مقالات في التجسيم

هل صحيح ما زعمه ابن تيمية من أنه لا يستدل في مباحث العقائد الإلهية بقياس التمثيل ولا بقياس الشمول لأنهما لا يوصلان إلى اليقين؟

[1] هل صحيح ما زعمه ابن تيمية من أنه لا يستدل في مباحث العقائد الإلهية بقياس التمثيل ولا بقياس الشمول لأنهما لا يوصلان إلى اليقين؟

قال الشيخ المفضال أحمد زاهر في “قياس الأولى وأثره في فهم صفات الله بين الأشاعرة وابن تيمية (ص: 141)”: وبعد: فهذه وقفات نقدية مع ابن تيمية حول ما ذكره في هذا الباب، فقد زعم أنه لا يستدل في مباحث العقائد الإلهية بقياس تمثيل ولا شمول لأنهما لا يوصلان إلى اليقين، ولهذا لما سلك طريقتهما طوائف من المتفلسفة والمتكلمة تناقضت أدلتهم وصاروا إلى الحيرة والاضطراب، لما يرونه من تكافؤ الأدلة أو فسادها، حتى إن أفضل المتأخرين في المنطق يقول على فراش الموت: أموت ولا أعلم هل العالم حادث أو قديم؟ وقد كرر ابن تيمية هذا المعنى مراراً.

1ـ أنه زعم أن قياس الأولى قد يكون تمثيلياً وقد يكون شمولياً، فهو إذاً قسم منهما وفرد من أفرادهما، لا قسيم لهما، إذ القسيم مباين للقسيم. ولذا فيتوجه إلى قياس الأولى ما وجهه هو نفسه إليهما من انتقادات.

وقد ذكر د. عبد الله الملا أن قياس الأولى صورة من صور قياس الغائب على الشاهد يعود في الحقيقة إليه، سواء أكان قياس تمثيل أو شمول، ثم يورد كلام ابن تيمية في أول (الدرء)، ثم يقول: فقول ابن تيمية:” سواء كان تمثيلاً أو شمولاً” يدل دلالة واضحة على أن أصل هذا القياس يعود إلى هذين النوعين. ا. هـ (1)

أقول: ويدل على هذا أيضاً قوله: (ثم القياس تارة يعتبر فيه القدر المشترك من غير اعتبار الأولوية، وتارة يعتبر فيه الأولوية فيؤلف على وجه قياس الأولى، وهو وإن كان قد يجعل نوعاً من قياس الشمول والتمثيل فله خاصة يمتاز بها عن سائر الأنواع، وهو أن يكون الحكم المطلوب أولى بالثبوت من الصورة المذكورة في الدليل الدال عليه) (2).

وقوله: (بل يستعملون من هذا وهذا ـ أي: قياس الشمول والتمثيل ـ قياس الأولى، فإن الله له المثل الأعلى) (3).

وقد نبه العلامة الظواهري إلى رجوع دليل الكمال إلى قياس الغائب على الشاهد، وكذلك شيخنا العلامة مصطفى عمران، و شيخنا العلامة القوصي قائلاً: (فما دامت المسألة قد أنيطت بالعقل فلسنا نتصور الكمال إلا بما نعرفه في الشاهد، ولا نتصور النقصان إلا بما نعرفه أيضاً في الشاهد، ثم نقيس الغائب عليهما بعدئذ) (4).

__________

(1) ـ الدرء ج1 ص 29ـ 30. وانظر: التفتازاني وموقفه من الإلهيات ج1 ص 327ـ 328.

(2) ـ شرح الأصفهانية ص 49.

(3) ـ الدرء ج 7 ص 323.

(4) انظر: التحقيق التام ص 68، الاقتصاد بتحقيق شيخنا مصطفى ج2 ص، هوامش على النظامية ص 226.

***********************************

2ـ ثم إن قياسه الأولوي يعتمد على قياس التمثيل اعتماداً مباشراً تاماً، لا سيما أنه ذكر أنه لا يمكن معرفة الغائب إلا بالقياس على الشاهد، ولذا جعل الكمال الموجود في الشاهد أصلاً يثبت به الكمال للغائب ولو لم ترد به النصوص، وإن كان يتوقف في مجرد الإطلاق لعدم الورود.

وقد خطا بذلك خطوات جريئة نحو الاستدلال العقلي، وتجرأ على القول بأشياء لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته ولا السلف الصالح.

يقول شيخنا العلامة الأستاذ الدكتور محمد عبد الفضيل القوصي حفظه الله: (أما ابن تيمية فإنه يعول على معيار الكمال والنقص تعويلاً كبيراً، ويفرد له مؤلفاً خاصاً بعنوان (الرسالة الأكملية) (1)، وفي سبيل ذلك لا يرتضي الاقتصار على الدليل السمعي في إثبات ما يثبت لله تعالى من صفات، وهذه نتيجة جد خطيرة تتصادم مع ادعاء السلفية، وهو أيضاً يستخدم هذا المعيار العقلي في إثبات ما يسميه الصفات الاختيارية أو ما يسميه الأشاعرة قيام الحوادث بذاته تعالى) (2).

3ـ أنه حين أبان عن مقصده من قياس الأولى ظهر أنه دليل الكمال نفسه، وقد كانت قاعدة القياس في ذلك كلية: (كل ما ثبت للمخلوق من كمال لا نقص فيه فالخالق به أولى)، ولذلك نوجه إلى قاعدته الكلية الطعون عينها التي طالما وجهها إلى المقدمة والقاعدة الكلية التي يشتمل عليها قياس الشمول …

وبهذه المعارضة التي لا مناص منها يسقط رفض ابن تيمية لقياس الشمول ويبطل نقده للقضية الكلية فيها، وإلا فليتخل عن دليل الكمال أيضاً، وما هو بفاعل ..

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/417011478412880

__________

(1) – الفتاوى ج 6ص68

(2) – انظر: هوامشه الماتعة على الاقتصاد في الاعتقاد ص43

————————————

[2] هل صحيح ما زعمه ابن تيمية من أنه لا يستدل في مباحث العقائد الإلهية بقياس التمثيل ولا بقياس الشمول لأنهما لا يوصلان إلى اليقين؟

4ـ استناده في معرض الاستدلال على حقية دليل الكمال إلى استعمال الإمام أحمد بن حنبل وغيره مثل هذا الطريق لا نسلمه، ودعواه أنها طريقة القرآن القرآن دعوى عريضة نعارضها بدعوى المتكلمين الذين يخالفونه أن قياسهم الشمولي مستمد من القرآن، والأمثلة حاضرة وعديدة، ويكفي أن نذكر ما دبجته براعة الإمام الغزالي في (القسطاس المستقيم) في تفصيل تلك الأقيسة وبيانها وأمثلتها من القرآن.

5ـ أنى يصح الاعتماد على معيار الكمال والنقص، وابن تيمية نفسه يزعم أن لفظ النقص لفظ مجمل (1)، وأن بعضهم يدعي النقص فيما ليس بنقص كمن نفى الأفعال الاختيارية القائمة به لئلا يكون قبل وجود الحادث منها ناقصاً، فيكون قد وصفه بالنقص التام فراراً بزعمه مما يظنه نقصاً، وحينما أراد الجواب على حجة الأشاعرة في نفي حلول الحوادث بذاته تعالى الذي يسميه ابن تيمية (مسألة الأفعال الاختيارية القائمة بذات الله تعالى) التي ذكروا فيها أن هذه الأفعال التي تقوم به بعد أن لم تكن قائمة به: إن كانت صفة كمال كان عدمها قبل حدوثها نقصاً، وإن كانت صفة نقص لزم اتصافه تعالى بالنقص، والله منزه عن ذلك. حينما أراد الجواب عن هذه الحجة كان من بين أجوبته قوله: (ما تعني بقولك: عدم ذلك نقص؟ أتعني به أن ذاته ناقصة وأنها ليست متصفة بصفات الكمال الواجبة لها؟ أم تعني به عدم ما سيوجد لها؟ أما الأول فباطل، وأما الثاني فلم قلت: إن هذا ممتنع؟) انتهى كلامه.

وانظر كيف جعل الكلام البين مجملاً يحتاج إلى توضيح وتفسير؟ وكيف شقق الكلام فيما لا يحتمل ذلك؟

__________

(1) – الدرء ج4 ص14.

*********************************

6ـ لقد حاول ابن تيمية دفع الاعتراض الموجه إليه في الكمالات المتعاقبة ولزوم النقص على ذلك، فلم يسلم أن مطلق الخلو عن صفة الكمال نقص، وادعى أنه إنما يكون نقصاً لو لم يكن حال الخلو متصفاً بكمال آخر يكون زوال الذي قبله شرطاً لحدوثه، وذلك بأن يتصف دائماً بنوع كمال يتعاقب أفراده بغير بداية ونهاية، ويكون حصول كمال لا حق مشروطاً بزوال السابق، والخلو عن كل فرد يكون شرطاً لحصول كمال آخر واستمرار كمالات غير متناهية فلا يكون نقصاً. وهي شبهة كرامية قديمة (1).

ولكن هذه المحاولة منه لم تجده شيئاً، فإنها مبينة على جواز التسلسل في الماضي وهو ممنوع محال، وعلى فرض التسليم بصحته فلا تغني المحاولة شيئاً، لأننا اتفقنا على اشتراط أن يكون الكمال الذي يتصف به كمالاً مطلقاً لا نقص فيه بوجه من الوجوه وأكد ذلك ابن تيمية مراراً، وهذه المحاولة من ابن تيمية تنافي ذلك وتناقضه وتعود بنا إلى القول بنسبية الكمال والنقص، لأن الكمال المعين المشروط بزوال كمال سابق عليه كان قبل زوال الكمال اللاحق عليه نقصاً، ولذا لم يتصف الله به، إذ لو كان كمالاً لاتصف الله به، لأن ما جاز عليه من الكمال وجب له، كما يقول ابن تيمية، فكيف إذاً يصح وصف الله تعالى بكمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه وقد كان هذا الكمال من قبل نقصاً؟! (2)

7 – ادعى ابن تيمية “أن النفي ليس فيه مدح ولا كمال إلا …..انتظره

__________

(1) – شرح المقاصدج2 ص71.

(2) 1ـ أقول: بعد كتابة ما تقدم اطلعت على حاشية للعلامة حسن الجلبي الفناري على شرح المواقف (ج8 ص38 ط دار الكتب العلمية) تشير إلى ما ذكرته فحمدت الله على موافقة كلام أهل العلم فلتراجع، وينظر المواقف وشرحه وحاشية الفناري ج8 ص39_ 40 لزاماً حول الكمالات المتعاقبة ومنافاتها لبرهان التطبيق.
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/417020238412004/

السابق
[1] تعليق لطيف على كلامٍ للعلامة محمد بخيت المطيعي في حاشيته على شرح المنهاج الأصولي، يتعلق بمسألة التسلسل في القدم والتسلسل في المستقبل. وبعض ما دار فيهما. للعلامة د.سعيد فودة
التالي
ردّا على نقطة من بحر جهالات المُسَمَّى حسام حمايدة في ردّه المزعوم على أهل السُّنة (منقول)