مقالات في التجسيم

انتصارًا للشيخ سعيد الكملي وردّا على الوهابي صالح السحيمي (الأخ الفاضل: نزار حمادي)

قلت في التعليق أعلاه تخصصه في الفقه وأصوله ولم يتكلم في علم العقائد
فقد تكلم في حديث النزول وفصل فيه
ولكنه أخطأ ومع ذلك رد عليه ولم يعجبهم ذلك

انتصارًا للشيخ سعيد الكملي وردّا على الوهابي صالح السحيمي:

استمعتُ قبل قليل إلى فيديو يرد فيه الوهابيُّ صالح السحيمي على الشيخ سعيد الكملي في كلامه على حديث النزول، ولستُ أعتقد أن الشيخ الكمليّ على تمام اختيارات أهل السنة الأشاعرة في القضايا الاعتقادية، ولكن ربما تتداركَهُ بركة المغاربة وهم أهل الحق والسنة والجماعة على مرّ التاريخ فيعود إلى الجادّة ويسير على نهجهم لأن المبتدعة المشبّهة لن يقبلوا منه إلا أن يكون تابعا لهم مقلّدا لزيغهم، وهو قد ابتعد قليلا عنهم لذلك توجّهت نحوَهُ سهامهم.

عندما تكلّم الشيخ سعيد الكملي على حديث النزول ذكر تأويله بنزول الرحمة والأمر والعفو والإجابة، واعتبره قولا من أقوال العلماء، ثم ذكر القول الثاني وهو أنه نزول منسوب لله حقيقة ولكن لا يعلم كيف هُوَ، مع تنزيهه عن لوازم النزول الحقيقي في المخلوقات الذي يكون بتفريغ مكان وشغل آخر. ثم رجَّح الشيخ الكملي القول الثاني.

وهنا ردّ عليه الوهابي السحيمي واعتبر كلام الكملي تساهلا مع الرأي الأول لأنه يعتبره رأي المبتدعة وأهل الزيغ والضلال في حين أن الشيخ الكملي ينسبه للعلماء.

وهنا نقول: إن القول الأول وهو تأويل نزول الله تعالى بنزول أمره ورحمته واستجابته هو قول لإمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه، نقله عنه الإمام ابن عبد البرّ في التمهيد بسند صحيح ووجَّههُ وقواه، فكان على الشيخ سعيد الكملي أن ينسب هذا القول للإمام مالك مستندا لكلام ابن عبد البرّ ذاكرا تقوية ابن عبد البرّ له رواية ودراية ومعنًى، ولا شك أن هذا ينفي عن القول الأول كل ضعف بل ويجعله الأرجح، ويسدّ الطريق على الوهابية والمجسمة عموما للطعن في ذلك القول ومحاولة نسبته للمبتدعة وإلا فيلزمهم الحكمُ على الإمام مالك بالبدعة الاعتقادية وكذلك على ابن عبد البرّ، وهم أجبن من التصريح بذلك.

وأيضا فالقول الثاني الذي رجَّحهُ الشيخ الكملي مع بيان أنه نزول حقيقي منزَّه عن لوازم نزول الحادث من التحيّز وتفريغ الأماكن ولوازم ذلك من الحركة ليس هو القول الذي يتخيّل الوهابي السحيمي أنه قول السلف، ولكن من تلبيس السحيمي أنه أوهم أن القول الذي رجَّحه الكملي هو اعتقاد السلف عند السحيمي وإلا فهو وفرقته المبتدعة يعتقدون يقينا أن تنزيه النزول الحقيقي عن تلك المعاني تعطيل له، بل يعتقدون أنها لوازم حقيقية للنزول الحقيقي ويحرم تنزيه الله عنها عندهم وإلا آل الأمر إلى التعطيل للصفة بحسب اعتقادهم الفاسد.

والخلاصة أن الشيخ سعيد الكملي وإن لم يكن متابعا لأهل السنة الأشاعرة لشُبْهَة استقرت عند بعض المتأخرين كالشيخ ولد عدود والشيخ الحسن الددو من الذين خالفوا آباءهم وأجدادهم من محققي أهل السُّنة، لكنه لم يصرْ وهابيا مجسّما كذينك الشيخين أيضا، فلما شعر الوهابية أنه يخالفهم وأنه لا ينتصر صراحة لمعتقدهم وجهوا نحوه سهامَهم، وذلك أنهم يعرفون جيدا حقيقة مذهبهم الفاسد ولا يقبلون بمن هو بين بين.

وأما الشيخ سعيد الكملي فأسأل الله تعالى أن تتداركه بركة أهل السنة والحق المغاربة وأن يعود إلى تحقيق مقالات أهل السنة في العقائد وأن يعلمَ يقينًا أن الأشاعرة هم أهل الحقّ فيها وأن الاختيارات الجزئية الموجودة في المدرسة كاختيار ابن عبد البرّ هي على تمام النقيض مع الوهابية أو الحشوية المجسمة، ولكنها ليست اختيارات منافية لمدرسة أهل السنة والجماعة الأشاعرة حتى يقابل بين قول ابن عبد البرّ وقول الأشاعرة.

وهذا كلام الإمام ابن عبد البرّ بالله تعالى التوفيق:

قد روى محمد بن علي البجلي ـ وكان من ثقات المسلمين بالقيروان ـ قال: حدّثنا جامع بن سوادة بمصر، قال: حدّثنا مطرّفٌ، عن مالك بن أنس أنه سئل عن الحديث: “إن الله ينزل في الليل إلى سماء الدنيا” فقال مالكٌ: “يتنزّلُ أمرُه”.

قال ابن عبد البر: وقد يحتمل أن يكون كما قال مالكٌ رحمه الله، على معنى أنه تتنزل رحمتُه وقضاؤُهُ بالعفو والاستجابة، ولذلك ما جاء فيه الترغيب في الدعاء، وقد روي من حديث أبي ذرٍّ أنه قال: يا رسول الله أي الليل أسمعُ؟ قال: “جوف الليل الغابر”، يعني الآخِرَ، وهذا على معنى ما ذكرنا، ويكون ذلك الوقت مندوبا فيه إلى الدعاء، كما ندب الدعاء عند الزوال، وعند النداء، وعند نزول غيث السماء، وما كان مثله من الساعات المستجاب فيها الدعاء، والله أعلم.

التمهيد (ج5/ص155) تحقيق بشار عواد.

نزار حمادي

السابق
خمسون سؤالا في الاستغاثة بغير الله موجهة للوهابية
التالي
أمثلة على مسائل فقهية خالف السلفية فيها السلف بحجة أن قول السلف مخالف للنصوص/ الحج قبل الميقات المكاني