مذاهب العلماء في مسألة سماع الموتى لكلام الأحياء وتحقيق المراد من قوله تعالى: { إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} [النمل: 80، 81]*
‘‘‘‘‘‘المبحث الثالث : مذاهب العلماء في المسألة :ظاهرُ الآياتِ الكريمةِ أنَّ الموتى لا يسمعون كلامَ الأحياء ، وأمَّا الحديث ففيهِ إِثبات السماع لهم، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على مذهبين :
الأول : مذهب إثبات السماع مطلقاً للأموات ، وتأويل الآيات التي فيها نفي السماع .وهذا مذهب الجمهور من العلماء ([1]) ، حيث ذهبوا إلى إجراء الأحاديث التي فيها إثبات السماع على ظاهرها وعمومها ، وقالوا : إن الميت بعد موته يسمع كلام الأحياء ويشعر بهم .وهو اختيار جمع من المحققين ، كابن حزم ([2]) ، والقاضي عياض ([3]) ، والنووي ([4]) ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ([5]) ، وابن القيم ([6]) ، والحافظ ابن كثير ([7]) .
واختلف أصحاب هذا المذهب في الجواب عن الآيات التي فيها نفي السماع على أقوال:
القول الأول : أن الموتى في الآيات المراد بهم الأحياء من الكفار ، والمعنى: إنك لا تُسْمِع الكفار الذين أمات الله قلوبهم إسماع هدىً وانتفاع ، « وشُبِّهُوا بالموتى وهم أحياء صحاح الحواس ؛ لأنهم إذا سمعوا ما يُتلى عليهم من آيات الله ، فكانوا أقماع القول ، لا تعيه آذانهم ، وكان سماعهم كلا سماع ، كانت حالهم – لانتفاء جدوى السماع – كحال الموتى الذين فقدوا مصحح السماع ».([8])
وهذا القول فيه حمل للآيات على المجاز ، وذلك بتشبيه الكفار الأحياء بالموتى .وقد قال بهذا القول : ابن قتيبة ([9])، والخطابي ([10])، والبغوي ([11])، والزمخشري ([12])، والسهيلي ([13])، وأبو العباس القرطبي ([14])، والسمعاني ([15])، والقاري ([16])، والسيوطي ([17])، والشنقيطي ، وابن عثيمين ([18]) .
قال الشنقيطي :« اعلم أن التحقيق الذي دلت عليه القرائن القرآنية واستقراء القرآن أن معنى قولـه:â إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى á ، أي لا تسمع الكفار – الذين أمات الله قلوبهم ، وكتب عليهم الشقاء في سابق علمه – إسماع هدىً وانتفاع ؛ لأن الله كتب عليهم الشقاء ، فختم على قلوبهم وعلى سمعهم ، وجعل على قلوبهم الأكنة ، وفي آذانهم الوقر ، وعلى أبصارهم الغشاوة ، فلا يسمعون الحق سماع اهتداء وانتفاع ».أهـ ([19])واستدل أصحاب هذا القول بأدلة منها ([20]):
الدليل الأول : أنَّ الله تعالى بعد أن نفى السماع عنهم قال: â وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ á ، فمقابلته جلَّ وعلا الإسماع المنفي في الآية عن الموتى بالإسماع المثبت فيها – لمن يؤمن بآياته – دليلٌ واضح على أنَّ المراد بالموت في الآية موت الكفر والشقاء، لا موت مفارقة الروح للبدن، ولو كان المراد بالموت في قوله:â إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى á مفارقة الروح للبدن لما قابل ذلك بقولـه: â وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ á ، بل لقابله بما يناسبه، كأن يُقال: إن تسمع إلاّ من لم يمت .
الدليل الثاني : أنَّ استقراء القرآن الكريم يدل على أن الغالب استعمال الموتى بمعنى الكفار ، كقولـه تعالى :â إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ á [ الأنعام:36] ، وقد أجمع([21]) من يعتد به من أهل العلم أن المراد بالموتى في الآية هم الكفار .وكقولـه تعالى : â أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَá [ الأنعام:122] ، فقولـه :â أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا á ، أي : كافراً ؛ فأحييناه ، أي : بالإيمان والهدى ، وهذا لا نزاع فيه بين المفسرين ، وفيه إطلاق الموت وإرادة الكفر .وكقولـه : â وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ á [فاطر:22] ، أي: لا يستوي المؤمنون والكافرون .
الدليل الثالث : أنَّ قولـه تعالى : â إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى á ، وما في معناها من الآيات ، كلها تسلية للنبي r ؛ لأنه…… ’’’’’’ انتظره.
كذا في بحث بعنوان: التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء. إعداد: أحمد بن عبد العزيز القصير
==========================
*ومثلها في سورة الروم: {فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} [الروم: 52، 53]
([1]) نسبه للجمهور : ابن جرير الطبري ، في تهذيب الآثار (2/491) ، وابن رجب ، في أهوال القبور ، ص (133)، والعيني ، في عمدة القاري (8/202).
([2]) الفصل في الملل والأهواء والنحل (2/373).
([3]) إكمال المعلم (8/405).
([4]) صحيح مسلم بشرح النووي (17/299).
([5]) مجموع الفتاوى (4/273 ، 298 ) ، (24/172 ، 297 ، 380).
([6]) الروح ، ص (141).
([7]) تفسير ابن كثير (3/447).
([8]) انظر : الكشاف (3/370).
([9]) تأويل مختلف الحديث ، ص (143).
([10]) غريب الحديث ، للخطابي (1/342).
([11]) شرح السنة (7/122).
([12]) الكشاف (3/370).
([13]) الروض الأنف (***) . نقله عنه الحافظ ابن حجر ، في الفتح (3/377).
([14]) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (2/585).
([15]) تفسير السمعاني (4/112).
([16]) مرقاة المفاتيح (7/475).
([17]) الحاوي في الفتاوى (2/12).
([18]) الشرح الممتع (***) الطبعة الجديدة .كتاب الجنائز
([19]) أضواء البيان (6/416) ، باختصار .
([20]) انظر : تأويل مختلف الحديث ، ص (143) ، والروح ، لابن القيم ، ص (141-142) ، وأضواء البيان (6/416-419).
([21]) لم أقف على حكاية الإجماع في أن المراد بالموتى في الآية هم الكفار ، وذكر ابن الجوزي في زاد المسير (3/27) قولاً آخر في معنى الآية: أنهم الموتى حقيقة ، ضربهم الله مثلاً ، والمعنى أن الموتى لا يستجيبون حتى يبعثهم الله .
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/837256443055046