الاجتهاد والتقليد واللامذهبية عند الوهابية

هل القول بجواز حلق اللحية قول شاذ؟ وهل مذهب الشافعية أن الحلق مكروه فقط؟ (منقول)

«الآراء الفقهية المعاصرة المحكوم عليها بالشذوذ في العبادات» (1/ 261):
«‌‌المبحث التاسع: جواز حلق اللحية
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: صورةُ المسألةِ، وتحريرُ محل الشذوذ
المطلب الثاني: القائلون بجواز حلق اللحية من المعاصرين
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة»

(لو كان هذا الاستنباط حقاً لما خفي على أئمة الإسلام كلهم إلى زمنه) يعني: ابن حزم.
ابن رجب – رحمه الله –
فتح الباري (2/ 24)

‌‌المطلب الأول: صورةُ المسألةِ، وتحريرُ مَحَلِّ الشُّذوذِ:
اللحية لغة: هي الشعر النابت على الخدين والذَّقن، سميت باسم المكان الذي تنبت منه وهو اللحيُ، ولكل دابة لحيان، و (اللَّحيان: العظمان اللذان فيهما منابت الأسنان من كلّ ذي لَحْيٍ)، فبداخل الفم ينبت الأسنان، ومن خارجه ينبت الشعر الذي يسمى العارض، وتبدأ اللحية من العذار؛ ولذا يُقال: عَذَّر الغلام، أي: نَبَتَ الشعرُ فِي العذار منه، والذي يصل الرأس باللحية هو الصدغ، و مجمع اللحيين من
‌‌_
(1) انظر: المخصص (1/ 78)، لسان العرب (15/ 243)، وفي المصباح المنير (2/ 551): (اللحية: الشعر النازل على الذقن). والخدان: جانبا الوجه، وقيل: من المحجر (تحت العين) إلى اللحي، انظر: اللسان (3/ 160) وهل الوجنة من الخد؟ الظاهر أنها ليست منه، قال الخليل في العين (6/ 187): (الوجنة: ما ارتفع من الخدِّ بين الشِّدق والمحجر)، وقال ابن سيده في المخصص (1/ 94): (وفي الوجه الوجنتان، وهما فوق ما بين الخدين والمدمع إذا وضعت يدك وجدت حجم العظم تحتها وحجمه نتوءه، أبو حاتم، هما ما نتأ من لحم الخدين بين الصدغين وكنفي الأنف).
(2) انظر: جمهرة اللغة (1/ 572)، الصحاح (6/ 2480)، مقاييس اللغة (5/ 240).
(3) العين (3/ 296).
(4) انظر: المخصص (1/ 76)، لسان العرب (4/ 550)، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (35/ 222): (وكان الفقهاء أكثر تحديداً للعذار من أهل اللغة)، لذلك يقول الشربينيى في مغني المحتاج (1/ 173) في تفسير العذار: (الشعر النابت المحاذي للأذن بين الصدغ والعارض، وقيل: هو ما على العظم الناتئ بإزاء الأذن، وهو أول ما ينبت للأمرد غالباً)، وقال برهان الدين ابن مفلح في المبدع (1/ 101): (العذار: وهو الشعر الذي على العظم الناتئ سمت صماخ الأذن، مرتفعا إلى الصدغ، ومنحطاً إلى العارض، والعارض: هو الشعر النابت على الخد)، قال ابن عثيمين في فتاويه: (11/ 124): (حد اللحية من العظمين الناتئين بحذاء صماخي الأذنين إلى آخر الوجه).
(5) انظر: تهذيب اللغة (8/ 59)، قال الثعالبي في فقه اللغة ص (66): (الصدغ: ما بين لحاظ العين إلى أصل الأذن)
======================

الأسفل هو الذَّقَن، وفوق الذَّقن العنفقة، وهي أسفل الشفة السفلية.
فليس من اللحية في اللغة مانبت على الوجنتين فيما يظهر، ولا مانبت على الحلق، ولا مانبت في العنفقة، ولا الشارب وما انحدر منه إلى الذَّقن، وهو السَّبَلة.
أما اللحية في الاصطلاح؛ فهي: (الشعر النابت على الخدين من عذار وعارض، والذَّقن)، ويُلحظ مطابقته للتعريف اللغوي إلا أنه أكثر دقة؛ حيث فسّر النابت على الخدين بالعذار والعارض دون ما نبت على الوجنة.
‌‌_
(1) انظر: الصحاح (5/ 2119)، مقاييس اللغة (2/ 357)، و (الذِقن) بالكسر هو الشيخ، انظر: تهذيب اللغة (9/ 74).
(2) العنفق: قلة الشيء وخفته، ومنه اشتقاق العنفقة لخفة شعرها، والعنفقة: مابين الشفة السفلية، وبين الذَّقن، سواء كان عليها شعر أم لم يكن، وهي الشعر فيه أيضاً. انظر: العين (2/ 301)، المخصص (1/ 124)، اللسان (10/ 277).
(3) قال ابن فارس في مقاييس اللغة (3/ 129): (السين والباء واللام أصل واحد يدل على إرسال شيء من علو إلى سفل، وعلى امتداد شيء … وسبال الإنسان من هذا؛ لأنه شعر منسدل)، وقال الخليل في العين (6/ 257): (والشاربان: تجمعهما السَّبَلة … وبعض يُسمّي السَّبَلة كُلّها شارباً واحداً، وليس بصواب)، وتفسير السبلة لغة فيه خلاف، كما في اللسان (11/ 321): (وسبلة الرجل: الدائرة التي في وسط الشفة العليا، وقيل: السبلة ما على الشارب من الشعر، وقيل طرفه، وقيل: هي مجتمع الشاربين، وقيل: هو ما على الذقن إلى طرف اللحية، وقيل: هو مقدم اللحية خاصة، وقيل: هي اللحية كلها بأسرها).
(4) البحر الرائق (1/ 16)، وجاء تعريفها عند المالكية كما في منح الجليل (1/ 78) بأنها: (الشعر النابت على جانبي الوجه المسمّيين لحيين … فدخل فيه الذقن واللحية)، وجاء في تعريفها عند الشافعية، كما في المجموع (1/ 374): (وهي الشعر النابت على الذقن)، فهل يعني ذلك أن شعر الخد ليس من اللحية عند الشافعية؟ ليس بصريح، ولذلك قال النووي في المجموع (1/ 291): (قال الغزالي: تكره الزيادة في اللحية والنقص منها، وهو أن يزيد في شعر العذارين من شعر الصدغين إذا حلق رأسه أو ينزل بعض العذارين)، فدل على دخول العارضين في اللحية عند الشافعية، وقد عبّر في المصباح المنير (2/ 551) بما هو أوضح في دخول العارضين في اللحية عندهم بقوله: (اللحية الشعر النازل على الذقن)، وعرفها الحنابلة، كما في المطلع على ألفاظ المقنع ص (31) بأنها: (الشعر النابت على اللحيين والذقن وما قرب من ذلك)، و هي متقاربة، وأوضحها تعريف الحنفية الذي ذكرته في المتن

=======================

وهذا هو تحرير محل الشذوذ، وتبيين محل النزاع في المسألة:

  1. اتفق العلماء على مشروعية الأخذ من الشارب.
  2. واتفقوا على عدم تحريم أخذ ما زاد على القبضة من اللحية وخاصة في النسك.
    ‌‌_
    (1) قال النووي في المجموع (1/ 287): (وأما قص الشارب؛ فمتفق على أنه سنة)، وقال العراقي في طرح التثريب (2/ 76): (قص الشارب، وهو مُجمَعٌ على استحبابه، وذهب بعض الظاهرية إلى وجوبه)، قال ابن حزم في مراتب الإجماع ص (157): (واتفَقوا أن قصّ الشَّارب، وقطع الأظفار، وحلق العَانَة، ونتف الإبط، حسن)، وهو يحكي القدر المشترك ولا ينفي الوجوب، ولذلك قال في المحلى (1/ 423): (وأما قص الشارب؛ ففرض)، وبوّب أبوعوانة في مستخرجه: (بيان الطهارات التي تجب على الإنسان في بدنه، من ذلك إيجاب جز الشوارب وإحفائه … )، قال ابن القيم في تحفة المودود ص (177): (وأما قص الشارب؛ فالدليل يقتضى وجوبه إذا طال وهذا الذي يتعين القول به؛ لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- به ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: «من لم يأخذ شاربه فليس منا»، وقال ابن عبد البر، كما في التمهيد (21/ 63): (وقد أجمعوا أنه لا بد للمسلم من قص شاربه أو حلقه)، والظاهر أن ابن عبدالبر لا يخفى عليه أن جمهور الفقهاء لايوجبون ذلك، فلعله أراد بقوله: (لابد) تأكيد الاستحباب، أو أن مراده أن خلاف الفقهاء لابد ألا يخرج عن استحباب القص أو الحلق؛ ولذلك لم يختلفوا في الاستحباب إنما اختلفوا في صفة الأخذ: هل يكون بالقص أم الحلق؟ وأكثر الأحاديث فيها القص، وهي مفسرة لما ورد من الإحفاء والجز، واختلفوا في السبالين في جانبي الشارب: هل يستحب قصهما أم لا؟. انظر: فتح الباري لابن حجر (10/ 346).
    (2) هذا هو القدر المشترك، فقد صحت روايات بعضها مقيدة في النسك ومحددة في القبضة، وبعضها مطلقة غير محددة ولا مقيدة، ولم ينكر على ذلك منهم أحد؛ فكان إجماعاً على عدم التحريم، وقد حكاه جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- عن الصحابة بما يحتمل الرفع و الإجماع، كما في سنن أبي داود (4201) بسند حسن كما ذكر ابن حجر في الفتح قال: (كنا نُعفي السِّبالَ إلا في حجٍّ أو عمرة)، والسبال يطلق على الشارب، أو طرفيه، وقد يطلق على مقدم اللحية النازل منها، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (35/ 223): (وعلى كونه بمعنى ما على الشارب من الشعر ورد الحديث: «قصوا سبالكم، ووفروا عثانينكم، وخالفوا أهل الكتاب»، وعلى كونه بمعنى اللحية ورد قول جابر: (كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة» انتهى، وروى الأخذ من اللحية أيضاً عطاء بن أبي رباح عمن لقيه من الصحابة كما في مصنف ابن أبي شيبة (25482) بسند صحيح قال: (كانوا يحبون أن يعفوا اللحية إلا في حج أو عمرة)، وحكاه أيضاً إبراهيم النخعي عمن لقيه من التابعين، كما في مصنف ابن أبي شيبة (25490) بسند صحيح قال: (كانوا يطيبون لحاهم، ويأخذون من عوارضها)، وأطبق الأئمة الأربعة وغيرهم على عدم التحريم، بل بعضهم يستحبه، وسيأتي شيء من التفصيل لذلك في المبحث العاشر بإذن الله

====================

  1. ونُقل الإجماع على تحريم حلق اللحية، وذهب بعض الشافعية إلى الكراهة؛ مع أن منصوص الإمام الشافعي هو التحريم، وصرّح به بعض أصحابه.
    وذهب بعض المعاصرين إلى عدم تحريم حلق اللحية، وهذا الرأي هو المراد بحثه وتصحيح نسبته للشذوذ من عدمه.
    ‌‌_
    (1) انظر: مراتب الإجماع ص (157)، الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 299).
    (2) انظر: تحفة المحتاج مع حاشية الشرواني وابن قاسم العبادي (9/ 376)، ومما جاء فيها: (قال الشيخان: يكره حلق اللحية، واعترضه ابن الرفعة في حاشية الكافية بأن الشافعي -رضي الله تعالى عنه- نص في الأم على التحريم، قال الزَّرْكشيُّ، وكذا الحليمي في شعب الإيمان، وأستاذه القفال الشاشي في محاسن الشريعة، وقال الأذرعي: الصواب تحريم حلقها جملة لغير علة بها، كما يفعله القلندرية)، يعني: فعل القلندرية بحلق لحاهم محرم؛ والقلندرية طائفة مبتدعة متصوفة ظهرت في القرن السابع في الشام، وشيخ هذه الطريقة هو محمد الساوجي، ولابن تيمية فتوى فيهم، قال في أولها: (أما هؤلاء “القلندرية” المحلقي اللحى؛ فمن أهل الضلالة والجهالة، وأكثرهم كافرون بالله ورسوله). مجموع الفتاوى (35/ 163)، وانظر: تاريخ الإسلام (13/ 948)

=========================

‌‌المطلب الثاني: القائلون بجواز حلق اللحية من المعاصرين:
أبرز من قال بهذا الرأي من المعاصرين:

  • محمد رشيد رضا (ت 1354)، ومحمود شلتوت (ت 1383).
  • و عبدالله الجديع،
    ‌‌_
    (1) قال في “مجلة المنار” (22/ 429): (الجواب عن مسألة حلق اللحى: هذه المسألة وأمثالها مما سيأتي ليست دينيةً مما يعبد الله به فعلاً أو تركًا، وإنما هي من الأمور العادية المتعلقة بالزينة والتجمل والنظافة … والأمر في مثل هذه الأمور العادية ليس للوجوب الديني، والنهي عنها ليس للتحريم).
    (2) قال في كتابه الفتاوى ص (199): (والحق أن أمر اللباس والهيئات الشخصية، ومنها: حلق اللحية من العادات التي ينبغي أن ينزل المرء فيها على استحسان البيئة).
    (3) قال في كتابه “اللحية دراسة حديثية فقهية” ص (309 – 310) في خلاصة الدراسة الفقهية: (النصوص الآمرة بإعفاء اللحية لا تتجاوز الاستحباب عند وجود مقتضي المخالفة لغير المسلمين … فلو شاع عرف المسلمين في مكان بحلق لحاهم وأصبح إعفاء اللحية شذوذاً وشهرة، فموافقة العرف أوفق للسنة)، وقال في ص (217): (لو أن العرف جرى على ترك اتخاذ اللحية فالسنة مجاراته)، وخلاصة رأيه هو قوله في ص (310): (لم تساعد النصوص في حكمها في الدلالة على أكثر من الندب، وإنما يستثنى حال من يقصد مشابهة غير المسلمين في هيئتهم الظاهرة بحلق اللحية، دون مقتض لتلك المشابهة، فذلك قصد محرّم). القصد محرّم وإلا فالفعل غير محرّم فلا يختص هذا القصد باللحية.
  • وعبدالله بن يوسف الجديع العنزي ولد في البصرة عام (1378) هـ وتلقى العلم على بعض الشيوخ، و بالمعهد الإسلامي في البصرة، ثم فارق البصرة إلى الكويت عام (1398) هـ، وانشغل في هاتين الفترتين بالإمامة والخطابة والتأليف إلى جانب التحصيل والإشراف على برامج السنة في شركة “صخر”، ثم هاجر بعد عام (1413) هـ إلى بريطانيا، وهو عضو المجلس الأوروبي للإفتاء، ولديه مركز خاص للأبحاث هناك، وله العديد من البحوث في العقيدة، والحديث، وعلوم القرآن، وأصول التفسير وغيرها، وله بحوث دار عليها كلام كبير، فيها تجويز لحلق اللحية، و المعازف، وغيرهما، وأكثر الترجمة مأخوذة من ترجمته لنفسه كتبها بطلب من الدكتور/ عبدالرحمن بن معاضة الشهري، فنشرها في ملتقى أهل التفسير، وملتقى أهل الحديث في الشبكة

==============

و د. علي جمعة، و غيرهم.
‌‌_
(1) قال في كتابه “الفتاوى العصرية” ص (40): ( … ونحن مع وجودنا في هذا العصر وكيفيته واختلاطنا مع الناس نفتي بما عليه الشافعي، ونقول له: ليس من الحرمة أن تحلق لحيتك).
(2) كالقرضاوي حين قال في أحد كتبه: (بعض علماء العصر يبيحون حلقها تأثراً بالواقع … وبهذا نرى أن في حلق اللحية ثلاثة أقوال: قول بالتحريم … وقول بالكراهة … وقول بالإباحة، وهو الذي يقول به بعض علماء العصر، ولعل أوسطها أقربها وأعدلها وهو الذي يقول بالكراهة فإن الأمر لايدل على الوجوب جزماً)

=================

‌‌المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول:
1/ مخالفة النص الصريح.
2/ مخالفة الإجماع، وتفصيلهما ومناقشتهما في المطلب الرابع، في أدلة القول الأول.
3/ النص على شذوذه، و قد نص على الشذوذ أو نحوه من العبارات:

  • د. صالح الفوزان بقوله: (إن ترجيح المؤلف [القرضاوي] للقول بكراهة حلق اللحية فقط ترجيح باطل لا دليل عليه).
    ‌‌_
    (1) “الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام” ص (20)، والباطل من الألفاظ التي يُعبر بها عن الرأي الشاذ في بعض السياقات، وقد قال د. الفوزان في خاتمة كتابه الإعلام: (ليت فضيلة المؤلف الْتزم ما قرره في أول كتابه من قواعد … فأخلى كتابه من هذه الفتاوى التي خالف فيها الصواب، وقلد في غالبها الأقوال الشاذة التي لا تستند إلى دليل)
  • ==============

‌‌المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: أدلة القائلين بتحريم حلق اللحية:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
1/ حديث ابن عمر -رضي الله عنه- المتفق عليه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أحفوا الشوارب، وأعفوا اللّحى»، وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي
‌‌_
(1) أخرجه البخاري (5893)، ومسلم (259)، وهذا لفظ مسلم، ولفظ البخاري «أنهكوا» بدلاً من «أحفوا»، وليس في هذه الرواية ذكرٌ لمخالفة المشركين وهي أثبت من الرواية التي فيها ذكر ذلك من حديث ابن عمر لأمور، أولها: أن هذه الرواية من طريق عبيدالله بن عمر (ثقة ثبت)، عن نافع، عن عبدالله بن عمر به، والرواية التي فيها مخالفة المشركين وردت من طريق عمر بن محمد (ثقة)، عن نافع، عن ابن عمر به، و عبيدالله بن عمر أثبت الناس في نافع، حتى من الإمام مالك، كما ذكر يحيى بن سعيد، وقال الإمام أحمد كما نقله يوسف ابن عبدالهادي في بحر الدم ص (105): (ليس أحد في نافع أثبت من عبيد الله بن عمر، ولا أصح حديثاً منه)، والأمر الثاني: أن ذكر مخالفة المشركين تفرد بها عمر بن محمد، وخالفه عبيدالله بن عمر وقد سبق، وأبوبكر بن نافع وعبدالله بن عمر العمري وعبدالعزيز بن أبي رواد ونجيح السندي كلهم يروونه عن نافع دون هذه الزيادة. والأمر الثالث: أن هذه الرواية هي التي انتقاها البخاري في (باب إعفاء اللحى) ولم يذكر غيرها وليس فيها زيادة مخالفة المشركين، كما أن هذه الرواية هي التي صدّر بها الإمام مسلم الروايات في هذه المسألة، والغالب أن التقديم عنده للأصح في الباب ثم يذكر المتابعات، والأمر الرابع: أن الحديث جاء من غير طريق نافع؛ فقد رواه عبدالرحمن بن علقمة عن ابن عمر بغير هذه الزيادة، وقد أشار إلى قضية التفرد في هذا الحديث البيهقي بقوله بعد رواية عبيدالله بن عمر: (وزاد فيه عمر بن محمد بن زيد، عن نافع: «خالفوا المشركين». سنن البيهقي (1/ 232)، وقد أغفل ذلك الجديع؛ فلم يعرِض له، بل زاد إلى ذلك قوله في موضع بعيد غير موضع تحقيق حديث ابن عمر ص (191): (وما قد تراه في بعض مصادر الحديث من ترك ذكر العلة، وسياق الأمر بالإعفاء والإحفاء مجرداً إنما هو من قبيل اختصار الرواة … ولم يزل أهل العلم يصيرون بالمجملات للمفسّرات، وبالمختصرات للمطولات، إلا أن تكون الزيادة من غير ثقة، أو من ثقة خالف فيها، أو من ثقة لم يرتق إلى درجة المتقنين؛ فيتفرّد بها، وجميع هذه الصور ليست واردة هنا) انتهى، وليته نبّه على تفرّد عمر بن محمد، وأجاب عنه في موضعه بما يليق بتحقيقه الظاهر في الحديث بما هو أقل وضوحاً من ذلك

=======================

-صلى الله عليه وسلم- قال: «جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى خالفوا المجوس»، وغيرهما.
وجه الاستدلال:
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بإعفاء وإرخاء اللحية، والأصل في الأمر الوجوب، والحلق فيه مخالفة لأمره الصريح، و وقوع فيما نهى عنه من مخالفة المجوس.
ونوقش هذا الاستدلال بأمور:

  • بعدم التسليم بأن الأمر للوجوب، بل الأصل في الأوامر النبوية هي الاستحباب.
  • ويدل لذلك أن الأمر بإعفاء اللحية اقترن بالأمر بإحفاء الشارب، والشارب مما يسن إحفاؤه عند الفقهاء، فليكن ذلك الحكم في اللحية لاتِّحاد المخرج والصيغة.
  • ومعلوم أن ماشرع في الشارب فإن المشروع به في اللحية هو نقيضه، وحيث شُرع القص في الشارب، فالذي يقابله هو الإعفاء من قص اللحية و ذلك بتركها.
    ‌‌_
    (1) أخرجه مسلم (260).
    (2) انظر: “اللحية دراسة حديثية فقهية” للجديع ص (172).
    (3) المرجع السابق ص (190)، وهو يريد بذلك فيما فهمت أن يبين أن المشروع في اللحية هو ترك القص، وقد قرر أن الصحابة والتابعين كانوا يقصون من لحاهم مما يدل على عدم الوجوب في الأمر بالإعفاء
  • ======================
  • ثم إن الأحاديث الثابتة في الأمر بالإعفاء والإحفاء علّقت الأمر بمخالفة غير المسلمين، مما يؤكد أنه ليس حكماً تعبدياً محضاً؛ بل معلق بوجود المخالفة، وهذه المخالفة مستحبة مالم يوجد قصد التشبّه، فإن وجد القصد فهنا التشبه المحذور.
  • وقد وردت نصوص عديدة فيها أمر وتعليل بمخالفة غير المسلمين، وهي محمولة على الاستحباب؛ كتغيير الشيب، والصلاة في النعال، وأكلة السحر وغيرها.
    ويمكن الجواب عن هذه المناقشة بأمور:
  • وبين يدي الجواب وتفصيله: فإن هذه الاستنباطات والتأويلات لم أقف عليها بمجموعها عند العلماء من قبل، وأقول كما قال ابن رجب: (لو كان هذا الاستنباط حقاً لما خفي على أئمة الإسلام كلهم إلى زمنه).
  • أما القول بأن الأمر ليس للوجوب؛ فهذا يبطله قول الله:
    ‌‌_
    (1) المرجع السابق ص (191).
    (2) المرجع السابق ص (209)، فالتشبّه عنده فيه مشابهة وقصد لها، أما الموافقة في الفعل فقط؛ فهذا شبَهٌ وليس تشبّها.
    (3) انظر: المرجع السابق ص (197 – 212).
    (4) وقفت على أكثر هذه الاعتراضات في مجموع فتاوى ابن باز (25/ 297)، وليس فيها ذكر للمعترض، وقد فنّد ابن باز اعتراضاته، في كلام طويل قال في بدايته: (فقد اطلعت على مقالٍ لبعض الكتاب في عام (1391) هـ جزم فيه بأن حلق اللحية ليس حراماً، ولا مباحاً، ولكنه مكروه … ).
    (5) فتح الباري (2/ 24)، يعني: ابن حزم، وهذا في الاستنباط الذي يؤدي إلى قولٍ مخالفٍ للإجماع، وإلا فالكتاب والسنة لا ينضبان من المعاني والدلائل، ولذا قال ابن رجب: (وهو قول لم يسبق إليه، ولو كان هذا الاستنباط … الخ).
    (6) هذا رأي د. القرضاوي هنا وهو يفرّق بين أمر الله فهو للوجوب وأمر نبيه فهو للندب مالم يأت صارف فيهما، كما ذكر في كتابه “نحو أصول فقه ميسر” ص (25)، وهذا الرأي الأصولي لم يقل به إلا الأبهري من المالكية في أحد أقواله المروية عنه، وقد رجع عنه، ورأيه الأول بالتفريق مهجور وغير مشهور حتى قال الزَّرْكشيُّ- وقد نقل عنه القرضاوي قول الأبهري ولم يشر إلى أنه رأي متروك وأنه رجع عنه- في البحر المحيط (3/ 292): (وهو كالمتروك … والصحيح هذا الذي كان يقوله آخر أمره وأنه لا فرق بين أوامر الله تعالى وأوامر رسوله؛ من كون جميعها على الوجوب). وانظر: الغيث الهامع شرح جمع الجوامع ص (242)
  • ====================

{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، ولو كانت مخالفة الأمر جائزة لما غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- حين خالفوا أمره في الحج، ولولا أن الأمر فيه إلزام لما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لولا أن أشق على أمتي -أو على الناس- لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة».

  • أما اقتران الأمر بإعفاء اللحية بالأمر بإحفاء الشارب؛ فـ (هذه الدلالة التي ذكرنا تسمى دلالة الاقتران، وقد ضعفها أكثر أهل الأصول)، ومما يدل على ضعفها وخاصة عند عطف الجمل التامة قوله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}، قال النووي: (ولا يمتنع قرن الواجب
    ‌‌_
    (1) من الآية (63) من سورة النور، والمقصود بالآية هو النبي -صلى الله عليه وسلم- كما يدل عليه السياق في أول الآية: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} الآية.
    (2) أخرجه مسلم (1211) في حديثٍ قالت فيه عائشة: فدخل علي وهو غضبان، فقلت: من أغضبك -يا رسول الله- أدخله الله النار، قال: «أوما شعرتِ أني أمرتُ الناس بأمر، فإذا هم يترددون؟»، وفي رواية لأحمد: «وما لي لا أغضب وأنا آمر بالأمر، فلا أُتّبع».
    (3) رواه البخاري (887)، ومسلم (252) واللفظ للبخاري.
    (4) أضواء البيان (2/ 335)، قال الزَّرْكشيُّ في البحر المحيط (8/ 109): (أنكرها الجمهور فيقولون: القِران في النظم لا يوجب القِران في الحكم، وصورته أن يدخل حرف الواو بين جملتين تامتين كل منهما مبتدأ وخبر، أو فعل وفاعل، بلفظ يقتضي الوجوب في الجميع أو العموم في الجميع، ولا مشاركة بينهما في العلة، ولم يدل دليل على التسوية بينهما … أما إذا كان المعطوف ناقصاً؛ بأن لم يذكر فيه الخبر؛ فلا خلاف في مشاركته للأول … وأما إذا كان بينهما مشاركة في العلة؛ فيثبت التساوي من هذه الحيثية، لا من جهة القِران).
    (5) من الآية (141) من سورة الأنعام
  • =============

بغيره … [فـ] الإيتاء واجب والأكل ليس بواجب)، بل قد تضعف دلالة الاقتران وإن كان العطف على مفرد يشترك معه في علة أو حكم، كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}، فالعدل واجب والإحسان مندوب، ولا يبعد أن تشترك المعطوفات في حكمٍ من الأحكام لا في كل الأحكام، وهي قرينة من القرائن قد تقوى وقد تضعف، وفهم عامة العلماء للحديث يدل على ضعفها في هذا الموضع.

  • ثم إن هذه الدلالة إنما يستقيم الاستدلال بها في مسألتنا على القول بعدم وجوب قص الشارب، لكن القول بوجوبه قول قوي، ولم يعرِض المعترض للقول بالوجوب ولا أدلته؛ لأنه أراد تقرير حكم الاستحباب للاقتران، ولا يخلُو كلامه من اضطراب، وهذا مثال على ذلك:
    ‌‌_
    (1) شرح النووي على مسلم (3/ 148).
    (2) من الآية (90) من سورة النحل.
    (3) قال ابن حجر في الفتح (10/ 480): (قال ابن التين: يستفاد من الآية الأولى أن دلالة الاقتران ضعيفة؛ لجمعه تعالى بين العدل والإحسان في أمر واحد، والعدل واجب والإحسان مندوب. قلت: وهو مبني على تفسير العدل والإحسان وقد اختلف السلف في المراد بهما).
    (4) قال ابن القيم في بدائع الفوائد (4/ 183): (دلالة الاقتران تظهر قوتها في موطن، وضعفها في موطن، وتساوي الأمرين في موطن … الخ).
    (5) وعامة العلماء على التفريق بين الشارب واللحية؛ مما يدل على ضعف الاقتران في هذا الموضع خاصة، فيستحب عندهم الأخذ من الشارب، ويحرم حلق اللحية، ولعلَّ سبب التفريق بينهما: أن الأخذ من الشارب مما يتكرر ويحتاج إلى متابعة لا تتيسر لكل الناس، وهو من الأوامر، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول كما في الصحيحين: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»، بينما ترك اللحية فيه نهي عن الحلق، وأمر بالترك، وهو متيسر لكل أحد، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه»، إضافة إلى أن ترك اللحية من زينة الرجال، وحلقها فيه مشابهة للنساء، ومُثلة، وغير ذلك من المعاني التي لا توجد في الأخذ من الشارب. وهناك معنى مهم وهو: أن ترك الشارب ليس فيه عمل للإنسان، بخلاف حلق اللحية ففيه عمل، وهذا أشار إليه ابن تيمية وسيأتي نصه
  • ======================
  • فهو يقول: (وقد علمت أن الأمر بالمخالفة هو المقصود في الأحاديث، وليس مجرد إعفاء اللحية وقص الشارب، فلا يجوز بعده التعلق بالأمر بالإعفاء والقص مجردين عن السبب فيهما)، إذا تقرّر ذلك فاقرأ كلامه بعد ذلك ولعله نسي: (وأما حكم قص الشارب، فإنه سنة مستحبة على كل حال، فإن النصوص التي وردت في اللحية ذكرته آمرة به للمخالفة، لكن المعنى فيه لغير المخالفة أوكد منه للمخالفة، فإنه من سنن الفطرة وأَمَر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأخذ منه، ووقَّت لذلك مدة أقصاها أربعون ليلة)، وهذا إن لم يدل على الاضطراب، فليكن دليلاً منه وعليه بأن اللحية سنة وشريعة على كل حال كما هو الشارب؛ لاقترانهما.
  • أما قَصْرُ معنى الإعفاء على الترك مطلقاً؛ فهذا لم يفهمه الصحابة والتابعون الذين صحَّ عنهم الأخذ من اللحية، وإنما فهموا منه الترك حتى تكثر، ومنه قوله تعالى: {حَتَّى عَفَوْا}، (أي: كثروا وكثرت أموالهم وأولادهم، يقال: عفا الشيء إذا كثر)، ولذلك قال الإمام البخاري بعد قوله: (باب إعفاء اللحى): {عَفَوْا} قال: (كثروا وكثرت أموالهم)، ثم
    ‌‌_
    (1) اللحية دراسة حديثية فقهية ص (202)، وقال في ص (192): (فإذا كان الأمر بإعفاء اللحية وقص الشارب لعلة تحقيق صورة المخالفة لغير المسلمين من المشركين أو المجوس، أو أهل الكتاب اليهود والنصارى، وجب أن يقترن حكم ذلك الأمر دائما بحكم نوع تلك المخالفة، وذلك من جهة الوجوب أو الندب).
    (2) المرجع السابق ص (223).
    (3) قال ابن عبدالبر في التمهيد (24/ 146): (هذا ابن عمر روى «أعفوا اللحى» وفهم المعنى فكان يفعل ما وصفنا).
    (4) من الآية (95) من سورة الأعراف.
    (5) تفسير ابن كثير (3/ 450)
  • =================

أورد حديث ابن عمر مرفوعاً وفيه: « … وأعفوا اللحى».

  • أما القول بأن الأحاديث الثابتة في الباب علّقت الأمر بمخالفة غير المسلمين؛ فلا يُسلّم به، بل إنَّ أصح أحاديث الباب وهو حديث ابن عمر -رضي الله عنه- المتفق عليه، ليس فيه ذكر مخالفة المشركين في أصحّ وأكثر طُرقه، وقد سبق بيان ذلك في تخريج الحديث، وقد أشار إلى ذلك البيهقي بقوله: (وزاد فيه عمر بن محمد بن زيد، عن نافع: «خالفوا المشركين».
  • هذا في حديث ابن عمر -رضي الله عنه-، وصح في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: « … أرخوا اللحى خالفوا المجوس»، وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لكن ربي أمرني أن أُحْفِيَ شاربي وأعفي لحيتي»، وورد
    ‌‌_
    (1) سبق تخريجه، قال ابن حجر في الفتح (10/ 351) (وقال ابن دقيق العيد: تفسير الإعفاء بالتكثير من إقامة السبب مقام المسبب؛ لأن حقيقة الإعفاء الترك، وترك التعرض للحية يستلزم تكثيرها).
    (2) السنن الكبرى (1/ 232).
    (3) أخرجه مسلم (260).
    (4) هذ اللفظ في الطبقات لابن سعد والتمهيد وسيأتي ذكرها، والقصة أخرجها ابن أبي شيبة (36626) عن محمد بن فضيل، عن حصين، عن عبد الله بن شداد، قال: كتب كسرى إلى باذام: أني نبئت أن رجلا يقول شيئاً لا أدري ما هو، فأرسل إليه فليقعد في بيته، ولا يكن من الناس في شيء، وإلا فليواعدني موعداً ألقاه به، قال: فأرسل باذام إلى رسول -صلى الله عليه وسلم- رجلين حالقَيْ لحاهما مرسلَيْ شواربهما، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما يحملكما على هذا؟» قال: فقالا له: يأمرنا به الذي يزعمون أنه ربهم، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لكنا نخالف سنتكم، نجز هذا، ونرسل هذا»، هذا أصح ماورد في هذه القصة، وسنده صحيح لكنه مرسل، وإرساله قوي يقرب من الاتصال؛ لأن عبدالله بن شداد مولده في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- وروايته عن الصحابة غالبة، وقد قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (23/ 272) عن حديث: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة»: (أكثر الأئمة الثقات رووه مرسلاً عن عبد الله بن شداد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- … وهذا المرسل قد عضده ظاهر القرآن، والسنة، وقال به جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين، ومرسله من أكابر التابعين، ومثل هذا المرسل يحتج به باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم)، وهذا المرسل أيضاً قد عضده مرسل آخر صحيح، وهو ما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (25502) وابن سعد في الطبقات (1/ 374)، وابن عبدالبر في التمهيد (20/ 55) من طريق سفيان بن عيينة و أبو العميس عتبة بن عبدالله عن عبدالمجيد بن سهل، عن عبيدالله عبدالله بن عتبة (ثقة فقيه ثبت) قال: جاء مجوسي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أعفى شاربه، وأحفى لحيته فقال: «من أمرك بهذا»؟! قال: ربي. قال: «لكن ربي أمرني أن أحفي شاربي وأعفي لحيتي»، ولهما شواهد ضعيفة عند الطبري في تاريخه (2/ 654) مرسلاً، و ابن بشران في أماليه (128)، قال الألباني في تخريج فقه السيرةص (360): (حديث حسن)، ومال الجديع إلى ثبوته في كتابه “اللحية … ” ص (74)
  • ===========

في حديث عائشة أن إعفاء اللحية من الفطرة، في عشر صفات غيرها، قال ابن العربي عن هذه الصفات العشر: (وقد اتفقت الأمة على أنها من الملة، واختلفوا في مراتبها)، والملة و الفطرة لا تتغيران، مع ما في الحلق من تغيير للخلقة الذي عُلل به النمص وهو قريب منه، و التشبه بالنساء.
‌‌_
(1) أخرجه مسلم (261)، وقد تعقب ذلك الدارقطني، وبيّن أنه من قول طلق بن حبيب، وعلّته مصعب بن شيبة. انظر: الإلزامات والتتبع ص (535)، وقد رواه سليمان بن طرخان التيمي، فجعله من قول طلق، ورواه جعفر بن إياس وجعله مرسلاً عن طلق، وتفرّد برفعه مصعب بن شيبة، قال النسائي في سننه (8/ 128): (وحديث سليمان التيمي وجعفر بن إياس أشبه بالصواب من حديث مصعب بن شيبة، ومصعب منكر الحديث)، وكون اللحية من الفطرة لها شاهد من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند ابن حبان (1221) من طريق ابن أبي أويس حدثنا أخي [عبدالحميد] عن سليمان بن بلال، عن محمد بن عبد الله بن أبي مريم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن فطرة الإسلام الغسل يوم الجمعة، والاستنان، وأخذ الشارب، وإعفاء اللحى؛ فإن المجوس تعفي شواربها، وتحفي لحاها، فخالفوهم؛ حدوا شواربكم، وأعفوا لحاكم»، وفي إسناده إسماعيل بن أبي أويس، فيه ضعف من قبل حفظه.
(2) أحكام القرآن (1/ 56).
(3) قال الألباني في تمام المنة (82): (وهو في ذلك يغير خلقة الله تعالى، فهو في حكم النامصة تماماً، ولا فرق إلا في اللفظ، ولا أعتقد أنه يوجد اليوم على وجه الأرض ظاهري يجمد على ظاهر اللفظ، ولا يمعن النظر في المعنى المقصود منه، ولاسيما إذا كان مقروناً بعلة يقتضي عدم الجمود عليه، كقوله -عليه السلام- ههنا: « … للحسن المغيرات خلق الله»، والرجل في ذلك كالمرأة، كما قال العلماء في الواشمة والمستوشمة إنهما سواء. وانظر: فتح الباري (10/ 372)

=========

  • فاجتمع الأمر المجرد، مع الأمر المعلل بالمخالفة، مع أمر الله «أمرني ربي»، مع التنبيه على أن الإعفاء من الفطرة، وهذا هو فهم الصحابة، دون تعليق منهم للإعفاء بالمخالفة فقط، كما حكى عنهم عطاء بن أبي رباح بقوله: (كانوا يحبون أن يعفوا اللحية إلا في حج أو عمرة).
  • المقصود من ذلك أن قصر العلة الشرعية بإعفاء اللحية على مخالفة الكفار لا يصح؛ فهي علة من العلل وليست كل العلل ولا بعضها، ولا ينتفي الحكم بانتفائها، وفي الشريعة هناك ما وجد لعلّة، وبقي التشريع مع فوت هذه العلة؛ كالرمل في الطواف، والسعي في الصفا.
  • ولو سُلّم بكون مخالفة الكفار هي أوحد العلل في الأمر بإعفاء اللحية، فإن المشركين حول النبي -صلى الله عليه وسلم- يعفون لحاهم ولم يخالفهم، فكان المقصود بمخالفتهم في اللحية بما خالفوا فيه الفطرة، ولا نخالفهم فيما وافقوا فيه الفطرة؛ ولذا لم يخالف النبي
    ‌‌_
    (1) أخرجه ابن أبي شيبة (25482) من طريق غندر، عن شعبة، عن منصور قال: سمعت عطاء به، وسنده صحيح.
    (2) بعض العلة لايثبت الحكم فيها إلا باكتمال العلل؛ كالقصاص في القتل العمد العدوان، فيه ثلاثة أوصاف كل واحدة منها بعض علة، والحكم المعلل بعدة علل لا ينتفي الحكم بانتفاء بعض العلل، والأمر بإعفاء اللحية فيه عدة علل، منها: النهي عن المثلة، وتغيير خلق الله، وهذا مجمع عليه كما نقل ابن حزم على أن حلق اللحية مُثلة، وموافقة الفطرة، ومخالفة المجوس، والنهي عن التشبه بالنساء، كل علة منها مستقلة وكافية في تحريم حلق اللحية لمخالفتها.
    (3) قال الجديع في كتابه اللحية ص (309): (دلَّ الإستقراء أن إعفاء اللحية مماجرى به العرف قبل الإسلام، ولم تلغه شريعة الإسلام، وإنما أبقته على ماجرى به العرف). قلت: ولم لا يقال: إنها لم تلغه لموافقته للفطرة؟!
  • =======

-صلى الله عليه وسلم- المشركين مع أنهم أقرب إليه وأكثر مخالطة؛ لأنهم وافقوا الفطرة بإعفاء اللحى، والنهي عن التشبه بالكفار إنما هو (فيما لم يكن سلف الأمة عليه، فأما ما كان سلف الأمة عليه؛ فلا ريب فيه، سواء فعلوه، أو تركوه، فإنا لا نترك ما أمر الله به؛ لأجل أن الكفار تفعله)، وقد كان السلف يعفون لحاهم.

  • أما جعل التعليل بالمخالفة من صوارف الأمر إلى الاستحباب، فهذا لم أقف عليه عند العلماء من قبل، والأصل أن الأمر بالإعفاء اعتضد بالأمر بالمخالفة فقوّاه، ولم يُضعفه، وقد يُصرف هذا الأمر بالقرائن المعروفة كما سيأتي في الأمثلة المذكورة:
  • فتغيير الشيب والخضاب ورد مايصرف الأمر فيهما من الوجوب إلى الاستحباب. وخلاصة الصارف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثبت أنه لم يخضب شيبه، وأجمع العلماء على أن أمره بتغيير الشيب للاستحباب لا
    ‌‌_
    (1) اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 472).
    (2) قال أحمد شاكر في تعليقه على مسند أحمد (6/ 72): (ولم يختلف أهل العلم منذ الصدر الأول في هذا، أعني في تحريم التشبه بالكفار، حتى جئنا في هذه العصور المتأخرة، فنبتت في المسلمين نابتة ذليلة مستعبدة، هجيراها وديدنها التشبه بالكفار في كل شيء، والاستخذاء لهم والاستعباد. ثم وجدوا من الملتصقين بالعلم المنتسبين له، من يزين لهم أمرهم، ويهون عليهم أمر التشبه بالكفار في اللباس والهيئة والمظهر والخلق وكل شيء).
    (3) وهو حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون؛ فخالفوهم» أخرجه البخاري (5899)، ومسلم (2103).
    (4) أخرج مسلم (2341) ونحوه في البخاري (5894)، عن ابن سيرين، قال: سألت أنس بن مالك: هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خضب؟ فقال: «لم يبلغ الخضاب؛ كان في لحيته شعرات بيض» قال قلت له: أكان أبو بكر يخضب؟ قال فقال: (نعم، بالحناء والكتم)، وجاء في البخاري (5897) عن أم سلمة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خضب، ولذلك قال الإمام أحمد: (قد ثبت عن النبي صلى الله عليه -صلى الله عليه وسلم- الخضاب، فقيل له: فقول أنس؟ قال: غيره يقول: قد خضب … والذي شهد على النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس بمنزلة من لم يشهد). كما في كشف المشكل لابن الجوزي (3/ 222)
  • ==========

للوجوب، ولولا الصارف لقيل بالوجوب.

  • ومن المفيد هنا الإشارة إلى أن الشيب ليس من صنع الإنسان، ومن تركه فهو مشابه للكفار ولم يتشبّه؛ لأنه لم يعمل شيئاً، أما اللحية فمن حلقها؛ فهذا عمل منه فيه تشبّه؛ ولذا قوي التحريم هنا، كما قال ابن تيمية: (فإنه إذا نهى عن التشبه بهم في بقاء بيض الشيب الذي ليس من فعلنا، فلأن ينهى عن إحداث التشبه بهم أولى، ولهذا كان هذا التشبه [بالحلق] يكون محرماً بخلاف الأول [تغيير الشيب]).
  • والصلاة في النعال ورد مايصرف الأمر فيه من الوجوب إلى الاستحباب. وخلاصة الصارف ما قاله عبدالله بن عمرو -رضي الله عنه-: «رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي حافياً، [ومنتعلاً]»، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «إذا
    ‌‌_
    (1) نقل الإجماع على ذلك: الطبري في تهذيب الآثار- مسند الزبير- ص (518)، وابن بطال في شرح البخاري (9/ 153)، والنووي في شرح مسلم (14/ 80)، وجاء في شرح النووي لمسلم، وقد نقله عن الطبري فيما يظهر: (الصواب أن الآثار المروية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بتغيير الشيب وبالنهي عنه كلها صحيحة وليس فيها تناقض، بل الأمر بالتغيير لمن شيبه كشيب أبي قحافة والنهي لمن له شمط فقط، قال: واختلاف السلف في فعل الأمرين بحسب اختلاف أحوالهم في ذلك، مع أن الأمر والنهي في ذلك ليس للوجوب بالإجماع، ولهذا لم ينكر بعضهم على بعض خلافه) انتهى، قلت: روي النهي عن تغيير الشيب من حديث ابن مسعود عند أحمد وأبي داود والنسائي وغيرهم وفيه ضعف.
    (2) ولذلك قال الإمام أحمد: (الخضاب عندي كأنه فرض، وذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون؛ فخالفوهم» الوقوف والترجل من مسائل الإمام أحمد ص (132)، وانظر: الفروع (1/ 153).
    (3) اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 203).
    (4) وهو حديث شداد بن أوس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «خالفوا اليهود؛ فإنهم لا يصلون في نعالهم، ولا خفافهم» أخرجه أبوداود (652)، وابن حبان (2186)، والحاكم (956) وقال: (حديث صحيح الإسناد) ولم يتعقبه الذهبي.
    (5) أخرجه أحمد (6627)، وأبوداود (653)، وابن ماجه (1038) وغيرهم، من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وإسناده حسن، وروي من حديث عائشة -رضي الله عنها-
  • =====================

صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يؤذ بهما أحداً، ليجعلهما بين رجليه، أو ليصلِّ فيهما»، فالتخيير ظاهر في عدم الوجوب.

  • وأمّا السَّحور؛ فإن الصارف له عن الوجوب إلى الندب: «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واصل في رمضان»، قال الإمام البخاري: (باب بركة السحور من غير إيجاب؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه واصلوا ولم يُذكر السحور)، وقال النووي عن السَّحور: (وأجمع العلماء على استحبابه وأنه ليس بواجب).
  • فأين مثل هذه الصوارف للأمر بإعفاء اللحى؟!، مع قيام الإجماع على تحريم الحلق كما سيأتي، ولم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحدٍ من أصحابه أنه خالف ذلك، لاشك أن الفرق بينهما ظاهر، وأن التسوية بينهما خلل علمي.
    2/ الدليل الثاني هو: الإجماع.
    وقد نقل الإجماع على تحريم حلق اللحية غير واحد من العلماء:
    ‌‌_
    (1) أخرجه أبوداود (655)، وابن خزيمة (1009)، وابن حبان (2182) وغيرهم، من طريق سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة به، وهو حديث ثابت صحيح، وبوّب عليه ابن خزيمة: (باب الصلاة في النعلين، والخيار للمصلي بين الصلاة فيهما، وبين خلعهما، ووضعهما بين رجليه، كي لا يؤذي بهما غيره).
    (2) لحديث: «تسحروا؛ فإن في السحور بركة» أخرجه البخاري (1923)، ومسلم (1095)، مع قوله -صلى الله عليه وسلم-: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، أكلة السحر» أخرجه مسلم (1096) من حديث عمرو بن العاص -رضي الله عنه-.
    (3) أخرجه مسلم (1102)، وقال له الصحابة: «إنك تواصل» أخرجه البخاري (1961)، ومسلم (1102).
    (4) انظر: صحيح البخاري (3/ 29)، قال ابن حجر في الفتح (4/ 139): (إذ لو كان حتماً ما واصل بهم؛ فإن الوصال يستلزم ترك السحور).
    (5) شرح النووي على مسلم (7/ 206)، ونقل الإجماع على ذلك أيضاً ابن المنذر في الإشراف (3/ 120)

========================

  1. قال ابن حزم (ت 456): (واتَّفقوا أن حلق جميع اللحيَة مُثلَة لَا تجوز، وكذلك الْخَلِيفَة والفاضل والعالم)، ولم يتعقب ابن تيمية هذا الإجماع بشيء.
  2. ونقله أبو الحسن ابن القطان في الإقناع بقوله: (واتفقوا أن حلق جميع اللحية مثلة لا تجوز).
  3. و قال ابن الهمام (ت 861) في فتح القدير: (صحَّ عن ابن عمر … أنه كان يأخذ الفاضل عن القبضة … وأما الأخذ منها وهي دون
    ‌‌_
    (1) مراتب الإجماع ص (157)، وهذا النص يحتاج إلى بعض التوضيح؛ فإن كلامه دقيق، ورأيت من يفهمه على غير وجهه، وقد اشترط في آخر كتابه ص (177): (أن يتدبر جميع ألفاظنا في هذا الكتاب؛ فإنا لم نورد منه لفظة في ذكرنا عقد الإجماع إلا لمعنى كان يختل لو لم تذكر تلك اللفظة)، أما قوله: (واتَّفقوا أن حلق جميع اللحيَة مُثلَة لاتجوز)، فالمثلة: التشويه، ومنه: «نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المُثلة»، ومن أمثلة المُثلة حلق المرأةِ رأسَها، قال ابن تيمية عن اللحية في شرح العمدة-كتاب الطهارة- (1/ 236): (فأما حلقها؛ فمثل حلق المرأة رأسها وأشد؛ لأنه من المثلة المنهي عنها، وهي محرمة)؛ ولذلك كان بعض الظلمة يعزّر بحلق اللحية؛ لأن العرب تعد ذلك تشويهاً؛ ونص الفقهاء على تحريم هذا التعزير، أما قوله: (وكذلك الخلِيفَة والفاضل والعالم)؛ فيحتمل أن المراد به أن حلق اللحية مُثلة محرمة ولو كان الحلق من ذوي الهيئات؛ كالخليفة، ونحوه ممن لا يُظن أن يُمثل بهم، أو يشوههم أحد، فهي مُثلة محرمة وإن قصد بها التجمل، ولعل التنبيه من ابن حزم لوقوعه في زمانه من ذوي الهيئات أو للجواب عن اعتراض مقدّر، والاحتمال الآخر لهذه العبارة أن قوله: (وكذلك الخليفة … ) فيه سقط قبلها، برهانه: أن ابن مفلح في الآداب الشرعية (1/ 440) قال: (وقد قال ابن حزم قبل السبق والرمي في الإجماع: اتفقوا على إيجاب توقير أهل القرآن والإسلام والنبي -صلى الله عليه وسلم- وكذلك الخليفة والفاضل والعالم)، و لا تجد في مراتب الإجماع المطبوع ذكراً لتوقير أهل القرآن، وقبل السبق والرمي تجد قوله: (واتفقوا أن حلق جميع اللحية … ) وألصق به قوله: (وكذلك الخليفة … ) مع ما في العبارة من قلق، واقتصر ابن القطان في الإقناع على قوله: (واتفقوا أن حلق جميع اللحية مثلة لا تجوز) ممايدل على أن هذه العبارة تامة، وأن ما أُلحق بها تصحيف، والساقط الذي يصلح لهذه العبارة هو قوله: (اتفقوا على إيجاب توقير أهل القرآن والإسلام والنبي -صلى الله عليه وسلم- وهي موجودة في الآداب الشرعية (1/ 440)، ومعناها في الإقناع (2/ 307).
    (2) انظر: الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 299)

==========================

ذلك كما يفعله بعض المغاربة ومخنثة الرجال؛ فلم يبحه أحد).

  1. وقال الملا خسرو (ت 885) في درر الحكام: (وأما الأخذ من اللحية، وهي دون القبضة كما يفعله بعض المغاربة ومخنثة الرجال؛ فلم يبحه أحد، وأخذ كلها فعل مجوس الأعاجم واليهود والهنود وبعض أجناس الإفرنج كما في الفتح).
  2. ونقله عن الفتح أيضاً: ابن نجيم (ت 970) في البحر الرائق، والحصكفي في الدر المختار، وابن عابدين في رد المحتار، والطحطاوي في حاشيته على مراقي الفلاح، والشِّلبي في حاشيته على تبيين الحقائق.
  3. وقال ابن تيمية (ت 728): (يحرم حلق اللحية)، قال ابن قاسم (ت 1392): (للأحاديث الصحيحة ولم يبحه أحد)، وقال: (ولم يبحه أحد من أهل العلم).
    ‌‌_
    (1) فتح القدير للكمال ابن الهمام (2/ 347)، وقال: (يُحمل الإعفاء على إعفائها من أن يأخذ غالبها أو كلها).
    (2) درر الحكام (1/ 208).
    (3) انظر: البحر الرائق (2/ 302)، حاشية ابن عابدبن (2/ 418)، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص (681)، حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (1/ 332)، ونُقل قوله: (لم يبحه أحد) في الموسوعة الفقهية الكويتية (35/ 225) عن ابن عابدين، في سياق الاستدلال بالإجماع، وجاء فيها أيضاً (35/ 226): (وتقدم قول ابن عابدين في الأخذ منها وهي دون القبضة: لم يبحه أحد، فالحلق أشد من ذلك).
    (4) نقله عبدالرحمن بن قاسم في الإحكام شرح أصول الأحكام (1/ 46) بما قد يوهم أن الكلام كله لابن تيمية، بقوله: (قال شيخ الإسلام وغيره: يحرم حلقها للأحاديث الصحيحة ولم يبحه أحد)، ولم أقف على هذا النص لابن تيمية، وأقرب ما وجدته هو قول ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (5/ 302): (ويحرم حلق اللحية).
    (5) حاشية الروض المربع (1/ 46)، تعليقاً على قول البهوتي: (ويحرم حلقها، ذكره الشيخ تقي الدين)

==================

  1. وقال النفراوي (ت 1126): (فما عليه الجند في زماننا من أمر الخدم بحلق لحاهم دون شواربهم لا شك في حرمته عند جميع الأئمة؛ لمخالفته لسنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ولموافقته لفعل الأعاجم والمجوس).
  2. وقال الشيخ علي محفوظ (ت 1361): (اتفقت المذاهب الأربعة على وجوب توفير اللحية وحرمة حلقها، والأخذ القريب منه).
  3. وقال ابن باز (ت 1420): (أما الحلق؛ فلا أعلم أحداً من أهل العلم قال: بجوازه).
  4. وقال د. القرضاوي: (لم ينقل عن أحد من السلف حلق اللحية)، وقال الجديع: (لم ينقل في شيء من الأثر أن أحداً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يحلق لحيته … فهؤلاء ستة عشر صحابياً كانوا يعفون لحاهم لايعرف لهم مخالف)، (ولا يعرف أنَّ أحداً من الصحابة حلق لحيته، ومثلهم التابعون بعدهم)، و (السلف لايعرفون حلق اللحية)، (ولا يعرف في المجتمع الإسلامي في صدر الإسلام).
    ‌‌_
    (1) الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (2/ 306)، وقال: (والعوائد لا يجوز العمل بها إلا عند عدم نص عن الشارع مخالف لها، وإلا كانت فاسدة يحرم العمل بها، ألا ترى لو اعتاد الناس فعل الزنا، أو شرب الخمر، لم يقل أحد بجواز العمل بها).
    (2) ولد في محافظة الغربية في مصر وفيها حفظ القرآن، ثم الْتحق بالجامع الأحمدي بطنطا سنة (1306)، ثم نزل بالأزهر سنة (1317) وتلقى العلم على صفوة شيوخه، ثم انشغل بالتدريس والوعظ إلى أن ضم إلى كبار العلماء، توفي سنة (1361) هـ. انظر: المنار المنيف في فتاوى كبار علماء الأزهر الشريف ص (589).
    (3) الإبداع في مضار الابتداع ص (384).
    (4) مجموع فتاوى ابن باز (3/ 373).
    (5) اللحية دراسة حديثية فقهية ص (138).
    (6) المرجع السابق ص (227).
    (7) المرجع السابق ص (242).
    (8) المرجع السابق ص (309)

=====================

  • تنبيه: د. القرضاوي والجديع ممن لا يحرمون حلق اللحية، و أوردت استقراءهما استئناساً به، وكلامهما السابق ليس في سياق الاستدلال بالإجماع؛ فإنهما يقللان من شأن الإجماع.
  • فالقرضاوي يقول: (حجية الإجماع ذاته ليست موضع إجماع! فلا يجوز أن نشهر هذا السيف؛ سيف الإجماع المزعوم في وجه كل مجتهد في قضية)، ولا مانع عنده من إحداث فهم جديد للنص، أو قول جديد في مسألة خلافية لم يسبق إليه المجتهد ولو كانت المسألة قديمة.
  • وأما الجديع؛ فالإجماع عنده ليس بحجة إلا تبعاً لدليل ثابت، فيقول في تعريف الإجماع: (ما اتفق عليه المسلمون من الأحكام الثابتة في الكتاب والسنة)، ثم أنكر الإجماع السكوتي بعد ذلك، مع أنه لا يكاد يوجد في الواقع إلا السكوتي.
  • ويحسن في هذا المقام إيراد قول الجويني: (قد علمنا قطعاً انتشار احتجاج السّلف، في الحَث على موافقة الأمة واتباعها والزجر على مخالفتها … فإن تجويز خُلف الإجماع، وترك اتباع الأمة مما يعظم خطره؛ إذ على الإجماع ابتنى معظم أصول الشريعة)،
    ‌‌_
    (1) يقول الطرابلسي في منهج البحث والفتوى ص (383): (أما مدرسة التجديد؛ فإنكارها للإجماع، أو تشكيكها في وقوعه يُعد من الملامح الرئيسية لها).
    (2) “الاجتهاد في الشريعة الإسلامية”، وهو منشور في موقعه الرسمي، وكلامه تحت عنوان: (معالم وضوابط لابد منها).
    (3) انظر: المرجع السابق، تحت عنوان: (موقعنا من الفقه الإسلامي) و (الإجتهاد الإنشائي)، ومن مقولاته: (يستطيع أهل الاجتهاد أن يفهموا النص فهماً جديداً لم ينقل عن السابقين).
    (4) تيسير علم أصول الفقه ص (150) للجديع، وسيأتي التنبيه على أن الإجماع على تحريم حلق اللحية مبني على دليل ثابت من السنة، ومع ذلك لم يقل به، وتعسّف في رده!
    (5) التلخيص في أصول الفقه (3/ 27 – 28)
  • ==========

و (إذا تعرفنا حال الأمة وجدناهم متفقين على تضليل من يخالف الإجماع وتخطئته، ولم تزل الأمة ينسبون المخالفين للإجماع إلى المروق وشق العصا ومحادة المسلمين ومشاقتهم، ولا يعدون ذلك من الأمور الهينة، بل [يعدون] ذلك من عظام الأمور، وقبيح الارتكابات).
ونوقش الاستدلال بالإجماع على تحريم حلق اللحية بأمور:

  • أن دعوى ابن حزم للإجماع من قبيل عدم العلم بالمخالف (الإجماع السكوتي)، (فحيث لم يجد ابن حزم من قال بإباحة حلق اللحية من السلف ومتقدمي العلماء جعل ذلك منهم بمنزلة الاتفاق على المنع)، وعلى التسليم بدعواه فهي صحيحة في تحريم المُثلة، وغير مسلّم بها في كون حلق اللحية مثلة.
  • وقول ابن الهمام: (لم يبحه أحد) صحيح في كونه لم يبحه أحد لكن عدم الإباحة لا تعني تعيّن التحريم.
  • أما كون السلف لم يحلقوا لحاهم؛ فلعدم حاجتهم لحلقها؛ ولكون التوفير عادتهم.
  • ثم إنّ في المسألة خلافاً: فالمالكية عندهم وجه بكراهة الحلق، والشافعية عندهم القول بالكراهة هو المعتمد عند محققي المذهب، و الحنابلة المذهب عندهم قبل ابن تيمية هو استحباب الإعفاء، وغاية ما يقابل الاستحباب الكراهة.
    ‌‌_
    (1) قواطع الأدلة (1/ 469).
    (2) انظر: اللحية دارسة حديثية فقهية ص (242).
    (3) انظر: المرجع السابق ص (232).
    (4) انظر: اللحية دارسة حديثية فقهية ص (234 – 240) للجديع، وأنبه هنا على أنه لم يورد ذلك اعتراضاً على الإجماع، وإنما في تحرير المذاهب الفقهية في حلق اللحية، ولم يعترض على الإجماع بالخلاف الفقهي الذي حاول إثباته؛ وسبب ذلك، والله أعلم أن جميع ما ذكره من خلاف إنما هو بعد انعقاد الإجماع
  • =========

ويمكن الجواب عن هذه المناقشة بأمور:

  • وبين يدي الجواب على مناقشة الجديع وغيره لدليل الإجماع، فإن تحريم حلق اللحية ثبت بدليل من السنة، وإجماع بُني عليه، وهذا هو الإجماع الصحيح عند الجديع، ثم نجده لا يقول بتحريم حلق اللحية إلا بقصد التشبه فقط؛ وذلك بإضعافه لدلالة الأمر؛ لأنه معلل بالمخالفة؛ وبإضعافه لدلالة الإجماع بتخصيصه، وكونه إجماعاً سكوتياً، فأقول: مع هذا التعسف الذي لم يسبق إليه، لا أدري مالذي سيبقى له من الأدلة، لو سلك نفس المسلك في قبولها؟! وهذه مناقشة تفصيلية لاعتراضاته:
  • أما القول بأن ابن حزم إنما حكى الإجماع لمجرد عدم علمه بالمخالف؛ فأترك ابن حزم يجيب عن ذلك بقوله في مقدمة كتابه: (وإنما ندخل في هذا الكتاب الإجماع التام الذي لا مخالف فيه البتة، الذي يُعلم كما يعلم أن الصبح في الأمن والخوف ركعتان، وأن شهر رمضان هو الذي بين شوال وشعبان … الخ)، وقد أقرّ المعترض على ابن حزم بذلك في هذه المسألة حيث قال: (فحيث لم يجد ابن حزم من قال بإباحة حلق اللحية من السلف ومتقدمي العلماء جعل ذلك منهم بمنزلة الاتفاق على المنع)، ألا يكفي ذلك، أَمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإعفاء، ونُقل الإجماع على التحريم، ولم يوجد من قال بالإباحة من السلف-بإقرار المعترض-؛ ألا يكفي
    ‌‌_
    (1) مراتب الإجماع ص (16)، وإن كان ذلك لا يُسلّم له في كل ماحكاه، ولكن يكفي المعترض أن يُبين من خالف الإجماع؛ لينقض الاحتجاج به، كما فعل ابن تيمية في نقده لمراتب الإجماع.
    (2) اللحية دراسة حديثية فقهية ص (242)
  • =========

واحدٌ منها؟! فكيف بها وقد اجتمعت؟! والاعتراض الصحيح: أن يأتي بمن خالف من السلف قبل حكاية ابن حزم للاتفاق، وينقض الإجماع بالخلاف المحفوظ قبله، ولو بفعل واحد.

  • و أما قصر دلالته على تحريم المُثلة فقط؛ فهذا لا يحتمله اللفظ: (اتفقوا أن حلق جميع اللحية مثلة لا تجوز … )، فهذا اعتراض مجرّد وتحكّم، وكأن ابن حزم يرد عليه حين قال: (وكذلك الخليفة والفاضل والعالم) أي: لو تزينوا وتجملوا بحلق لحاهم فهي مُثلة محرمة، ومع تأويله البعيد للإجماع، مع امتناع التأويل والنسخ على الإجماع، فلو سلمنا بمراده فلن يُسلّم بالإجماع دليلاً، فالمناقشة معه في الأصل.
  • ثم إن ابن حزم لم ينفرد بالإجماع، ولم ينفرد بذكره من المثلة؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- روي عنه الاستنكار على المجوسي؛ حالق اللحية «من أمرك بهذا»؟!، وروي عنه أن إعفاءها من الفطرة، ومخالف الفطرة لا يسلم من المثلة ونحوها، ونصَّ على أنها من المثلة غير واحد، فهي عندهم؛ كجبِّ الذكر؛ وكحلق المرأة لرأسها، كما
    ‌‌_
    (1) لأنه حكى الإجماع على قضيتين (مثلة) و (لاتجوز)، فحصر نقاشه في أحدهما تحكم.
    (2) قال الحليمي الشافعي في المنهاج في شعب الإيمان (3/ 79): (وأما حلق اللحية فهجنة وشهرة وتشبه بالنساء، فهو كجبّ الذكر)، وقال الشنقيطي في الأضواء (4/ 92): (إعفاء اللحية من السمت الذي أمرنا به في القرآن العظيم، وأنه كان سمت الرسل الكرام -صلوات الله وسلامه عليهم- والعجب من الذين مسخت ضمائرهم، واضمحل ذوقهم، حتى صاروا يفرون من صفات الذكورية، وشرف الرجولة، إلى خنوثة الأنوثة، ويمثلون بوجوههم بحلق أذقانهم، ويتشبهون بالنساء، حيث يحاولون القضاء على أعظم الفوارق الحسية بين الذكر، والأنثى، وهو اللحية. وقد كان -صلى الله عليه وسلم- كث اللحية، وهو أجمل الخلق، وأحسنهم صورة. والرجال الذين أخذوا كنوز كسرى وقيصر، ودانت لهم مشارق الأرض ومغاربها، ليس فيهم حالق)
  • ===================

قال ابن تيمية: (فأما حلقها؛ فمثل حلق المرأة رأسها وأشد؛ لأنه من المثلة المنهي عنها، وهي محرمة)، وقد روي في الحديث: «من مَثَّل بالشَّعر، فليس له عند اللهِ خلاقٌ»، قال ابن الأثير: (مُثْلَة الشَّعَر: حَلْقُه منَ الخدُود، وقيلَ: نتفُه أو تغييره بالسَّواد)، وقال القرطبي: (وأما حلق اللحية فتشويه ومثلة، لا ينبغي لعاقل أن يفعلها بنفسه).

  • أما قول ابن الهمام: (لم يبحه أحد)؛ فإن المشهور المتبادر من هذه العبارة هو التحريم، وبذلك تتابع نقل الحنفية عن ابن الهمام، ولم يفهم الحنفية إلا تحريم الحلق، ولئن سُلّم أن ذلك فيه احتمال بأنه أراد الكراهة التنزيهية، فماذا سيقول بقول النفرواي: (لاشك في حرمته عند جميع الأئمة)؟!
  • أما القول بأن إطباق السلف على إعفاء اللحية وعدم حلقها؛ لأنهم لم يحتاجوا إلى الحلق، وأن الإعفاء من عادتهم!؛ فأين أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بإعفاء اللحية؟! فامتثال الأمر هو الظن بالسلف، وهذا فيه حسن ظنٍّ بهم، ولضعف هذه المناقشة قال د. صالح الفوزان: (تعليل ساقط، يكفي سقوطه عن رده).
  • أما الخلاف في حلق اللحية؛ فلا يُسلّم به عند غير متأخري
    ‌‌_
    (1) شرح العمدة-كتاب الطهارة- (1/ 236)
    (2) أخرجه الطبراني في الكبير (10977)، وهو ضعيف؛ في إسناده حجاج بن نصير، ضعّفه الجمهور، وروي مرسلاً عن طاوس من وجه آخر عند ابن أبي شيبة (28639) بلفظ: «من مثَّل بالشعر فليس منا»، وبوّب عليه ابن أبي شيبة: (من كره حلق الرأس في العقوبة).
    (3) النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 294).
    (4) الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام ص (444).
    (5) “الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام” ص (21)
  • =================

الشافعية، وأحسبه مخالفاً لمنصوص إمامهم، ومسبوقاً بالإجماع، وهذا البيان المختصر لذلك:

  • أما المالكية؛ فلم يثبت هذا الوجه في شيء من كتبهم، بل المعتمد عندهم هو تحريم حلق اللحية، بل قال النفراوي المالكي: (لاشك في حرمته عند جميع الأئمة).
  • وقد اعتمد المعترض في إثبات الخلاف عند المالكية على قول القاضي عياض (ت 544): (وكُرِه قَصُّها وحلقُها وتحريقُها، وقد جاء الحديث بذم فاعل ذلك)، وهذا فيه قرينة تدل على التحريم، وهو قوله: (يذم فاعل ذلك) والمكروه لا يذم فاعله، والكراهة تطلق ويراد بها التحريم خاصة عند المتقدمين، و القاضي عياض يستعملها بما هو مجمع على تحريمه، مثل قوله عن نظر النساء للرجال: (إنما يكره لهنَّ من النظر إلى الرجال ما يكره للرجال فيهن من تحديق النظر؛ لتأمل المحاسن، والالْتِذَاذِ بذلك)، والإجماع على تحريم نظر المرأة للرجل بشهوة.
    ‌‌_
    (1) يقول الحطاب في مواهب الجليل (1/ 216): (وحلق اللحية لا يجوز، وكذلك الشارب، وهو مُثلة وبدعة، ويؤدب من حلق لحيته أو شاربه إلا أن يريد الإحرام بالحج ويخشى طول شاربه)، وانظر: حاشية العدوي (2/ 446)، حاشية الدسوقي (1/ 90)، وكلهم متفقون على التحريم؛ لا يذكرون قولاً ولا رواية ولا وجهاً ولا احتمالاً بالكراهة.
    (2) الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (2/ 306).
    (3) أقصد به الجديع في جميع المواضع، وهو معترض على تحريم الحلق، وإن لم يعترض بالخلاف على الإجماع مباشرة.
    (4) إكمال المعلم (2/ 63).
    (5) المرجع السابق (3/ 309).
    (6) قال النووي في شرح مسلم (6/ 184): (وأما نظر المرأة إلى وجه الرجل الأجنبي؛ فإن كان بشهوة فحرام بالاتفاق)
  • ======
  • وأما مذهب الشافعية؛ فمنصوص الشافعي هو التحريم، وقد اعترض ابن الرفعة (ت 710) على من يقول بالكراهة، بأن ذلك مخالف لمنصوص الشافعي في الأم.
  • وصرَّح بالتحريم جماعة من متقدمي الشافعية، ومنهم: القفال الشاشي (ت 365)، والحليمي (ت 403)، والماوردي (ت 450)، حتى قال الغزالي (ت 505): (وفي اللحية عشر خصال مكروهة وبعضها أشد كراهة من بعض … الخامس: نتفها أو نتف بعضها … أما نتفها في أول النبات تشبها بالمرد فمن المنكرات الكبار؛ فإن اللحية زينة الرجال)، وفي النص قيود مهمة فقوله: (بعضها أشد من بعض) يدل على أنها ليست في درجة واحدة؛ فقد تكون كراهتها للتنزيه،
    ‌‌_
    (1) قال في الأم (6/ 88): (ولو حلقه حلّاق فنبت شعره كما كان، أو أجود، لم يكن عليه شيء، والحِلَاق ليس بجناية؛ لأن فيه نسكاً في الرأس وليس فيه كثير ألم، وهو وإن كان في اللحية لا يجوز فليس فيه كثير ألم ولا ذهاب شعر؛ لأنه يُستخلف، ولو استخلف الشعر ناقصاً، أو لم يستخلف كانت فيه حكومة)، وسياق كلام الشافعي في الجناية وأرشها، وأن حلق الرأس واللحية ليس فيه أرش؛ لعدم الألم بالحلق؛ ولأنه ينبت مكانه، ثم خص شعر الرأس بمعنى، وهو كون حلقه من النسك؛ فليست جناية يحصل بها ضرر أو تشويه، ونبّه على أن حلق اللحية لايجوز في الأصل، ولكنه يتكلم على وجوب الأرش من عدمه.
    (2) قال السيوطي عنه في حسن المحاضرة (1/ 320): (واحد مصر، وثالث الشيخين: الرافعي والنووي: في الاعتماد عليه في الترجيح … ولا يُعلم في الشافعية مطلقاً بعد الرافعي من يساويه؛ كان أعجوبة في استحضار كلام الأصحاب؛ لا سيما من غير مظانه، وأعجوبة في معرفة نصوص الشافعي، وأعجوبة في قوة التخريج).
    (3) انظر: تحفة المحتاج مع حاشية الشرواني وابن قاسم العبادي (9/ 376).
    (4) قال في محاسن الشريعة ص 239: (و لا يجوز حلق اللحية؛ لما فيه من التشويه، ومعاني المثلة).
    (5) قال في المنهاج في شعب الإيمان (3/ 79): (لا يحل لأحد أن يحلق لحيته أو حاجبيه).
    (6) قال في الحاوي الكبير (13/ 426) -في سياق التعزير-: (ويجوز أن يُحلق شعر رأسه، ولا يجوز أن يُحلق شعر لحيته).
    (7) إحياء علوم الدين (1/ 143 – 144)
  • ======

أو للتحريم، فلما قال في نتف اللحية: (من المنكرات الكبار) علم أن كراهتها تحريمية، ولعله من هذا النص وبعده حصل الخُلف في مذهب الشافعي، وبيان ذلك باختصار:

  • أن النووي (ت 676) ذكر في روضة الطالبين كلام الغزالي مختصراً، فقال: (ذكر الغزالي وغيره، في اللحية عشر خصال مكروهة … )، فلم يذكر أن بعضها أشد من بعض، ولا أن نتف اللحية من المنكرات الكبار، وقد ذكر ذلك أيضاً في المجموع و اختصره، لكنه لما ذكر نتف اللحية وتخفيفها بالموسى، قال: (وهذه الخصلة من أقبحها)، ومن نصوص النووي التي أطلق فيها الكراهة، قوله: (ويكره تنقية شيب، وأخذ من حاجب ولحية … وحلقها ونتفها لاسيما أول طلوعها، وحفها، وحلق رأس المرأة).
  • ونقل الإسنوي عن الرافعي: (ذكر الرافعي في اللحية عشر خصال مكروهة … ونتفها أول طلوعها إيثاراً للمردة وحسن الصورة)، والظاهر أن النص المنقول واحد يختصره بعضهم، ولعل لفظ الكراهة فيه هي سبب الإشكال.
  • ثم أنتقل بعد ذلك إلى مانقله ابن حجر الهيتمي، بقوله: (قال
    ‌‌_
    (1) روضة الطالبين (3/ 234).
    (2) المجموع (1/ 291).
    (3) التحقيق ص (51)، والتحقيق لم يُكمل تأليفه، ومطبوع إلى باب صلاة المسافر، والتحقيق هو المقدم من كتب النووي لتتبعه فيه، قال ابن حجر الهيتمي: (الغالب تقديم ما هو متتبع فيه كالتحقيق، فالمجموع، فالتنقيح، ثم ما هو مختصر فيه كالروضة، فالمنهاج ونحو فتاواه، فشرح مسلم فتصحيح التنبيه). تحفة المحتاج (1/ 39).
    (4) المهمات في شرح الروضة والرافعي (9/ 55)، وعلى أن النص محتمل فقد رده الإسنوي بقوله: (وما ذكره من الكراهة مردود بنص الشافعي … وإزالة الرجل لشعر لحيته قريب من إزالة المرأة لشعر حواجبها)
  • ========

الشيخان: يكره حلق اللحية، واعترضه ابن الرفعة في حاشية الكافية؛ بأن الشافعي -رضي الله تعالى عنه- نص في الأم على التحريم)، والمقصود بالشيخين: الرافعي (ت 623)، والنووي (ت 676) والمعتمد عند متأخري الشافعية هو ما اتفق عليه الشيخان، ولكن ذلك مخالف لمنصوص الشافعي كما ذكر ابن الرفعة وهو (ثالث الشيخين، وأعجوبة في معرفة نصوص الشافعي) كما قال السيوطي، إضافة إلى أن الكراهة التنزيهية غير صريحة في كلامهما، وخاصة النووي؛ حيث يقول عن تخفيف اللحية بالموسى: (وهذه الخصلة من أقبحها) وفي الأصل الذي نقل عنه النووي قال الغزالي: (من المنكرات الكبار)، فلا نستطيع أن ننسب للنووي مخالفة الإجماع أو مخالفة نص الشافعي، وكذلك الرافعي، ومع عدم صراحة المنقول عنهما على التحريم فإنه مخالف للمنصوص عن الشافعي والمتقدمين من أصحابه قبل الشيخين.

  • ثم اشتهر القول بالكراهة بعد ذلك عند الشافعية، حتى قال ابن الملقن (ت 804) عندما حكى قول الحليمي الشافعي وتحريمه لحلق اللحية: (وماذكره في حق اللحية حسن، وإن كان المعروف في المذهب الكراهة)، إلى أن صرّح الرملي الكبير (ت 957) بضعف
    ‌‌_
    (1) نقله عن الهيتمي: ابن قاسم العبادي والشرواني في حاشيتهما على تحفة المحتاج للهيتمي، بقولهما: (قال في شرح العباب … الخ) (9/ 376)، وكلام الهيتمي المنقول هو من شرحه على العباب المسمى: (الإيعاب في شرح العباب) ولم أقف عليه إلا مخطوطاً غير كامل، في مخطوطات جامعة الملك سعود.
    (2) انظر: تحفة المحتاج (1/ 39)، إعانة الطالبين (4/ 267).
    (3) “حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة” (1/ 320).
    (4) الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (1/ 711 – 712)

=================

القول بالتحريم، وصرّح ابن حجر الهيتمي (ت 974) بأن التحريم خلاف المعتمد.

  • لكنه لم يزل جماعة من متأخري الشافعية على التصريح بالتحريم، وصوّب الأذرعي (ت 783) التحريم بقوله: (الصواب تحريم حلقها جملة لغير علة بها كما يفعله القلندرية)، ورد الإسنوي القول بالكراهة حين قال: (ما ذكره من الكراهة مردود بنص الشافعي)، وصرّح الشيخان: (بأن نص الإمام في حق المقلد كالدليل القاطع).
  • والخلاصة: أن مذهب الشافعي هو التحريم، واشتهر عند متأخري الشافعية الكراهة، وأول من نُقل عنه القول بالكراهة الرافعي (ت 623)، وهو غير صريح في التحريم، خاصة وأن فيه اختصاراً، وعلى أبعد التقادير وأنه صرّح بعدم التحريم، فإن هذا اجتهاد مذهبي بين مقلدة الشافعي في منصوصه ومفهومه وقواعد المذهب، وليس اجتهاداً في نصوص الشريعة، أو عن دليل شرعي (وإنما يعد في الخلاف: الأقوال الصادرة عن أدلة معتبرة في الشريعة)، وعلى فرض أنه مجتهد اجتهاداً مطلقاً فإن بينه وبين الإجماع
    ‌‌_
    (1) انظر: تحفة المحتاج (9/ 376)، قال الرملي في حاشيته على أسنى المطالب (1/ 551): (فقول الحليمي في منهاجه: لا يحل لأحد أن يحلق لحيته، ولا حاجبيه ضعيف).
    (2) انظر: فتح المعين بشرح قرة العين ص (305).
    (3) تحفة المحتاج مع حاشية الشرواني وابن قاسم العبادي (9/ 376 – 377).
    (4) المهمات في شرح الروضة والرافعي (9/ 56)، ويقصد بكلامه الرافعي.
    (5) هذا النص ورد في استشكالٍ أُورد على الرملي؛ شهاب الدين في فتاويه التي جمعها ابنه شمس الدين (4/ 263): (سئل: عما إذا خالف نص الشافعي الجديد ما عليه الشيخان فما المعمول به؟ إن قلتم: النص فما بال علماء عصرنا ينكرون على من خالف كلام الشيخين؟ أو ما عليه الشيخان فقد صرّحا بأن نص الإمام في حق المقلد كالدليل القاطع، وكيف يتركانه ويذكران كلام الأصحاب).
    (6) الموافقات (5/ 139)

===================

المنقول بالتحريم مفاوز تقارب القرنين من الزمان، فهو محجوج بالإجماع قبله.

  • وأما مذهب الحنابلة؛ فهو تحريم حلق اللحية بلا شك، قال السفّاريني: (والمعتمد في المذهب حرمة حلق اللحية)؛ ولم يأتِ المعترض بنصٍّ واحد عن الحنابلة فيه تجويز الحلق، وقد ذكر المُعترض قول ابن مفلح: (وأطلق أصحابنا وغيرهم الاستحباب)، بما يوهم القارئ أن مراد ابن مفلح في اللحية وعدم تحريم حلقها غفلة أو تدليساً، وابن مفلح إنما قال ذلك في الشارب وسياق الكلام في الشارب، وقد ذكر حكم اللحية وتحريم حلقها قبل ذلك، وفي عبارة ابن مفلح مايرد وهمه حين قال: (وأطلق أصحابنا وغيرهم الاستحباب) فالذي استحبّه الحنابلة وغيرهم ولم يوجبوه وحكي إجماعاً هو الأخذ من الشارب، وقد سبق في تحرير محل الشذوذ.
  • أما قول ابن مفلح في الآداب: (ويسن أن يعفي لحيته)؛ فليس مراده تجويز الحلق؛ لأن معنى الإعفاء الترك أو التكثير ولذلك قال
    ‌‌_
    (1) غذاء الألباب (1/ 433)، وتتمة كلامه: (قال في الإقناع: ويحرم حلقها. وكذا في شرح المنتهى وغيرهما. قال في الفروع: ويحرم حلقها ذكره شيخنا. انتهى. وذكره، أي: التحريم، في الإنصاف، ولم يحْكِ فيه خلافاً).
    (2) الفروع (1/ 151).
    (3) انظر: اللحية دراسة حديثية فقهية ص (239)، وقال: (فالجاري على طريقتهم القول بالتحريم، لكنهم مع ذلك لم يقولوا به، إلا ماحكاه عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال: “ويحرم حلقها”)!!.
    (4) حيث قال في السباق: (ويحف شاربه)، وفي اللحاق: (وعن زيد بن أرقم مرفوعاً: «من لم يأخذ شاربه فليس منا».
    (5) الآداب الشرعية والمنح المرعية (3/ 329)
  • =================

بعدها: (وقيل: قدر قبضة، وله أخذ ما زاد عنها وتركه، نص عليه. وقيل: تركه أولى)؛ فلا تعارض بين سنية الإعفاء، وتحريم الحلق، وهم يجمعون بينهما، كقوله في الإقناع: (ويُسن … إعفاء اللحية ويحرم حلقها)، وقال في دليل الطالب: (يُسن … إعفاء اللحية، وحرم حلقها ولا بأس بأخذ ما زاد على القبضة منها).

  • فإذا قالوا: يسن الإعفاء فهو في الإعفاء المطلق، أما مطلق الإعفاء؛ فهو واجب؛ بدليل تحريمهم للحلق في ذات السياق، وأختم بهذا السياق الحنبلي الذي يجمع الشتات: (وسن إعفاء اللِّحية بألا يأخذ منها شْيئاً، قال في المذهب: ما لم يستهجن طولها. ويحرم حلقها، ولا بأس بأخذ ما زاد على القبضة مِنْهَا).
  • والخلاصة: أن حلق اللحية ليس فيه خلاف عند الحنابلة وأنه محرم، وهو الموافق للإجماع، ولم يأت المعترض إلا بمُجملات تردها المحكمات من نصوصهم، وعندما يقولون: إن التحريم ذكره ابن تيمية، فلا يراد أنهم يختلفون في ذلك، ولذلك لم يَحْكِ ابن مفلح في “الفروع” ولا المرداوي في “تصحيح الفروع” و”الإنصاف” قولاً ولا روايةً ولا وجهاً يخالف التحريم عند ذكره عن الشيخ، بل لم يتعقبه أحد من الحنابلة.
    المسألة الثانية: أدلة القائلين بجواز حلق اللحية:
    استدل أصحاب هذا القول:
  • بـ (أن أمر اللباس والهيئات الشخصية ومنها: حلق اللحية من
    ‌‌_
    (1) الإقناع (1/ 20).
    (2) دليل الطالب لنيل المطالب ص (10).
    (3) كشف المخدرات (1/ 56).
    (4) تسميتها أدلة من باب التجوّز، وإلا فلا يوجد في الأدلة الشرعية المتفق عليها والمختلف فيها شيء مما ذكروا، وأبرز ما ذكروه هو الاعتراضات على الأدلة وقد سبقت، وأكثر من اعترض عليها فيما وقفت عليه هو عبدالله الجديع، وقد أطال في ذلك حتى يصل لهذه الحقيقة التي فيها إزراء واحتقار لطريقة جميع العلماء، وتعظيم لطريقته ومسلكه حين قال ص (192): (ولا ينقضي العجب هنا ممن يريد أن يجعل من الأمر بإعفاء اللحية عباده محضة، ملغياً ما اتفقت على ذكره جميع الأحاديث الثابتة في اللحية، فذلك من الخروج عن طريق الفقه، وعمل ببعض الدليل، وإلغاء لسائره، وهو منهج مختلّ لا يصلح أن يوصف حتى بالجمود على النص؛ لأن الجمود لا يلغي صاحبه دلالة شيء من ألفاظ الخبر، فمن يصير إلى هذه المنهجية ضل طريق أهل الفقه والنظر، كما ضلّ طريق أهل الظاهر والأثر) انتهى، وقارن بين هذا الأسلوب وأسلوبه في مقدمة كتابه ص (7) ومما قاله: (ولست أريد منك أن تنتهي إلى ما انتهيت إليه، ولكني أردت أن أطلعك على نظر قد تكون عنه غافلاً، كما أردت أن تعترف بحقي في الرأي كما تراه لنفسك، إذ نستقى جميعاً من معين واحد)
  • =====

العادات التي ينبغي أن ينزل المرء فيها إلى استحسان البيئة).
ونوقش هذا الاستدلال بأمور:

  • بأن جعل اللحية من العادات من المُحدثات، و لم أقف على ذلك عند الفقهاء، (وقد اتفقت الأمة على أنها من الملة).
  • وعلى فرض التسليم بأنها من العادات، وترجع إلى العرف، فإن ذلك (يحتاج إلى قيد، وهو: بشرط أن يكون عُرفاً غير مخالف للمأمور به في الشرع؛ فإن الأعراف في اللباس والهيئات الشخصية حين تأتي مخالفة للأمر الشرعي تكون فاسدة يجب تغييرها).
    ‌‌_
    (1) فتاوى محمود شلتوت ص (229)، وانظر: مجلة المنار (22/ 429)، وقد صرّحا بأن اللحية من العادات.
    (2) أحكام القرآن لابن العربي (1/ 56)، وقد ذكر اللحية من أمور الفطرة العشرة ثم قال مانقلته.
    (3) مابين القوسين هذا نص كلام عبدالله الجديع في تعقيبه على كلام شلتوت في كتابه: “اللحية دراسة حديثية فقهية” ص (217)، وما أجمله من كلام لولا أن الكتاب كثير مما فيه يخالفه! وقد أتى بما ينقضه قبل ذلك؛ حين حشد من الأدلة والدلالات ليجعل الأمر باللحية معلقاً بمخالفة غير المسلمين، وأن مخالفة غير المسلمين غير واجبة مالم يوجد القصد، وأن ذلك مرتبط بقوة المسلمين وضعفهم، وبعد ذكره لتمسك بعض المسلمين بالأمور الظاهرة، وحرصهم على التميز عن الكافرين، قال بعد ذلك، وليته لم يقل، ص (212): (وما هكذا والله دين الإسلام الذي أراده الله للأمم كافة، فكم يجني كثير من أهل هذا الدين على دينهم، حين يحتكرونه بعاداتهم وأعرافهم، أو يختزلون شرائعه وتعاليمه في قشور ومظاهر) انتهى، ومع نكارة قوله: (قشور ومظاهر) فهي كلمة مبتدعة يراد بها التقليل من المظاهر الشرعية

======

  • وإعفاء اللحية من الفطرة التي لا تتغير، وإن تغيرت البلاد والأعراف، و (إعفاء اللحية مطلوب شرعاً؛ اتفاقاً للأحاديث الواردة بذلك)، و لا يصح معارضة الشرع بالعادة: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا}.
  • والقول بأن اللحية من العادات أو أنها من المظاهر التي لا توجبها الشريعة، هذا منقوض بنصوص الوعيد للمسبل ولابس الحرير، واللعن للنامصة والواصلة، وتحريم استعمال آنية الذهب والفضة، ويلزم منه ما هو فاسد؛ كما لو اعتاد الناس ما خالف الفطرة من المظاهر؛ كالعري، وإطالة الأظفار، ونحوهما، فهل حسنهما متروك للناس، (بدعوى أن العصر الذي هم فيه يستذوقها ويستحسنها وأنها من المظاهر الشكلية التي لا يهتم بها الإسلام بل يتركها لأذواقهم)؟! هذا لازم لهم.
  • لا شك أن مثل هذه الدعاوي العصرانية، والمسالك العلمانية، تأباها نصوص الشريعة، التي جاءت لتحكم على الظاهر والباطن، والدقيق والجليل، حتى قيل لسلمان الفارسي -رضي الله عنه-: قد علمكم نبيكم -صلى الله عليه وسلم- كل شيء حتى الخراءة قال سلمان: أجل «لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط، أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم»، وهذا مثالٌ فيه اهتمام الشريعة بأمرٍ معتاد ظاهري متناهٍ في الخصوصية، فأمرت فيه ونهت، وما فوقه من باب أولى.
    ‌‌_
    (1) الموسوعة الفقهية الكويتية (35/ 224).
    (2) من الآية (170) من سورة البقرة.
    (3) تمام المنة ص (83).
    (4) أخرجه مسلم (262)
  • =====

المسألة الثالثة: حُكم نسبة هذا الرأي إلى الشذوذ:
بعد عرض هذا الرأي ودراسته، الذي يظهر أن نسبة القول بجواز حلق اللحية إلى الشذوذ صحيحة؛ لمخالفته النصَّ والإجماع الصحيح على التحريم، ولم يثبت بعد البحث مخالف يصح أن يُخرم به الإجماع الذي حكاه ابن حزم (ت 456) وتتابع العلماء على حكايته، وأول من حُكي عنه القول بالكراهة الرافعي الشافعي (ت 623)، ومع عدم صراحته عنه، فهو مسبوق بالإجماع، و مخالف لمنصوص الشافعي، وللمتقدمين من أصحابه، وهو اجتهاد في المذهب، وليس في الأدلة، وهذا التقليد ولو تقدم لا يُخرم بمثله الإجماع الذي هو اتفاق المجتهدين، أما القول بأن اللحية من العادات؛ فهو قول معاصر مُحدث لم أقف عليه عند أحد من العلماء قبل عصرنا، والله أعلم

الكتاب: الآراء الفقهية المعاصرة المحكوم عليها بالشذوذ في العبادات

المؤلف: علي بن رميح بن علي الرميحي

أصل الكتاب: رسالة ماجستير بقسم الفقه، كلية الشريعة – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بإشراف د سليمان بن أحمد الملحم ١٤٣٩ هـ

تقديم [المناقشَيْن]: أ د سعد بن تركي الخثلان – أ د أحمد بن محمد الخليل

الناشر: دار التحبير للنشر والتوزيع – الرياض، السعودية

الطبعة: الأولى، ١٤٤٠ هـ – ٢٠١٩ م

السابق
من تأويلات أئمة أهل السنة والحديث تأويل الإمام الحافظ ابن حبان. فهل سيجهمه أدعياء السلفية؟
التالي
وجوب قص ما زاد عن القبضة من اللحية عند الألباني، والحويني يحكم بشذوذ قوله هذا!!