يجزم ابن تيمية رحمه الله بأنه لم يرد عن أحد من السلف أنه قال بجواز الدعاء عند القبور ولا فعله أحد من السلف، فقال كما في اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 200، 201): “ومن تأمل كتب الآثار، وعرف حال السلف، تيقن قطعًا أن القوم ما كانوا يستغيثون عند القبور، ولا يتحرون الدعاء عندها أصلًا، بل كانوا ينهون عن ذلك من كان يفعله من جهالهم”.
وقال في مجموع الفتاوى (27/ 152): “فَمَنْ اتَّخَذَ عَمَلًا مِنْ الْأَعْمَالِ عِبَادَةً وَدِينًا وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الشَّرِيعَةِ وَاجِبًا وَلَا مُسْتَحَبًّا فَهُوَ ضَالٌّ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَصْدُ الْقُبُورِ لِأَجْلِ الدُّعَاءِ عِنْدَهَا رَجَاءَ الْإِجَابَةِ هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الشَّرِيعَةِ: لَا وَاجِبًا وَلَا مُسْتَحَبًّا؛ فَلَا يَكُونُ دِينًا وَلَا حَسَنًا وَلَا طَاعَةً لِلَّهِ وَلَا مِمَّا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ وَلَا يَكُونُ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا قُرْبَةً وَمَنْ جَعَلَهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَهُوَ ضَالٌّ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ”.
ففي النص الأول يقرر ابن تيمية أن القوم ما كانوا يدعون عند القبور أصلًا، بل وينهون من كان يفعله من جهالهم.
وفي النص الثاني يقرر أن من اعتقد أن قصد القبور للدعاء عندها واجبًا أو مستحبًا فهو ضال باتفاق المسلمين، ولم أر أحدًا يوجب ذلك بل يستحبونه، فلا أدري لماذا يذكر ابن تيمية ذلك؟!.
وعلى كلٍ فنحن نوقن أن هذا الكلام الذي قاله ابن تيمية هو عين ما قرره الوهابية المعاصرة؛ بل زاد الوهابية أن وصفوا من يتحرى الدعاء عند قبور الصالحين بالشرك، كأن الذي يدعو الله عند قبور الصالحين كأنه يدعو صاحب القبر أو أنه أشرك صاحب القبر مع الله تعالى، وهذا غير صدقٍ، بل وهمٌ عظيم عند القوم.
ونحن نقرر هنا أن كلام ابن تيمية وأتباعه مجانب للحقيقة ومخالف لما درج عليه السلف الصالح وأئمة الإسلام.
فمن المستحب عند جماهير العلماء قبل ابن تيمية وبعده أن يختار الداعي المكان والزمان الذي ترجى فيه الإجابة، ومن بين الأماكن التي تُرجى فيها الإجابة عند قبور الصالحين !!!
كيف لا يشرع الإكثار من الدعاء إلى الله تعالى عند قبر سيدنا المصطفى أو غيره من الصحابة الكرام، أو آل بيته الأطهار، أو قبر أبي حنيفة أو مالك، أو الليث، أو الشافعي، أو أحمد بن حنبل، وأمثالهم من أئمة الهدى والصلاح!!.