نصوص الأشاعرة والماتريدية على أن الإله هو المعبود
المعنى الثالث للإله وهو المعبود أو المستحق للعبادة، والألوهية بمعنى كونه معبودا أو مستحقا للعبادة، وهذا المعنى للإله والألوهية هو الذي أصرّ عليه ابن تيمية وأتباعه، واتهموا الأشاعرةَ وعامةَ المتكلمين والصوفية بأنهم «جهلوا معنى الإله»([1])، إذ «لا يعلمون أن الإله هو المألوه المعبود»([2])، ثم هذا أدى بهم إلى الجهل بمعنى شهادة التوحيد، فهم «يجهلون معناها.. ولا يعرفون أن إله بمعنى مألوه أي معبود»([3]).
وفي الواقع هذا الاتهام غير صحيح إطلاقا، فإن الأشاعرة والمتكلمين والصوفية نصوا على أن الإله هو المعبود وأن معنى الشهادة هي: لا معبود بحق إلا الله، وذكروا ذلك في شتى مصنفاتهم، وبيّنوا ما يمكن أن يرد على ذلك من إشكالات كما ذكروا ما يدعمه من مؤيدات، قد بسطت جملة من ذلك في هذا الكتاب معتمدا على ما ذكروه في كتبهم سواء التي في التفسير أو الحديث أو اللغة أو الفقه وأصوله أو العقيدة وعلم الكلام، فهذا الكتاب ما هو إلا من فتات موائدهم، ولنذكر طرفا من نصوصهم في ذلك من غير ترتيب، وهي أكثر من أن تحصى، ولكن ما لا يُدرك كله لا يُترك جُله:
- قال أبو منصور الماتريدي: وإن «لا إله إلا الله»: هو لا معبود سواه، وألا يستحق العبادة غيره([4]). اهـ
- وقال أبو حامد الغزالي: معنى قولك لا إله إلا الله أي لا معبود ولا محبوب سواه([5]). وقال أيضا: كذلك أهوال الآخرة ليس لها حصن إلا قول لا إله إلا الله صادقا ومعنى صدقه أن لا يكون له مقصود سوى الله تعالى ولا معبود غيره([6]).
- وقال البيهقي:.. فمعنى الإله: المعبود، وقول الموحدين: لا إله إلا الله معناه لا معبود غير الله([7]). اهـ
- وقال الفخر الرازي: ثم قال: لا إله إلا هو يعني أنكم لما عرفتم وجود الإله المحسن المتفضل المتكرم فاعلموا أنه لا إله سواه ولا معبود سواه([8]).
- وقال الراغب الأصبهاني: نبّه بقوله: (لا إله إلا هو) أن لا معبود سواه([9]).
- وقال البيضاوي عند تفسير آية الكرسي (الله لا إله إلا هو).. والمعنى أنه المستحق للعبادة لا غيره([10]).
- وقال الشيخ زرّوق: «لا إله إلا الله» أي: لا معبود بحق إلا الله لأنه لا مستحق للاتصاف بالكمالات سواه([11]).
- وقال ابن رشد الجد: لا إله إلا هو، ولا معبود سواه([12]).
- قال أبو العباس القرطبي: ﴿ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﴾ [الأنبياء:87]؛ أي: لا معبود غيرك، ولا معروف بهذه المعرفة سواك([13]).
- وقال القرافي في شرح كلمات الأذان: والإله المعبود.. لا معبود مستحق للعبادة إلا الله([14]). اهـ ونقله الحطّاب([15]).
- وقال القرطبي: قوله تعالى: «لا إله إلا هو» نفى وإثبات، أولها كفر وآخرها إيمان، ومعناه لا معبود إلا الله([16]). وقال أيضا: (الله لا إله إلا هو) أي لا معبود سواه، ولا خالق غيره، فعليه توكلوا([17]). اهـ
- وقال التفتازاني: قولنا: لا إله إلا الله كلمة التوحيد، أي لا معبود بحق إلا ذلك الواحد الحق([18]). اهـ وقال: الإله اسما للمعبود([19]). اهـ وقال: وقوله تعالى «وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله» أي معبود([20]).
- وقال الزركشي في معنى لا إله إلا الله:.. ليس فيها حرف معجم بل جميعها متجردة عن النقط إشارة إلى التجرد عن كل معبود سوى الله تعالى.. ليدل على حصر الإلهية لله تعالى([21]).
- وقال السيوطي: (الله لا إله) أي لا معبود بحق في الوجود (إلا هو الحي) الدائم بالبقاء([22]). اهـ
- وقال الخطيب الشربيني وغيره من شرّاح منهاج النووي: (وأشهد) أي أعلم وأبين (أن لا إله) أي لا معبود بحق في الوجود (إلا الله) الواجب الوجود([23]).
- وقال المناوي: وأبين (أن لا إله) أي لا معبود بحق في الوجود (إلا الله وحده) تأكيد لتوحيد الذات (لا شريك له)([24]).
- وقال السنوسي في شرحه للشهادة: وحقيقة الإله هو الواجب الوجود المستحق للعبادة.. والمعنى على هذا لا مستحق للعبودية له موجوداً.. إلا الفرد الذي هو خالق العالم جلّ وعلا([25]).
- وقال أبو البقاء الكفوي: قولنا: (لا إله إلا الله كلمة توحيد) أي: لا معبود بحق إلا ذلك الواحد الحق([26]).
- وقال الخرشي: (قوله أن لا إله إلخ) أي لا معبود بحق موجود([27]).
- وقال النفراوي: (أشهد أن لا إله إلا الله) أي أتحقق وأذعن أن لا معبود بحق سواه([28]).
- وقال العدوي: «قوله: معبود… إلخ» فيه إشارة إلى أن إله معناه معبود أي بحق.. والخبر محذوف والتقدير لا معبود أي موجود إلا الله([29]).
- وقال البيجوري: ومعنى الإله: المعبود بحق([30])، وقال أيضا: «فمعنى لا إله إلا الله الحقيقي: لا معبود بحق في الواقع إلا الله([31]).
- قال إسماعيل حقي: لا إله إلا هو خبر بعد خبر أي هو مجامع لهذين الوصفين من الربوبية والألوهية فلا مستحق للعبادة سواه، ومعنى لا إله إلا هو الواحد المختص بالإلهية([32]).
- وقال د. سعيد فودة: «واعلم أن كلمة الإسلام (لا إله إلا الله، محمد رسولُ الله).. فعلى العاقل أن يكثر من ذكرها مصاحبا.. وأن يستحضر معناها إجمالا وهو أنه لا معبود بحق إلا الله»([33]).
المطلب الثاني
الرد على من زعم أن الأشاعرة جهلوا أن الإله هو المعبود
فهذه بضعة وعشرون نصا من نصوص الأشاعرة والماتريدية سواء كانوا من المتكلمين أو الفقهاء أو الأصوليين أو المحدثين أو الصوفية، على أن الإله هو المعبود، وعلى أن لا إله إلا الله تعني أنه: لا معبود بحق إلا الله، وسيأتي المزيد منها عندما نسوق نصوصهم الكثيرة في أن العبادة لا تنبغي إلا لله وحده([34]).
فأنى يقال بعد كل هذا إن المتكلمين أو الأشاعرة «ليس معنى كلمة التوحيد لا إله إلا الله عندهم إلا بأن الله وحده هو القادر على الاختراع»([35])، وأنهم «لا يعلمون أن الإله هو المألوه المعبود»([36]) كما قال ابن تيمية؟! وقلّده كثير من الوهابية فقالوا بأن الأشاعرة «لا يعرفون أن إله بمعنى مألوه أي معبود»([37])!! وإنما هو عندهم بمعنى «القادر على الاختراع.. وهذا فهم خاطئ قال به الأشعري.. وقد تبعه على ذلك جميع الأشاعرة»([38])، فإنهم «لم يعرفوا من تفسير لا إله إلا الله إلا أن معناها القادر على الاختراع» كما زعم حفيد ابن عبد الوهاب([39])!!!
(ابن عبد الوهاب لم يكن يعرف معنى الشهادة ولا أحد من مشايخه)
بل يقول جدُّه ابنُ عبد الوهاب بالحرف: «لقد طلبت العلم.. وأنا ذلك الوقت لا أعرف معنى «لا إله إلا الله».. قبل هذا الخير الذي مَنَّ الله به، وكذلك مشايخي، ما منهم رجل عرف ذلك. فمن زعم من علماء العارض أنه عرف معنى «لا اله إلا الله».. قبل هذا الوقت، أو زعم عن مشايخه أن أحداً عرف ذلك، فقد كذب وافترى»([40]).
وما هو هذا المعنى للشهادة؟! إنه «لا معبود بحق إلا الله»([41])، و«لا معبود في الأرض ولا في السماء بحق سواك»([42]) كما نص عليه. وهذا المعنى الذي اكتشفه للشهادة ونفى أن يكون قد علمه هو أو أقرانه أو مشايخه ومشايخهم، ونفى أتباعُه الوهابيةُ كما رأينا أن يكون أحد من الأشاعرة قد علمه، متابعين في ذلك ابن تيمية الذي قال بأنهم لم يعلموا أن الإله هو المعبود!! أقول هذا المعنى قد نص عليه جمهور الأشاعرة مرارا كما رأيت، وذلك قبل ولادة ابن تيمية بمئات السنين فضلا عن ولادة ابن عبد الوهاب كما سبق بيانه!!!
كذا من كتابنا ص222 “تنوير الرب الإله في دعوى التباين بين كلمتي الرب والإله” وانظره لزاما للتوسع. والله الموفق وهذا رابط الكتاب ولمن أراد أن يتسوقه
([1]) حاشية فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (ص: 39).
([2]) مجموع الفتاوى (8/100)، بيان تلبيس الجهمية (3/142).
([3]) الرد الشامل للموجان ص101.
([4]) تأويلات أهل السنة (7/177).
([5]) إحياء علوم الدين (14/77).
([6]) إحياء علوم الدين، ط/دار الشعب (16/54) وانظر (2/110).
([7]) الأسماء والصفات للبيهقي (1/58).
([9]) تفسير الراغب الأصفهاني (2/412).
([10]) أنوار التنزيل للبيضاوي (1/257).
([11]) شرح زروق على متن الرسالة (1/32)، ت المزيدي، ط1/دار الكتب العلمية.
([12]) البيان والتحصيل لابن رشد (8/168)، دار الغرب.
([13]) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم لأبي العباس القرطبي (2/399)، دار ابن كثير.
([14]) الذخيرة للقرافي (2/57)، دار الغرب الإسلامي- بيروت، ط/1994م.
([15]) مواهب الجليل للحطاب (1/439 (، ط3/دار الفكر.
([16]) الجامع لأحكام القرآن، للإمام القرطبي، ط/الرسالة (2/489).
([17]) الجامع لأحكام القرآن، للإمام القرطبي، ط/الرسالة (21/16).
([18]) حاشية السيوطي على تفسير البيضاوي (1/137).
([19]) شرح المقاصد للتفتازاني 3/257، ت إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية.
([21]) معنى لا إله إلا الله – الزركشي (ص: 83 و85).
([22]) تفسير الجلالين (1/184)، ونقله أيضا في جهود أئمة الشافعية في تقرير توحيد العبادة 1/73.
([23]) مغني المحتاج (1/93)، وكذا في نهاية المحتاج (1/33)، وتحفة المحتاج (1/8)، وشرح المحلي على المنهاج (1/5)، والسراج الوهاج (ص: 3).
([24]) التيسير بشرح الجامع الصغير للمناوي (1/3)، وانظر: (1/16) (1/238)، وانظر: فيض القدير للمناوي (1/102).
([25]) شرح أم البراهين للسنوسي: ص 206 – 207، المطبوع مع حاشية الدسوقي.
([26]) كتاب الكليات لأبى البقاء الكفوي (ص: 172)، عدنان درويش، مؤسسة الرسالة – بيروت.
([27]) شرح مختصر خليل للخرشي (1/6)، دار الفكر.
([28]) الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (1/173)، دار الفكر.
([29]) حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (2/481)، ت البقاعي، دار الفكر.
([30]) حاشية البيجوري على متن السنوسية: ص 42.
([31]) تحفة المريد على جوهرة التوحيد للباجوري (ط السلام) (ص: 208).
([32]) روح البيان (4/375) وانظر (7/317) (9/454).
([33]) مختصر شرح الخريدة البهية للشيخ د. سعيد فودة (ص: 43).
([35]) دعاوي المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (ص: 328).
([37]) الرد الشامل للموجان ص101.
([38]) موقف ابن تيمية من الأشاعرة (3/973).
([39]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (1/320) من رسالة لعبد الرحمن بن حسن حفيد ابن عبد الوهاب.
([40]) الرسائل الشخصية (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب، الجزء السادس) (ص: 186).
([41]) ثلاثة الأصول (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب، الجزء الأول) (ص: 190)، ت ناصر بن عبد الله الطريم وغيره، جامعة الأمام محمدبن سعود، الرياض.
([42]) شروط الصلاة وأركانها وواجباتها (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الثالث) (ص: 7).