هو الإمام الصوفي المفسر، المذكر ، المحدث أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن النيسابوري الصابوني الأشعري. ولد سنة 373 هجري حدث رحمه الله عن زاهر السرخسي و أبي سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ، وأبي بكر بن مهران ، وأبي محمد المخلدي ، وأبي طاهر بن خزيمة ، وأبي الحسين الخفاف ، وعبد الرحمن بن أبي شريح ، وطبقتهم ، ومن بعدهم.
وحدث عنه : الكتاني ، ونجا بن أحمد ، وأبو القاسم بن أبي العلاء ، والبيهقي ، وابنه عبد الرحمن بن إسماعيل ، وخلق آخرهم أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي.
وكان رحمه الله على طريقة أهل الحديث، و يميل للتفويض، له عقيدة تُعرف بعقيدة السلف أصحاب الحديث ، ووصية طيبة.
قال الحافظ ابن عساكر المتوفى سنة 571 هـجري في تاريخ دمشق:” ذكر من أسم أبيه عبد الرحمن ممن اسمه إسماعيل: إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عامر بن عابد أبو عثمان الصابوني النيسابوري الحافظ الواعظ المفسر. قدم دمشق حاجا سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة وحدث بها وقعد مجلس التذكير”. انتهى
و قال الذهبي في ترجمته: “كان شيخ الإسلام الصابوني فقيها محدثا وصوفيا واعظا كان شيخ نيسابور في زمانه له تصانيف حسنة” انتهى
وقال الشيخ عبد الغافر في ” السياق”: الأستاذ أبو عثمان إسماعيل الصابوني شيخ الإسلام، المفسر المحدث، الواعظ، أوحد وقته في طريقه، وعظ المسلمين سبعين سنة، وخطب, وصلى في الجامع نحواً من عشرين سنة، وكان حافظاً، كثير السماع والتصانيف، حريصاً على العلم، سمع بنيسابور, وهراة, وسرخس, والحجاز, والشام, والجبال، وحدث بخراسان, والهند, وجرجان, والشام, والثغور, والحجاز, والقدس، ورزق العز والجاه في الدين والدنيا، وكان جمالاً للبلد، مقبولاً عند الموافق والمخالف، مجمعٌ على أنه عديم النظير، وسيف السنة، ودامغ البدعة، وكان أبوه الإمام أبو نصر من كبار الواعظين بنيسابور، ففتك به لأجل المذهب، وقتل، فأقعد ابنه هذا ابن تسع سنين، فأقعد بمجلس الوعظ، وحضره أئمة الوقت”. انتهى
1- بيان أشعريته و بغض المجسمة له
لقد كان الشيخ أبو عثمان الصابوني علما من أعلام الأشاعرة وكان رحمه الله مجانبا للمجسمة ويدل على ذلك أمور منها:
أ- أخذه العلم عن كبار أصحاب الأشعري: نشأ الشيخ الصابوني رحمه الله بين أحضان الامام ابي الطيب سهل بن أبي سهل الصعلوكي الذي كان من اصحاب الامام الأشعري، وتتلمذ عليه. فقد قال عبد الغافر الفارسي في السياق لتاريخ نيسابور: “أخذ الإمام أبو الطيب الصعلوكي في ترتيبه, وتهيئة شأنه، وكان يحضر مجلسه, هو والأستاذ أبو إسحاق الاسفراييني، والأستاذ أبو بكر بن فورك، ويعجبون من كمال ذكائه، وحسن إيراده، حتى صار إلى ما صار إليه، وكان مشتغلا بكثرة العبادات والطاعات، حتى كان يضرب به المثل”. انتهى
ب – ثناءه على بعض أعلام الأشاعرة وثناءهم عليه: مدح أئمة الأشاعرة للشيخ الصابوني ومدحه إياهم يدل على انهم على طريق واحد رحمهم الله تعالى. ولو كان يراهم مبتدعة ضلال لما اختلط بهم و قد نص في عقيدته على وجوب مجانبة أهل البدع و الأهواء.
فقد ذكر ابن النجار الحنبلي في ذيل تاريخ بغداد والتاج السبكي في طبقاته أن الشيخ أبا عثمان الصابوني قال وقد سمع كلاما لإمام الحرمين في بعض المحافل: “صرف الله المكاره عن هذا الإمام فهو اليوم قرة عين الإسلام والذاب عنه بحسن الكلام”. انتهى
و نقل ابن عساكر في تبيين كذب المفتري و التاج السبكي في طبقاته مدح الشيخ أبي عثمان الصابوني للإمام الأستاذ أبي منصور البغدادي، رأس الأشاعرة في زمانه. ونص عبارة ابن السبكي: “وقال جبريل : قال شيخ الإسلام أَبُو عثمان الصابوني : كان من أئمة الأصول وصدور الإسلام بإجماع أهل الفضل والتحصيل ، بديع الترتيب ، غريب التأليف والتهذيب ، تراه الجلة صدرًا مقدمًا ، وتدعوه الأئمة إمامًا مفخمًا ، ومن خراب نيسابور اضطرار مثله إلى مفارقتها”. انتهـى
ونص عبارة ابن عساكر : “حَدَّثَنِي الشَّيْخ أَبُو بكر يَحْيَى بن إِبْرَاهِيمَ بن أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّد السلماسي عَنْ أَبِيهِ الْقَاضِي أَبِي طَاهِر قَالَ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ نصر بن كاكا المرندي الْفَقِيه فِي ذكر أَبِي عُثْمَانَ الصَّابُونِي أَنه ذكر أَبَا مَنْصُور الْمُتَكَلّم قَالَ أَبُو عَليّ وَكنت قد أهملت ذكر اسْمه وَنسبه اعْتِمَادًا على شهرته فَقَالَ لي أَبُو عُثْمَان قيد ذكره بِإِثْبَات اسْمه وأزل الشُّبْهَة عَن فَضله وَأثبت فَوق الكنية عبد القاهر بن طَاهِر لِئَلَّا يظنّ أَنَّك أردْت أَبَا مَنْصُور الآخر فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى خلاف فِي الِاعْتِقَاد كَانَ بَينهمَا وَمهما نفيت الِاحْتِمَال وَالشَّرِكَة وَرفعت الظَّن والشبهة بَان أَنِّي أردْت ببياني أَبَا مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ”. انتهى
وذكر الذهبي في السير عن البيهقي أنه قال مادحا الشيخ أبا اسماعيل الصابوني: “حدثنا إمام المسلمين حقا وشيخ الاسلام صدقا أبو عثمان الصابوني” انتهى
ج- عزله عن الافتاء في الفتنة التي تعرض لها الأشاعرة في نيسابور: قال ابن عساكر في تبيين كذب المفتري: “قال الإمام الحافظ قدس الله روحه: وإنما كان إنتشار ما ذكره أبو بكر البيهقي رحمه الله من المحنة وإستعار ما أشار باطفائه في رسالته من الفتنة مما تقدم به من سب حزب الشيخ أبي الحسن الأشعري في دولة السلطان طغرلبك ووزارة أبي منصور بن محمد الكندري وكان السلطان حنفيا سنيا وكان وزيره معتزليا رافضيا فلما أمر السلطان بلعن المبتدعة على المنابر في الجمع قرن الكندري للتسلي والتشفي اسم الأشعرية بأسماء أرباب البدع وامتحن الأئمة الأماثل وقصد الصدور الأفاضل وعزل أبا عثمان الصابوني عن الخطابة بنيسابور وفوضها إلى بعض الحنفية فأم الجمهور وخرج الإستاذ أبو القسم والإمام أبو المعالي الجويني رحمة الله عليهما عن البلد وهان عليهما في مخالفته الإغتراب وفراق الوطن والأهل والولد”. انتهى
د- توقيعه على كلام القشيري في نصرة الأشاعرة ضد المجسمة: كان الشيخ الصابوني من جملة من أوذوا في الله في محنة أهل السنة في نيسابور مع الإمام القشيري وإمام الحرمين ابي المعالي، وكان من جملة من وقعوا على رسالة “شكاية أهل السنة” التي كتبها أبو نصر القشيري في نصرة الأشاعرة و التي نقلها ابن عساكر في تبيين كذب المفتري صحيفة 113 وأولها: ” قال الإمام الحافظ أبو القسم علي بن اسمعيل بن الحسن رضي الله عنه دفع إلي أبو محمد عبد الواحد بن عبد الماجد بن عبد الواحد بن عبد الكريم بن هوازن القشيري الصوفي النيسابوري بدمشق مكتوبا بخط جده الإمام أبي القسم القشيري وأنا أعرف الخط فوجدت فيه: بسم الله الرحمن الرحيم اتفق أصحاب الحديث أن ابا الحسن علي بن اسماعيل الأشعري رضي الله عنه كان إماما من أئمة أصحاب الحديث ومذهبه مذهب أصحاب الحديث تكلم في أصول الديانات على طريقة أهل السنة ورد على المخالفين من اهل الزيغ والبدعة وكان من المعتزلة والروافض والمبتدعين من أهل القبلة والخارجين من الملة سيفا مسلولا ومن طعن فيه أو قدح أو لعنه أو سبه فقد بسط لسان السوء في جميع أهل السنة. بذلنا خطوطنا طائعين بذلك في هذا الذكر في ذي القعدة سنة ست وثلاثين وأربعمائة والأمر على هذه الجملة المذكورة في هذا الذكر وكتبه عبد الكريم بن هوازن القشيري وفيه بخط أبي عبد الله الخبازي المقري كذلك يعرفه محمد بن علي الجنازي وهذا خطه وبخط الإمام أبي محمد الجويني الأمر على هذه الجملة المذكورة فيه وكتبه عبد الله بن يوسف وبخط أبي الفتح الشاشي الأمر على هذه الجملة التي ذكرت وكتبه نصر بن محمد الشاشي بخطه وبخط آخر الأمر على هذه الجملة المذكورة فيه وكتبه علي بن أحمد الجويني بخطه وبخط أبي الفتح العمري الهروي الفقيه الأمر على هذه الجملة المذكورة فيه وكتبه ناصر بن الحسين بخطه وبخط الأيوبي الأمر على الجملة التى ذكرت فيه وكتبه احمد بن محمد بن الحسن بن أبي أيوب بخطه وبخط آخيه الأمر على هذه الجملة المذكورة فيه وكتبه علي بن محمد بن أبي أيوب بخطه وبخط الإمام أبي عثمان الصابوني الأمر على الجملة المذكورة وكتبه اسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني وبخط ابنه أبي نصر الصابوني الأمر على الجملة المذكورة صدر هذا الذكر وكتبه عبد الله بن اسماعيل الصابوني وبخط الشريف البكري الأمر على نحو ما بين درج هذا الذكر وكتبه علي بن الحسن البكري الزبيري بخطه وبخط آخر هو إمام من أئمة أصحاب الحديث والأمر على ما وصف في هذا الذكر”. انتهى
و هذه الشهادة أوردها كذلك الإمام السبكي في طبقاته.
ه- ثناءه على النسخة الأصلية من كتاب الإبانة للإمام الأشعري: قال الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق : “وسمعت الشيخ ابو بكر احمد ابن محمد ابن اسماعيل بن محمد بن بشار البوشنجي المعروف بالخركردي الفقية الزاهد يحكي عن بعض شيوخة ان الامام ابو عثمان اسماعيل ابن عبد الرحمن ابن احمد الصابوني النيسابوري ما كان يخرج من مجلس درسه الا وبيدة كتاب الابانة لأبي الحسن الأشعري ,ويظهر الاعجاب به، ويقول ماذا الذي ينكر على هذا الكتاب شرح مذهبه. فَهَذَا قَول الإِمَام أَبِي عُثْمَانَ وَهُوَ من أَعْيَان أهل الْأَثر بخراسان “. انتهى
و – بغض مجسمة الحنابلة له: قال التاج السبكي في في طبقاته:” إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم ابن عامر بن عابد شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني، الفقيه المحدث المفسر الخطيب الواعظ المشهور الاسم الملقب بشيخ الإسلام، لقبه أهل السنة في بلاد خراسان فلا يعنون عند إطلاقهم هذه اللفظة غيره، وأما المجسمة بمدينة هراة فلما ثارت نفوسهم من هذا اللقب عمدوا إلى أبي إسماعيل عبد الله الأنصاري صاحب كتاب ذم الكلام فلقبوه بشيخ الإسلام وكان الأنصاري المشار إليه رجلا كثير العبادة محدثا إلا أنه يتظاهر بالتجسيم والتشبيه”. انتهى
و هذا يحيلك على كذب ابن المبرد الذي قال في كتابه جمع الجيوش و الدساكر في معرض ذكره لمن كان مجانباً للأشاعرة: “ومنهم أبو عثمان الصابوني، شيخ الإسلام، كان إماماً مجانباً لهم”. انتهى
و مما يدلك أيضا على بغض المجسمة لأبي عثمان الصابوني وكذبهم على أهل السنة الأشاعرة ما قاله زعيمهم أبو اسماعيل الهروي في كتابه المسمى “ذم الكلام” 4/421 ” وهو يعدد المخالفين لأبي الحسن الأشعري:” وسمعت عبد الله بن أبي نصر المؤدب يقول: ما صلى ابو نصر الصابوني على أبيه للمذهب” انتهى
والذي تُكلم في مذهبه هو والد أبي عثمان الصابوني و اسمه أبو نصر عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عامر بن عابد الواعظ النيسابوري المتوفى في حدود سنة 380 هجري.
قال الشيخ عبد الغافر في ” السياق”: وكان أبوه الإمام أبو نصر من كبار الواعظين بنيسابور ، ففتك به لأجل المذهب وقتل ، فأقعد ابنه هذا ابن تسع سنين ، فأقعد بمجلس الوعظ”. انتهى
و قال الذهبي في تاريخ الإسلام: ” كان أبوه أبو نصر من كبار الواعظين بنيسابور ففتك به لأجل المذهب وقتل وهذا الإمام صبي ابن تسع سنين فأقعد مجالس الوعظ مقام أبيه وحضر أئمة الوقت مجالسه . وأخذ الإمام أبو الطيب الصعلوكي في تربيته وتهيئة شأنه . وكان يحضر مجالسه والأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني والأستاذ أبو بكر بن فورك”. انتهى
و ذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق: “كان أبوه أبو نصر من كبار الواعظين بنيسابور ، ففتك به لأجل التّعصب والمذهب ، وقتل ، وهذا الإمام صبي بعد حول سبع سنين ، وأقعد بمجلس الوعظ مقام أبيه”. انتهى
ولعله كان كراميا أو معتزليا فترك مذهبه وصار شافعيا أشعريا من أصحاب أبي الطيب الصعلوكي، فتعصب عليه قومه وأصحاب أبيه فقتلوه.
ومن جملة الأدلة أنه صار أشعريا وقتل بسبب ذلك أن أبا الطيب الصعلوكي الأشعري ذكر أن موته كان نكاية عظيمة و مكرا كبيرا من أعدائه. فقد قال ابو الحسن الفارسي في المختصر من كتاب السياق لتاريخ نيسابور: “وقرأت من خط السّكرىّ أيضا ، قال : قرأت فى كتاب كتبه الإمام سهل الصّعلوكىّ ، إلى زاهر بن أحمد الإمام بسرخس ، حين قصد الأستاذ الإمام إسماعيل أن يرحل إليه : لسماع الحديث في صباه ، بعد ما قتل أبوه شهيدا ، وفى الكتاب بعد الخطاب : “وإذا عدّت الأحداث التى كانت فى هذه السّنين الخالية قطارا ، أرسالا ، ومتّصلة اتّصالا ، ومتوالية حالا فحالا ، كان أعظمها نكاية فى الدّين ، وجناية عليه ، ما جرى من الفتك بأبى نصر الصّابونىّ رحمهالله ،نهارا ؛ والمكر الذى مكر به كبّارا”. انتهى
فلا نظن أن أبا اسماعيل الهروي يريد بهذه الرواية أن أبا نصر عبد الرحمن الواعظ النيسابوري – والد أبي عثمان الصابوني الذي تحول أشعريا- لم يرض الصلاة على أبيه أبي حامد أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عابد الصابوني ، لأنه ساق الحكاية في ذم الأشاعرة.
فإن قيل أراد بأبي نصر عبد الله الخطيب ابن الشيخ أبي عثمان الصابوني، فهو كذب واضح و افتراء مفضوح داخل تحت بغض المجسمة لهذا الشيخ و افترائهم على أهل السنة الأشعرية، لأن أبا نصر الصابوني مات قبل والده. فقد نقل ابن عساكر في تاريخ دمشق عن الشيخ الصابوني أنه قال: “وكنت قلت في غياب ولدي أبي نصر عبد الله الخطيب رحمة الله ورضوانه عليه:
غاب وذكراه لم يغب أبدا وكان مثل السواد في الحدقة
لو رده الله بعد غيبته جعلت مالي لشكره صدقة
فلم يرد الله سبحانه وتعالى رده إلي وقضى قبض روحه في بعض ثغور أذربيجان متوجها إلى بيت الله الحرام وزيارة قبر نبيه محمد المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام فصبرا لحكمه ورضا بقضائه وتسليما لأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين وإلى الله جل جلاله الرغبة في التفضل عليه بالمغفرة والرضوان والجمع بيننا وبينه في رياض الجنان بمنه وكرمه … انتهـى
2- بيان ما ينقل عنه في ذم الكلام
ذكر التاج السبكي في طبقاته وصية الشيخ الصابوني وفيها قوله: “وينهى في الجملة عن الخوض في الكلام والتعمق فيه، وفي الاشتغال بما كره السلف رحمهم الله الاشتغال به ونهوا وزجروا عنه، فإن الجدال فيه والتعمق في دقائقه والتخبط في ظلماته كل ذلك يفسد القلب، ويسقط منه هيبة الرب جل جلاله، ويوقع الشبه الكبيرة فيه، ويسلب البركة في الحال، ويهدي إلى الباطل والمحال، والخصومة في الدين والجدال، وكثرة القيل والقال، في الرب ذي الجلال، الكبير المتعال، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا. والحمد لله على ما هدانا من دينه وسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه حمدا كثيرا”. انتهى
وقوله “وينهى في الجملة عن الخوض في الكلام والتعمق فيه” أراد به علم الكلام المذموم الذي يشتغل به المعتزلة و القدرية و المجسمة لتقرير عقائدهم الفاسدة لا علم الكلام الذي يشتغل به أهل السنة للرد على الملاحدة و الكفرة لتفنيد الشبهات التي يوردونها.
قال الإمام المحدث ابن عساكر في تبيين كذب المفتري: “وَإِنَّمَا يَعْنِي واللَّه أعلم بقوله يَعْنِي من ارتدى بالْكلَام لم يفلح كَلَام أهل الْهَوَاء الَّذين تركُوا الْكتاب وَالسّنة وَجعلُوا معولهم عُقُولهمْ”. انتهى
وقال: “والكلامُ المذموم كلام أصحاب الأهوية وما يزخرفه أرباب البدع المُرْدية، فأما الكلام الموافق للكتاب والسنّة الموضح لحقائق الأصول عند ظهور الفتنة فهو محمود عند العلماء ومن يعلمه، وقد كان الشافعي يحسنه ويفهمه، وقد تكلم مع غير واحد ممن ابتدع، وأقام الحجة عليه حتى انقطع”. انتهى
و قال الحافظ أبو بكر البيهقي : “إنما يريدوا والله أعلم بالكلام كلام أهل البدع، فإن في عصرهم إنما كان يعرف بالكلام أهل البدع، فأما أهل السنّة فقلَّما كانوا يخوضون في الكلام حتى اضطروا إليه بعد”. انتهى
وكذلك ما أورده أبو إسماعيل الهروي في كتابه ذم الكلام وأهله : “أخبرني إسماعيل بن عبد الرحمن – أي الصابوني رحمه الله- يقول : استتيب الصبغي والثقفي على قبر ابن خزيمة” انتهى
فالهروي يروي عن الصابوني ويقول أنه سمعه يقول أن الصبغي والثقفي استتيبا على قبر الإمام ابن خزيمة بسبب علم الكلام.
وهذا الأثر تفرد بذكره أبو اسماعيل الهروي وهو رأس من رؤوس المجسمة و زنديق من زنادقة المتصوفة. فقد قال الإمام تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى جزء 4 صحيفة 272 ما نصه:” وكان الأنصاري المشار إليه رجلاً كثير العبادة محدثًاً إلا أنه يتظاهر بالتجسيم والتشبيه وينال من أهل السنة “. انتهى
وقال: ” ومن مصنفاته التي فوقت نحوه سهام أهل الإسلام كتاب ذم الكلام وكتاب الفاروق في الصفات وكتاب الأربعين وهذه الكتب الثلاثة أبان فيها عن اعتقاد التشبيه وأفصح.وله قصيدة في الاعتقاد تنبىء عن العظائم في هذا المعنى”. انتهى
وقد رماه شيخ المجسمة ابن تيمية بالاتحاد. فقد نقل السبكي في طبقات الشافعية ما نصه :” وله أيضا كتاب منازل السائرين في التصوف. وكان الشيخ تقي الدين أبو العباس ابن تيمية مع ميله إليه يضع من هذا الكتاب أعني منازل السائرين. قال شيخنا الذهبي وكان يرمي أبا إسماعيل بالعظائم بسبب هذا الكتاب ويقول إنه مشتمل على الاتحاد”. انتهى
ولا شك أن هذا الكلام من جملة افتراءات هذا الزنديق فإنه كان يروج للأكاذيب عن الإمام الأشعري وهو جاهل به، فقد قال الذهبي في السير عند ترجمة أبي اسماعيل الهروي نقلا عن محمد بن طاهر أنه قال: “سمعت خادمه أحمد بن أميرجه يقول : حضرت مع الشيخ للسلام على الوزير نظام الملك ، وكان أصحابنا كلفوه الخروج إليه ، وذلك بعد المحنة ورجوعه إلى وطنه من بلخ قال : فلما دخل عليه أكرمه وبجله ، وكان هناك أئمة من الفريقين ، فاتفقوا على أن يسألوه بين يدي الوزير ، فقال العلوي الدبوسي : يأذن الشيخ الإمام أن أسأل ؟ قال : سل . قال : لم تلعن أبا الحسن الأشعري ؟ فسكت الشيخ ، وأطرق الوزير ، فلما كان بعد ساعة ; قال الوزير : أجبه . فقال : لا أعرف أبا الحسن ، وإنما ألعن من لم يعتقد أن الله في السماء ، وأن القرآن في المصحف ، ويقول : إن النبي – صلى الله عليه وسلم – اليوم ليس بنبي “. انتهى
روابط ذات علاقة
التعريف بأبي عثمان الصابوني
https://www.facebook.com/194651207280300/posts/1492915224120552/
كلامه عن المجيء و الاستواء و الكلام
https://www.facebook.com/194651207280300/posts/1632754243469982/
الكلام عن النزول
https://www.facebook.com/Early.History.Islam/photos/a.1495546943857380/1495547900523951/?type=3
كلامه عن النزول الجزء الثاني
https://www.facebook.com/194651207280300/posts/1632754243469982/
بيان الدس في كتاب عقيدة السلف
https://www.facebook.com/Early.History.Islam/photos/a.1495546943857380/1495547983857276/?type=3
واجهة الطبعة الاولى
https://www.facebook.com/Early.History.Islam/photos/a.1495546943857380/1495547070524034/?type=3
المخطوطة الثانية
https://www.facebook.com/Early.History.Islam/photos/a.1495546943857380/1495548013857273/?type=3
نص الشافعي في كتاب عقيدة السلف
https://www.facebook.com/Early.History.Islam/photos/a.1495546943857380/1495555490523192/?type=3
عدم وجود نص الشافعي في طبعة اخرى
https://www.facebook.com/Early.History.Islam/photos/a.1495546943857380/1495548110523930/?type=3
عدم وجود نص الشافعي في طبعة ثانية
https://www.facebook.com/Early.History.Islam/photos/a.1495546943857380/1495548180523923/?type=3
كتاب عقيدة السلف واصحاب الحديث – الجزء3-
https://www.facebook.com/194651207280300/posts/1494711603940914/