تنزيه الله عن المكان والجهة والحيز

“الصفة أصلها معلوم وكيفيتها مجهولة” (منقول)

“الصفة أصلها معلوم وكيفيتها مجهولة”

الكيفية المجهولة عندنا أهل السنة والجماعة (الماتريدية والأشاعرة) هي الماهية ماهية الصفة نفسها وكنهها.

والكيفية المجهولة عند المشبهة والمجسمة (الكرامية والوهابية) هي الهيئة والصورة والشكل والتي لا تكون إلا مع الجسم المتحيز في جهة المتمكن في مكان لعدم استغناء كل منهما عن الآخر وافتقار كل منهما للآخر.

← ونحن نثبت لله تعالى وجودا بلا تحيز في جهة ولا تمكن في مكان لغناه المطلق عن كل شيء فلو كان متحيزا في جهة لكان مفتقرا في وجوده للجهة والحيز لا يكون وجوده بدونهما والله تعالى هو القائم بذاته الغني عن كل شيء المستغني في وجوده عن الموجِد وعن أسباب الوجود فهو مسبب الأسباب وخالقها وموجدها من العدم.

فهو خالق وموجد الحيز والمكان وخالق وموجد الجهات.

وجوده قبل الحيز وقبل الجهة وقبل المكان وقبل كل شيء .. “كان الله قبل كل شيء” ، “كان الله ولم يكن شيء قبله” ، “كان الله ولا شيء غيره” ، “كان الله وليس شيء غيره”.

ومن كان في وجوده كذلك كان بحق: {لَیۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَیۡءࣱۖ} [سُورَةُ الشُّورَىٰ: ١١].

ولما كان الله سبحانه وتعالى كذلك كان منزها عن الجسم وعن التحيز في الجهة وفي المكان.

وكان لذلك منزها (في ذاته وصفاته) عن الكيفية من الهيئة والصورة والشكل لعدم انفكاكها عن الجسم.

ولذلك فنحن نثبت لله تعالى صفات الكمال الثابتة له عقلا وسمعا وننفي عنها الكيفية التي لا تنفك عن الجسم من هيئة وصورة وشكل.

فنثبت لله تعالى صفة الحياة سمعا لورود النص وعقلا لأن فقدانها نقص ولأن الله تعالى متصف بالعلم والقدرة ومن كان متصفا بذلك وجب أن يكون متصفا بالحياة ولابد.

ومع إثبات هذه الصفة ننفي عنها الكيفية التي لا تنفك عن الجسم من معنى الحس والقابلية للحركة والنمو وغير ذلك من مظاهر الحياة الذهنية فحياته سبحانه وتعالى صفة ذاتية قائمة بذاته توجب صحة اتصافه بالعلم بلا ارتباط بالروح التي بانعدامها يكون الموت وبلا كيفية من حس ولمس وحركة ونمو وغيرها من ظواهر الحياة في الأجسام فهو الغني في حياته (كذاته وسائر صفاته) عن الافتقار إلى الحركة والحس واللمس والنمو وغيرها من الهيئات لتثبت له الحياة.

فهو الغني عن كل شيء لا يفتقر في تحقق أي صفة من صفاته إلى شيء كما لا يفتقر في وجود ذاته إلى شيء {سُبۡحَـٰنَهُۥۖ هُوَ ٱلۡغَنِیُّۖ لَهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۚ إِنۡ عِندَكُم مِّن سُلۡطَـٰنِۭ بِهَـٰذَاۤۚ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} [سُورَةُ يُونُسَ: ٦٨].

ثم حياته عز وجل بعد ذلك كيف هي أي ماهيتها وكنهها فمجهولة لنا كذاته عز وجل جلاله.

وقل هذا في سائر صفاته.

فنثبت له صفة البصر وننفي عنه الكيفية التي لا تنفك عن الجسم من انطباع صورة المرئي في حدقة العين فبصره سبحانه وتعالى إدراك للمرئي بلا آلة إبصار فهو الغني في بصره (كذاته وسائر صفاته) عن الافتقار إلى الآلة فهو الغني عن كل شيء لا يفتقر في تحقق أي صفة من صفاته إلى شيء كما لا يفتقر في وجود ذاته إلى شيء.

{سُبۡحَـٰنَهُۥۖ هُوَ ٱلۡغَنِیُّۖ لَهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۚ إِنۡ عِندَكُم مِّن سُلۡطَـٰنِۭ بِهَـٰذَاۤۚ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} [سُورَةُ يُونُسَ: ٦٨].

وبصره عز وجل بعد ذلك كيف هو أي ماهيته وكنهه فمجهولة لنا كذاته عز وجل جلاله.

ونثبت لله تعالى صفة اليد كما أخبر عز وجل عن نفسه بقوله: {قَالَ یَـٰۤإِبۡلِیسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسۡجُدَ لِمَا خَلَقۡتُ بِیَدَیَّۖ أَسۡتَكۡبَرۡتَ أَمۡ كُنتَ مِنَ ٱلۡعَالِینَ}
[سُورَةُ صٓ: ٧٥].

وننفي عنها كونها آلة الإمساك والجارحة المعهودة المفتقرة في وجودها للحيز من الفراغ والمفتقرة في وجودها للاتحاد مع سائر الأجزاء والأعضاء والأبعاض من اليد الأخرى ومن الساق ومن الأصابع ومن الوجه ومن العين ومن الجنب ومن الحقو لتكتمل ذات الله.

فهو الغني عن الافتقار إلى الآلة وما تستلزمه من الافتقار إلى الحيز من الفراغ والمكان الذي تشغله من الفراغ فهو الغني عن كل شيء لا يفتقر في تحقق أي صفة من صفاته إلى شيء كما لا يفتقر في وجود ذاته إلى شيء.

وهو الواحد الأحد الذي لا يتجزأ فهو الغني عن أن يحتاج جزء منه إلى جزء آخر وهو الغني في كمال ذاته عن أن يكمل كل جزء منه الجزء الآخر ليتحقق كمال ذاته.

{سُبۡحَـٰنَهُۥۖ هُوَ ٱلۡغَنِیُّۖ لَهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۚ إِنۡ عِندَكُم مِّن سُلۡطَـٰنِۭ بِهَـٰذَاۤۚ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} [سُورَةُ يُونُسَ: ٦٨].

← أما المشبهة والمجسمة (الكرامية والوهابية):

فالصفات عندهم مرتبطة في أذهانهم بالكيفيات الحسية الذهنية التي لا تنفك عن الأجسام لأنه ما من موجود إلا وهو كذلك فوقعوا في أوحال التشبيه وشناعة لوازم التجسيم.

فحياته عز وجل حياة قابلية للحركة وقابلية للمس والحس بما يلامسه صاحبها ثم هذه الحركة صورتها وهيأتها وشكلها مجهولة لهم بمعنى هل هي سريعة أم بطيئة أم متفاوتة وهل هي بالجري أم بالقفز أم بغير ذلك ..الخ. تعالى الله عن افتقاره واحتياجه لذلك علوا كبيرا.

وبصره عندهم بصر عين ثم هذه العين كيف شكلها وهيئتها وصورتها مجهولة عندهم بمعنى هل هي واسعة أم ضيقة أم تتسع تارة وتارة تضيق وهل لها لون واحد محدد أم عدة ألوان أم هي شفافة لا لون لها ..الخ. تعالى الله عن افتقاره واحتياجه لذلك علوا كبيرا.

وخلقه لسيدنا آدم عليه السلام عندهم باليد التي هي آلة الإمساك واللمس والإحساس بالملموسات ثم هذه اليد كيف شكلها وهيئتها وصورتها مجهولة عندهم بمعنى هل هي عريضة أم نحيفة أم تتمدد تارة وتارة تنحف وهل هي طويلة أم قصيرة وهل لها لون واحد محدد أم عدة ألوان أم هي شفافة لا لون لها ..الخ. تعالى الله عن افتقاره واحتياجه لذلك علوا كبيرا.

وهذا عندهم معنى قولهم الصفة أصلها معلوم وكيفيتها مجهولة.

أما نحن فنثبت الصفات صفات معنوية على المعنى الذي أراده الله سبحانه وتعالى ونفوض معناها لله تعالى أو نؤوله على معنى تحتمله اللغة ويليق بجلاله تعالى وفي الحالتين (حال التفويض والتأويل) ننفي عن الله تعالى وصفاته الكيفيات الحسية التي لا تكون إلا للأجسام من الهيئة والصورة والشكل فهو الغني عن الهيئة والصورة والشكل واللون والحركة والسكون وعن التحيز والتمكن والحلول وعن كل شيء {سُبۡحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا یَصِفُونَ} [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: ١٥٩] ، {سُبۡحَـٰنَهُۥ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا یَقُولُونَ عُلُوࣰّا كَبِیرࣰا} [سُورَةُ الإِسۡرَاءِ: ٤٣].

“اﻟﻠﻬُﻢَّ ﺃَﻧْﺖَ اﻷﻭﻝ ﻓَﻠَﻴْﺲَ ﻗَﺒْﻠَﻚَ ﺷَﻲْءٌ، ﻭﺃﻧﺖ اﻵْﺧِﺮُ ﻓَﻠَﻴْﺲَ ﺑَﻌْﺪَﻙَ ﺷَﻲْءٌ، ﻭَﺃَﻧْﺖَ اﻟﻈَّﺎﻫِﺮُ ﻓَﻠَﻴْﺲَ ﻓَﻮْﻗَﻚَ ﺷَﻲْءٌ، ﻭَﺃَﻧْﺖَ اﻟْﺒَﺎﻃِﻦُ ﻓَﻠَﻴْﺲَ ﺩُﻭﻧَﻚَ ﺷَﻲْءٌ”.

فالحمد لله الذي جعلنا من أهل السنة والجماعة (الماتريدية والأشاعرة) أهل التنزيه والتعظيم ولم يجعلنا من أهل البدعة والشناعة (الكرامية والوهابية) أهل التشبيه والتجسيم.

وآخر دعوانا: {ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِی هَدَىٰنَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِیَ لَوۡلَاۤ أَنۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُۖ } [سُورَةُ الأَعۡرَافِ: ٤٣]

السابق
عقيدة السادة المالكية عقيدة التنزيه تنسف عقيدة المتسلفة نسفا/ الإمام مكي تلميذ الإمام ابن ابي زيد القيرواني (منقول)
التالي
مسألة النص والظاهر والفرق بينهما