غاية في الوضوح والجلاء في أن تلك النصوص لا تُفسّر، ولا يُزاد فيها ولا ينقص منها، بل يُلتزم بنص الكتاب والسنة حرفيا، وهذا كلام في منتهى التثبت والدقة والورع والتنزيه من السلف الصالح رضي الله عنهم؛ فمن يأب هذا الكلام، أو يُنازِع فيه في هذا المقام، أو يَرُم غيرَه في هذا المرام؟!!
ولكن أين هذا الكلام من مذهب ابن تيمية وأتباعه المتمسلفة؟!!!! فهؤلاء هم أول من ينكره ويَضرب به عرض الحائط؛ لأنه عيْن مذهب التفويض الذي ينكره ابن تيمية أشد الإنكار…!!!! إن هؤلاء ـ ابن تيمية وأتباعه ـ لا يكتفون منك أبدا بأن تقول مثلا: “الرحمن على العرش استوى”، ثم تسكت وتقف عند هذا الحد، ولا تزيد في ذلك ولا تنقص، ولا تفسر “استوى” ولا تشرح الكلمة؛ بل يجب عليك عند هؤلاء أن تقول: استوى بذاته حقيقة على العرش، وليس هذا فحسب بل يجب عليك أن تفسّر “استوى” بمعنى جلس أو استقر أو علا علو حسيا ….
ثم يجب عليك ـ عندهم ـ أن تخوض في الاستواء هل هو بمماسة أم بغير مماسة؟
وهل العرش حد لله من أسفله أم ليس بحد؟!!!
وهل لله حدود من الجهات الخمسة الأخرى؟!!!
وهل الله جالس على العرش جميعه أم ترك منه قدر أربع أصابع ليُجلس نبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ عليها يوم القيامة؟!!!
وهل الله حين ينزل إلى السماء الدنيا يخلو منه العرش أم الله؟!!
وهل لله ثِقل على العرش أم ليس له ثقل؟!!!
وهل الملائكة يحملون العرش فقط أم يحملونه ويحملون اللهَ الذي فوقه بقدرة الله؟!!!
وما شَكْل الملائكة الذين يحملون العرش، هل هم أوعال أم غير ذلك؟!!!
وهل ما فوق العرش جهة عدمية مخلوقية أم جهة وجودية؟!!
وهل العرش كروي محيط بالكون، وبالتالي فإن الله مستو عليه استواء إحاطة بالكون كله؟! وهل هذا يقدح بعلو الله؟!!!
وهل العرش قديم النوع حادث الأفراد؟!!!
وهل يحدث أطيط حينما يجلس الله على العرش….؟!
وهل…؟ وهل….؟ وهل….؟ و…..؟؟؟؟؟؟؟
هكذا يجب أن تثبت الاستواء بهذا الشكل…!!! وبكل هذا الجدل والخوض الذي ملأ ابن تيمية كتبه به وسَوّد له مئات بل آلاف الصفحات..!! وأثبت معظمه لله تعالى، فأثبت لله الثقل والحد من الجهات الست والجلوس والأطيط وأنه لا يخلو منه العرش حين النزول …..إلى غير ذلك من التفصيل والتشقيق والتجسيم والهراء….
وإن لم تُثبت الاستواء بهذا الشكل فإنك تكون محرّفا لصفة الاستواء وتكون جهميا معطلا مخالفا للسلف عند هؤلاء….!!!!
وقسّ على ذلك بقية الصفات، فمثلا قوله تعالى ” وقالت اليهود يد الله مغلولة …. بل يداه مبسوطتان ” فلا يجوز عندهم ـ أي عند ابن تيمية وأتباعه ـ أن تتلو الآية هذه وتسكت كما قال الحميدي هنا، وإنما يجب عليك أن تقول: إن لله يدين اثنتين على الحقيقة يفعل بهما ويمس بهما، وفيهما أصابع ووو[6]……هكذا تكون متبعا للسلف الصالح عند هؤلاء المتمسلفة!!!!!
ولكن أمَا وأنك وقفتَ على مذهب السلف بنصه وفصه كما ساقه هنا الحميدي، ومِن قبْله شيخه سفيان بن عيينة، ومحمد بن الحسن وأبو عبيد ، ووكيع وأحمد بن حنبل[7]…. فكلهم نقلوا عن السلف عيْن ما قاله الحُميدي هنا على ما سبق بيانه، فلا يهولنّك بعد ذلك ما يدعيه أولئك المتمسلفة، واعلم أن دعواهم باطلة وما نسبوه إلى السلف هو كذب محض، يَردُّه كلام أعلام السلف أنفسهم كما سبق؛ بل إن ابن تيمية وأتباعه هم أنفسهم تأولوا نصوص هؤلاء السلف المصرحين بعدم تفسير أخبار الصفات والزيادة عليها؛ وما تأولوه إلا لعلمهم بأنه يعارض مذهبهم، كما سبق بيانه مفصلا..
ومن ذلك ما قاله ابن القيم مستدركا على كلام الحميدي هنا: “وليس مقصود السلف بأن من أنكر لفظ القرآن يكون جهميا مبتدعا، فإنه يكون كافرا زنديقا، وإنما مقصودهم من أنكر معناه وحقيقته”[8].اهـ
قال وليد: الواقع أن هذا الكلام من ابن القيم هو استدراك على كلام الحميدي لتأويله والتلاعب به؛ إذ إن الحميدي قال في آخر كلامه “ونقول: الرحمن على العرش استوى، ومن زعم غير هذا فهو معطل جهمي “.
أي من قال سوى “الرحمن على العرش استوى” ، فزاد في الآية أو أنقص أو فسّرها أو تأولها فهو معطل جهمي ، ولم يقل الحميدي بأن من أنكر أن الله استوى فهو جهمي…حتى يقول ابن القيم إن قصْده هو أن من أنكر المعنى الحقيقي للاستواء فهو جهمي لا من أنكر الاستواء جملة لأن إنكار الاستواء كفر….!!
فتحليل ابن القيم لكلام الحميدي كله غير وراد أصلا كما ترى لأن الحميدي قال”ومن زعم غير هذا” ولم يقل “ومن أنكر…” كما فهم ذلك ابن القيم وراح يحلل كلام الحميدي ويشرحه على ضوء هذه الكلمة الأخيرة التي هي غير موجودة أصلا في كلام الحميدي، فبطل ما قاله ابن القيم؛ والله الموفق
انظر اللاحق: https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/677196332394392/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] وثمة حميدي آخر وهو أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الأزدي الحميدي الأندلسي المتوفى سنة (488هـ)، صاحب كتاب “الجمع بين الصحيحين” وهو أيضا تلميذ ابن حزم، بينما الحميدي الأول هو تلميذ سفيان بن عيينة، رحم الله الجميع.
[2] انظر “العلو” للذهبي، بتحقيق السقاف ص440.
[3] حيث قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (4/ 6): وثبت عن الحميدي أبي بكر عبد الله بن الزبير – أنه قال : ” أصول السنة ” – فذكر أشياء – ثم قال : وما نطق به القرآن والحديث مثل : { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم } ومثل : { والسماوات مطويات بيمينه } وما أشبه هذا من القرآن والحديث لا نزيد فيه ولا نفسره ونقف على ما وقف عليه القرآن والسنة ونقول : { الرحمن على العرش استوى } ومن زعم غير هذا فهو جهمي ” .
[4] وأورده ابن القيم في كتابه اجتماع الجيوش الإسلامية 2/220 ، تحقيق د.المعتق. فقال ابن القيم: ذِكْر قول عبد الله بن الزبير الحميدي رحمه الله تعالى؛ أحدِ شيوخ النبل شيخ البخاري إمام أهل الحديث والفقه في وقته، وهو أول رجل افتتح به البخاري صحيحه، قال (أي الحميدي) “وما نطق به القرآن والحديث مِثلَ قوله تعالى: وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان؛ ومثل قوله تعالى: والسموات مطويات بيمينه؛ وما أشبه هذا من القرآن والحديث لا نزيد فيه ولا نفسره ونقف على ما وقف عليه القرآن والسنة، ونقول: الرحمن على العرش استوى، ومن زعم غير هذا فهو مبطل جهمي” ثم قال ابن القيم: وليس مقصود السلف بأن من أنكر لفظ القرآن يكون جهميا مبتدعا فإنه يكون كافرا زنديقا وإنما مقصودهم من أنكر معناه وحقيقته.اهـ
[5] انظر: مختصر العلو للألباني ص180.
[6] كما يقول ابن عثيمين والبراك وغيرهما، انظر كلامهم في منشور: “[8] هل صحيح أن لله يدين؟”
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/416275378486490/
[7] انظر هذه النصوص وروابطها على منشور: ” [11] هل تعلم أن عبارة اللاءات التي يرددها ابن تيمية في كتبه…”
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/506912476089446/
[8] انظر: اجتماع الجيوش الإسلامية 2/221 ، تحقيق د.المعتق.