رؤية الله في الآخرة

مبحث الرؤية ٢/ الدرس الخمسون (منقول)

الدرس الخمسون

مبحث الرؤية ٢

تكلمنا في الدرس الماضي عن أدلة رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة لكن هذه الرؤية التي دلت عليها الآيات والأحاديث وإجماع الصحابة ليست كالرؤية في الدنيا، فإن رؤية الناس لبعضهم ولغيرهم من المخلوقات في الدنيا تقتضي كيفية معينة من قرب وبعد وجهة ومواجهة . . إلخ، وكل هذا وغيره من شروط رؤية المخلوقات غير وارد في حق الله تعالى، لأنه تعالى : ( ليس كمثله، شئ»، فنحن نثبت ما أثبته الله تعالى من الرؤية وتنفي ما نفاه من المشابهة، ونفوض الأمر إلى الله تعالى عنلا بجميع الأدلة

أما المعتزلة ومن وافقهم فنفوا إمكان رؤية البشر الله تعالى وقالوا : إن هذا مستحيل، واحتجوا لمذهبهم بما يلي :
1 ـ قول الله تعالى : ( لا تدركه الأبصر وهو يدرك الأبصر [الأنعام : 103]، ووجه الدلالة أن الله تعالى نفي إمكانية أن تدركه الأبصار، ونفي الإدراك يقتضي نفي الرؤية، لأن إدراك الأبصار هو الرؤية، وأجاب أهل السنة بأن المنفي هو الإدراك بمعنى الإحاطة، ونحن نقول: إن الرؤية
هنا لا تقتضي الإحاطة ، بل هي رؤية مخصوصة لا إحاطة فيها جمعاً بين الأدلة، فإن الآيات والأحاديث في إثبات الرؤية واضحة .
۲ – قول الله تعالى لموسى عليه السلام : « لن تراني)، و(لن) تقتضي النفي إلى الأبد، فصار المعنى: لن تراني في الدنيا ولا في الآخرة، ورد عليهم أهل السنة بأن (لن) لا تفيد التأبيد، بدليل قول الله تعالى عن اليهود : « قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون النـاس فتمنوا الموت إن كنتم صدقين . ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين ﴾ [البقرة ٩٤-٩٥]، وإن أهل النار يتمنون في النار أن يموتوا، ولكن الله تعالى لا يميتهم ليستمر عذابهم ، قال الله تعالى : ( ونادوا يامالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون ﴾ [الزخرف : ۷۷)، فأخبر تعالى أنهم (لن يتمنوا الموت) وهو يعلم أنهم سوف يتمنونه في الآخرة، فدل على أن (لن) لا تفيد التأبيد؛ أي : أن النفي بها لا يشمل الآخرة . مع كفار اليهود

3 ـ احتج المعتزلة ومن وافقهم بحجة عقلية، وهي: أن المرئي إما أن يكون جوهراً أو جسماً أو عرضاً كالألوان، والله تعالى ليس بجسم ولا عرض، فيستحيل أن يرى، وأجاب أهل السنة على هذا بأن القاعدة المذكورة هي في حق المخلوقات، وهي اما جواهر أو أجسام أو أعراض ، في حق الله تعالى فلا يرد هذا الكلام، لأن رؤيته ليست كرؤية المخلوقات، وأحوال الآخرة ليست كأحوال الدنيا. قال الله تعالى: ( لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ﴾ [ق: ۲۲]، فليس بصر المؤمنين في الآخرة كبصرهم في الدنيا، ولا الإبصار في الآخرة كالإبصار في الدنيا، وقياس الآخرة على الدنيا قياس مع الفارق .

وأما رؤية رسول الله محمد ﷺ الله تبارك وتعالى ليلة الإسراء والمعراج فقد اختلف فيها الصحابة، فأنكرتها السيدة عائشة رضي الله عنها، وأثبتها ابن عباس وبعض الصحابة رضي الله عنهم، والمختار ما ذهب إليه ابن عباس ومن وافقه، لأن المثبت مقدم على النافي كما هي وقد أنكر العلماء بشدة على أشخاص ادعوا رؤية الله تعالى في اليقظة ورموهم بالكفر، لأن ذلك لم يكن لغير نبينا محمد ﷺ، واختلف فيه في حقه عليه السلام كما تقدم أنفاً.
أما رؤية الله تعالى في المنام فقد قال العلماء بإمكانها ووقوعها للأولياء، لكن من المهم ان تعلم أن هذه الرؤيا لا يترتب عليها حكم شرعي، وكذلك رؤيا النبي ﷺ، فلو قال إنسان : (رأيت الله تعالى في المنام وأمرني بكذا أو نهاني عن كذا)، لم يثبت بقوله هذا حكم شرعي من تحليل أو تحريم ، وكذا لو قال: (رأيت رسول اللہ ﷺ فأمرني أو نهاني)، لأن الدين قد تم ولله الحمد، قال الله تعالى: ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ﴾ [المائدة: 3]، فلا مجال للزيادة ولا للنقص في الدين، ومصادر الأحكام ليس منها المنامات والأحلام .

السابق
مبحث الرؤية ١/ الدرس التاسع والأربعون (منقول)
التالي
لاحظ هذا التبجيل والتعظيم للمصحف الذي ذكره الزركشي الأشعري، وقارنه بصنيعكم ـ معاشر الوهابية ـ بالمصحف وسخرية المهرج أعلاه وأيضا قارنه بما قاله ابن القيم: “ومن هنا استخف كثير من أتباعهم بالمصحف ‌وجوزوا ‌دوسه بالأرجل” والعياذ بالله.