المحكم والمتشابه

الدرس الثامن والعشرون/ تابع أمثلة على الآيات المتشابهة (قول اللقاني والغزالي والبيضاوي وابن كثير/ منقول)

الدرس الثامن والعشرون
تابع أمثلة على الآيات المتشابهة
قال الشيخ زيـن الـدين قاسم الحنفي: وقالت الشافعية: الاستواء على العرش صفة الله تعالى بلا كيفية، وكذلك . المتشابهات، وقال مشايخنا: * (الرحمن على العرش
أستوى ﴾ [طه: 5]. لا يعلم تأويله إلا الله، وكذلك المتشابهات”. وحكى التكساري وغيره: أن سلفنا قالوا في جملة المتشابه: نؤمن به ونفوض تأويله إلى الله تعالى، مع تنزيهه عما يوجب التشبيه والحدوث. وقال ابن الجوزي في زاد المسير: أجمع السلف على ألا يزيدوا على تلاوة الآية، فلا يقولون: مستو على العرش، لأن اسم الفاعل يدل على كون المشتق متمكناً ومستقراً، بخلاف لفظ الفعل، إذ دلالته على هذا المعنى ضعيفة، ولا يبدلون لفظة (على) بلفظة (فوق). وقال العيني: ثم إن الجمهور سلكوا في هذا الباب الطريقة الواضحة السالمة، وأجروا عـلى مـا ورد مؤمنين به، منزهين الله تعالى عن التشبيه والكيفية، وهم الزهري، والأوزاعي، وابن المبارك، ومكحول، وسفيان الثوري، ومنهم الأئمة الأربعة: مالك، وأبو حنيفة والشافعي، وأحمد”). وقال القرطبي: إن مـذهب السلف تـرك التعـرض لـتأويلها، أي الآيـات المتشابهات، مع قطعهم باستحالة ظواهرها، فيقولون: أمروها كما جاءت . وقال الإمام فخر الرازي موضحاً مذهب السلف: حاصل هذا المذهب أن هذه المتشابهات يجب القطـع فيها بأن مراد الله تعالى منها شيء غير ظواهرها، ثم يجب تفويض معناها إلى الله تعالى، ولا يجوز الخوض في تفسيرها .

قال العلامة اللقاني: فالسلف ينزهونه سبحانه عـا يـوهمه ذلك الظاهر من المعنى المحال، ويفوضون علم حقيقته على التفصيل إليه تعالى، مع اعتقاد أن هذه النصوص من عنده سبحانه، فظهر ما قررنا: اتفاق السلف والخلف على تنزيه الله سبحانه عن المعنى المحال، وعلى الإيمان بأنه من عند الله. وقال صاحب الخريدة: …وأجاب أئمتنا، أي سلفهم: بأن الله تعالى منزه عن صفات الحوادث، مع تفويض معاني هذه النصوص إليه تعالى إيثاراً للطريق

الأسلم: «وما يعلم تأويله إلا الله ) .

وقال الإمام البيضاوي في تفسيره: … وعن أصحابنا أن الاستواء على العرش صفة لله تعالى بلا كيف، والمعنى أن الله تعالى استوى على العرش على الوجه الذي عناه منزهاً عن الاستقرار والتمكين.

ولكي ينقض آخر حجر في بناء المشبهة والمجسمة وأصحاب الأهواء والبدع

الضالة، ولكي لا تبقى شبهة في خاطر ضعيف، ولأجل أن تبقى شمس الحقيقة بازغـة تـذيـب كـل وسوسة شيطان، وتحرق كـل زخـرف قـول، لـكـل هـذا نـورد ختاماً ـ قول ابن كثير عند قوله تعالى: « ثم استوى على العرش ﴾ [الأعراف: ٥٤]. قال: فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جداً، ليس هذا موضع بسطها، وإنا نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح: مالك والأوزاعي والثوري، والليث ابن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم من أئمة المسلمين قديماً وحديثاً، وهـو إمـرارها كما جاءت من غير تكييف، ولا تشبيه، ولا تعطيل، والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله تعالى، فإن الله لا يشبه أحدا من خلقه: ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
. حقيقة مذهب السلف: وقد جمع الإمام الغزالي في كتابه [إلجام العوام] نقاطاً لخص بها مذهب السلف فقال: وحقيقة مذهب السلف، وهو الحق عندنا أن كل من بلغه حديث من هذه الأحاديث ـ أي المتشابهة ـ من عوام الخلق يجب عليه أمور: أولاً ـ التقديس: وهو تنزيه الرب تعالى عن الجسمية وتوابعها.
ثانياً ـ التصديق: وهـو الإيـمان بمـا قاله ﷺ، وأن ما ذكره حق، وهو فيها قاله صادق، فإنه حق على الوجه الذي قاله وأراده.
ثالثاً ـ الاعتراف بالعجز : وهو أن يقرر بأن معرفة مراده ليس على قدر طاقته، وأن ذلك ليس من شأنه وحرفته.

رابعاً ـ السكوت: وهـو أن لا يسأل عـن معـناه، ولا يخوض فيه، ويعلـم أن سؤاله عنه بدعة، وأنه في خوضه فيه مخاطر بدينه، وأنه يوشك أن يكفر لو خاض.

خامساً ـ الإمساك: وهو أن لا يتصرف في تلك الألفاظ بالتصريف والتبديل بلغة أخرى أو الزيادة فيه، والنقصان منه، والجمع والتفريق، بـل لا ينطق إلا
بذلك اللفظ، وعلى ذلك الوجه من الإيراد والإعراب، والتصريف، والصيغة.
سادسا ـ الكف: وهو أن يكف باطنه عن التصرف فيه)

السابق
الدرس السابع والعشرون/ تابع أمثلة على الآيات المتشابهة (الاتيان والمجيء والنزول والصورة، ومذهب السلف والخلف في ذلك/ منقول)
التالي
” حلمٌ لغويٌّ في سجونِ الأسدِ” (محمد علي النجار)