1- تعريف التبرك: (مقال قيم)
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/838315716282452/
“التبرك هو ثبوت الخير الإلهي في الشيء، قال تعالى: (لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) [الأعراف، 96]”.[1]
وعليه فإن التبرك بالصالحين هو “طلب ذلك الخير الإلهي من الله عن طريق ذلك الصالح نبيا كان أو غيره أو عن طريق أثر من آثاره”.[2]
وليس كما يزعم بعض الجاهلين ممن لا خبرة لهم بتفاصيل الشريعة أنه شرك وكفر، وفيما يلي الأدلة الناصعة على جواز التبرك بالصالحين.
2- التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم في حال حياته:
كان الصحابة رضوان الله عليهم يتبركون بالنبي صلى الله عليه وسلم، من ذلك ما حكاه عروة بن مسعود – قبل أن يُسلم – عن الصحابة بقوله –كما روى البخاري ذلك في صحيحه-: (فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم؛ خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحِدُّون إليه النظر تعظيما له، فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم!!، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكا قط يُعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له).[3]
قال الحافظ ابن حجر معلقا على هذا الحديث: “وفيه طهارة النخامة والشعر المنفصل، والتبرك بفضلات الصالحين الطاهرة”.[4]
وقال البدر العيني: “ومن الاستنباط من هذا الحديث، التبرك ببزاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم توقيرا له وتعظيما”.[5]
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة جاء خَدَمُ المدينة بآنيتهم فيها الماء، فما يؤتى بإناء إلا غمس يده فيها، فربما جاءوه في الغداة الباردة فيغمس يده فيها).[6]
قال ابن الجوزي في شرحه لهذا الحديث: “إنما كانوا يطلبون بهذا بركته صلى الله عليه وسلم، وينبغي للعالم إذا طلب العوام التبرك به في مثل هذا ألا يخيب ظنونهم“.[7]
وقال الإمام النووي: “وفيه التبرك بآثار الصالحين، وبيان ما كانت الصحابة عليه من التبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم وتبركهم بإدخال يده الكريمة في الآنية”.[8]
كما أن الصحابة الكرام كانوا يتبركون بشعره صلى الله عليه وسلم، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يُفرق شعره على الناس، ليتبركوا به، وهذا يدل عليه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، حيث قال: (لما رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة ونحر نسكه وحلق ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه، ثم ناوله الشق الأيسر فقال: احلق فحلقه، فأعطاه أبا طلحة، فقال: اقسمه بين الناس).[9]
عن أنس بن مالك قال: “لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه، وأطاف به أصحابه، فما يُريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل“.[10]
قال الإمام النووي والحافظ ابن حجر والإمام البدر العيني: “فيه التبرك بشعر النبي صلى الله عليه وسلم”.[11]
وقال الحافظ أبو العباس القرطبي: “وتوزيعه شعره على الناس حرصا منه صلى الله عليه وسلم على تشريكهم في التبرك به، وفي ثوابه“.[12]
وقال الإمام الشوكاني[13] والمباركفوري[14] وأبو الطيب آبادي[15]: “فيه مشروعية التبرك بشعر أهل الفضل ونحوه”.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فنام عندنا فعرق، وجاءت أمي بقارورة، فجعلت تسلت العرق فيها، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: “يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين؟”، قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا، وهو من أطيب الطيب” رواه مسلم
وفي رواية أنه قال لها أيضا: “ما تصنعين يا أم سليم؟” فقالت: يا رسول الله نرجو بركته لصبياننا، قال: “أصبت”
فهذا إقرار منه صلى الله عليه وسلم على جواز التبرك بعرقه صلى الله عليه وسلم.
كما أن الصحابة الكرام كانوا يتبركون بلباسه صلى الله عليه وسلم ويرجون بركته، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببردة…، فقالت: يا رسول الله أكسوك هذه؟، فأخذها النبي صلى الله عليه وآله وسلم محتاجا إليها، فلبسها فرآها عليه رجل من الصحابة، فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه فاكسنيها، فقال: نعم، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم لامه أصحابه، قالوا: ما أحسنت حين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذها محتاجا إليها ثم سألته إياها وقد عرفت أنه لا يُسأل شيئا فيمنعه، فقال: رجوت بركتها حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أُكفن فيها”.[16]
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “وفيه جواز التبرك بالصالحين”.[17]
كما لا يفوت الصحابة الكرام التبرك بالمكان الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن محمود بن الربيع الأنصاري: أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إنها تكون الظلمة والسيل وأنا رجل ضرير، فصل يا رسول الله في بيتي مكانا أتخذه مصلى، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “أين تحب أن أصلي؟” فأشار إلى مكان من البيت، فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم”.[18]
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: “في هذا الحديث من الفقه صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووطئها وقام عليها، وفي هذا دليل على صحة ما كان عليه القوم من صريح الإيمان، وما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من حسن الخلق وجميل الأدب في إجابته كل من دعاه إليه ما لم يكن إثما”.[19]
وقال القاضي عياض رحمه الله: “فيه التبرك بالفضلاء، ومشاهد الأنبياء وأهل الخير ومواطئهم، ومواضع صلاتهم، وإجابة أهل الفضل لما رغب إليهم فيه من ذلك، تعاونا على طاعة الله، وتنشيطا على عبادته”.[20]
وقال الإمام النووي رحمه الله: “وفيه التبرك بالصالحين وآثارهم، والصلاة في المواضع التي صلوا بها، وطلب التبريك منه”.[21]
وقال الإمام الشوكاني: “وفيه أنه يشرع لمن دعي من الصالحين للتبرك به الإجابة، وإجابة الفاضل دعوة المفضول، وغير ذلك من الفوائد”.[22]
ونجد عبد الله بن الزبير يتبرك بدم النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم، فلما فرغ قال: يا عبد الله اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد، فلما برزت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمدت إلى الدم فحسوته، فلما رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما صنعت يا عبد الله؟” قال: جعلته في مكان ظننت أنه خاف على الناس، قال: “فلعلك شربته؟” قلت: نعم، فقال: “ومن أمرك أن تشرب الدم؟ ويل لك من الناس، وويل للناس منك”.[23]
قال موسى: قال أبو عاصم: “فكانوا يرون أن القوة التي به من ذلك الدم”.[24]
قال ابن حجر: “وله شاهد من طريق كيسان مولى ابن الزبير، عن سلمان الفارسي، رُوِّيناه في جزء الغطريف، وزاد في آخره: “لا تمسُّكَ النارُ إلا تحلَّة القسم” وآخر عن أسماء بنت أبي بكر في معجم البغوي”.[25]
3- التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم حال انتقاله إلى الرفيق الأعلى:
كما أن الصحابة الكرام كانوا يتبركون بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد التحاقه إلى الرفيق الأعلى، فعن عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر أن أسماء أخرجت جبة طيالسة كسروانية لها لبنة ديباج، وفرجيها مكفوفين بالديباج، وقالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عند عائشة فلما قبضت قبضتها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها، فنحن نغسلها للمرضى نستشفي بها”.[26]
قال القاضي عياض: “وقولها: فنحن نغسلها للمرضى نستشفي بها.: لما في ذلك من بركة ما لبسه صلى الله عليه وسلم أو لمسه، وقد جرت عادة السلف والخلف بالتبرك بذلك منه صلى الله عليه وسلم، ووجود ذلك وبلوغ الأمل من شفاء وغيره”.[27]
عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد القارئ: “أنه نظر إلى ابن عمر وضع يده على مقعد النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر، ثم وضعها على وجهه”.[28]
4- التبرك بالأولياء والعلماء الصالحين:
ومازال سلف هذه الأمة وخلفها يتبركون بالصالحين والعلماء الربانيين يرجون أن تصيبهم من بركاتهم ما ينتفعون به.
يقول ابن جوزي في هذا الصدد: “وقد كان جماعة من السلف يقصدون العبد الصالح للنظر في سمته وهديه، لا لاقتباس علمه…[29].”
فقد روى الخطيب البغدادي بسنده عن علي بن ميمون قال: “سمعت الشافعي يقول: “إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره في كل يوم – يعني زائرا -، فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت إلى قبره وسألت الله تعالى الحاجة عنده، فما تبعد حتى تقضى”.[30]
وقال ابن الجوزي: “أحمد القزويني، كان من الأولياء المحدثين، توفي في رمضان هذه السنة فشهده أمم لا تحصى، وقبره ظاهر يتبرك به في الطريق إلى معروف الكرخي”.[31]
قال الحافظ الخطيب البغدادي[32]، وابن أبي يعلى الحنبلي[33]، وابن مفلح الحنبلي[34] وابن الجوزي[35] في ترجمة أبي الحسن علي بن محمد بن بشار الزاهد شيخ الحنابلة: “وقبره إلى الآن ظاهر معروف يُتبرك الناس به“.
فهذه الأدلة وغيرها كثير أضربنا عن ذكرها مخافة التطويل وإلا فإن كتب التراجم والطبقات طافحة بما لا يدع مجالا للشك أن سلف هذه الأمة وخلفها ما زالوا يتبركون بالصالحين ويرجون بركتهم، ولا يعني ذلك أنهم يأتون منكر الأفعال والأقوال وبالأحرى الوقوع في الشرك كما يدعي من لا علم له، سوى التهجم على العلماء وتبديع الناس ورميهم بالكفر والزندقة، نعوذ بالله من الجهالة الجهلاء والجرأة على العلماء، وقديما قالوا: لو سكتَ من لا يعلم لقل الخلاف.
================
[1] – مفردات القرآن الكريم، الراغب الأصفهاني، 109.
[2] – التبرك بالصالحين، هشام محمد حيجر، 14.
[3] – صحيح البخاري، كتاب: الشروط، باب: الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، رقم الحديث: 2734.
[4] – فتح الباري، 5/341.
[5] – عمدة القاري، 3/178.
[6] – صحيح مسلم، كِتَاب: الْفَضَائِلِ، بَاب: قُرْبِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ النَّاسِ وَتَبَرُّكِهِمْ بِهِ، رقم الحديث: 2324.
[7] – كشف المشكل من حديث الصحيحين، 3/312.
[8] – شرح صحيح مسلم، للنووي، 15/82.
[9] – صحيح مسلم، كتاب: الحج، باب: بيان أن السنة يوم النحر أن يرمي ثم ينحر، رقم الحديث: 1305.
[10] – صحيح مسلم، كِتَاب: الْفَضَائِلِ، بَاب: قُرْبِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ النَّاسِ وَتَبَرُّكِهِمْ بِهِ، رقم الحديث: 2325.
[11] – ينظر: شرح صحيح مسلم للنووي، 9/54، فتح الباري، 1/275، عمدة القاري، 3/38.
[12] – المفهم، 10/137.
[13] – نيل الأوطار، 5/128.
[14] – تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، 3/56.
[15] – عون المعبود شرح سنن أبي داود، 5/317.
[16] – صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب: حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل، رقم الحديث: 5689.
[17] – فتح الباري، 3/144.
[18]- رواه البخاري في كتاب: الجماعة والإمامة، باب: الرخصة في المطر، رقم الحديث: 636.، ومسلم في كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر.
[19] – التمهيد لابن عبد البر، 6/227.
[20] – إكمال المعلم شرح صحيح مسلم، 2/352.
[21] – شرح صحيح مسلم، 5/161.
[22] – نيل الأوطار، 3/95.
[23] – رواه الحاكم في مستدركه، 3/638. والبزار في مسنده، 6/169.
[24] – الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر، 6/152.
[25] – الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر، 6/152.
[26] – صحيح مسلم، كتاب: اللباس، باب: تحريم: استعمال إناء الذهب والفضة، رقم الحديث: 2069.
[27] – إكمال المعلم، 6/298.
[28] – الطبقات الكبرى لابن سعد، 1/254.
[29] – صيد الخاطر لابن الجوزي، المكتبة العصرية، بيروت، 1429هـ/2008م، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، ص: 165.
[30] – تاريخ بغداد، 1/123.
[31] – المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، 9/139.
[32] – تاريخ بغداد، 12/66.
[33] – طبقات الحنابلة، 2/63.
[34] – المقصد الأرشد، 2/254.
[35] – المنتظم، 6/199.