مقالات في صفة الكلام لله

الدرس الثلاثون/القرآن كلام الله (منقول)

الدرس الثلاثون
القرآن كلام الله
اعتقدْ أيها المكلف تنزه القرآن ـ بمعنى كلامه تعالى ـ عن الحدوث، خلافاً للمعتزلة القائلين به، زعما منهم أن لوازمه الحروف والأصوات وذلك مستحيل عليه تعالى. فكلامه سبحانه ـ عـنـدهـم ـ مخلوق، وأن الله تعالى خلقه في بعض الأجرام. ومذهب أهـل السنة: أن القـرآن الكـريـم ـ بمعنى الكلام النفسي ـ لـيس بمخلوق، وأمـا القـرآن ـ بمعنى اللفظ الذي نقرؤه ـ فهو مخلوق. لكنه يمتنع أن يقال: القـرآن مـخلـوق، ويراد به اللفظ الذي نقرؤه إلا في مقام التعليم، لأنه ربما أوهـم أن القرآن . ـ بمعنى الكلام النفسي ـ مخلـوق. ولذلك امتنعت الأئمة عن القول بخلق القرآن، وقد وقع في ذلك امتحان كبير لخلق كثير من أهل السنة. فقد خرج البخاري ه فاراً، وقال: اللهم اقبضني إليك غير مفتون، فرات بعد

أربعة أيام.

وقد سجن عيسى بن دينار عشرين سنة . وسئل الشعبي ﷺ فقال: أمـا التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، فهـذه الأربعـة ـ وأشار إلى أصابعه ـ حادثة. فكانت سبب نجاته. وقد اشتهرت عن الشافعي * أيضاً. وحبس الإمام أحمد، وضرب بالسياط حتى غشي عليه، ويذكر أن النبي ﷺ قال للإمام الشافعي في الرؤيا: بشر أحمد بالجنة على بلوى تصيبه في خلق القرآن . فأرسل الشافعي لأحمـد كـتاباً ببغداد يخبره فيه برؤياه، فلا قرأه أحمد بكي، ودفع للرسول قميصه الذي يلي جسده، وكان عليه قميصان، فلا دفع للشافعي غسله وادهن بهائه.

و لمـا كـان الأكثر إطلاق القرآن على اللفظ المقروء دفع توهم ذلك بتفسيره بكلامه تعالى. والمراد تنزيه القرآن، من حيث هو كلامه النفسي الأزلي فليس مخلوقاً بل هو صفة ذاته العلية.

النصوص الدالة على الحدوث، سواء وردت في القرآن الكـريـم أو في السنة، من مثل قوله تعالى: «إنا أنزلناه في ليلة القدر». وقوله: « إنا نحن نزلنا الذكر ﴾ [الحجر: 9]. فـكـل نـص دل ظاهره على حدوث القرآن يحمل على اللفظ المنزل على نبينا ﷺﷺ
الدالة على الحدوث، سواء وردت في القرآن الكـريـم أو في السنة، من مثل قوله تعالى: «إنا أنزلته في ليلة القدر» . وقوله: « إنا نحن نزلنا الذكر ﴾ [الحجر: 9]. فكـل نـص دل ظاهره على حدوث القرآن يحمل على اللفظ المنزل على نبينا ﷺ أي على القرآن بمعنى اللفظ، لا بمعنى الكلام الذي هو المعنى النفسي الأزلي القائم بذاته تعالى، واللفظ المنزل هو اللفظ المتعبد بتلاوته، المتحدى بأقصر سورة

ومعنى المتعبد بتلاوته: أن مـن خصائص هذا الكتاب الكريم، أن مجرد قراءته تكسب القارئ أجراً ومثوبة من الله تعالى، وأن ذلك يعتبر نوعاً من العبادة المشروعة، وأن الصلاة لا تصح إلا بقراء شي منه. وهو الذي خلقه الله تعالى أولاً في اللوح المحفوظ، ثم أنزله في صحائف إلى سماء الدنيا في محل يقال له: بيت العزة، في ليلة القدر. كا قال تعالى: «إنّا أنزلناه في ليلة القدر». وقال: « بل هو قرءان مجيد في لوح محفوظ* [البروج ۲۱ – ۲۲
ثم أنزله على النبي ﷺ مفرقاً بحسب الوقائع کا قال: « نزل به الروح الأمين على قلبك ﴾ [الشعراء: ١٩٣- ١٩٤] .
فكـل نـص دل على الحدوث يحمل على القرآن بمعنى اللفظ المقروء الدال على الصفة القديمة القائمة بذاته تعالى بطريق الالتزام، لكن يمتنع أن يقال: القرآن مخلوق إلا في مقام التعليم.

السابق
وَرِزقُكَ لَيسَ يُنقِصُهُ التَأَنّي
التالي
الدرس التاسع والعشرون/ الحكمة من إنزال المتشابه (منقول)