فوائد وفرائد في التفسير وعلوم القرآن

ما منهج أهل السنة في أسانيد التفسير؟

جاءني السؤال التالي: ما منهج أهل السنة في أسانيد التفسير ؟ وأين يمكن أن أجد تأصيلا علميا لهذه المسألة من كتب أئمة أهل السنة والجماعة ؟ وذلك لبحث الآثار الواردة عن بعض السلف في تفسير المتشابهات. حيث وجدنا كثيرا ممن يقبل الروايات الواهية التي تحتوي التجسيم الصريح بحجة هذه القاعدة.اهـ

فأجبت بحول الله : منهجهم هو المنهج نفسه في تعاملهم مع الأحاديث والآثار ، فالمرفوع حجة بخلاف الموقوف إلا فيما لا مجال للرأي فيه، والمعلوم من الدين بالضرورة لا يثبت إلا بقطعي الدلالة وقطعي الثبوت، وأما الظنيات العقدية أو الفقهية فيقبل الظني فيها بشروط وتفصيلات ليس هذا محل بسطه .. وبالتالي أسانيد التفسير ينسحب عليها القواعد السابقة فما فيه مرفوع وظني فهو حجة في الظنيات، وما فيه موقوف على الصحابي فحجة فيما ليس للرأي فيه مجال ولكن حجة ظنية ، وأما تفسير التابعي فنصوا على أنه ليس بحجة .. نعم إن أجمع الصحابة أو التابعون أو من بعدهم على تفسير كان حجة … طبعا ويشترط في ذلك كله صحة السند وأما إن كان ضعيفا فيستأنس به ما لم يعارض ما هو أقوى منه .. ويؤخذ به في فضائل الأعمال والمناقب والقصص ونحوها … وأما أنه يرد أقوال تجسمية في التفسير فهذه يتعامل معها إما بردها إن كان السند ضعيفا أو بتأويلها إن كان بسند صحيح أو أنها ليست بحجة طالما ليست مرفوعة أو حتى موقوفة عن الصحابة، ثم هذه الأسانيد الواهية هي سلاح ذو حدين، فكما يوجد أقوال تفسيرية في التجسيم كذلك يوجد بتلك الأسانيد أقوال كثيرة في التأويل، فمثلا ـ وهذا ذكرته كثيرا في تسجيلاتي ـ سند السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس هذا السند مسلسل بالكذابين إلى ابن عباس رضي الله عنهما ورد به أنه قال استوى استقر أو أنه صعد، وورد به أيضا أن استوى أي استوى أمره، وورد أنه استقر أمره، وورد أيضا بنفس هذا السند أنه استوت عنده الخلائق القريب منها والبعيد… فجاء الوهابية وأخذوا برواية استقر وصعد وتركوا ما سواها من الروايات الثلاثة المؤولة للاستواء مع أنها بنفس السند !!! والروايات في التأويل عن الصحابة والتابعين أكثر من أن تحصى ولكن كثيرا منها قد لا يصح وبالتالي فغض النظر عن السند في الروايات التفسيرية يضر الوهابية أكثر مما ينفعهم.اهـ

انظر : أسانيد نسخ التفسير والأسانيد المتكررة في التفسير، رسالة ماجستير لعطية الفقيه، وكتاب: التيسير لمعرفة المشهور من أسانيد وكتب التفسير لعلي الرازحي، وبحث أسانيد التفسير للشيخ الطريفي.

قال ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (13/ 370):
«وقال شعبة بن الحجاج وغيره أقوال التابعين في ‌الفروع ‌ليست ‌حجة فكيف تكون حجة في التفسير؟ يعني أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم وهذا صحيح أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض ولا على من بعدهم ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن أو السنة أو عموم لغة العرب أو أقوال الصحابة في ذلك.»د

«تفسير ابن كثير ت سلامة» (1/ 10):
«إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة، فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين، كمجاهد بن جبر (1) فإنه كان آية في التفسير، كما قال محمد بن إسحاق: حدثنا أبان بن صالح، عن مجاهد، قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه، وأسأله عنها (2) .
وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا طلق بن غنام، عن عثمان المكي، عن ابن أبي مليكة قال: رأيت مجاهدا سأل ابن عباس عن تفسير القرآن، ومعه ألواحه، قال: فيقول له ابن عباس: اكتب، حتى سأله عن التفسير كله (3) . ولهذا كان سفيان الثوري يقول: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به (4) .
وكسعيد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، ومسروق ابن الأجدع، وسعيد بن المسيب، وأبي العالية، والربيع بن أنس، وقتادة، والضحاك بن مزاحم، وغيرهم من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم، فتذكر أقوالهم في الآية فيقع في عباراتهم تباين في الألفاظ، يحسبها من لا علم عنده اختلافا فيحكيها أقوالا وليس كذلك، فإن منهم من يعبر عن الشيء بلازمه أو بنظيره، ومنهم من ينص على الشيء بعينه، والكل بمعنى واحد في كثير من الأماكن، فليتفطن اللبيب لذلك، والله الهادي.
وقال شعبة بن الحجاج وغيره: أقوال التابعين في ‌الفروع ‌ليست ‌حجة؟ فكيف تكون حجة في التفسير؟ يعني: أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم، وهذا صحيح، أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة، فإن اختلفوا فلا يكون بعضهم حجة على بعض، ولا على من بعدهم، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن أو السنة أو عموم لغة العرب، أو أقوال الصحابة في ذلك.
فأما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام، لما رواه محمد بن جرير، رحمه الله، حيث قال: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا سفيان، حدثني عبد الأعلى، هو ابن عامر الثعلبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من قال في القرآن برأيه، أو بما لا يعلم، فليتبوأ مقعده من النار ” (5) .
وهكذا أخرجه الترمذي والنسائي، من طرق، عن سفيان الثوري، به. ورواه أبو داود، عن مسدد، عن أبي عوانة، عن عبد الأعلى، به (6) . وقال الترمذي: هذا حديث حسن.».اهـ

السابق
مما يحزنني ضياعه أو فقدانه من كتب المتقدمين (منقول)
التالي
إن مبادئ ‌كل ‌علم ‌عشرة … الحد والموضوع ثم الثمرة (منقول)