تنزيه الله عن المكان والجهة والحيز

هل حقًا قدماء الأشاعرة كإبن فورك وغيره يثبتون العلو في حق الله علو الجهة والمسافة كما يدّعي ابن تيمية.. أم المسألة فيها تفصيل؟؟ (منقول)

هل حقًا قدماء الأشاعرة كإبن فورك وغيره يثبتون العلو في حق الله علو الجهة والمسافة كما يدّعي ابن تيمية.. أم المسألة فيها تفصيل؟؟

#أولا: ابن تيمية – كما هو صريح في تواليفه – يثبت فوقية المكان المستلزمة لإثبات الجهة والحدود والتَّحيُّز في حقه جل وعز، ويثبت المبايَنة لله بمعنى انفصال الخالق عن المخلوق بالمسافة والحيِّز، وهذا بالذات = مذهب المجسمة عند أهل السنة.

• قال ابْنُ تَيْمِيَّةَ الْحَرَّانِيُّ: ((الثَّالِثُ: قَوْلُ: أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، الَّذِينَ يُثْبِتُونَ أَنَّ اللَّهَ عَلَى الْعَرْشِ، وَأَنَّ حَمَلَةَ الْعَرْشِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِمَّنْ دُونَهُمْ!!!، وَأَنَّ مَلَائِكَةَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا أَقْرَبُ إلَى اللَّهِ مِنْ مَلَائِكَةِ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ!!!، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ لَمَّا عُرِجَ بِهِ إلَى السَّمَاءِ صَارَ يَزْدَادُ قُرْبًا إلَى رَبِّهِ بِعُرُوجِهِ وَصُعُودِهِ!!!، وَكَانَ عُرُوجُهُ إلَى اللَّهِ لَا إلَى مُجَرَّدِ خَلْقٍ مِنْ خَلْقِهِ!!!…وَهَذَا هُوَ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الْكِتَابِ!!!)) [مَجْمُوعُ فَتَاوَى ابْنِ تَيْمِيَّةَ (6/8)، ط. دار الوفاء].

فجائز – مثلا – عند هذا الرجل أن يقطع رائد الفضاء المسافة ليصل إلى مكان رب العزة!!!، وأيضا: الكافر في أعلى ناطحات السحاب هو أقرب لله مسافة من المسلم الساجد لربه على أرضية المسجد الحرام!!! وقس عليه!!! مع أن ربنا قال: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [الأعلى : 19] فلو كان القرب من الله بالذات – كما يدعي ابن تيمية – لوجب أن يكون – وفق ظاهر هذه الآية – من جهة السفل موضع السجود!!!، وهو كفر باتفاق..

#ثانيا: وأما قدماء الأشاعرة فيثبتون الفوقية المطلقة عن الزمان والمكان في حقه تعالى، فيجردون هذه الفوقية عن كل معاني التشبيه ولوازم الجسمية، لهذا يصرحون دون مواربة بنفي الجهة والمكان والحدود والحيِّز عنه تعالى، والفَوقية: إما فوقية مكانة أو فوقية مكانية، فنفيهم لكل لوازم فوقية المكان يستلزم بالضرورة أن الفوقية عندهم فوقية مكانة لا مكان، تماما كما هو الشأن عند الخلف، إلا أن الخلف زادوا الأمر شرحا وبيانا نظرا لاستفحال بدعة التجسيم. فمحاولة نصب نوع خلاف تضاد وتعارض بين سلف الأشاعرة الأوائل وبين تلامذتهم من الخلف في مسألة الفوقية كما يدعي ابن تيمية وكل من تأثر من الفضلاء برأيه الفاسد هذا على غرار الدكتور صالح الغُرسي وغيره: ضرب في حديد بارد ليس إلا..

إذن: شتان بين الفوقية المقيدة بالزمان والمكان والمستلزمة للتجسيم كما هو مذهب ابن تيمية الحراني، وبين فوقية المعاني العلوية التي هي فوق كل تلك المعاني الأرضية، فوقية الكمال والجلال والجمال في حقه تعالى..

• قال الإمام أبو بكر بن فُورَك أنَّه عزَّ وجلَّ: ((بائِنٌ ممَّا خَلَقَ بَيْنُونَةَ الصِّفَةِ وَالنَّعْتِ، لَا بالتَّحَيُّزِ وَالمَكَانِ وَالْجِهَةِ)) [تأويل مُشكِل الحديث وبيانُه (ص:314)].

• وقال الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري كما نقل نصه الحافظ أبو بكر البيهقي: ((وَلَيْسَتِ الْبَيْنُونَةُ بِالْعُزْلَةِ تَعَالَى اللَّهُ رَبُّنَا عَنِ الْحُلُولِ وَالْمُمَاسَّةِ عُلُوًّا كَبِيرًا)) [الأسماء والصفات (307/2)].

• وقال أبو بكر بن فورك أيضا في كتابه مشكل الحديث:

#لِأَنّ إستواءه على الْعَرْش سُبْحَانَهُ #لَيْسَ على معنى التَّمْكِين والإستقرار #بل هُوَ على معنى الْعُلُوّ بالقهر وَالتَّدْبِير وإرتفاع الدرجَة بِالصّفةِ على الْوَجْه الَّذِي يَقْتَضِي مباينة الْخلق انتهى.

[ابن فُورَك ,مشكل الحديث وبيانه ,page 389]

• وقال العلامة ابن خلدون: ((يقع كثيراً في كلام أهل العقائد من علماء الحديث والفقه: أن الله تعالى مُبايِنٌ لمخلوقاته، ويقع للمتكلِّمين أنه لا مُبايِنٌ ولا مُتَّصِلٌ…فلنبيِّن تفصيل هذه المذاهب ونشرح حقيقة كلِّ واحد منها حتى تتَّضح معانيها، فنقول:

إن المُبايَنَةَ تُقال لمَعْنَيَينِ:

• أحدهما: المُبَايَنَة في الحيِّز والجِهةِ، ويُقابِله: الاتِّصالُ، وتُشعِر هذه المُقابَلةُ على هذه التَّقيدَ بالمكانِ إمَّا: صريحًا وهو تَجسيمٌ، أو لزومًا وهو تَشْبيهٌ من قبيل القول بالجِهةِ، وقد نُقِل مثله عن بعض علماء السلف من التَّصريح بهذه المُبايَنَة، فيحتمل غير هذا المعنى، ومن أجل ذلك أنكر المتكلِّمون هذه المُبايَنَة، وقالوا: لا يُقال في الباري: أنه مُبايِنٌ مَخلوقاتَه [=بينونة المسافة] ولا مُتَّصِل بها، لأن ذلك إنما يكون للمُتحَيِّزات…

• وأما المعنى الآخر للمُبَايَنَةِ: فهو المُغايَرَةُ والمُخَالَفَةُ، فيُقال: الباري مُبايِنٌ لمخلوقاته في ذاتِه وهُوِيَّتِه ووُجودِه وصِفاتِه، ويُقابِلهُ: الاتِّحادُ والامتِزاجُ والاختِلاطُ، وهذه المُبايَنَةُ [=بمعنى المغايرة والمخالفة] هي مذهبُ أهلِ الحقِّ كلهم من جمهور السلف، وعلماء الشرائع، والمتكلِّمين، والمُتَصَوِّفة الأقْدَمِين كأهلِ الرِّسالة [=مَن ذكر في الرسالة القُشَيريَّة] ومَن نَحا مَنحاهُم)) [المُقدِّمة (ص:868)].

#ثالثا: في التنبيه على أسلوب ابن تيمية الملتوي والمعروف لأجل نصرة مشربه في التجسيم، وللأسف فقد انطلى أسلوبه هذا على بعض الفضلاء، ونكتفي بذكر مثال واحد من أساليبه وتكتيكاته تلك المعروفة من باب الاختصار:

• قال ابن تيمية الحراني: ((المعروف عن أبي بكر بن فُورَك هو ما عليه الأشعَري وأئِمَّة أصحابه من إثبات أنَّ اللهَ فَوْقَ العَرْشِ، كما ذَكر ذلك في غير مَوضع من كُتُبهِ وحكاهُ عن الأشعريِّ وابنِ كُلَّاب وَارتضَاهُ))!!! بحروفه [بيان تلبيس الجهمية (276/4)].

• فأنتَ تَرَى ابن تيمية يزعم بأن الإمام ابن فورك قائل بالفوقية الحسية، وهاك يا عبد الله صريح كلام الإمام ابن فورك في الفوقية، والذي يوضح طريقة أيمة الأشاعرة في الإثبات، كما سبق شرحه باقتضاب:

• قال الإمام المتكلم المفسر الأصولي الفقيه النحوي العلامة أبو بكر بن فُورَك (ت : 406 هـ): ((وَاستعمالُ “فِي” بِمَعْنى: “فَوقَ” ظَاهرٌ فِي اللُّغَةِ مُنتَشِر، مِنْهُ قَوْله عزَّ وَجل: { فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} [التَّوبَة : 2] أَي: فَوْقَهَا، وَمِنْهُ قَوْله: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه : 71] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مَعْنَاهُ “علَى جُذُوع النَّخلِ”، وَعَلَيهِ يُتَأَوَّل قَوْله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [المُلك : 16] أَنَّ المُرَاد بذلك: “مَن فَوْقَهَا”. وَإِذا كَانَ ظَاهراً فِي اللُّغَةِ اسْتِعْمَال “فِي” بِمَعْنى: “فَوقَ”، وَقد قَالَ تبَارك وَتَعَالَى: { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنْعَام : 18]، وَقَالَ: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النَّحل : 50]، وَأطلقَ الْمُسلمُونَ أَنَّ الله تَعَالَى “فَوقَ خَلقه” كَانَ حملُه على ذلكَ أَوْلى.

وَعَلَيهِ يُتَأَوَّل أَيْضا قَوْله: { وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [ الزُّخرف : 84] أَي: “فَوقَ السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفَوقَ الأَرْضِ إِلَهٌ”. أنْشد بَعضهم لبعض الشعراء:

وَهُمْ صَلَّبُوا العَبْدِيَّ فِي جِذْعِ نَخْلَةٍ

مَعْنَاهُ: “عَلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ”.

واعلم أنَّا إذا قُلنا: “إنَّ الله عزَّ ذكرهُ فوقَ ما خَلَقَ”، لَم نرجع به إلى فَوْقِيَّةِ المَكَانِ والارتِفَاعِ على الأَمْكِـنَةِ بِالمَسَافَةِ والإشْرَافِ عليهَا بِالْمُمَاسَّةِ لشَيْءٍ منها، بَل قَولنَا: “إنَّهُ فَوقَهَا” يَحْتَمِلُ وَجْهَـيْنِ:

• أَحَدهمَا: أَنْ يُرادُ به أنّهُ قَاهِرٌ لَها مُسْتَوْلٍ عَلَيهَا، إثبَاتًا لإحَاطَةِ قُدْرَتِهِ بِها وشمُولِ قَهْرِهِ لَها، وكونها تَحتَ تدْبِيرهِ جَارِية على حسبِ عِلمِهِ ومَشِيئَتِهِ.

• والوجه الثَّانِي: أنْ يُراد به أنَّهُ فَوْقَهَا على معنى أنَّهُ مُبَايِنٌ لَها بالصِّفَة والنَّعتِ، وأَنَّ ما يَجُوزُ على المُحْدَثَاتِ مِنَ العَيْبِ والنّقْصِ والعَجزِ والآفَةِ والحَاجَةِ لا يَصحُّ شيءٌ من ذلكَ عليه ولا يَجُوزُ وَصفهُ بهِ. وهذا أيضًا مُتَعَارَفٌ في اللُّغَةِ أن يُقال: “فُلَان فوقَ فُلَان”، ويُرادُ بذلكَ رِفْعَة المَرْتَبَة والمَنْزِلَة.

والله عزَّ وجلَّ “فَوْقَ خَلْقِهِ” على الوَجْهَيْنِ جَمِيعًا.

وإنَّمَا يمْتَنعُ:

• الوجه الثَّالِث وهو: أن يَكُونَ على معْنَى التَّحَيُّز في جِهَةٍ، والاخْتِصَاص بِبُقْعَةٍ دونَ بُقعة)) [تأويل مُشكِل الحديث وبيانُه (ص: 80-81)].

فرجعت “الفوقية” في حقه تعالى عند الإمام وسلفه قدماء الأشعرية إلى معنيين:

(أ) ثبوتي = إثبات قهره تعالى التام للعالَم = فهو جل شأنه فوق العالَم بالقهر والتدبير وشمول القدرة والجبروت.

(بـ) سَلبي = سلب كل معاني النقص عنه تعالى = فهو جل وعلا فوق كل المعاني الأرضية وسمات المحدثات من العرش إلى الفرش.

والممنوع عندهم:

(جـ) فوقية المسافة والمكان والجهة الحسية = وهو مذهب ابن تيمية..

• فظاهر جدا أن ابن تيمية اعتمد ما تشابه من كلام الإمام ابن فورك كما جاء في صدر نصه الذي ذكر أعلاه، ولكنه أضرب عن صريح قول الإمام في معنى الفوقية الذي يثبتها هو ومشايخه أيمة الأشاعرة الأوائل كما جاء في سياق نصه هو نفسه.

• فما عسى الباحث النزيه أن يطلق على هذا الصنيع من الحراني؟..!!!

https://www.facebook.com/groups/1340408109701622/posts/1534250450317386/

السابق
“ملف خاص بتكفير الوهابية للمسلمين وجرائمهم في حق أمة الإسلام ” (منقول)
التالي
الإمام الباقلاني المؤسس الثاني للمذهب الأشعري فهو على طريقة الأشاعرة المعروفة في الإضافات الموهمة للتشبيه إمّا التفويض وإمّا التأويل…(منقول)