خلاصة القول بالقاضي أبي يعلى الحنبلي رحمه الله.
القاضي أبو يعلى الفراء قاضي الحنابلة رمي بالتجسيم لا لأنه يثبت الصفات الخبرية على ظواهرها ، فهو قد صرح في مواضع كثيرة بتفويض معانيها . وإنما رمي بالتجسيم لأنه نفى أن يكون الله محدودا صراحة في طيات كتابه إبطال التأويلات . ثم أثبت صراحة في آخر الكتاب نفسه بأن لله حدا لا يعلمه إلا الله وهو من جهة العرش من أسفل . لذا اختلف الناس فيه إلى فريقين:
الفريق الأول: جعل الرواية الثانية أعني قوله بأن لله حدا لا يعلمه إلا الله مفسرا للرواية الأولى بكون الله غير محدود ، فلزمه التجسيم لإثباته الحد ولو من جهة واحدة .
الفريق الثاني: نفى عنه التجسيم بجعل كلامه في الحد في كتابه إبطال التأويلات مشكلا لأنه يذكر شيئا وينقضه في نفس الكتاب . لذا يجب دفع مشكله من كلام آخر له ومنه كلام ابنه فيه.
والخصمان مستوعبان لكلام القاضي ولكل وجهة علمية هو موليها. والأصل أن لا يعيب أحدهم على الآخر ما دامت المسألة علمية ومحتملة.
وأما ما استقر عليه رأي العبد الفقير إن كان لي رأي فهو : بما أن مذهب القاضي أبي يعلى أنه يثبت الألفاظ ويفوّض معانيها ، فهذا يعني أنه يثبت حدا من جهة العرش تبعا لروايات صحت عنده عن السلف والإمام أحمد ، فأثبت الحد لذلك ، وفوّض المعنى المراد من الحد بكونه حدا لا يعلمه إلا الله على حد قوله . وأما قوله بأن الحد من جهة العرش من أسفل فيحمل على نفي الاختلاط والحلول بالعرش وبالتالي بالعالم .
فالقاضي أبو يعلى فوّض معنى الحد بقوله(حد لا يعلمه إلا الله)وأثبت لازمه وهو عدم الحلول والاختلاط بإثبات الحد من جهة السفل . وهذا مذهب تنزيهي -إن صح- لأنه ينفي حقيقة الحد ويثبت لازمه وهو عدم الحلول والاختلاط، ولكنه مرفوض لأمرين:
الأول: لأنه أثبت لله ما لم يثبته لنفسه في نصوص الوحيين ولو فوّض معناه . فالتفويض خاص لما ورد في نصوص الوحيين.
الثاني : لأنه لفظ موهم ، وكل لفظ موهم الأصل عدم استخدامه فيما يتعلق بالله وصفاته حتى لو كان على سبيل التعريف والتوصيف.
هذا والله أعلى وأعلم