صفة الاستواء

نصوص مفسري السلف والخلف والمتقدمين والمتأخرين والمعاصرين في آية الاستواء: {استوى على العرش} [الأعراف:54]/ج1

البحر المحيط لأبي حيان:

وأمّا استواؤه على العرش فحمله على ظاهره من الاستقرار بذاته على العرش قوم والجمهور من السّلف السّفيانان ومالك والأوزاعيّ واللّيث وابن المبارك وغيرهم في أحاديث الصّفات على الإيمان بها وإمرارها على ما أراد اللّه تعالى من غير تعيين مراد وقوم تأوّلوا ذلك على عدّة تأويلات. وقال سفيان الثّوريّ فعل فعلا في العرش سمّاه استواء وعن أبي الفضل بن النّحويّ أنّه قال العرش مصدر عرش يعرش عرشا والمراد بالعرش في قوله ثمّ استوى على العرش هذا وهذا ينبو عنه ما تقرّر في الشّريعة من أنّه جسم مخلوق معيّن ومسألة الاستواء مذكورة في علم أصول الدّين وقد أمعن في تقرير ما يمكن تقريره فيها القفال وأبو عبد اللّه الرّازيّ وذكر ذلك في التّحرير فيطالع هناك ولفظة العرش مشتركة بين معان كثيرة فالعرش سرير الملك ومنه ورفع أبويه على العرش نكّروا لها عرشها والعرش السّقف وكلّ ما علا وأظلّ فهو عرش والعرش الملك والسّلطان والعزّ، وقال زهير:

تداركتما عبسا وقد ثلّ عرشها … وذبيان إذ زلّت بأقدامها النّعل

وقال آخر:

إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم … بعتيبة بن الحارث بن شهاب

والعرش الخشب الّذي يطوى به البئر بعد أن يطوى أسفلها بالحجارة والعرش أربعة كواكب صغار أسفل من العواء يقال لها: عجز الأسد ويسمّى عرش السّماك والعرش ما يلاقي ظهر القدم وفيه الأصابع واستوى أيضا يستعمل بمعنى استقرّ وبمعنى علا وبمعنى قصد وبمعنى ساوى وبمعنى تساوى وقيل بمعنى استولى وأنشدوا:

هما استويا بفضلهما جميعا … على عرش الملوك بغير زور

وقال ابن الأعرابيّ لا نعرف استوى بمعنى استولى والضّمير في قوله ثمّ استوى على العرش يحتمل أن يعود على المصدر الّذي دلّ عليه خلق ثمّ استوى خلقه على العرش وكذلك في قوله الرّحمن على العرش استوى «1» لا يتعيّن حمل الضّمير في قوله استوى على الرّحمن إذ يحتمل أن يكون الرّحمن خبر مبتدأ محذوف والضّمير في استوى عائد على الخلق المفهوم من قوله تنزيلا ممّن خلق الأرض والسّماوات العلى «2» أي هو الرّحمن استوى خلقه على العرش لأنّه تعالى لمّا ذكر خلق السموات والأرض ذكر خلق ما هو أكبر وأعظم وأوسع من

السموات والأرض ومع الاحتمال في العرش وفي استوى وفي الضّمير العائد لا يتعيّن حمل الآية على ظاهرها هذا مع الدّلائل العقليّة الّتي أقاموها على استحالة ذلك. وقال الحسن استوى أمره وسأل مالك بن أنس رجل عن هذه الآية فقال: كيف استوى فأطرق رأسه مليّا وعلته الرّحضاء ثمّ قال: الاستواء معلوم والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسّؤال عنه بدعة وما أظنّك إلّا ضالّا ثمّ أمر به فأخرج.

الكتاب: البحر المحيط في التفسير

المؤلف: أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي (المتوفى: 745هـ)

المحقق: صدقي محمد جميل

الناشر: دار الفكر – بيروت

الطبعة: 1420 هـ

ج5

ص66

البحر المديد لابن عجيبة:

ثمّ استوى على العرش استواء يليق به، والعرش: جسم عظيم محيط بالأكوان. سمي به لارتفاعه، وللتشبيه بسرير الملك، فالأكوان في جوفه ممحوقة فقد استولى عليها ومحقها، كذلك أسرار معاني الربوبية الأزلية قد استولت عليه ومحقته، فيمكن أن يكون الحق تعالى عبّر بالاستواء عن هذا الاستيلاء، وسيأتي في الإشارة تمامه إن شاء الله.

وقال القشيري: ثم استوى على العرش، أي: توحّد بجلال الكبرياء بوصف الملكوت، وملوكنا إذا أرادوا التجلّي والظهور للحشم والرعية برزوا لهم على سرير ملكهم في إيوان مشاهدتهم. فأخبر الحقّ- سبحانه وتعالى- بما يقرب من فهم الخلق، بما ألقى إليهم من هذه الكلمات، بأنه استوى على العرش، ومعناه: اتصافه بعز الصمدية وجلال الأحدية، وانفراده بنعت الجبروت وجلاء الربوبية، وتقدّس الجبّار عن الأقطار، والمعبود عن الحدود. هـ.

الكتاب: البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

المؤلف: أبو العباس أحمد بن محمد بن المهدي بن عجيبة الحسني الأنجري الفاسي الصوفي (المتوفى: 1224هـ)

المحقق: أحمد عبد الله القرشي رسلان

الناشر: الدكتور حسن عباس زكي – القاهرة

الطبعة: 1419 هـ

ج2

ص223

التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور:

والاستواء حقيقته الاعتدال، والّذي يؤخذ من كلام المحقّقين من علماء اللّغة والمفسّرين أنّه حقيقة في الارتفاع والاعتلاء، كما في قوله تعالى في صفة جبريل فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثمّ دنا فتدلّى [النّجم: 6- 8] .

والاستواء له معان متفرّعة عن حقيقته، أشهرها القصد والاعتلاء، وقد التزم هذا اللّفظ في القرآن مسندا إلى ضمير الجلالة عند الإخبار عن أحوال سماويّة، كما في هذا الآية. ونظائرها سبع آيات من القرآن: هنا.

وفي يونس، والرّعد، وطه، والفرقان، وألم

السّجدة، والحديد، وفصّلت. فظهر لي أنّ لهذا الفعل خصوصيّة في كلام العرب كان بسببها أجدر بالدّلالة على المعنى المراد تبليغه مجملا ممّا يليق بصفات اللّه ويقرّب إلى الأفهام من معنى عظمته، ولذلك اختير في هذه الآيات دون غيره من الأفعال الّتي فسّره بها المفسّرون.

فالاستواء يعبّر عن شأن عظيم من شؤون عظمة الخالق تعالى، اختير التّعبير به على طريق الاستعارة والتّمثيل: لأنّ معناه أقرب معاني الموادّ العربيّة إلى المعنى المعبّر عنه من شؤونه تعالى، فإنّ اللّه لمّا أراد تعليم معان من عالم الغيب لم يكن يتأتّى ذلك في اللّغة إلّا بأمثلة معلومة من عالم الشّهادة، فلم يكن بدّ من التّعبير عن المعاني المغيّبة بعبارات تقرّبها ممّا يعبّر به عن عالم الشّهادة، ولذلك يكثر في القرآن ذكر الاستعارات التّمثيليّة والتّخييليّة في مثل هذا.

وقد كان السّلف يتلقّون أمثالها بلا بحث ولا سؤال لأنّهم علموا المقصود الإجماليّ منها فاقتنعوا بالمعنى مجملا، ويسمّون أمثالها بالمتشابهات، ثمّ لمّا ظهر عصر ابتداء البحث كانوا إذا سئلوا عن هذه الآية يقولون: استوى اللّه على العرش ولا نعرف لذلك كيفا، وقد بيّنت أنّ مثل هذا من القسم الثّاني من المتشابه عند قوله تعالى: وأخر متشابهات في سورة آل عمران [7] ، فكانوا يأبون تأويلها. وقد حكى عياض في «المدارك» عن سفيان بن عيينة أنّه قال: سأل رجل مالكا فقال: الرّحمان على العرش استوى. كيف استوى يا أبا عبد اللّه فسكت مالك مليّا حتّى علاه الرّحضاء ثمّ سرّي عنه، فقال: «الاستواء معلوم والكيف غير معقول والسّؤال عن هذا بدعة والإيمان به واجب وإنّي لأظنّك ضالّا» واشتهر هذا عن مالك في روايات كثيرة، وفي بعضها أنّه قال لمن سأله: «وأظنّك رجل سوء أخرجوه عنّي» وأنّه قال

: «والسّؤال عنه بدعة» . وعن سفيان الثّوريّ أنّه سئل عنها: «فقال: فعل اللّه فعلا في العرش سمّاه استواء» . قد تأوّله المتأخّرون من الأشاعرة تأويلات، أحسنها: ما جنح إليه إمام الحرمين أنّ المراد بالاستواء الاستيلاء بقرينة تعديته بحرف على، وأنشدوا على وجه الاستيناس لذلك قول الأخطل:

قد استوى بشر على العراق … بغير سيف ودم مهراق

وأراه بعيدا، لأنّ العرش ما هو إلّا من مخلوقاته فلا وجه للإخبار باستيلائه عليه، مع احتمال أن يكون الأخطل قد انتزعه من هذه الآية، وقد قال أهل اللّغة: إنّ معانيه تختلف باختلاف تعديته بعلى أو بإلى، قال البخاريّ، عن مجاهد: استوى علا على

العرش، وعن أبي العالية: استوى إلى السّماء ارتفع فسوّى خلقهنّ.

وأحسب أنّ استعارته تختلف بقرينة الحرف الّذي يعدّى به فعله، فإن عدّي بحرف (على) كما في هذه الآية ونظائرها فهو مستعار من معنى الاعتلاء، مستعمل في اعتلاء مجازيّ يدلّ على معنى التّمكّن، فيحتمل أنّه أريد منه التّمثيل، وهو تمثيل شأن تصرّفه تعالى بتدبير العوالم، ولذلك نجده بهذا التّركيب في الآيات السّبع واقعا عقب ذكر خلق السّماوات والأرض، فالمعنى حينئذ: خلقها ثمّ هو يدبّر أمورها تدبير الملك أمور مملكته مستويا على عرشه. وممّا يقرّب هذا المعنى

قول النّبيء صلّى الله عليه وسلّم: «يقبض اللّه الأرض ويطوي السّماوات يوم القيامة ثمّ يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض»

. ولذلك أيضا عقب هذا التّركيب في مواقعه كلّها بما فيه معنى التّصرّف كقوله هنا يغشي اللّيل النّهار إلخ، وقوله في سورة يونس [3] : يدبّر الأمر ما من شفيع إلّا من بعد إذنه، وقوله في سورة الرّعد [2] : وسخّر الشّمس والقمر كلّ يجري لأجل مسمّى يدبّر الأمر يفصّل الآيات. وقوله في سورة ألم السّجدة [4، 5] : ما لكم من دونه من وليّ ولا شفيع أفلا تتذكّرون يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض. وكمال هذا

التّمثيل يقتضي أن يكون كلّ جزء من أجزاء الهيئة الممثّلة مشبّها بجزء من أجزاء الهيئة الممثّل بها، فيقتضي أن يكون ثمّة موجود من أجزاء الهيئة الممثّلة مشابها لعرش الملك في العظمة، وكونه مصدر التّدبير والتّصرّف الإلهيّ يفيض على العوالم قوى تدبيرها. وقد دلّت الآثار الصّحيحة من أقوال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام على وجود هذا المخلوق العظيم المسمّى بالعرش كما سنبيّنه.

فأمّا إذا عدّي فعل الاستواء بحرف اللّام فهو مستعار من معنى القصد والتّوجّه إلى معنى تعلّق الإرادة، كما في قوله: ثمّ استوى إلى السّماء [البقرة: 29] . وقد نحا صاحب «الكشّاف» نحوا من هذا المعنى، إلّا أنّه سلك به طريقة الكناية عن الملك: يقولون استوى فلان على العرش يريدون ملك.

والعرش حقيقته الكرسيّ المرتفع الّذي يجلس عليه الملك، قال تعالى: ولها عرش عظيم [النما: 23] وقال: ورفع أبويه على العرش [يوسف: 100] ، وهو في هذه الآية ونظائرها مستعمل جزءا من التّشبيه المركّب، ومن بداعة هذا التّشبيه أن كان كلّ جزء من أجزاء الهيئة المشبّهة مماثلا لجزء من أجزاء الهيئة المشبّه بها، وذلك أكمل التّمثيل في البلاغة العربيّة، كما قدّمته آنفا. وإذ قد كان هذا التّمثيل مقصودا لتقريب شأن من شؤون

عظمة ملك اللّه بحال هيئة من الهيئات المتعارفة، ناسب أن يشتمل على ما هو شعار أعظم المدبّرين للأمور المتعارفة أعني الملوك، وذلك شعار العرش الّذي من حوله تصدر تصرّفات الملك، فإنّ تدبير اللّه لمخلوقاته بأمر التّكوين يكون صدوره بواسطة الملائكة، وقد بيّن القرآن عمل بعضهم مثل جبريل عليه السّلام وملك الموت، وبيّنت السّنّة بعضها:

فذكرت ملك الجبال، وملك الرّياح، والملك الّذي يباشر تكوين الجنين، ويكتب رزقه وأجله وعاقبته، وكذلك أشار القرآن إلى أنّ من الموجودات العلويّة موجودا منوّها به سمّاه العرش ذكره القرآن في آيات كثيرة. ولمّا ذكر خلق السّماوات والأرض وذكر العرش ذكره بما يشعر بأنّه موجود قبل هذا الخلق. وبيّنت السّنّة أنّ العرش أعظم

من السّماوات وما فيهنّ، من ذلك

حديث عمران بن حصين أنّ النّبيء صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان اللّه ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء ثمّ خلق السّماوات والأرض»

وحديث أبي هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال في حديث طويل: «فإذا سألتم اللّه فاسألوه الفردوس فإنّه أوسط الجنّة، وأعلى الجنّة وفوقه عرش الرّحمان ومنه تفجّر أنهار الجنّة»

وقد قيل إنّ العرش هو الكرسيّ وأنّه المراد في قوله تعالى: وسع كرسيّه السّماوات والأرض كما تقدّم الكلام عليه في سورة البقرة [255] .

الكتاب :التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد»

المؤلف : محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى : 1393هـ)

الناشر : الدار التونسية للنشر – تونس

سنة النشر: 1984 هـ

عدد الأجزاء : 30 (والجزء رقم 8 في قسمين)

ج8-ب

ص162-166

التفسير الحديث:

وقد تعددت الأقوال في مداها فممّا قاله البغوي أن المعتزلة أوّلت الاستواء بالاستيلاء وأن أهل السنة قالوا إن الاستواء على العرش سنّة لله تعالى بلا كيف ويجب على المسلم الإيمان به ويكل العلم فيه إلى الله عزّ وجلّ. وروى أن رجلا سأل الإمام مالك بن أنس عن الجملة فأطرق رأسه مليا وعلاه الرجفاء ثم قال له الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة.

وما أظنك إلّا ضالا ثم أمر به فأخرج. ومما قاله ابن كثير إن للناس في هذا الأمر مقالات كثيرة جدا. وإن خير مسلك هو مذهب السلف الصالح مالك والأوزاعي والثوري والليث بن سعد والشافعي وأحمد وغيرهم من أئمة المسلمين قديما وحديثا وهو إمرار الجملة كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه، ولا تعطيل. وأن الظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله تعالى فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه وليس كمثله شيء. وإن بعض الأئمة ومنهم نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري قالوا من شبه الله بخلقه كفر ومن جحد ما وصف الله به نفسه كفر وليس فيما وصف الله به نفسه تشبيه، ومن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة على الوجه الذي يليق بجلال الله ونفى عنه النقائص فقد سلك سبيل الهدى. وهذا يفيد أن من المقالات ما كان يذهب أصحابه إلى أخذ العبارة بظاهرها بدون تأويل ولو أدّى ذلك إلى اعتبار الله تعالى وعرشه مادة وكون الله تعالى يجلس على عرشه كجلوس الملوك على الأسرة والعروش المادية. وروى الطبرسي عن الحسن أن استوى بمعنى استقرّ ملكه واستقام بعد خلقه السموات والأرض. وقال إن ذلك هو على المتعارف من كلام العرب حيث يقولون استوى الملك على عرشه إذا انتظمت أمور مملكته وشلّ عرشه إذا اختلّت. ومما قاله السيد رشيد رضا إن حقيقة الاستواء في اللغة التساوي واستقامة الشيء أو اعتداله. ويستعمل على الأكثر في المجاز فيقال استوى على الدابة وعلى السرير وعلى الفراش ويكون بمعنى التملّك. ثم استطرد إلى القول إن أحدا من أصحاب رسول الله لم يشتبه في معنى استواء الله على العرش على علمهم بتنزّهه سبحانه عن صفات البشر وغيرهم من الخلق إذ كانوا يفهمون أن استواءه على عرشه عبارة عن استقامة أمر ملك السموات

والأرض له وانفراده بتدبيره. وإن عقيدة التنزيه القطعية الثابتة بالنقل والعقل مانعة لكل منهم أن يتوهم أن في التعبير بالاستواء على العرش شبهة تشبيه للخالق بالمخلوق. وفي تفسير القاسمي فصل طويل جدا بلغت صفحاته خمسا وخمسين ولعلّه أطول فصل عقده على أي موضوع. وفي هذا الفصل أقوال ومذاهب مختلف الجماعات والفرق الإسلامية من أهل السنّة والجماعة والسلف الصالح والمعتزلة والمشبّهة والظاهرية. ومناقشات وردود على هؤلاء خاصة منه ومن علماء وأئمة أهل السنّة والجماعة والسلف الصالح الذين يلتزم أقوالهم التي لخصها ابن كثير والبغوي ورشيد رضا وأوردناها قبل قليل بسبيل تفنيد ما يمكن أن تؤدي إليه أقوالهم من مناقضة لما ينبغي أن يكون لله من صفات مبرأة من شوائب الجسمانية والمشابهة لخلقه أو الحلول أو التحديد في جهة ما. واهتم فيما اهتم لتفنيد تفسير المعتزلة لكلمة استوى بمعنى استولى من حيث أن ذلك يؤدي إلى معنى استيلاء الله على عرشه بعد أن لم يكن مستوليا عليه مما هو مناف لأزليته وأزلية صفاته التي منها ملك كل شيء مع أن المتبادر لنا أن مقصودهم هو نفي الاستواء المادي على العرش المادي وصرف الكلمة إلى معنى مجازي. ولا يعقل أن يكونوا أرادوا القول إن الله استولى على العرش بعد أن لم يكن مستوليا عليه بالمعنى الحرفي. وإن من الممكن أن لا تكون ثمّ في مقام الترتيب الزمني ويمكن أن تكون في مقام العطف فيكون معنى الجملة إن الله هو الذي خلق السموات والأرض وإنه استوى على العرش.

ويبدو من الإمعان في ما نقلناه عن البغوي وابن كثير والطبرسي ورشيد رضا واتجاه جمال القاسمي أنهم متساوقون فيما قالوه واستندوا إليه وأن ذلك هو مذهب السلف الصالح وأهل السنّة والجماعة. وملخّصه أن من الواجب الإيمان بما جاء في القرآن والتفويض لعلم الله في ما أراده من التعبير مع تنزيهه عن الحدود والحلول والجسمانية والمشابهة. ونحن نرى في هذا الوجاهة والسداد. وننوّه بخاصة بوجاهة ما ذكره رشيد رضا من أن أحدا من أصحاب رسول الله لم يشتبه في معنى استواء الربّ تعالى على العرش على علمهم بتنزهه سبحانه عن صفات البشر

وغيرهم من الخلق وأنهم كانوا يفهمون أن استواءه تعالى على عرشه عبارة عن استقامة أمر ملك السموات والأرض له وانفراده هو بتدبيره. وإذا كان من شيء يصحّ قوله بالإضافة إلى هو فهو وجوب ملاحظة كون العبارة القرآنية هنا وفي أي مكان آخر في القرآن قد جاءت في معرض التدليل على عظمة الله وشمول قدرته وملكه وتقرير كونه الخالق المدبّر المتصرّف الوحيد فيه واستحقاقه بسبب ذلك وحده للعبادة والخضوع. وإن ما شغله هذا الموضوع من حيز ليس بسبب العبارة ولكن بسبب ما لمح من مساسها بالصفات الإلهية التي كانت من أهم أسباب تعدد المذاهب الكلامية في الإسلام تأثرا بالفلسفة اليونانية التي أخذت تنتشر في القرن الثاني وبعده وأساليبها وبما كان من انقسامات وخلافات سياسية على ما ألمعنا إليه في تعليقنا على موضوع القدر في سياق تفسير سورة (ق) وعلى ما يدلّ عليه عدم انشغال أصحاب رسول الله بهذه المسألة وأمثالها. والله تعالى أعلم.

الكتاب: التفسير الحديث [مرتب حسب ترتيب النزول]

المؤلف: دروزة محمد عزت

الناشر: دار إحياء الكتب العربية – القاهرة

الطبعة: 1383 هـ

ج2

ص413-415

التفسير القرآني للقرآن

وقوله تعالى: «ثمّ استوى على العرش» .. اختلف المفسرون فى العرش وفى صفته، وفى وظيفته.. كما اختلفوا فى الاستواء.. ما هو؟ وكيف يتصور؟

أما العرش، فقد ذكر فى القرآن أكثر من مرة.. مثل قوله تعالى:

«وهو الّذي خلق السّماوات والأرض في ستّة أيّام وكان عرشه على الماء» (7: هود) .

فالعرش هنا موجود قبل خلق السموات والأرض، فكيف يجىء فى الآية السابقة معطوفا على خلق السموات والأرض بحرف العطف «ثم» ؟.

جاء ذكر العرش فى قوله تعالى: «قل من ربّ السّماوات السّبع وربّ العرش العظيم» (86: المؤمنون) وفى قوله سبحانه: «وترى الملائكة حافّين من حول العرش» (75: الزمر) وفى قوله تعالى: «وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد» (15: 16- البروج) .

فالعرش إذن كون من هذه الأكوان التي خلقها الله سبحانه، كما خلق السموات والأرض وغيرهما.. إنه مربوب لربّ الأرباب.

ولكن ما صفة هذا العرش؟ وما وظيفته؟.

جاء فى قوله تعالى عن عرش ملكة سبأ: «قال يا أيّها الملؤا أيّكم يأتيني

بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين»

(38: النمل) وجاء فى قوله سبحانه: «فلمّا جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنّه هو» (42: النمل) .

فالعرش هنا هو مقصورة الملكة، أو مجلس الملك، حيث تتخذ منه الملكة مجلسا تتولّى فيه إدارة ملكها، هى وأعوانها..

فهل العرش الذي خلقه الله هو شىء من هذا القبيل، على بعد بعيد، فيما هو لله، وفيما هو لعباد الله؟

ليس ببعيد أن يكون لهذا الوجود فلك يدور فيه، وأن يكون لهذا الفلك مركز، وأن يكون العرش هو مركز هذا الوجود، وهى جميعها من خلق الله، وفى يد القدرة القادرة..

بقي معنى استواء الله على العرش..

وهذا أمر يتعلق بذات الله، فكما لا يمكن تصور ذاته، لا يمكن تصور أفعاله.. وقد سئل الإمام مالك رضى عنه- عن معنى الاستواء، فقال قولته المشهورة: «الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة» ..

الكتاب: التفسير القرآني للقرآن

المؤلف: عبد الكريم يونس الخطيب (المتوفى: بعد 1390هـ)

الناشر: دار الفكر العربي – القاهرة

ج4

ص413

التفسير المظهري

ثمّ استوى على العرش قال البغوي اولت المعتزلة الاستواء بالاستيلاء واما اهل السنة يقولون الاستواء على العرش صفة لله تعالى بلا كيف يجب على الرجل الايمان به ويكل العلم فيه الى الله عز وجل سأل رجل مالك بن انس عن قوله تعالى الرحمن على العرش استوى كيف استوى فاطرق راسه مليا ثم قال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أظنك الا ضالا ثم امر به فاخرج وروى عن سفيان الثوري والأوزاعي والليث بن سعيد وسفيان بن عيينة وعبد الله وغيرهم من علماء اهل السنة فى هذه الآيات التي جاءت فى الصفات المتشابهة أمروها كما جاءت بلا كيف والعرش فى اللغة سرير الملك وهو جسم عظيم من عظائم المخلوقات كريم على الله

تعالى لاختصاصه بانواع من التجليات ولذا سمى بعرش الرحمن وأضيف اليه تعالى تشريفا وتكريما كما أضيف اليه الكعبة وسمى بيت الله وقد ذكرنا بعض ما ورد فيه من الاخبار فى اية الكرسي فى سورة البقرة

الكتاب: التفسير المظهري

المؤلف: المظهري، محمد ثناء الله

المحقق: غلام نبي التونسي

الناشر: مكتبة الرشدية – الباكستان

الطبعة: 1412 هـ

ج3

ص359

التفسير المنير

استوى في اللغة: استقر، أو قصد أو استولى وملك، والمراد أنه يتصرف فيه بما يريد وقد استوى استواء يليق به العرش لغة: سرير الملك، أو كل شيء له سقف، أو هودج المرأة، أو الملك والسلطان، يقال: ثلّ عرشه، أي ذهب ملكه وزوال أو هلك.

ثم إنه تعالى بعد هذا الخلق استوى على عرشه، يدبر أمره، ويصرف نظامه، على نحو يليق به، غير مشابه لشيء من المخلوقات والحوادث. فاستواؤه على العرش: هو انفراده بتدبير السموات والأرض، واستيلاؤه على زمام الأمور والسلطة فيهما. ونحن نؤمن كإيمان الصحابة باستواء الله على العرش بكيفية تليق به، من غير تشبيه ولا تكيف، أي من غير تحديد بجهة، ولا تقدير بكيف أو

وصف، وتترك معرفة الحقيقة إلى الله، وهذا ما قرره الإمام مالك ومن قبله شيخة ربيعة، فقال: الاستواء معلوم (أي في اللغة) والكيف (أي كيفية الاستواء) مجهول، والسؤال عن هذا بدعة. وهذا القدر كاف في الموضوع.

وقال الحافظ ابن كثير: مذهب السلف الصالح: مالك والأوزاعي والثوري والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أئمة المسلمين قديما وحديثا، هو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل.

والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبّهين منفي عن الله، فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه، وليس كمثله شيء وهو السّميع البصير [الشورى 42/ 11] .

بل الأمر كما قال الأئمة، منهم نعيم بن حمّاد شيخ البخاري قال: من شبّه الله بخلقه كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه، فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة، على الوجه الذي يليق بجلال الله، ونفى عن الله تعالى النقائص، فقد سلك سبيل الهدى «1» .

وأما الخلف فيتأولون ويقولون: استوى على عرشه بعد تكوين خلقه، بمعنى أنه يدبر أمره، ويصرّف نظامه، على حسب تقديره وحكمته، كما قال:

إنّ ربّكم اللّه الّذي خلق السّماوات والأرض في ستّة أيّام، ثمّ استوى على العرش، يدبّر الأمر [يونس 10/ 3] .

الكتاب : التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج

المؤلف : د وهبة بن مصطفى الزحيلي

الناشر : دار الفكر المعاصر – دمشق

الطبعة : الثانية ، 1418 هـ

عدد الأجزاء : 30

ج8

ص282-234

التفسير الواضح

استوى: في اللغة بمعنى استقر. ومنه: استوى على الكرسي، وعلى ظهر الدابة، أى: استقر واستوى بمعنى قصد، واستوى بمعنى استولى وظهر.

العرش قال الجوهري: هو سرير الملك: نكّروا لها عرشها والعرش: سقف البيت، وهودج المرأة، وقيل: العرش: الملك والسلطان، ومنه:

ثلّ عرشه إذا ذهب ملكه.

ثم إنه تعالى قد استوى على عرشه، واستقام أمره واستقر على هيئة الله أعلم بها مع البعد عن مشابهة الحوادث في شيء، ولقد سئل مالك- رضى الله عنه- في ذلك فقال: الاستواء معلوم، أى: في اللغة، والكيف- أى: كيفية الاستواء- مجهول، والسؤال عن هذا بدعة، وهذا القدر كاف، وهذا رأى الصحابة- رضى الله عنهم- ورأى السلف: قبول ما جاء من غير تكيف ولا تشبيه، وترك معرفة حقيقتها إلى الله، وأما الخلف فيؤولون ويقولون: استوى على عرشه بعد تكوين خلقه، على معنى أنه يدبر أمره، ويصرف نظامه، على حسب تقديره وحكمته إنّ ربّكم اللّه الّذي خلق السّماوات والأرض في ستّة أيّام ثمّ استوى على العرش يدبّر الأمر «4» . وإلى رأى السلف أميل، إذ هو رأى الصحابة والتابعين جميعا.

الكتاب: التفسير الواضح

المؤلف: الحجازي، محمد محمود

الناشر: دار الجيل الجديد – بيروت

الطبعة: العاشرة – 1413 هـ

ج1

ص722

التفسير الوسيط

وقوله: ثمّ استوى على العرش قال الشيخ القاسمى:

ورد الاستواء على معان اشترك لفظه فيها، فجاء بمعنى الاستقرار، ومنه استوت على الجوديّ وبمعنى القصد ومنه ثمّ استوى إلى السّماء وهي دخان وكل من فرغ من أمر وقصد لغيره فقد استوى له وإليه. قال الفراء: تقول العرب استوى إلى يخاصمني أى: قصد لي وأقبل على. ويأتى بمعنى الاستيلاء.

قال الشاعر: … قد استوى بشر على العراق

ويأتى بمعنى العلو ومنه هذه الآية.

قال البخاري في آخر صحيحه في كتاب الرد على الجهمية في باب قوله- تعالى-: وكان عرشه على الماء. قال مجاهد: استوى وعلا على العرش.

وقال ابن راهويه: سمعت غير واحد من المفسرين يقول: الرّحمن على العرش استوى أى: علا وارتفع «2» .

وعرش الله- كما قال الراغب- مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم، وليس كما تذهب إليه أوهام العامة، فإنه لو كان كذلك لكان حاملا له- تعالى الله عن ذلك- لا محمولا.

وقد ذكر العرش في إحدى وعشرين آية. وذكر الاستواء على العرش في سبع آيات.

أما الاستواء على العرش فذهب سلف الأمة إلى أنه صفة الله- تعالى- بلا كيف ولا انحصار ولا تشبيه ولا تمثيل لاستحالة اتصافه- سبحانه- بصفات المحدثين، ولوجوب تنزيهه عما لا يليق به «ليس كمثله شيء وهو السميع البصير» وأنه يجب الإيمان بها كما وردت وتفويض العلم بحقيقتها إليه- تعالى-.

فعن أم سلمة- رضى الله عنها- في تفسير قوله- تعالى-: الرّحمن على العرش استوى أنها قالت: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإقرار به من الإيمان، والجحود به كفر.

وقال الإمام مالك: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

وقال محمد بن الحسن: اتفق الفقهاء جميعا على الإيمان بالصفات من غير تفسير ولا تشبيه.

وقال الإمام الرازي: إن هذا المذهب هو الذي نقول به ونختاره ونعتمد عليه.

وذهب بعض علماء الخلف إلى وجوب صرفه- أى الاستواء- عن ظاهره لاستحالته، وأن المراد منه- كما قال الإمام القفال- أنه استقام ملكه، واطرد أمره ونفذ حكمه- تعالى- في مخلوقاته، والله- تعالى- دل على ذاته وصفاته وكيفية تدبيره للعالم على الوجه الذي ألفوه من ملوكهم واستقر في قلوبهم «تنبيها على عظمته وكمال قدرته» وذلك مشروط بنفي التشبيه، ويشهد بذلك قوله- تعالى-: ثمّ استوى على العرش يدبّر الأمر «1» .

هذا وللعلماء كلام طويل حول هذه المسألة التي تتعلق بالمحكم والمتشابه فليرجع إليها من شاء.

الكتاب: التفسير الوسيط للقرآن الكريم

المؤلف: محمد سيد طنطاوي

الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، الفجالة – القاهرة

الطبعة: الأولى

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو ضمن خدمة مقارنة التفاسير]

تاريخ النشر:

أجزاء 1 – 3: يناير 1997

جزء 4: يوليو 1997

جزء 5: يونيو 1997

أجزاء 6 – 7: يناير 1998

أجزاء 8 – 14: فبراير 1998

جزء 15: مارس 1998

ج5

ص284

التفسير الوسيط للزحيلي

والعرش أحد المخلوقات بل هو أعظم المخلوقات، لذا خصّ بالذّكر، وهو مخلوق معين، وجسم ما، وقد استوى الله على عرشه بعد خلق السماوات والأرض، يدبّر الأمر، ويصرّف النظام، ويمارس السلطان، ويستولي على زمام الأمور استيلاء شاملا، ونحن نؤمن كإيمان الصحابة باستواء الله على العرش بكيفية تليق به، من غير تشبيه ولا تجسيد ولا تكيف، أي من غير تحديد بجهة، ولا تقدير بوصف، وتترك معرفة الحقيقة إلى الله تعالى، قال الإمام مالك رحمه الله: الاستواء معلوم (أي في اللغة) والكيف (أي كيفية الاستواء) مجهول، والسؤال عنه بدعة.

الكتاب : التفسير الوسيط للزحيلي

المؤلف : د وهبة بن مصطفى الزحيلي

الناشر: دار الفكر – دمشق

الطبعة : الأولى – 1422 هـ

عدد الأجزاء : 3 مجلدات في ترقيم مسلسل واحد

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو ضمن خدمة مقارنة تفاسير]

ج1

ص674

روح المعاني

ثمّ استوى على العرش وهو في المشهور الجسم المحيط بسائر الأجسام وهو فلك الأفلاك سمي به إما لارتفاعه أو للتشبيه بسرير الملك فإنه يقال له عرش ومنه قوله تعالى: ورفع أبويه على العرش [يوسف: 100] لأن الأمور والتدبيرات تنزل منه، ويكنى به عن العز والسلطان والملك فيقال: فلان ثل عرشه أي ذهب عزه وملكه وأنشدوا قوله:

إذا ما بنو مروان ثلث عروشهم … وأودت كما أودت إياد وحمير

وقوله:

إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم … بعيينة بن الحارث بن شهاب

وذكر الراغب أن العرش مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم، وليس هو كما تذهب إليه أوهام العامة فإنه لو كان كذلك لكان حاملا له تعالى عن ذلك، وليس كما قال قوم. إنه الفلك الأعلى والكرسي فلك الكواكب وفيه نظر، والناس في الكلام على هذه الآية ونحوها مختلفون. فمنهم من فسر العرش بالمعنى المشهور، وفسر الاستواء بالاستقرار. وروي ذلك عن الكلبي، ومقاتل، ورواه البيهقي في كتابه: الأسماء والصفات بروايات كثيرة عن جماعة من السلف وضعفها كلها. وما روي عن مالك رضي الله تعالى عنه أنه سئل كيف استوى؟ فأطرق رأسه مليا حتى علته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال: الاستواء غير مجهول. والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ثم قال للسائل: وما أظنك إلا ضالا ثم أمر به فأخرج ليس نصا في هذا المذهب لاحتمال أن يكون المراد من قوله: غير مجهول أنه ثابت معلوم الثبوت لا أن معناه وهو الاستقرار غير مجهول ومن قوله: والكيف غير معقول أن كل ما هو من صفة الله تعالى لا يدرك العقل له كيفية لتعاليه عن ذلك فكف الكيف عنه مشلولة.

ويدل على هذا ما جاء في رواية أخرى عن عبد الله بن وهب أن مالكا سئل عن الاستواء فأطرق وأخذه الرحضاء ثم قال: الرّحمن على العرش استوى [طه: 5] كما وصف نفسه ولا يقال له: كيف وكيف عنه مرفوع إلى آخر ما قال، ثم إن هذا القول إن كان مع نفي اللوازم فالأمر فيه هين، وإن كان مع القول بها والعياذ بالله تعالى فهو ضلال وأي ضلال وجهل وأي جهل بالملك المتعال، وما أعرف ما قاله بعض العارفين الذين كانوا من تيار المعارف غارفين على لسان حال العرش موجها الخطاب إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم ليلة المعراج حين أشرقت شمسه عليه الصلاة والسلام في الملأ الأعلى فتضاءل معها كل نور وسراج كما نقله الإمام القسطلاني معرضا بضلال مثل أهل هذا المذهب الثاني ولفظه مع حذف، ولما انتهى صلّى الله عليه وسلّم إلى العرش تمسك بأذياله وناداه بلسان حاله يا محمد أنت ونصيبي يا حبيبي أن تشهد بالبراءة مما نسبه أهل الزور إلي وتقوله أهل الغرور علي زعموا أني أسمع من لا مثل له وأحيط بمن لا كيفية له يا محمد من لا حد لذاته ولا عد لصفاته كيف يكون مفتقرا إلي ومحمولا علي إذا كان الرحمن اسمه والاستواء صفته وصفته متصلة بذاته كيف يتصل بي أو ينفصل عني؟ يا محمد وعزته لست بالقريب منه وصلا ولا بالبعيد عنه فصلا ولا بالمطبق له حملا أوجدني منه رجمة وفضلا ولو محقني لكان حقا منه وعدلا يا محمد أنا محمول قدرته ومعمول حكمته اه.

وذهب المعتزلة وجماعة من المتكلمين إلى أن العرش على معناه واستوى بمعنى استولى. واحتجوا عليه بقوله:

قد استوى بشر على العراق … من غير سيف ودم مهراق

وخص العرش بالأخبار عنه بالاستيلاء عليه لأنه أعظم المخلوقات، ورد هذا المذهب بأن العرب لا تعرف استوى بمعنى استولى وإنما يقال: استولى فلان على كذا إذا لم يكن في ملكه ثم ملكه واستولى عليه والله تعالى لم يزل مالكا للأشياء كلها ومستوليا عليها ونسب ذلك للأشعرية. وبالغ ابن القيم في ردهم ثم قال: إن لام الأشعرية كنون اليهودية وهو ليس من الدين القيم عندي. وذهب الفراء واختاره القاضي إلى أن المعنى ثم قصد إلى خلق العرش، ويبعده تعدى الاستواء بعلى، وفيه قول بأن خلق العرش بعد خلق السماوات والأرض وهو كما ترى. وذهب القفال إلى أن المراد نفاذ القدرة وجريان المشيئة واستقامة الملك لكنه أخرج ذلك على الوجه الذي ألفه الناس من ملوكهم واستقر في قلوبهم، قيل: ويدل على صحة ذلك قوله سبحانه في سورة [يونس: 3] ثمّ استوى على العرش يدبّر الأمر فإن يدبّر الأمر جرى مجرى التفسير لقوله: استوى على العرش وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى، وذكر أن القفال يفسر العرش بالملك ويقول ما يقول، واعترض بأن الله تعالى لم يزل مستقيم الملك مستويا عليه قبل خلق السماوات والأرض وهذا يقتضي أنه سبحانه لم يكن كذلك تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وأجيب بأن الله تعالى كان قبل خلق السماوات والأرض مالكها لكن لا يصح أن يقال: شبع زيدا إلا بعد أكله الطعام فإذا فسر العرش بالملك صح أن يقال: إنه تعالى إنما استوى ملكه بعد خلق السماوات والأرض، ومنهم من يجعل الإسناد مجازيا ويقدر فاعلا في الكلام أي استوى أمره ولا يضر حذف الفاعل إذا قام ما أضيف إليه مقامه، وعلى هذا لا يكون الاستواء صفة له تعالى وليس بشيء. ومن فسره بالاستيلاء أرجعه إلى صفة القدرة.

ونقل البيهقي عن أبي الحسن الأشعري أن الله تعالى فعل في العرش فعلا سماه استواء كما فعل في غيره فعلا سماه رزقا ونعمة وغيرهما من أفعاله سبحانه لأن ثم للتراخي وهو إنما يكون في الأفعال، وحكى الأستاذ أبو بكر بن فورك عن بعضهم أن استوى بمعنى علا ولا يراد بذلك العلو بالمسافة والتحيز والكون في المكان متمكنا فيه ولكن يراد معنى يصح نسبته إليه سبحانه. وهو على هذا من صفات الذات وكلمة ثمّ تعلقت بالمستوى عليه لا بالاستواء أو أنها للتفاوت في الرتبة وهو قول متين.

وأنت تعلم أن المشهور من مذهب السلف في مثل ذلك تفويض المراد منه إلى الله تعالى فهم يقولون: استوى على العرش على الوجه الذي عناه سبحانه منزها عن الاستقرار والتمكن، وأن تفسير الاستواء بالاستيلاء تفسير مرذول إذ القائل به لا يسعه أن يقول كاستيلائنا بل لا بد أن يقول: هو استيلاء لائق به عز وجل فليقل من أول الأمر هو استواء لائق به جل وعلا.

وقد اختار ذلك السادة الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم وهو أعلم وأسلم وأحكم خلافا لبعضهم.

الكتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني

المؤلف: شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي (المتوفى: 1270هـ)

المحقق: علي عبد الباري عطية

الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت

الطبعة: الأولى، 1415 هـ

عدد الأجزاء: 16 (15 ومجلد فهارس)

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو ضمن خدمة مقارنة التفاسير]

ج4

ص374

التفسير الوسيط للواحدي

وقوله {ثمّ استوى على العرش} [الأعراف: 54] أي: أقبل على خلقه، وقصد إلى ذلك بعد خلق السموات والأرض.

وهذا قول

الفراء، وأبي العباس، والزجاج، وقال آخرون: استوى معناه: استولى، واحتجوا بقول البعيث:

ثم استوى بشر على العراق … من غير سيف أو دم مهراق

وخص العرش بالإخبار عن الاستيلاء عليه لأنه أعظم المخلوقات.

الكتاب: الوسيط في تفسير القرآن المجيد

المؤلف: أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي (المتوفى: 468هـ)

تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، الدكتور أحمد محمد صيرة، الدكتور أحمد عبد الغني الجمل، الدكتور عبد الرحمن عويس

قدمه وقرظه: الأستاذ الدكتور عبد الحي الفرماوي

الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان

الطبعة: الأولى، 1415 هـ – 1994 م

عدد الأجزاء: 4

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

ج2

ص376

الدر المنثور في التفسير بالمأثور

وأخرج ابن مردويه واللالكائي في السّنة عن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها في قوله {ثمّ استوى على العرش} قالت: الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والاقرار به ايمان والجحود به كفر

وأخرج اللالكائي عن ابن عيينة قال: سئل ربيعة عن قوله {استوى على العرش} كيف استوى قال: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ومن الله الرسالة وعلى الرّسول البلاغ وعلينا التّصديق

وأخرجه البيهقيّ في الأسماء والصّفات من طريق عبد الله بن صالح بن مسلم قال: سئل ربيعة

فذكره

وأخرج اللالكائي عن جعفر بن عبد الله قال: جاء رجل إلى مالك بن أنس فقال له: يا أبا عبد الله استوى على العرش كيف استوى قال: فما رأيت مالكا وجد من شيء كموجدته من مقالته وعلاه الرّحضاء – يعني العرق – وأطرق القوم قال: فسرى عن مالك فقال: الكيف غير معقول والاستواء منه غير مجهول والايمان به واجب والسّؤال عنه بدعة وإنّي أخاف أن تكون ضالّا وأمر به فأخرج

وأخرج البيهقيّ عن عبد الله بن وهب قال: كنّا عند مالك بن أنس فدخل

رجل فقال: يا أبا عبد الله {الرّحمن على العرش استوى} كيف استواؤه فاطرق مالك وأخذته الرحضاء ثمّ رفع رأسه فقال {الرّحمن على العرش استوى} كما وصف نفسه ولا يقال له كيف وكيف عنه مرفوع وأنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه

قال: فأخرج الرجل

وأخرج البيهقيّ عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت سفيان بن عيينه يقول: كلما وصف الله من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسّكوت عليه

وأخرج البيهقيّ عن إسحق بن موسى قال: سمعت ابن عيينه يقول: ما وصف الله به نفسه فتفسيره قراءته ليس لأحد أن يفسره إلّا الله تعالى ورسله صلوات الله عليهم

وأخرج عبد بن حميد عن أبي عيسى قال: لما استوى على العرش خر ملك ساجدا فهو ساجد إلى أن تقوم السّاعة فإذا كان يوم القيامة رفع رأسه فقال: سبحانك ما عبدتك حق عبادتك إلّا اني لم أشرك بك شيئا ولم اتخذ من دونك وليا

الكتاب: الدر المنثور

المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)

الناشر: دار الفكر – بيروت

عدد الأجزاء: 8

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو ضمن خدمة مقارنة التفاسير]

ج3

ص474

الروايات التفسيرية في فتح الباري

قوله تعالى: {ثمّ استوى على العرش} الآية: 54

[851] وأخرج الثعلبي من وجه آخر عن الأوزاعي أنه سئل عن قوله تعالى: {ثمّ استوى على العرش} فقال: هو كما وصف نفسه4.

الكتاب: الروايات التفسيرية في فتح الباري

المؤلف: عبد المجيد الشيخ عبد الباري

رسالة دكتوراة.. قال مؤلفها: عزمت على جمع تلك الروايات في مكان واحد وترتيبها وتخريجها وبيان درجتها من الصحة

الناشر: وقف السلام الخيري

الطبعة: الأولى، 1426 هـ – 2006 مـ

عدد الأجزاء: 3

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

ج1

ص484

السراج المنير

{ثم استوى على

العرش} أي: استوى أمره وقال أهل السنة: الاستواء على العرش صفة الله بلا كيف يجب الإيمان به ونكل فيه العلم إلى الله تعالى والمعنى أنّ له سبحانه وتعالى استواء على العرش على الوجه الذي عناه منزه عن الاستقرار والتمكن، وسأل رجل مالك بن أنس عن قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} (طه، 5)

فأطرق رأسه مليا وعلاه الرحضاء ثم قال: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، وما أظنك إلا ضالا ثم أمر به فأخرج.

وروي عن سفيان الثوري والأوزاعي والليث بن سعد وغيرهم من علماء السنة في هذه الآيات التي جاءت في الصفات المتشابهة أمرّوها كما جاءت اقرؤها بلا كيف وإجماع السلف منعقد على أن لا يزيدوا على قراءة الآية والعرش في اللغة السرير، قال كعب: إنّ السموات في العرش كالقنديل معلقا بين السماء والأرض، وقال الطائي: العرش ياقوتة حمراء، وشذ قوم فقالوا: العرش بمعنى الملك، وهذا عدول عن الحقيقة إلى التجوّز مع مخالفة الأثر ألم يسمعوا قوله تعالى: {وكان عرشه على الماء} (هود، 7)

أتراه كان الملك على الماء وكيف يكون الملك ياقوتة حمراء وبعضهم يقول: استوى بمعنى استولى ويحتج بقول الشاعر:

*قد استوى بشر على العراق … من غير سيف ودم مهراق*

وقال آخر:

*هما استويا بفضلهما جميعا … على عرش الملوك بغير زور*

وهذا منكر عند أهل اللغة، قال ابن الأعرابيّ: لا يعرف استولى فلان على كذا إلا إذا كان بعيدا منه غير متمكن منه ثم تمكن منه والله تعالى لم يزل مستوليا على الأشياء، والبيتان قال ابن فارس اللغوي: لا يعرف قائلهما ولو صحا لا حجة فيهما لما بينا من استيلاء من لم يكن مستوليا نعوذ بالله من تعطيل الملحدة وتشبيه المجسمة، وقيل: هو ما علا فأظل ومنه عرش الكرم

الكتاب: السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير

المؤلف: شمس الدين، محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي (المتوفى: 977هـ)

الناشر: مطبعة بولاق (الأميرية) – القاهرة

عام النشر: 1285 هـ

عدد الأجزاء: 4

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

ج1

ص480

اللباب في علوم الكتاب

{ثم استوى على

العرش} أي: استوى أمره وقال أهل السنة: الاستواء على العرش صفة الله بلا كيف يجب الإيمان به ونكل فيه العلم إلى الله تعالى والمعنى أنّ له سبحانه وتعالى استواء على العرش على الوجه الذي عناه منزه عن الاستقرار والتمكن، وسأل رجل مالك بن أنس عن قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} (طه، 5)

فأطرق رأسه مليا وعلاه الرحضاء ثم قال: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، وما أظنك إلا ضالا ثم أمر به فأخرج.

وروي عن سفيان الثوري والأوزاعي والليث بن سعد وغيرهم من علماء السنة في هذه الآيات التي جاءت في الصفات المتشابهة أمرّوها كما جاءت اقرؤها بلا كيف وإجماع السلف منعقد على أن لا يزيدوا على قراءة الآية والعرش في اللغة السرير، قال كعب: إنّ السموات في العرش كالقنديل معلقا بين السماء والأرض، وقال الطائي: العرش ياقوتة حمراء، وشذ قوم فقالوا: العرش بمعنى الملك، وهذا عدول عن الحقيقة إلى التجوّز مع مخالفة الأثر ألم يسمعوا قوله تعالى: {وكان عرشه على الماء} (هود، 7)

أتراه كان الملك على الماء وكيف يكون الملك ياقوتة حمراء وبعضهم يقول: استوى بمعنى استولى ويحتج بقول الشاعر:

*قد استوى بشر على العراق … من غير سيف ودم مهراق*

وقال آخر:

*هما استويا بفضلهما جميعا … على عرش الملوك بغير زور*

وهذا منكر عند أهل اللغة، قال ابن الأعرابيّ: لا يعرف استولى فلان على كذا إلا إذا كان بعيدا منه غير متمكن منه ثم تمكن منه والله تعالى لم يزل مستوليا على الأشياء، والبيتان قال ابن فارس اللغوي: لا يعرف قائلهما ولو صحا لا حجة فيهما لما بينا من استيلاء من لم يكن مستوليا نعوذ بالله من تعطيل الملحدة وتشبيه المجسمة، وقيل: هو ما علا فأظل ومنه عرش الكرم

الكتاب: السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير

المؤلف: شمس الدين، محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي (المتوفى: 977هـ)

الناشر: مطبعة بولاق (الأميرية) – القاهرة

عام النشر: 1285 هـ

عدد الأجزاء: 4

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

ج1

ص480

قوله: «ثمّ استوى» الظّاهر عود الضّمير على الله – تعالى – بالتّأويل المذكور في البقرة.

وقيل: الضّمير يعود على الخلق المفهوم من «خلق» ثم استوى خلقه على العرش،

ومثله: {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] قالوا: يحتمل أن يعثود الضّمير في «استوى» على «الرّحمن» ، وإن يعود على الخلق، ويكون «الرّحمن» خبرا لمبتدأ محذوف أي: هو الرّحمن.

والعرش: يطلق بإزاء معان كثيرة، فمنه سرير الملك، وعليه، {نكّروا لها عرشها} [النمل: 41] ، {ورفع أبويه على العرش} [يوسف: 100] ، ومنه السّلطان والعزّ وعليه قول زهير: [الطويل]

2481 – تداركتما عبسا وقد ثلأّ عرشها … وذبيان إذ زلّت بأقدامها النّعل

وقول الآخر: [الكامل]

2481 – إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم … بربيعة بن الحارث بن شهاب

ومنه: خشب تطوى به البئر بعد أن يطوى بالحجارة أسفلها ومنه: ما يلاقي ظهر القدم وفيه الأصابع، ومنه: السّقف، وكلّ ما علاك فهو عرش، فكأنّ المادّة دائرة مع العلوّ والرّفعة ومنه عرش الكرم، وعرش السّماك أربعة كواكب صغار أسفل من العوّاء يقال إنّها عجز الأسد.

والعرش: اسم ملك والعرش الملك والسّلطان. يقال: قد ذهب عرش فلان أي: ذهب ملكه وعزه وسلطانه قال زهير: [الطويل]

2483 – تداركتما عبسا وقد ثلّ عرشها … وذبيان إذ زلّت بأقدامها النّعل

وقد تؤوّل العرش في الآية بمعنى الملك أي: ما استوى الملك الإله عزّ وجلّ.

فصل في تنزيه الله تعالى

قال القرطبي: الأكثر من المتقدّمين والمتأخّرين على أنّه إذا وجب تنزيه الباري سبحانه على الجهة والتّحيّز، فمن ضرورة ذلك ولوازمه عند عامّة العلماء المتقدّمين، وقادتهم من المتأخّرين تنزيهه تبارك وتعالى عن الجهة، فليس بجهة فوض عندهم؛ لأنّه يلزم من ذلك عندهم متى اختص بجهة أن يكون في مكان وحيّز، ويلزم على المكان والحيّز الحركة والسّكون، ويلزم من الحركة والسّكون التّغيّر والحدوث، هذا قول المتكلّمين وقد كان السّلف الأول – رضي اللّه عنهم – لا يقولون بنفي الجهة، ولا ينطقون بذلك، بل نطقوا هم والكافّة بإثباتها لله – تعالى – كما نطق كتابه، وأخبرت [رسله] ، ولم

ينكر أحد من السّلف الصّالح أنّه استوى على عرشه حقيقة، وخصّ العرش بذلك؛ لأنّه أعظم مخلوقاته وإنما جهلوا كيفية الاستواء، فإنّه لا تعلم حقيقته، كما قال مالك – رحمه اللّه -: «الاستواء معلوم – يعني في اللغة – والكيف مجهول، والسّؤال عن هذا بدعة» ، وكذلك قالت أمّ سلمة – رضي اللّه عنها -، وهذا القدر كاف.

فصل في معنى الاستواء

فإن قيل الاستواء في اللّغة: هو العلوّ والاستقرار.

قال الجوهريّ: «استوى من اعوجاج، واستوى على ظهر دابّته أي: استقرّ، واستوى إلى السّماء أي قصد، واستوى أي: استولى، وظهر؛ قال الشاعر: [الرجز]

2484 – قد استوى بشر على العراق … واستوى الرّجل أي: انتهى شبابه، واستوى الشّيء أي: اعتدل، وحكى ابن عبد البرّ عن أبي عبيدة في قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} قال:» علاه «.

قال الشّاعر: [الطويل]

2485 – وقد خلق النّجم اليمانيّ واستوى … أي: علا وارتفع.

قال القرطبيّ: علوّ الله – تعالى – وارتفاعه عبارة عن علوّ مجده، وصفاته، وملكوته أي: ليس فوقه فيما يجب له من تعالي الجلال أحد [ولا معه من يكون العلو مشتركا بينه وبينه لكن العليّ بالإطلاق سبحانه] .

فصل في تأويل الآية

قال ابن الخطيب اعلم أنّه لا يمكن أن يكون المراد من الآية كونه مستقرّا على العرش، ويدلّ على فساده وجوه عقليّة ونقليّة: إمّا العقليّة فأمور:

أحدها: أنّه لو كان مستقرّا على العرش لكان من الجانب الّذي يلي العرش متناهيا، وإلاّ لزم كون العرش داخلا في ذاته، وهو محال وكل ما كان متناهيا فإنّ العقل يقتضي بأنّه لا يمنع أن يصير أزيد منه أو أنقص منه بذرّة، والعلم بهذا الجواز ضروريّ، فلو كان الباري – تعالى – متناهيا من بعض الجوانب لكانت ذاته قابلة للزّيادة والنّقصان، وكل ما كان كذلك كان اختصاصه بذلك المقدار المعين؛ لتخصيص مخصّص وتقدير مقدّر، وكل

ما كان كذلك فهو محدث فثبت أنّه تعالى لو كان على العرش؛ لكان من الجانب الذي يلي العرش متناهيا ولو كان كذلك لكان محدثا وهذا محال فكونه على العرش يجب أن يكون محالا.

وثانيها: لو كان في مكان وجهة، لكان إمّا أن يكون غير متناه من كلّ الجهات، وإمّا أن يكون متناهيا من كلّ الجهات، وإمّا أن يكون متناهيا عن بعض الجهات دون البعض، والكلّ باطل فالقول بكونه في المكان والحيّز باطل قطعا.

بيان الأول: أنّه يلزم أن تكون ذاته مخالطة لجميع الأجسام السّفليّة والعلويّة، وأن تكون محالطة للقاذورات والنّجاسات، وتكون الأرضون أيضا حالة في ذاته.

وإذا ثبت هذا فنقول الذي هو محل السّموات، إمّا أن يكون هو عين الشّيء الذي هو محلّ الأرضين، أو غيره فإن كان الأوّل؛ لزم كون السّموات، والأرضين حالتين في محلّ واحد من غير امتياز بين محليهما أصلا، وكلّ حالين حلا في محلّ واحد لم يكن أحدهما ممتازا عن الآخر فلزم أن يقال السماوات لا تمتاز عن الأرضين في الذّات، وذلك باطل فإن كان الثّاني لزم أن تكون ذات اللّه تعالى مركّبة من الأجزاء والأبعاض وهو محال.

والثالث: وهو أنّ ذات اللّه تعالى إذا كانت حاصلة في جميع الأحياز والجهات فإمّا أن يقال الشّيء الذي حصل فوق هو عين الشّيء الذي حصل تحت فحنيئذ تكون الذّات الواحدة قد حصلت دفعة واحدة [في أحياز كثيرة وإن عقل ذلك فلم يعقل أيضا حصول الجسم الواحد في أحياز كثيرة دفعة واحدة؟] وهو محال في بديهة العقل، وأمّا إن قيل إنّ الشّيء الذي حصل فوق غير الشيء الذي حصل تحت، فحينئذ يلزم حصول التركيب والتّبعيض في ذات اللّه تعالى وهو محال.

وأما القسم الثّاني، وهو أن يقال إنّه متناه من كلّ الجهات فنقول: كل ما كان كذلك فهو قابل للزيادة والنّقصان في بديهة العقل، وكلّما كان كذلك كان اختصاصه بالمقدر المعيّن لأجل تخصيص مخصّص وكلّ ما كان كذلك فهو محدث، وأيضا فإنّ جاز أن يكون الشّيء المحدود من كلّ الجوانب قديما أزليا فاعلا للعالم فلم لا يعقل أن يقال: خالق العالم هو الشّمس، أو القمر، أو كوكب آخر وذلك باطل بالاتّفاق.

وأما القسم الثالث، وهو أن يقال بأنّه متناه من بعض الجوانب، وغير متناه من سائر الجوانب فهذا أيضا باطل من وجوه:

أحدها: انّ الجانب المتناهي غير ما صدق عليه أنّه غير متناه إلا لصدق النقيضين معا وهو محال، وإذا حصل التّغاير لزم كونه تعالى مركّبا من الأجزاء والأبعاض.

وثانيها: أنّ الجانب الذي صدق حكم العقل عليه بكونه متناهيا، إمّا أن يكون مساويا للجانب الذي صدق حكم العقل عليه بكونه غير متناه، وإمّا ألاّ يكون كذلك، والأوّل باطل لأنّ الأشياء المتساوية في تمام الماهيّة، كلّ ما صحّ على واحد منها صحّ على الآخر الباقي، وإذا كان كذلك فالجانب الذي هو غير متناه يمكن أن يصير متناهيا والجانب الذي هو متناه يمكن أن يصير غير متناه.

ومتى كان الأمر كذلك كان النموّ والذّبول والزّيادة والنّقصان، والتّفرّق والتّمزّق على ذاته ممكنا وكل ما كان كذلك فهو محدث، وذلك على الإله القديم محال.

البرهان الثالث: لو كان الباريء – تعالى – حاصلا في المكان والجهة لكان الأمر المسمّى بالجهة إمّا أن يكون موجودا مشارا إليه، وإما ألاّ يكون كذلك، والقسمان باطلان، فكان القول بكونه تعالى في المكان والجهة باطلا.

أمّا بيان فساد القسم الأوّل، فلأنّه لو كان المسمّى بالحيّز والجهة موجودا مشارا إليه، فحينئذ يكون المسمّى بالحيّز، والجهة بعدا، وامتدادا، والحاصل فيه أيضا يجب أن يكون له في نفسه بعد وامتداد، وإلا لامتنع حصوله فيه وحينئذ يلزم تداخل البعدين، وذلك محال للدّلائل المشهورة في هذا الباب. وأيضا؛ فيلزم من كون البارئ قديما أزليّا كون الحيّز، والجهة أزليّين، وحينئذ يلزم أن يكون قد حصل في الأزل موجود قائم بنفسه سوى الله وذلك باطل بإجماع أكثر العقلاء.

وأمّا بيان فساد القسم الثّاني فهو من وجهين:

أحدهما: أنّ العدم نفي محض، وعدم صرف، وما كان كذلك امتنع كونه ظرفا لغيره، وجهة لغيره.

[وثانيهما: أنّ كلّ ما كان حاصلا في جهة فجهته ممتازة في الحسّ عن جهة غيره ولو كانت تلك الجهة عدما محضا لزم كون العدم المحض مشارا غليه بالحسّ وذلك باطل؛ فثبت أنّه تعالى لو كان في حيّز وجهة لأفضى إلى أحد هذين القسمين الباطلين؛ فوجب أن يكون القول به باطلا] .

فإن قيل: فهذا أيضا وارد عليكم في قولكم: الجسم حاصل في الحيّز والجهة فنقول: نحن على هذا الطّريق لا نثبت للجسم حيزا، ولا جهة أصلا ألبتّة، بحيث تكون

ذات الجسم نافذة فيه وسارية، بل المكان عبارة عن السّطح الباطن من الجسم الحاوي المماسّ للسّطح الظّاهر من الجسم المحويّ، وهذا المعنى محال بالاتّفاق في حقّ الله – تعالى – فسقط هذا السّؤال، وبقيّة البراهيم العقليّة مذكورة في تفسير ابن الخطيب.

وأمّا الدّلائل السّمعيّة فمنها قوله تعالى: {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] . فوصفه بكونه أحدا، والأحد مبالغة في كونه واحدا والذي يمتلىء منه العرش، ويفضل على العرش يكون مركّبا من أجزاء كثيرة جدا فوق أجزاء العرش، وذلك ينافي كونه أحدا.

وقال بعث الكرّاميّة عند هذا الإلزام: إنّه تعالى ذات واحدة، [ومع كونه ذاتا واحدة حصلت في كلّ هذا الأحياز دفعة واحدة قالوا: فلأجل أنّه تعالى حصل] دفعة واحدة في جميع الأحياز امتلأ العرش منه، فيقال لهم: حاصل هذا الكلام يرجع أنّه يجوز حصول الذّات الشّاغلة للحيّز والجهة في أحياز كثيرة دفعة واحدة، والعقلاء اتّفقوا على أنّ العلم بفساد ذلك من أجلّ العلوم الضروريّة أيضا، وأيضا فإن جوّزتم ذلك فلم لا تجوّزون أن يقال: جميع العالم من العرش إلى ما تحت الثّرى جوهر واحد، وموجود واحد، إلا أنّ ذلك الجزء الذي لا يتجزّأ حصل في جملة هذه الأحياز، فيظنّ أنّهأ أشياء كثيرة، ومعلوم أنّ من جوّزه، فقد التزم منكرا من القول عظيما.

فإن قالوا: إنّما عرفنا ها هنا حصول التّغاير بين هذه الذّوات، لأنّ بعضها يفنى، بع بقاء الباقي، وذلك يوجب التّغاير، وأيضا فنرى بعضها متحرّك وبعضها ساكن، والمتحرّك غير السّاكن؛ فوجب القول بالتّغاير، وهذا المعاني غير حاصلة في ذاتن اللّه – تعالى – فظهر الفرق، فنقول: أمّا قولكم: بأنّا نشاهد أنّ هذا الجزء يبقى مع أنّه يفنى ذلك الجزء الآخر، وذلك يوجب التّغاير، فلا نسلم أنّه فني شيء من الأجزاء، بل نقول: لم لا يجوز أن يقال: إنّ جميع أجزاء العالم جزء واحد فقط، ثم إنّه حصل هاهنا وهناك.

وأيضا جعل موصوفا بالسّواد والبياض، وجميع الألوان والطّعوم، فالذي يفتى إنّما هو حصوله هناك، فأمّا أن يقال: إنّه فني في نفسه، فهذا غير مسلم.

وأمّا قولكم: نرى بعض الأجسام متحرّكا، وبعضها ساكنا، وذلك يوجب التّغاير؛ لأنّ الحركة والسّكون لا يجتمعان فنقول: إنا حكمنا بأنّ الحركة والسّكون لا يجتمعان.

لاعتقادنا أنّ الجسم الواحد لا يحصل دفعة واحدة في حيزين، فإذا رأينا أنّا السّاكن بقي هاهنا، وأن المتحرّك ليس هاهنا، قضينا أنّ المتحرّك غير السّاكن.

ومّا بتقدير أن يجوز الذّات الواحدة حاصلة في حيزّين دفعة واحدة، فلم يمتنع

كون الذّات الواحدة متحرّكة ساكنة معا؛ لأنّ أقصى ما في الباب أنّه بسبب السّكون بقي ها هنا وبسبب الحركة حصل في الحيّز الآخر، إلا أنّا لمّا جوّزنا أن تحصل الذّات الواحدة دفعة واحدة في حيّزين معا، لم يبعد أن تكون الذّات السّاكنة هي غير الذّات المتحرّكة، فثبت أنّه لو جاز أن يقالك إنّه تعالى ذاته واحدة، لا تقبل القسمة، ثمّ مع ذلك يمتلىء العرش منه لم يبعد أن يقال: إنّ العرش في نفسه جوهر فرد جزء لا يتجزّأ، ومع ذلك فقد حصل في كلّ تلك الأحياز، وحصل منه كل العرش، وذلك يفضي إلى فتح باب الجهالات.

ومنها قوله تعالى: {ويحمل عرش ربّك فوقهم يومئذ ثمانية} [الحاقة: 17] فلو كان إله العالم في العرش لكان حامل العرش حاملا للإله؛ فوجب أن يكون محمولا حاملا ومحفوظا حافظا، وذلك لا يقوله عاقل.

ومنها قوله تعالى: {والله الغني} [محمد: 38] حكم بكونه غنيّا على الإطلاق، وذلك يوجب كونه تعالى غنيّا عن المكان والجهة.

ومنها أنّ فرعون لمّا طلب حقيقة الإله من موسى – عليه السلام – ولم يزد موسى عليه السلام على ذكر صفة الخلاقية ثلاث مرّات فإنه قال: {وما ربّ العالمين} [الشعراء: 23] ففي المرة الأولى قال {ربّ السماوات والأرض وما بينهمآ إن كنتم مّوقنين} [الشعراء: 24] .

وفي المرّة الثّانية قال: {ربّكم وربّ آبآئكم الأولين} [الشعراء: 26] .

وفي المرة الثالثة قال: {ربّ المشرق والمغرب وما بينهمآ إن كنتم تعقلون} [الشعراء: 28] . وكلّ ذلك إشارة إلى الخلاقية، وأمّا فرعون فإنّه قال: {ياهامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطّلع إلى إله موسى} [غافر: 36، 37] فطلب الإله في السّماء، فعلمنا أنّ وصف الإله بالخلاقية، وعدم وصفه بالمكان والجهة دين موسى وجميع الأنبياء ووصفه تعالى بكونه في السّماء دين فرعون، وإخوانه من الكفرة.

ومنها قوله تعالى في هذه الآية: {إنّ ربّكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستّة أيّام ثمّ استوى على العرش} .

وكلمة «ثم» للتراخي وهذا يدلّ على أنّه تعالى إنّما استوى على العرش بعد تخليق السموات والأرض، فإن كان المراد من الاستواء الاستقرار؛ لزم أن يقال: أنّه ما كان مستقرا على العرش، بل كان معوجا مضطربا، ثم استوى عليه بعد ذلك، وذلك يوجب وصفه بصفات الأجسضام من الاضطراب والحركة تراة، والسّكون أخرى، وذلك لا يقوله عاقل.

ومنها طعن إبراهيم – عليه الصّلاة والسّلام  – في إلهية الكواكب بكونها آفلة غاربة، فلو كان إله العالم جسما، لكان أبدا غاربا آفلا وكان متنقلا من الاضطراب والاعوجاج إلى الاستواء والسكون والاستقرار، فكلّ ما جعله طعنا في إلهية الكواكب يكون حاصلا في إله العالم فكيف يمكن الاعتراف بإلهيته؟! .

ومنها أنّه تعالى ذكر قبل قوله: {ثمّ استوى} شيئا، وبعده شيئا آخر، أمّا المذكور قبل هذه الكلمة فهو قوله: {إنّ ربّكم الله الذي خلق السماوات والأرض} وذلك يدلّ على وجود الصّانع، وقدرته، وحكمته.

الكتاب: اللباب في علوم الكتاب

المؤلف: أبو حفص سراج الدين عمر بن علي بن عادل الحنبلي الدمشقي النعماني (المتوفى: 775هـ)

المحقق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض

الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت / لبنان

الطبعة: الأولى، 1419 هـ -1998م

عدد الأجزاء: 20

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو ضمن خدمة مقارنة التفاسير]

ج9

ص144- 150

الوجيز للواحدي

{ثم استوى على العرش} أقبل على خلقه وقصد إلى ذلك بعد خلق السماوات والأرض

الكتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

المؤلف: أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي (المتوفى: 468هـ)

تحقيق: صفوان عدنان داوودي

دار النشر: دار القلم , الدار الشامية – دمشق، بيروت

الطبعة: الأولى، 1415 هـ

عدد الأجزاء: 1

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو ضمن خدمة مقارنة التفاسير]

ص397

تفسير أبي السعود

{ثمّ استوى على العرش} أي استوى أمره واستولى وعن أصحابنا أن الاستواء على العرش صفة لله تعالى بلا كيف والمعنى أنه تعالى استوى على العرش على الوجه الذي عناه منزها عن الاستقرار والتمكن والعرش الجسم المحيط بسائر الأجسام سمي به لارتفاعه أو للتشبيه بسرير الملك فإن الأمور والتدابير تنزل منه وقيل الملك

الكتاب: تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

المؤلف: أبو السعود العمادي محمد بن محمد بن مصطفى (المتوفى: 982هـ)

الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو ضمن خدمة مقارنة التفاسير]

ج3

ص232

تفسير ابن جزي

استوى على العرش حيث وقع حمله قوم على ظاهره منهم ابن أبي زيد وغيره، وتأوّله قوم بمعنى: قصد كقوله: ثم استوى إلى السماء، ولو كان كذلك لقال: ثم استوى إلى العرش، وتأوّلها الأشعرية أنّ معنى استوى استولى بالملك والقدرة، و [القول] الحق:

الإيمان به من غير تكييف، فإنّ السلامة في التسليم، ولله در مالك بن أنس في قوله للذي سأله عن ذلك: الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والسؤال عن هذا بدعة، وقد روي مثل قول مالك عن أبي حنيفة، وجعفر الصادق، والحسن البصري، ولم يتكلم الصحابة ولا التابعون في معنى الاستواء، بل أمسكوا عنه ولذلك قال مالك السؤال عنه بدعة

الكتاب: التسهيل لعلوم التنزيل

المؤلف: أبو القاسم، محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله، ابن جزي الكلبي الغرناطي (المتوفى: 741هـ)

المحقق: الدكتور عبد الله الخالدي

الناشر: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم – بيروت

الطبعة: الأولى – 1416 هـ

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو ضمن خدمة مقارنة التفاسير]

ج1

ص290

تفسير ابن عطية

وقوله تعالى: استوى على العرش معناه عند أبي المعالي وغيره من حذاق المتكلمين بالملك والسلطان، وخص العرش بالذكر تشريفا له إذ هو أعظم المخلوقات، وقال سفيان الثوري: فعل فعلا في العرش سماه استواء.

قال القاضي أبو محمد: والعرش مخلوق معين جسم ما، هذا الذي قررته الشريعة، وبلغني عن أبي الفضيل بن النحوي أنه قال: العرش مصدر عرش يعرش عرشا، والمراد بقوله استوى على العرش هذا.

قال القاضي أبو محمد: وهذا خروج كثير عن ما فهم من العرش في غير ما حديث عن النبي صلى

الله عليه وسلم

الكتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

المؤلف: أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي (المتوفى: 542هـ)

المحقق: عبد السلام عبد الشافي محمد

الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت

الطبعة: الأولى – 1422 هـ

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو ضمن خدمة مقارنة التفاسير]

ج2

ص408

تفسير ابن كثير

وأمّا قوله تعالى: {ثمّ استوى على العرش} فللنّاس في هذا المقام مقالات كثيرة جدّا، ليس هذا موضع بسطها، وإنّما يسلك في هذا المقام مذهب السّلف الصّالح: مالك، والأوزاعيّ، والثوري،

واللّيث بن سعد، والشّافعيّ، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه وغيرهم، من أئمّة المسلمين قديما وحديثا، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل. والظّاهر المتبادر إلى أذهان المشبّهين منفيّ عن اللّه، فإنّ اللّه لا يشبهه شيء من خلقه، و {ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير} [الشّورى:11] بل الأمر كما قال الأئمّة -منهم نعيم بن حمّاد الخزاعيّ شيخ البخاريّ -: “من شبّه اللّه بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف اللّه به نفسه فقد كفر”. وليس فيما وصف اللّه به نفسه ولا رسوله تشبيه، فمن أثبت للّه تعالى ما وردت به الآيات الصّريحة والأخبار الصّحيحة، على الوجه الّذي يليق بجلال اللّه تعالى، ونفى عن اللّه تعالى النّقائص، فقد سلك سبيل الهدى.

الكتاب: تفسير القرآن العظيم

المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)

المحقق: سامي بن محمد سلامة

الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع

الطبعة: الثانية 1420هـ – 1999 م

عدد الأجزاء: 8

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، والصفحات مذيلة بحواشي المحقق، وهو ضمن خدمة مقارنة التفاسير]

ج3

ص427

تفسير الإيجي

(ثمّ استوى على العرش)

أجمع السلف على أن استواءه على العرش صفة له بلا كيف نؤمن به ونكل العلم إلى الله تعالى وليس المراد منه خلق العرش بعد السماوات والأرض كما فسر بعض العلماء

الكتاب: تفسير الإيجي جامع البيان في تفسير القرآن

المؤلف: محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الحسني الحسيني الإيجي الشافعيّ (المتوفى: 905هـ)

دار النشر: دار الكتب العلمية – بيروت

الطبعة: الأولى، 1424 هـ – 2004 م

عدد الأجزاء: 4

أعده للشاملة/ أبو إبراهيم حسانين

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مقابل]

ج1

ص621

تفسير البغوي

ثمّ استوى على العرش، قال الكلبيّ ومقاتل: استقرّ. وقال أبو عبيدة: صعد. وأوّلت المعتزلة الاستواء بالاستيلاء [1] . فأمّا أهل السنة يقولون: الاستواء على العرش صفة للّه تعالى بلا كيف يجب على الرّجل الإيمان به ويكل العلم فيه إلى اللّه عزّ وجلّ.

وسأل رجل مالك بن أنس عن قوله: الرّحمن على العرش استوى (5) ، كيف استوى؟ فأطرق رأسه مليّا وعلاه الرّحضاء ثمّ قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسّؤال عنه بدعة، وما أظنّك إلّا ضالّا، ثمّ أمر به فأخرج. وروي عن سفيان الثّوريّ والأوزاعيّ واللّيث بن سعد وسفيان بن عيينة وعبد اللّه بن المبارك وغيرهم من علماء السّنّة في هذه الآيات الّتي جاءت في الصّفات المتشابهات: أمرّوها كما جاءت بلا كيف. والعرش في اللّغة: هو السّرير. وقيل: هو

ما علا فأظلّ، ومنه عرش الكروم. وقيل: العرش الملك.

الكتاب : معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي

المؤلف : محيي السنة ، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي (المتوفى : 510هـ)

المحقق : عبد الرزاق المهدي

الناشر : دار إحياء التراث العربي -بيروت

الطبعة : الأولى ، 1420 هـ

عدد الأجزاء :5

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ، وهو مذيل بالحواشي، وضمن خدمة مقارنة التفاسير]

__________

الكتاب مرتبط بنسخة أخرى (ط : دار طيبة) للشاملة، ومصورة

ج2

ص197

تفسير البيضاوي

ثمّ استوى على العرش استوى أمره أو استولى، وعن أصحابنا أن الاستواء على العرش صفة لله بلا كيف، والمعنى: أن له تعالى استواء على العرش على الوجه الذي عناه منزها عن الاستقرار والتمكن، والعرش الجسم المحيط بسائر الأجسام سمي به لارتفاعه، أو للتشبيه بسرير الملك فإن الأمور والتدابير تنزل منه وقيل الملك.

الكتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل

المؤلف: ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي (المتوفى: 685هـ)

المحقق: محمد عبد الرحمن المرعشلي

الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت

الطبعة: الأولى – 1418 هـ

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو ضمن خدمة مقارنة التفاسير]

ج3

ص16

تفسير الثعالبي

وقوله سبحانه: ثمّ استوى على العرش معناه عند أبي المعالي وغيره من حذّاق المتكلمين: الملك، والسلطان «2» ، وخصّ العرش بالذّكر تشريفا له إذ هو أعظم المخلوقات.

الكتاب: الجواهر الحسان في تفسير القرآن

المؤلف: أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي (المتوفى: 875هـ)

المحقق: الشيخ محمد علي معوض والشيخ عادل أحمد عبد الموجود

الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت

الطبعة: الأولى – 1418 هـ

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو ضمن خدمة مقارنة التفاسير]

ج3

ص37

تفسير الثعلبي

ثمّ استوى على العرش قال الكلبي ومقاتل: يعني استقر وقال أبو عبيد [فصعد] وقال بعضهم: استولى وغلب.

وقيل: ملك وغلب، وكلّها تأويلات مدخولة لا يخفى [بعدها] وأمّا الصحيح والصواب فهو ما قاله الفراء وجماعة من أهل المعاني [إن أول ما] خلق العرش وعهد إلى خلقه يدل عليه قوله تعالى ثمّ استوى إلى السّماء «1» أي إلى خلق السماء.

وقال أهل الحق من المتكلمين: أحدث الله فعلا سماه استواء، وهو كالإتيان والمجيء والنزول [وهي] صفات أفعاله.

روى الحسن عن أم سلمة في قوله تعالى الرّحمن على العرش استوى «1» قالت: الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والنزول به إيمان والجحود به كفر.

عن محمد بن شجاع البلخي قال: سئل مالك بن أنس عن قول الله تعالى الرّحمن على العرش استوى كيف استوى؟ قال: الكيف مجهول والاستواء غير معقول والإيمان واجب فالسؤال عنه بدعة.

وروى محمد بن شعيب بن شابور عن أبيه أن رجلا سأل [الأوزاعي] في قوله تعالى الرّحمن على العرش استوى فقال: هو على العرش كما وصف نفسه، وإني لأراك رجلا ضالا.

وبلغني أن رجلا سأل إسحاق بن الهيثم الحنظلي فقال: كيف استوى على العرش أقائم هو أم قاعد؟

فقال: يا هذا إنما يقعد من يمل القيام ويقوم من يمل القعود وغير هذا أولى لك ألّا تسأل عنه.

والعرش في اللغة السرير.

وقال آخرون: هو ما علا وأظل، ومنه عرش الكرم، وقيل: العرش الملك.

قال زهير:

تداركتما الاحلاف قد ثل عرشها … وذبيان قد زلت بأقدامها النعل «2»

الكتاب: الكشف والبيان عن تفسير القرآن

المؤلف: أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أبو إسحاق (المتوفى: 427هـ)

تحقيق: الإمام أبي محمد بن عاشور

مراجعة وتدقيق: الأستاذ نظير الساعدي

الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان

الطبعة: الأولى 1422، هـ – 2002 م

عدد الأجزاء: 10

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو ضمن خدمة مقارنة التفاسير]

ج4

ص239

أقوال السلف والخلف في تفسير آية الاستواء “ثم استوى على العرش”/ج1 https://drwaleedbinalsalah.com/صفة-الاستواء-وحاصل-ما-رأيت-فيها-سبعة-أج/

السابق
نصوص مفسري السلف والخلف والمتقدمين والمتأخرين والمعاصرين في آية الاستواء: {استوى على العرش} [الأعراف:54]/ج5
التالي
نصوص مفسري السلف والخلف والمتقدمين والمتأخرين والمعاصرين في آية الاستواء: {استوى على العرش} [الأعراف:54]/ج2