مقالات في الرد على نظرية تقسيم التوحيد وما بني عليها

كم قرأتُ عن موضوع البناء على القبور للإخوة السلفية والوهابية فلم أر أحدا ذَكر أن العلة في ذلك أحد الأقوال الثمانية التي سردها العلامة الغماري رحمه الله

كم قرأتُ عن موضوع البناء على القبور للإخوة السلفية والوهابية فلم أر أحدا ذَكر أن العلة في ذلك أحد الأقوال الثمانية التي سردها العلامة الغماري رحمه الله… وإنما الذي درجوا عليه جميعا أن العلة هو حماية جانب التوحيد ـ توحيد الألوهية بمفهوم ابن تيمية ـ وقطع الذريعة إلى الشرك ….!!!! مقلدين في ذلك ما قاله ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في كتبه … حتى الألباني ـ رحمه الله ـ الذي يزعم الاجتهاد وينهى عن التقليد وأقام الدنيا على المقلدة … كأنه لم يسمع بأحد من هذه الأقوال الثمانية ولا بهذه الآثار السابقة في علة النهي عن بناء القبور، وإنما هو فقط قلّد ابنَ تيمية في ذلك….!!!!!!!!!!!!!!!!!!

قال العلامة أحمد الغماري رحمه الله في كتابه إحياء المقبور من أدلة جواز بناء المساجد والقباب على القبور (ص: 11)، مكتبة القاهرة ، ط4: ‘‘‘‘اعلم أن الخلاف في جواز البناء حول القبور إنما نشأ من الخطأ في الاستدلال وعدم إحكام النظر في الدليل من جهة عدم فهم معناه وتحقيقه أولا ، ومن جهة عدم فهم مراد الشارع من ذلك المعنى المفهوم ثانياً ، ثم من جهة الإعراض عن النظر في الأدلة المعارضة له ثالثاً . فإن النهي الوارد في البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها غير عام في نفسه ولا في كل زمان بل هو خاص بنوع من أنواعه ثم هو غير تعبدي باتفاف بل هو معقول المعنى معلل بعلل يوجد بوجوها وينتفي بانتفائها شأن كل حكم معلل كما هو معروف . ومع هذا فهو أيضاً معارض بما هو أقوى منه مما يجب النظر في الجمع بينهما وجوب العمل بالنص والتمسك بالدليل ويحرم الإعراض عن أحدهما والتمسك بالآخر حرمة الإعراض عن النص ومخالفة الدليل لأن الكل شرع مفترض طاعته واجب قبوله والعمل به فالإعراض عن أحدهما دون دليل مسوغ : إعراض عما أوجب الله طاعته وفرض على العبد اتباعه وتفريق بين المتماثلين وترجيح بين الدليلين بدون مرجح وهو باطل بالإجماع .

فصلٌ في بيان الخطأ في فهم المعنى وفي فهم مراد الشارع

أما الخطأ في المعنى فإن القائل بالكراهة فهِم أن النهي عن البناء عام والدليل يدل على أنه خاص بالبنا الواقع فوق القبر نفسه دون الواقع حوله ، لأن ذلك هو الذي يدل عليه معنى حرف على الموضوع للاستعلاء . فالبناء على القبر هو الذي علاه وكان فوقه لا ما كان حوله دائراً به قريباً منه على قدر حرم القبر فكيف بما يكون واسعاً بعيداً عنه كالحوش والقبة والمدرسة ، فإن اللفظ لا يتناوله وعلى فرض أن هناك ما يدل على العموم فهو عام مخصص لورود الأدلة الدالة على تخصيصه أو على إرادة الخصوص به (1)وهي متعددة كما سأذكره .

__________

(1) فهو إما عام مخصوص أو عام أريد به الخصوص .

==================

وأما الخطأ في فهم مراد الشارع ومقصوده فإن القائل بالكراهة لا يخلو أن يكون أعرض عنه وجمد على الظاهر كأنه تعبدي غير معقول المعنى ولا ظاهر العلة وليس هو كذلك بالاتفاق ، لورود النصوص بالعلة أو يكون أخطأ في تعيين مراد الشارع وتحقيقه أو أصابه ولكنه أخطأ في عدم تنقيحه ، فإنه لا بد من تحقيقه ثم تنقيحه حتى لا يعم ما هو خارج عنه غير داخل في حكمه أو أخطأ في اطراد العلة وهي غير مطردة ولا موجودة في كل بناء ، وإنما هي موجودة في نوع من أنواعه فإن العلماء اختلفوا في العلة التي من أجلها نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن البناء على القبر على أقوال :

بيان العلة التي اختلف في النهي من أجلها

وسرد الأقوال فيها وهي ثمانية*

القول الأول

إن العلة في ذلك كون الجص والآجر مما مسته النار ولا ينبغي أن يقرب ذلك من الميت إما تفاؤلاً كما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحب الفأل الحسن ويستبشر به في الأقوال والأفعال والصفات والأسماء وسائر الأشياء ، وإما لمعنى يعرفه الشارع فيما مسته النار . ولذلك أوجب منه الوضوء في أول الأمر ثم نسخه للضرورة ورفع الحرج والمشقة ، بل هو من الفقهاء من لا يقول بنسخه ويتمسك بوجوب الوضوء منه ، ولهذا المعنى لم يخصصوا النهي بظاهر القبر بل كرهوا البناء بالأجر داخل القبر لأن العلة واحدة بل هي داخل القبر أولى لقرب ما مسته النار من الميت وملاصقته لجسمه ، وكأنهم أخذوا هذا من وضع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الجريدة الرطبة على القبرين وقال : ” لعله يخفف عنهما مالم تيبسا ” . فرأوا أن ما مسته النار أشد من اليابس بالشمس والهواء . وهذا القول حكاه الحافظ العراقي في شرح الترمذي وذكره جمع من الفقهاء في كتبهم .

ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن زيد بن أرقم وجماعة .

قال ابن أبي شيبة ثنا معتمر بن سليمان عن ثابت بن زيد قال حدثني حمادة عن أنيسة بنت زيد بن أرقم قال : مات ابن لزيد يقال له سويد فاشترى غلام له أو جارية جصاً وآجره ، فقال له زيد : ما تريد إلى هذا ؟ . قال : أردت أن أبني قبره وأجصصه . قال : جفوت ولغوت لا يقربه شيء مسته النار .

وقال أيضاًُ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن ليث عن خيثمة عن سويد بن غفلة قال : إذا أنا مت فلا تؤذنوابي أحداً ولا تقربوني جصاً ولا آجراً ولا عوداً ولا تصحبنا امرأة .

وقال أيضاً حدثنا هشيم أخبرنا مغيرة عن إبراهيم أنه كان يكره الآجرة . وقال أيضاً حدثنا ابن مهدي عن سفيان عن منصور عن إبراهيم قال : كانوا يكرهون الآجر في قبورهم .

حدثنا وكيع عن سفيان عن مغيرة عن إبراهيم قال : كانوا يستحبون اللبن ويكرهون الآجر ويستحبون القصب ويكرهون الخشب .

القول الثاني

إن العلة فيه وجود الثقل على الميت والمطلوب التخفيف عنه . قالوا : ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بتسوية القبر وعدم وضع التراب فوقه . ونص الفقهاء على أنه يكره أن يجلب له تراب زائد على الذي خرج منه .

قال ابن أبي شيبة حدثنا عبد الأعلى عن محد بن إسحق عن تمامة بن شفي قال خرجنا غزاة في زمن معاوية إلى هذا الدرب وعلينا فضالة بن عبيد ، قال فتوفى ابن عم لي يقال له نافع فقام معنا فضالة على حفرته ، فلما دفناه قال : خففوا عن حفرته فإن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يأمر بتسوية القبر .

القول الثالث

إن العلة كون البناء فيه تمييز عن سائر قبور المسلمين حوله .

قال ابن أبي شيبة حدثنا شريك عن أبي فزارة عن مولى ابن عباس قال : قال لي ابن عباس : إذا رأيت القوم قد دفنوا ميتاً فأحدثوا في قبره ما ليس في قبور المسلمين فسوه بين قبور المسلمين . ونص على هذا أيضاً بعض القفهاء كالعدوي في حاشيته على شرح الرسالة وغيره .

القول الرابع

إن البناء يمنع من دفن الغير معه، لأن قبور أهل الحجاز والأرض الصلبة على كيفية اللحد ، كما رغب فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله : (( اللحد لنا والشق لغيرنا )) رواه أحمد والطحاوي من حديث جرير . والأربعة من حديث ابن عباس . واللحد إذا وع البناء عليه لم يبق سبيل إلى دفن الغير فيه . ذكره بعض الفقهاء وشراح الحديث وأشار إليه السرخسي في المبوسط .

القول الخامس

إن فيه تشبهاً بفعل الكفار من أهل الكتاب والمشركين من أهل الجاهلية ، لأنهم يضعون الرخام على قدر القبر أو يبنون فوقه . وقد بنيت الشريعة في كثير من أحكامها على مخالفة الكفار والمشركين ذكره ابن قدامة في المغني وأشار إليه ابن مفلح في الفروع .

القول السادس

إنه في الزينة الدنيوية ولا ينبغي فعل ذلك بمن انتقل إلى الآخرة ، وهذا نص عليه الشافعي في الأم ، والسرخسي في المبسوط ، وابن قدامة في المغني ، وكثير من الفقهاء الحنفية .

القول السابع

إنه يدعو إلى الجلوس على القبر . والجلوس عليه منهي عنه لما فيه من أذاية الميت بامتهانه ولهذا استحبوا أن يكون القبر مسنماً ولا يكون مسطحاً لأن التسنيم يمنه من الجلوس ، ذكره بعضهم .

القول الثامن

إنه يحول بين الميت وسماع النداء والذكر وتلاوة ما يتلى على قبره من القرآن وسلام المسلم عليه . ذكره ابن قدامة في المغني ونقله الحطاب عن بعض فقهائهم .

وذكره جمع من الشافعية واستدلوا بحديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال : (( لا يزال الميت يسمع الأذان مالم يطين قبره )) . وعلوم أن طمس القبر بالبناء أشد من طمسه بالطين والحديث المذكور هكذا يحتجون به من غير عزو ولا بيان حال وهو عند الحاكم في تاريخ نيسابور والديلي في مسند الفردوس من طريقه ، ثم من رواية محمد بن القاسم بن مجمع ثنا أبو مقاتل السمرقندي ثنا محمد بن ثابت الأنصاري عن كثير بن شنطير عن الحسن عن عبد الله بن مسعود وكثيراً ليس بشيء وبأن أبا مقاتل قال ابن مهدي لا تحل الرواية عنه قال ابن الجوزي : غير أن المتهم بوضعه هو محمد بن القاسم فإنه كان عالماً رأساً في الذابين الوضاعين اهـ ولم يتعقبه الحافظ السيوطي بشيء وهكذا يحتج الفقهاء في أكثر مسائلهم بالموضوع والمنكر والواهي بعد اتفاقهم على عدم جواز الاحتجاج به .

فهذه العلل إنما يأتي أكثرها في البناء الواقع فوق القبر ، لأنه الذي يقع به الثقل والطمس المانع من السماع والتشبه بالكفار ويمكن من الجلوس على القبر ويمنع من الدفن معه ويلتصق بالقبر وفوق الميت ما مسته النار لا مكان حول القبر بعيداً عنه كالقبة والبيت والمدرسة ونحوها . أما التعليل بكونه من الزينة التي لا تنبغي لأهل الآخرة فعله باطلة من وجهين …’’’’’ انتظره.

================

* قال وليد ابن الصلاح: سبحان الله … كم قرأتُ عن موضوع البناء على القبور للإخوة السلفية والوهابية فلم أر أحدا ذَكر أن العلة في ذلك أحد الأقوال الثمانية السابقة… وإنما الذي درجوا عليه جميعا أن العلة هو حماية جانب التوحيد ـ توحيد الألوهية بمفهوم ابن تيمية ـ وقطع الذريعة إلى الشرك ….!!!! مقلدين في ذلك ما قاله ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في كتبه ….. حيث قال ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (2/ 437): وفي صحيح مسلم «عن أبي هياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: أمرني أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سويته ولا تمثالا إلا طمسته»… فإن هذه وهذه من أسباب الشرك وعبادة الأوثان.اهـ

حتى الألباني ـ رحمه الله ـ الذي يزعم الاجتهاد وينهى عن التقليد وأقام الدنيا على المقلدة … كأنه لم يسمع بأحد من هذه الأقوال الثمانية ولا بهذه الآثار السابقة في علة النهي عن بناء القبور، وإنما هو فقط قلّد ابنَ تيمية في ذلك …. ولذلك حين عقد الألبانيُّ في كتابه تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد (ص: 96) فصلا بعنوان “حكمة تحريم بناء المساجد على القبور”، قال فيه: “فاقتضت حكمة الإله تبارك وتعالى وقد أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل وجعل شريعته خاتمه الشرائع أن ينهي عن كل الوسائل التي يخشى أن تكون ذريعة ولو بعد حين لوقوع الناس في الشرك الذي هو أكبرا الكبائر فلذا لك نهى عن بناء المساجد على القبور كما نهى عن شد الرحال إليها واتخاذها أعيادا” .اهـ

واقتصر الألباني على هذا القول …. وكم كان حريا بالألباني أن يذكر هذه الأقوال الثمانية أو بعضها على الأقل وينسبها إلى أصحابها كما فعل العلامة الغماري رحمه الله ….ولا بأس بعد ذلك أن يفندها الألبانيُّ وينتصر لما ذكره ابن تيمية من أن العلة هي أنها ذريعة إلى الشرك … أما أن يضرب الألباني صفحا عن كل هذه الأقوال والآثار عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم …ويكتمها فهذه والله لا يليق بمن يبتغي الحقَّ فضلا عمن يريد أن ينشره بين الناس … ومتى كان نشر الحق بالكتمان وعدم الشفافية …والله تعالى قال: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [البقرة: 42] {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ } [آل عمران: 187] وفي الحديث الذي حسنه الألباني”” من كتم علما ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار”….. والطريف في الموضوع أن الألباني بدأ كتابه تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد (ص: 5) بالتحذير من كتمان العلم فقال: ((( وإني آثرت البحث فيهما لأن بعض الناس خاضوا فيهما بغيرعلم وقالوا ما لم يقله قبلهم عالم لا سيما وأكثر الناس لا معرفة عندهم فيه مطلقا فهم في غفلة عنه ساهون وللحق جاهلون ويدعمهم في ذلك سكوت العلماء عنهم إلا من شاء الله وقليل ما هم خوفا من العامة أو مداهنة لهم في سبيل الحفاظ على منزلتهم في صدورهم متناسين قول الله تبارك وتعالى {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أؤلئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون}وقوله صلى الله عليه وسلم: ” من كتم علما ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار “. ))).اهـ ………!!!!!!!

قال وليد: وهذا ـ أي قول الحق وعدم كتمانه ولو كان خلاف مذهبي ـ هو أحد القواعد والمبادئ التسعة التي أسير عليها حاليا في مناقشاتي للإخوة السلفية وذلك في محاضراتي التي شرعتُ بتصويرها لنشرها لاحقا على اليوتيوب إن شاء الله.

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/825506264230064

السابق
عقيدة الإمام البغوي (لأخينا الشيخ الفاضل ياسين بن الربيع وفقه الله)
التالي
نفي الجهة عن الله (منقول)