صفة الاستواء

أثر أبي العالية في تفسير الاستواء رواية، بيان علله وتناقض دمشقية في سنده[1]

أثر أبي العالية في تفسير الاستواء رواية، بيان علله وتناقض دمشقية في سنده[1]

الزواجرالصلاحيةلردع_دمشقية

الجوابعنأسئلة_دمشقية

جوابالسؤالالثانيوالثالثعنأثريالاستواء

وأما أثر أبي العالية، فالكلام عليه وجوه:
الأول: تخريج الأثر:
جاء في صحيح البخاري: قال أبو العالية { استوى إلى السماء } ارتفع[2].اهـ وقد ذكر الحافظ في الفتح أن الطبري وصله فقال: أخرجه الطبري من طريق أبي جعفر الرازي عنه في قوله تعالى “ثم استوى إلى السماء” قال: ارتفع[3].اهـ
وكذا عزاه السيوطي إلى الطبري عن أبي العالية كما في الدر المنثور بتحقيق د. التركي[4]، ولكن أشار د. التركي في حاشيته على الدر المنثور إلى أن الطبري ذكره من قول الربيع لا من قول أبي العالية. وذكر د.التركي أيضا لكن في حاشيته على تفسير الطبري[5]أن السيوطي في الدر المنثور نسبه إلى الطبري عن الربيع عن أبي العالية.
وحاصل هذا أن ابن حجر والسيوطي كلاهما ذكرا أن أثر أبي العالية هذا أخرجه الطبري في تفسيره، ولكن الموجود في طبعتَي تفسير الطبري سواء الطبعة التي هي بتحقيق التركي 1/456، أو الطبعة التي بتحقيق الأستاذ شاكر 1/429: هو وصله إلى الربيع فحسب، حيث قال الطبري في تفسيره : وقال بعضهم: الاستواء هو العلو، والعلو هو الارتفاع. وممن قال ذلك الربيع بن أنس. حُدثت بذلك عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس:”ثم استوى إلى السماء”. يقول: ارتفع إلى السماء[6].اهـ وهذا خلاف ما ذكره الحافظ في الفتح حيث وصله من طريق الطبري في تفسيره إلى الربيع عن أبي العالية، فالله أعلم بحقيقة الأمر.
وهذا ما تنبه إليه عبد المجيد الشيخ عبد الباري صاحب كتاب الروايات التفسيرية في فتح الباري (1/ 136) حيث قال هنا: أخرجه ابن جرير.. عن الربيع بن أنس – فذكره من قوله، ولم يذكر “أبا العالية”. وأخرجه ابن أبي حاتم سورة البقرة (6 / 1925)، حدثنا عصام بن الرواد، ثنا آدم، ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية – مثله. وذكره السيوطي في الدر المنثور 1/107 عن أبي العالية، ونسبه إلى ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي.اهـ
فأفاد أن الطبري في تفسيره المطبوع الآن وصله إلى الربيع بن أنس فقط ، وأنه قد وصله ابن أبي حاتم في تفسيره المطبوع الآن إلى الربيع عن أبي العالية، فيحتمل أن هذا التفسير قال به الربيع وشيخه أبو العالية معا، ويحتمل أنه من قول الربيع فحسب ولكن أبا جعفر – الراوي عن الربيع – لسوء حفظه كما سيأتي كان يصله أحيانا إلى أبي العالية.
نعم أخرجه الحافظ في تغليقه بسنده من غير طريق الطبري فقال: وأنبأنا محمد بن أحمد بن علي عن يونس بن أبي إسحاق عن علي بن الحسين أن محمد بن ناصر كتب إليهم أنا عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى أنا عبد العزيز بن عبد الواحد الشيباني ثنا أبو بكر الشافعي ثنا يعقوب بن إسحاق القزويني ثنا محمد بن سعيد بن سابق ثنا أبو جعفر بن عيسى بن ماهان الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى {استوى إلى السماء} قال ارتفع.اهـ
الثاني: الكلام في إسناده.
نلاحظ أن في سند الطبري وأبي حاتم وابن حجر: أبو جعفر الرازي، قال المزي: أبو جعفر الرازي، مولى بني تميم، قيل: اسمه: عيسى بن أبي عيسى .. وقيل: اسمه عيسى بن ماهان بن إسماعيل.. روى عن: حصين بن عبد الرحمن السلمي…والربيع بن أنس الخراساني[7]…ثم ذكر المزي الكلام فيه، وأنا سأسرده، وأضع خطا تحت الأقوال التي تضعفه أو تتكلم فيه :
1) قال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: ليس بقوي في الحديث.
2) وقال حنبل بن إسحاق، عن أحمد بن حنبل: صالح الحديث.
3) وقال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين: كان ثقة …
4) وقال أحمد بن سعد بن أبي مريم، عن يحيى بن معين: يكتب حديثه ولكنه يخطئ.
5) وقال أبو بكر بن أبي خيثمة ، عن يحيى بن معين: صالح.
6) وقال عباس الدوري، عن يحيى بن معين: ثقة، وهو يغلط فيما يروي عن مغيرة.
7) وقال عبد الله بن علي ابن المديني ، عن أبيه: هو نحو موسى بن عبيدة وهو يخلط فيما روى عن مغيرة ونحوه.
😎 وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، عن علي ابن المديني، كان عندنا ثقة.
9) وقال محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي : ثقة.
10) وقال عمرو بن علي ـ أي الفلاس ـ: فيه ضعف، وهو من أهل الصدق، سيئ الحفظ.
11) وقال أبو زرعة: شيخ يهم كثيرا.
12) وقال أبو حاتم : ثقة، صدوق، صالح الحديث.
13) وقال زكريا بن يحيى الساجي : صدوق ليس بمتقن.
14) وقال النسائي : ليس بالقوي.
15) وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: سيئ الحفظ، صدوق.
16) وقال أبو أحمد بن عدي: له أحاديث صالحة، وقد روى عنه الناس، وأحاديثه عامتها مستقيمة، وأرجو إنه لا بأس به[8].اهـ
فهذا ما ذكره المزي وزاد الحافظ فقال :
17) وقال ابن حبان : كان ينفرد عن المشاهير بالمناكير ، لا يعجبنى الاحتجاج بحديثه إلا فيما وافق الثقات [9].
18) وقال العجلى : ليس بالقوي .
19) وقال الحاكم : ثقة .
20) وقال ابن عبد البر : هو عندهم ثقة ، عالم بتفسير القرآن [10]. اهـ .
هذه جملة الأقوال فيه من خلال تهذيبي المزي وابن حجر، ونزيد عليها قولي الذهبي وابن حجر:
21) فقد قال الذهبى في الكاشف: قال أبو زرعة يهم كثيرا وقال النسائي ليس بالقوي ووثقه أبو حاتم[11]. وقال في ميزان الاعتدال: صالح الحديث[12].
22) وقال ابن حجر في التقريب: صدوق سئ الحفظ خصوصاً عن مغيرة[13].
خلاصة الأقوال في أبي جعفر الرازي:
وبعد فهذه أقوال علماء الجرح والتعديل فيه، ويتلخص منها ثلاثة أقوال أو اتجاهات:
الأول: اتجاه من وثقه مطلقا، وهم: ابن معين في رواية، علي المديني في رواية، وابن عمار وأبو حاتم والحاكم، وابن عبد البر.
الثاني: اتجاه من ضعفه أو تكلم فيه، وهم: أحمد في رواية، وعلي المديني في رواية، والفلاس وأبو زرعة والساجي وابن خراش والنسائي وابن حبان والعجلي وابن حجر.
الثالث: اتجاه منهم من توسط فقال هو صالح الحديث وهم أحمد في رواية وابن عدي والذهبي في ميزانه.
ولعل الراجح في ذلك هو ما خلص إليه الحافظ في التقريب وهو أنه ” صدوق سئ الحفظ”، وهذا ما اعتمده الألباني حيث قال في حديث ” من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ..”: ضعيف… أخرجه الطبراني في ” الصغير “.. من طريق عبد الله بن أبي جعفر الرازي عن أبيه عن الربيع عن أبي العالية عن حذيفة بن اليمان مرفوعا ، وقال : لا يروى عن حذيفة إلا بهذا الإسناد . قلت : وهو ضعيف من أجل عبد الله بن أبي جعفر وأبيه فإنهما ضعيفان ، واقتصر الهيثمي في ” المجمع ” في إعلال الحديث على تضعيف الابن فقط وهو قصور ، فإن الأب أشد ضعفا من الابن[14].اهـ
واعتمده دمشقية أيضا حيث قال في حديث “عن أبى جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبى العالية عن أبى بن كعب قال المشركون للنبي – صلى الله عليه وسلم – « أنسب لنا ربك فنزلت قل هو الله أحد أو كما قال». … رواه البخاري في التاريخ الأوسط… قال الألباني « إسناده ضعيف لسوء حفظ أبي جعفر الرازي…[15].اهـ
قال وليد – فرّج الله همَّه وكشف غمَّه وسائر المسلمين- : فتأمل كيف ضعّف دمشقية بيديه تبعا للألباني عينَ سندِ أبي العالية الذي فسر به استوى بارتفع، والذي يطنطن به دمشقية ويقوم ويقعد!!!
وأما الربيع بن أنس:
فقد قال “العجلي : بصري صدوق. وقال أبو حاتم : صدوق، وهو أحب إلي في أبي العالية من أبي خلده. وقال النسائي: ليس به بأس”[16].
وذكره ابن حبان في كتاب “الثقات” وقال: الناس يتقون من حديثه ما كان من رواية أبي جعفر (الرازي) عنه، لان في أحاديثه عنه اضطرابا كثيرا[17]. وقال مغلطاي: وقال معاوية بن صالح عن ابن معين: كان الربيع بن أنس يتشيع فيفرط. وذكره أبو العرب في «جملة الضعفاء»[18]. وقال الحافظ في التقريب: “صدوق له أوهام ورمي بالتشيع”[19].
وأما أبو العالية:
فهو “رفيع بن مهران الرياحي سمع ابن عباس، وقال الكرماني: أبو العالية بالمهملة والتحتانية كنية لتابعيين بصريين راويين عن ابن عباس اسم أحدهما: رفيع مصغر رفع ضد الخفض، واسم الآخر: زياد بالتحتانية الخفيفة. انتهى. قلت: لم يعين أيهما قال: استوى إلى السماء ارتفع، وكذلك غيره من الشراح أهمل ولم يبين، والظاهر أنه: رفيع، لشهرته أكثر من زياد، ولكثرة روايته عن ابن عباس”[20].
وقال البرماوي: (أبو العالية) بمهملة وياء: هو كنية لتابعيين بصريين يرويان عن ابن عباس، أحدهما: رفيع، والآخر: زياد، وقيل: كلثوم[21].اهـ
وحاصل ما سبق أن في أثر أبي العالية عدة علل: الأولى: أبو جعفر الرازي لأنه سيئ الحفظ كما قال الحافظ وأقر بذلك الألباني ودمشقية. الثانية: الربيع بن أنس له أوهام كما قال الحافظ، وذكره أبو العرب في الضعفاء، وقال ابن حبان: والناس يتقون من حديثه ما كان من رواية أبي جعفر (الرازي) عنه، لان في أحاديثه عنه اضطرابا كثيرا.اهـ الثالثة: أبو العالية من هو ؟ هل هو رفيع أم زياد أو كلثوم أم من هو؟ وقد ذكر الذهبي أكثر من ستة كنيتهم أبو العالية[22]!!! وإن كان الظاهر أنه رفيع كما قال العيني.
وبالتالي فإن أثر أبي العالية لا يصح من هذا الطريق لهذه العلل وأهمها سوء حفظ أبي جعفر الرازي، ولكن أورده الحافظ من طريق آخر عن أبي العالية حيث قال في تغليق التعليق (5 / 344): أما قول أبي العالية فقال أبو جعفر الطبري في تفسيره حدثنا محمد ثنا أبو بكر بن عياش عن حصين عن أبي العالية.اهـ ونحوه قول العيني: والتعليق المذكور وصله الطبري عن محمد بن أبان: حدثنا أبو بكر بن عياش عن حصين عن أبي العالية [23].
والجواب عن هذه الطريق: أولا: هذا السند غير موجود أصلا في تفسير الطبري الموجود بيننا بطبعتيه، أي لا في الطبعة التي حققها الأستاذ شاكر، ولا التي حققها د.التركي، بل لا يوجد فيه الأثر عن أبي العالية أصلا، وإنما الموجود فيه هو ما رواه أبو جعفر الرازي عن الربيع أنه قال استوى ارتفع، وقد سبق أن بينا ذلك.
ولذلك فإن محقق تغليق التعليق – سعيد القزقي – لم يذكر لنا في الحاشية أين ذكر الطبري هذه الطريق، وإنما ذكر القزقي بأن الحافظ أشار إليها في الفتح!! ولكن الحافظ لم يذكر سوى طريق أبي جعفر الرازي فلعل القزقي يقصدها. قال الحافظ: قوله قال أبو العالية استوى إلى السماء ارتفع …أخرجه الطبري من طريق أبي جعفر الرازي عنهفي قوله تعالى ثم استوى إلى السماء قال ارتفع[24]. اهـ وقد سبق أن بينا أن في المطبوع من الطبري وصله إلى الربيع فحسب.
ثانيا: هذا السند ” أبو بكر بن عياش عن حصين عن أبي العالية ” مجردا عن المتن السابق، لم أجده في أي كتاب من كتب الحديث، بل لم أجد رواية لحصين عن أبي العالية أصلا، وإنما الذي ذكره المزي في ترجمته لأبي العالية أن من الرواة عنه: أبو جهمة زياد بن الحصين[25]. نعم في صحيح البخاري: أبو بكر يعني ابن عياش، عن حصين، عن عمرو بن ميمون…[26]
والحاصل أن هذا السند والمتن لا وجود له في تفسير الطبري الذي بين أيدينا، بل لا وجود لهذا السند مجردا عن المتن في أي من كتب الحديث حسب بحثي وبالاستعانة بالحاسوب في آلاف الكتب، فهل وهم الحافظ في ذلك في تغليق التعليق؟! لأن الحافظ نفسه لم يذكر هذه الطريق في الفتح، أم الوهم من ناسخ التغليق أو من المحقق أم ماذا؟ فالله أعلم
ثالثا: على فرض وجود هذه الطريق في بعض نسخ تفسير الطبري، فإن فيها محمدا الرواي عن أبي بكر بن عياش كما في الفتح، وهو محمد بن أبان كما في عمدة القاري للعيني كما سبق، ويوجد عدة رجال اسم محمد بن أبان، وكلهم فيهم كلام ولذلك ذكرهم الذهبي في ميزان الاعتدال[27]سوى حمدويه فقد ” كان ثقة حافظا مصنفا مشهورا”[28]، من رجال البخاري[29]، وهذا مات مات ببلخ سنة أربع وأربعين ومئتين، وقيل بعد سنة من ذلك[30].
وقد ذكر الحافظ في موضع واحد من التقريب ثلاثة باسم محمد بن أبان، الأول: الواسطي وقال عنه صدوق تكلم فيه الأزدي [31]، والبلخي حمدويه مستملي وكيع وقال عنه ثقة حافظ، ومنهم بلخي آخر وقال مستور[32].
ومنهم أيضا محمد بن أبان الجعفي القرشي مولاهم ، وهو الذي يروي عنه الطبري في تفسيره، ولكن هذا ضعيف، قال الأستاذ أحمد شاكر عند بعض الأحاديث[33]: ومحمد بن أبان القرشي: هو”محمد بن أبان بن صالح بن عمير”، مولى لقريش. ترجمه البخاري في الكبير وقال: “يتكلمون في حفظه” وذكر في الصغير مرتين وقال في أولاهما: “يتكلمون في حفظ محمد بن أبان، لا يعتمد عليه”. وقال في الضعفاء، “ليس بالقوي”[34].اهـ وقال الذهبي: ضعفه أبو داود، وابن معين. وقال البخاري: ليس بالقوى، وقيل: كان مرجئا[35].اهـ
وهكذا نرى أن هناك عدة رجال باسم محمد بن أبان كلهم متكلم فيهم سوى حمدويه، وليس متعينا عن أي منهم روى الطبري أثر أبي العالية؟! قد يقال: لعل الراجح هنا أن المراد به محمد بن أبان بن عمران الواسطي، لأن المزي ذكر من جملة من روى عنهم أبو بكر بن عياش وهو الذي في الطريق السابقة. والجواب أن هذا ردّه الأستاذ شاكر فقال في تتمة تعليقه السابق: وأما ترجمته في التهذيب فإنها مختلة مضطربة، خلط فيها بين هذا وبين”محمد بن أبان الواسطي”، وشتان بينهما. والواسطي مترجم عند البخاري وعند ابن ابي حاتم وكلاهما لم يذكر فيه جرحا[36].اهـ
رابعا: لم يذكر الحافظ الواسطة بين محمد بن أبان وبين الطبري، والطبري يروي في تفسيره عن محمد بن أبان بواسطتين[37]. قد يقال: ربما روى هذا الأثر عن محمد بن أبان الواسطي أو البلخي حمدويه مستملي وكيع كما سبق، وكلاهما أدركهما الطبري، لأن الواسطي مات سنة تسع وثلاثين ومئتين، وقيل قبل ذلك بسنة، كما ذكر المزي[38]، وحمدويه مات بعد الواسطي بخمس سنين تقريبا كما سبق، والطبري: مولده بآمل سنة أربع وعشرين ومائتين[39].اهـ أي كان الطبري سنه 14 أو 15 سنة حين مات الواسطي، وحوالي 20 سنة حين مات حمدويه.
قلنا: هذا مجرد احتمال عقلي وهو مستبعد لأمور، الأول: ما سبق ذكره أن الطبري في تفسيره – الذي عزا إليه الحافظ أثر حصين عن أبي العالية – لا يروي عن محمد بن أبان إلا بواسطتين. ولا توجد أصلا في تفسير الطبري ترجمة حصين عن أبي العالية، ولا هي موجودة في كتب الحديث كافة كما سبق.
الثاني: أن الحفاظ كالخطيب البغدادي وابن عساكر والذهبي الذين ترجموا للطبري لم يذكروا من شيوخه محمد بن أبان[40]. وعلى كلٍ الواسطي قال فيه الذهبي: قال الأزدي: ليس بذاك. وقال ابن حبان في الثقات: ربما أخطأ[41].اهـ ولكن قال مسلمة فى ” الصلة ” عنه : ثقة[42].اهـ
خامسا: أن أبا بكر بن عياش قد قال الحافظ فيه: ثقة عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظهوكتابه صحيح[43].
والخلاصة
أن أثر أبي العالية له طريقان، أحدهما: طريق محمد بن أبان عن ابن عياش عن حصين عن أبي العالية، وعزاه الحافظ إلى تفسير الطبري، وليس موجودا فيه بطبعتيه التي بين أيدينا، وعلى فرض وجوده في بعض نسخ الطبري، فإن محمد بن أبان عدة رجال، والذي يروي عنه الطبري هو الجعفي قد ضعفه أبو داود وابن معين كما ذكر الذهبي في الميزان، وابن عياش ساء حفظه آخر عمره.
والطريق الثاني: طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية عند أبي حاتم، ولكن عند الطبري وصله إلى الربيع فقط، هذا الموجود بين أيدينا من تفسير الطبري بطبعتيه، وذكر الحافظ أن الطبري وصله في تفسيره من طريق أبي جعفر عن الربيع عن أبي العالية. على كلٍ في هذه الطريق: أبو جعفر الرازي وهو سيئ الحفظ كما رأينا.
وهكذا نرى أن أثر أبي العالية بطريقيه فيه علل، فضلا عن أنه كليهما ليستا موجودة في تفسير الطبري الذي عزاهما إليه الحافظ، نعم طريق أبي جعفر الرازي موجودة في تفسير أبي حاتم. وأبو جعفر هذا سيء الحفظ.
فهذا كله يطعن في صحة أثر أبي العالية وإن جزم البخاري بتعليقه، ولعل هذا ما أشار إليه البيهقي في الأسماء والصفات فقال: ويُذكر عن أبي العالية في هذه الآية أنه قال : ” استوى يعني : ارتفع”.اهـ فقوله ” ويُذكر عن أبي العالية ” عادة تمريض وتضعيف للرواية كما هو معلوم.
هذا وقد طعن الهلالي في سند هذا الأثر بطريقة غير مباشرة لأنه قد ورد بنفس هذا السند أيضا تأويل الساق وذلك من طريق أبي جعفر عن الربيع في قول الله {يوم يكشف عن ساق} قال: يكشف عن الغطاء[44].
فضعفه الهلالي ـ وتابعه دمشقية طبعا ـ قائلا: ” إسناده ضعيف، لأن أبا جعفر وهو الرازي واسمه عيسى بن ماهان : سيء الحفظ”[45]، وأبو جعفر الرازي هذا هو نفسه الذي روى عن الربيع عن أبي العالية تفسير استوى بارتفع، والذي ملأ به دمشقية الدنيا صراخا محتجا به على تفسير السلف لآيات الاستواء ونحوها من آيات الصفات المتشابهة، فكيف يكون أبو جعفر هذا سيئ الحفظ عندما يروي عن الربيع تأويل الساق، وحينما يروي عن الربيع عن أبي العالية تفسير الاستواء يكون حجة ضابطا عند دمشقية؟!!! وهذا بينته في تسجيلات لي على اليوتيوب[46].
وهكذا أكون قد أتممت الكلام على أثري مجاهد وأبي العالية في تفسير الاستواء رواية، وبينت أن كليهما وإن علقها البخاري بصيغة الجزم إلا أن فيهما عللا تمنع من صحتهما على ما سبق بيانه، كما بينت تحكم دمشقية وتناقضه في سندي هذين الأثرين، فساعة يصححها، وأخرى يضعفها حسب هواه، فهو يضعف هذين السندين إذا ورد بهما تأويل الساق، ويصححهما إذا ورد بهما تفسير الاستواء!! وكان الواجب إما أن يصححهما في كلا الأمرين أي في تفسير الاستواء وتأويل الساق، أو يضعفهما في كليهما.
وأما نحن فنقول إن السندين فيهما عللا سواء ورد بهما تفسير الاستواء أو تأويل الساق، ولا يضرنا أن لا يصح تأويل الساق عن مجاهد والربيع لأسباب، أولا: لأن مجاهدا روي عنه تأويل الساق بسند آخر عند الطبري في تفسيره[47]. ثانيا: حتى لو لم يصح عن مجاهد والربيع تأويل الساق، فقد ورد تأويل الساق بعشرة أسانيد عن ابن عباس[48]اثنين منهما حسن وثالث صحيح كما قال الحافظ في الفتح[49]، وورد أيضا عن قتادة بسند حسن باعتراف الهلالي[50]، وورد أيضا عن سعيد بن جبير والنخعي وعكرمة[51]. ثالثا: حتى لو لم يثبت شيء عنهم شيء في تأويل الساق فقد ورد عن بعض السلف تأويل لغيرها من آيات الصفات وأحاديثها، من ذلك تأويلهم لآيات المعية بإقرار الخصم[52]. رابعا: حتى لو لم يثبت شيء من التأويل عن السلف، فهذا لا يضرنا بل هذا أفضل لأنه حينئذ لم يثبت عنهم لا في تفسير الصفات ولا تأويلها، وهذا عند ابن تيمية أسوأ لأنه تفويض، والتفويض شر من التأويل عنده، فهو يقول: “فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد”([53]).

وأما الكلام على أثري مجاهد وأبي العالية دراية فهذا ما سنبسطه في المنشور القادم وربما الذي يليه إن شاء الله لنبين أن الأثرين على فرض صحتهما لا حجة فيهما أن السلف فسروا آيات الصفات، وسنأتي بكلام شرّاح البخاري على أثري مجاهد وأبي العالية .. فانتظره

[1] انظر السابق:
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/3291003717680294
[2]صحيح البخاري بتحقيق البغا (6/ 2698)
[3]فتح الباري لابن حجر (13 / 405)، تغليق التعليق (5 / 344)
[4] الدر المنثور ط هجر 1/232
[5]جامع البيان ط هجر (1/ 456)
[6]جامع البيان ت شاكر (1/ 429)
[7]تهذيب الكمال في أسماء الرجال (33/ 192)
[8]تهذيب الكمال (33/ 192/7284)
[9](المجروحين: 2 / 120)
[10]تهذيب التهذيب 12 / 57
[11]الكاشف (2/ 416)
[12]ميزان الاعتدال (3/ 319)
[13]تهذيب الكمال (33/ 192/7284) ميزان الاعتدال (6/ 385/6601) تهذيب التهذيب (6/ 324/9359) تقريب التهذيب (ص582/ 8019)
[14] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (1/ 483)
[15] استدلال الشيعة بالسنة النبوية في ميزان النقد العلمي – رسالة دكتوراة لدمشقية، نسخة المكتبة الشاملة (1/ 452)
[16] تهذيب الكمال (9/ 60)
[17] تهذيب التهذيب: 3 / 238، الثقات لابن حبان (4/ 228)
[18] إكمال تهذيب الكمال لمغلطاي (4/ 329)
[19] تقريب التهذيب ـ العاصمة (ص: 318)
[20] عمدة القاري شرح صحيح البخاري (25/ 167)
[21]اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (17/ 367)
[22]المقتنى في سرد الكنى (1/ 336)
[23]«عمدة القاري شرح صحيح البخاري» (٢٥/ ١١١)
[24]فتح الباري لابن حجر (13/ 405)
[25]تهذيب الكمال في أسماء الرجال (9/ 215)
[26]صحيح البخاري (6/ 148)
[27]ميزان الاعتدال (3/ 453)
[28]تاريخ الإسلام ت بشار (5/ 1209)
[29] رجال صحيح البخاري، الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد للكلاباذي (2/ 639)
[30] تهذيب الكمال في أسماء الرجال (24/ 300)
[31] انظر خلاف العلماء في رواية البخاري للواسطي، تهذيب الكمال (24/ 294)
[32] تقريب التهذيب (ص: 465)
[33]وذلك عند قول الطبري في جامع البيان ت شاكر (3/ 410): حُدّثت عن يحيى بن زياد، عن محمد بن أبان [القرشي] ، عن أبي أمية الطنافسي، عن الشعبي أنه قال: لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشك فيه فيقال: من شعبان…
[34]جامع البيان ت شاكر (3/ 410)
[35]ميزان الاعتدال (3/ 454)
[36]جامع البيان ت شاكر (3/ 410)
[37]مثلا يقول الطبري في جامع البيان ت شاكر (10/ 70): – حدثنا ابن حميد قال، حدثنا الصباح بن محارب، عن محمد بن أبان، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن أبي كرب، عن جابر بن عبد الله قال: سمع أذني من النبي صلى الله عليه وسلم: ويل للعراقيب من النار. قال شاكر: و”محمد بن أبان بن صالح بن عمير الجعفي”، تزوج في الجعفيين، فنسب إليهم. ضعفوه، متكلم في حفظه.
[38]تهذيب الكمال في أسماء الرجال (24/ 295)
[39]تاريخ الإسلام ت بشار (7/ 161)
[40]تاريخ بغداد ت بشار (2/ 548)، تاريخ دمشق لابن عساكر (52/ 188)، تاريخ الإسلام ت بشار (7/ 160).
[41]ميزان الاعتدال (3/ 453)
[42]تهذيب التهذيب 9 / 3 ، وانظر تهذيب الكمال (24/ 294)
[43]تقريب التهذيب (ص: 624)
[44] جامع البيان ط هجر (23/ 195)
[45] المنهل الرقراق للهلالي ص43
[46] انظر:
https://www.youtube.com/watch?v=L-J0LilsGkQ
https://www.youtube.com/watch?v=-Oh198i_uPU
[47] تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (23/ 188)
[48] انظرها في المنهل الرقراق للهلالي ص17 إلى ص30
[49] فتح الباري لابن حجر (13/ 428)
[50] انظر المنهل الرقراق للهلالي ص40
[51] انظر المنهل الرقراق ص37
[52] الآثار المروية في صفة المعية، محمد بن خليفة بن علي التميمي (ص: 18)
([53]) درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية – (1/205).

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/3293401164107216

السابق
شيخ الحديث المولوي عبدالرحمن الچابهاري الحنفي الديوبندي النقشبندي من علماء البلوش في إيران من أهمّ أعماله ترجمة المهند علی المفند
التالي
أثر مجاهد في تفسير الاستواء روايةً، بيان علله وتناقض دمشقية في سنده!!(2)