لماذا نسب الماتريدية القول بالكلام النفسي إلى أبي حنيفة؟
١- نص أبو حنيفة على أصل القول بالكلام النفسي في الفقه الأكبر برواية حماد والوصية
يراجع في ذلك إلى إشارات المرام
٢- جميع علماء ماوراء النهر ينفون الحرف والصوت وهم الذين ينتسبون إلى أبي حنيفة في العقيدة دون غيرهم وينسبون قولهم إليه
منهم صاحب كتاب السواد الأعظم على مذهب أبي حنيفة وهو منسوب لأبي حفص الكبير أو الصغير أيضا
وصاحب أصول التوحيد وهو منسوب لأبي القاسم الصفار
شمس الأئمة الحلواني في مجلس في أشراط الساعة
وأشار الطحاوي أيضا إلى ذلك بقوله بلا كيفية قولا وشرح صاحب أصول التوحيد هذه العبارة بنفي الحرف والصوت نقلا من كتاب الرد لأبي حفص الصغير
ولا توجد علاقة بين هؤلاء وبين أئمة سمرقند أو الماتريدي غير الانتساب إلى نفس المذهب
٣- لا ينطبق قول أبي حنيفة في قراءة القرآن بغير العربية مع إثباته الصفات إلا على القول بالكلام النفسي ورواية الرجوع شاذة
وقد بسط هذه المسئلة الإمام الكاساني في البدائع وإمام الهدى الماتريدي في مواضع متفرقة من كتاب التأويلات
٤- قال أبو حنيفة وصاحبيه بعدم جواز الحلف بالقرآن
وعلل جميع الحنفية ذلك بأنه غير الله لكن قال علماء ماوراء النهر بأن ذلك في العرف لأنهم يثبتون الكلام النفسي
أما العراقيون المتأخرون مثل الجصاص فلم يزيدوا ذلك لأنهم يميلون إلى المعتزلة
٥- نقل عن أبي حنيفة وصاحبيه القول بخلق القرآن والمراد الكلام اللفظي
٦- نقل عن أبي حنيفة وصاحبيه التوقف في خلق القرٱن والقول بالتوقف ليس بباطل مطلقا عند المحققين منا
يراجع في ذلك إلى مقالة توجيه توقف الأئمة للشيخ رستم مهدي
وقد نسب الماتريدي في كتاب التأويلات القول بالكلام النفسي إلى ابن الثلجي وهو أشهر من قال بالتوقف
وقال ابن أبي يعلى في الطبقات؛
قال إبراهيم بن سعيد الجوهري: يا أبا عبد اللَّه، إن الكرابيسي وابن الثلجي قد تكلما، فقال أحمد: فيم؟
قلت: في اللفظ، فقال أحمد: اللفظ بالقرآن غير مخلوق، ومن قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي…
أما نسبته إلى المعتزلة أو العدلية في بعض الكتب فباطلة عندنا من قبيل نسبة أبي المطيع البلخي راوى الفقه الأبسط إليهم في بعض كتبهم لأن أصحابنا زيادة على رواية القول بالكلام النفسي عند الماتريدي نقلوا عن ابن الثلجي أنه يقول بالرؤية وخلق أفعال العباد كما في كتاب الاعتقاد للأستوائي وكذلك روي ابن الثلجي نصوصا كثيرة لأبي حنيفة في الرد على المعتزلة وسائر مسائل العقيدة وكتب المناقب مليئة بذلك ولعل نسبته إليهم مبنية على تأويله المتشابهات وتصنيفه في ذلك
أما نسبة التفريق بين المحدث والمخلوق إليه فمما تفرد به الكعبي في المقالات وهو ليس ممن يعرف آراء الحنفية العقدية على وجهها مثل سائر المعتزلة ثم قد يكون هو قال بذلك لعدم ورود نص في استعمال لفظ الخلق مع قوله بحدوث الكلام اللفظي فقط في غير ذات الله كما قال المرجاني بذلك في مشارع الأصول ومثل قول بعض المعتزلة والإمامية في القرآن مطلقا
٧- نقل عن أبي حنيفة وصاحبيه القول بعدم خلق القرآن
٨- لم يفرق أبو حنيفة بين المحدث والمخلوق ولم يقل بحلول الحوادث كما هو ظاهر في نصوصه العقدية
فكان القول الجامع لجميع هذه الروايات والقرائن القول بالكلام النفسي
أما نسبته إلى ابن كلاب خاصة في بعض كتب أهل الحديث والمعتزلة فلا تفيد شيئا لوجهين؛
١- عدم معرفتهم قول أبي حنيفة بالكلام النفسي فلا يفيد عدم قوله بذلك على أنهم ليسوا ممن يعرفون آراء أبي حنيفة العقدية وينقلونها على وجها الصحيح بل كثير من أهل الحديث من أعداء أبي حنيفة وممن يفترون عليه كما هو مشهور
٢- القول بالكلام النفسي منسوب لغير ابن كلاب في بعض كتب أهل الحديث أنفسهم
قال ابن عبد البر مثلا في الانتقاء؛
وكان الكرابيسى وعبد الله بن كلاب وأبو ثور وداود بن علي وطبقاتهم يقولون ان القرآن الذى تكلم به الله صفة من صفاته لا يجوز عليه الخلق وإن تلاوة التالي وكلامه بالقرآن كسب له وفعل له وذلك مخلوق وإنه حكاية عن كلام الله وليس هو القرآن الذي تكلم الله به وشبهوه بالحمد والشكر لله وهو غير الله فكما يؤجر في الحمد والشكر والتهليل والتكبير فكذلك يؤجر في التلاوة وحكى داود في كتاب الكافي أن هذا كان مذهب الشافعي وأنكر ذلك أصحاب الشافعي وقالوا هذا قول فاسد ما قاله الشافعي قط وهجرت الحنبلية أصحاب أحمد بن حنبل حسينا الكرابيسي وبدعوه وطعنوا عليه…
انتهى
ثم أهل الحديث أيضا مختلفون في مسئلة خلق القرآن ومنهم من توقف وروايات أحمد أيضا مختلفة والحنابلة أيضا مختلفون في تفاصيل القول بالحرف والصوت كما هو مذكور في تحفة الوصول لابن المبرد وسائر الكتب
أما أدلة الكلام النفسي وتحقيقه فمبسوطة في كتب الكلام عموما وصدق الكلام للإمام الأندكاني وتعليقات الكوثري خصوصا وبالله التوفيق
مصطفى المغنيسي