8ـ التقرب إلى الله زلفى في تفسير قوله تعالى “مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى”*
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/435777059869655
الوجه الرابع: أن الشرع أهان الأصنامَ وسفهها وسفّه عابديها، بخلاف قبور المسلمين التي عظّمها بأن جعل لها حرمة كما جعل للكعبة حرمة أيضا؛ فبطل قياسكم للقبور على الأصنام، وبيان ذلك فيما يلي:
أما أن الشرع أهان الأصنامَ وسفهها وسفّه عابديها فقال تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } [الأنبياء: 98]، كما شرع تكسيرها وإتلافها فقال تعالى على لسان الخليل إبراهيم عليه السلام: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ }، وروى مسلم (832) عن عمرو بن عبسة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : وبأي شيء أرسلك ؟ قال : ” أرسلني بصلة الأرحام ، وكسر الأوثان ، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء “. [الأنبياء:57ـ58].
لا يقال: إن الشرع أمر بتسوية القبور وهدم ما تطاول منها كما أمر بهدم الأصنام لحديث مسلم حيث قال حدثنا وكيع عن سفيان عن عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي وائل عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته.
لأننا نقول: فرق بين تكسير الأصنام برمتها وهدمها من أصلها وإتلافها، وبين هدم ما تطاول وعلا من القبور وتسويتها، مع الحفاظ على القبر بعد تسويته وعدم جواز نبشه كما سيأتي، على أن تسوية القبور أمر مختلف فيه لتعارض الأدلة والآثار في ذلك كما هو موضح في موضعه، بخلاف الأمر بتكسير الأصنام فإنه لا خلاف في جواز ذلك؛ على أن حديث أبي الهياج هذا فيه علة عنعنة حبيب وهو مدلس[1]، هذا فضلا عما في الحديث من اختلاف في السند على الثوري كما بسط ذلك الدارقطني[2].
ونهى الشرع أيضا عن صناعة الأصنام واقتنائها وبيعها ففي حديث الشيخين عن جابر مرفوعا ” إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام “.
وهذا كله بخلاف قبور المسلمين التي عظمها الشارع بأن جعل لها حرمة كما جعل للكعبة حرمة أيضا، وبيان ذلك؛ أن الشارع نَهى أن يُجلس على القبر أو يُمشى عليه أو ينبش لغير مصلحة شرعية راجحة، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (32/ 245): القبر محترم شرعا توقيرا للميت ، ومن ثم اتفق الفقهاء على كراهة وطء القبر والمشي عليه ، لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن توطأ القبور[3].اهـ
وثمة أحاديث أخرى في ذلك، وإليك بعضها؛ أما الجلوس على القبور فقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث، منها قوله صلى الله عليه وسلم: لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر. رواه مسلم في صحيحه.
فإن قلتم جاء في حديث مسلم عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلا تُصَلُّوا إِلَيْهَا “. فقد نهى عن الصلاة إلى القبور كما نهي عن الصلاة إلى الأصنام، وهذا بخلاف الكعبة التي جُعلت لنا قبلة في الصلاة.
قلنا: ليس الأمر بالتوجه للكعبة في الصلاة هو لأجل تعظيمها وإلا لجاز لنا التوجه في الصلاة إلى كل معظم كالنبي والولي والوالدين والمصحف ونحو ذلك، وهذا باطل كما هو معلوم، وكذلك فليس النهي عن التوجه للقبر إهانة له ولا هو نقصان في تعظيمه وغضا من حرمته، وإلا لكان عدم اتخاذ الأنبياء والأولياء والمصاحف قبلة إهانة لهم ونقصانا في تعظيمهم ، بل لكان عدم التوجه إلى الكعبة حين كانت القبلة هي بيت المقدس: تنقيصا للكعبة، وهذا كله باطل أيضا.
غاية ما في الأمر أن الله جعل الكعبة قبلة واحدة يتجه إليها المسلمون كافة، وفُضّلت الكعبة على غيرها لعدة خصائص، منها أنها أول بيت وضع للناس كما قال تعالى: { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران: 96]، ولكونها موازية للبيت المعمور التي تطوف حوله الملائكة في السماء على ما روي من أخبار في ذلك وإن كان في ثبوت المرفوع منها نظر[4]، ومنها ما قاله تعالى: { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا } [البقرة: 125]، ومنها أن البيت بناه الخليل إبراهيم عليه السلام بأمر من ربه تعالى كما قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} [البقرة: 127]، وقال أيضا: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: 26]…..إلى غير ذلك من الخصائص والحِكم التي يعلمها الله تبارك وتعالى، على أنه كما قال تعالى {لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ } [الرعد: 41]، وهو تعالى : { لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23][5].
وأما النهي عن المشي على القبور، فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم: لأن أمشي على جمرة أو سيف أو أخصف نعلي برجلي أحب إلي من أن أمشي على قبر مسلم. رواه ابن ماجه وصححه البوصيري وجود إسناده الألباني، وقوله [6].
وهذا بغض النظر عن الخلاف الواقع بين الفقهاء وهو هل النهي عن الجلوس على القبر للكراهة، أم التحريم؟ وهل الجلوس المنهي عنه هو الجلوس لقضاء الحاجة، أم الجلوس لأي غرض كان[7].
وذكر الفقهاء حرمة نبش القبور إلا لمصلحة شرعية على تفصيل وخلاف بينهما، وإليك ……انظر اللاحق https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/437871379660223/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*انظر السابق: https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/426179794162715/
[1] وفي ذلك يقول الكوثري: وحديث أبي الهياج في إسناده اختلاف مع عنعنة حبيب بن أبي ثابت، ومع كون التسوية غير معمول بها مدى الدهور. انظر مقالات الكوثري ص156. وما أعله به الكوثري حق، فإن حبيبا هذا مدلس من الطبقة الثالثة كما قال الحافظ ابن حجر في تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس ص37، وهذه الطبقة لا يقبل منها إلا ما صرحت بالتحديث. وأما اختلاف سنده فيعرف ذلك من الاطلاع على أسانيد الحديث في مسند أحمد فضلا عن غيره، انظر: مسند أحمد، ط/ الرسالة (2/87)، (2/366)، (2/399).
[2] ‘‘‘‘والاختلاف على الثوري متعدد الوجوه، لكن أشهرها وأقواها وجهان.
الوجه الأول: سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي وائل، عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي عليُّ بن أبي طالب، فذكره.
الوجه الثاني: سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي وائل: أنَّ علياً قال لأبي الهياج، فذكره.
والوجه الأول هو الذي أخرجه مسلم، وقد رواه عن الثوري أكثر وأوثق أصحابه كوكيع ويحيى القطان وأبي نعيم وبشر بن السري وابن مهدي في روايةٍ عنه، وغيرهم. وأما الوجه الثاني فقد رواه عنه ابن مهدي في روايةٍ عنه وأبو إسحاق الفزاري، وهو الذي صحَّحه البخاري)). اهـ قلتُ: أسهب الدارقطنيُّ في بيان الاختلاف في روايات هذا الحديث’’’’
انظر ذلك مع المزيد على : http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=305733
[3] حديث : ” نهى أن توطأ القبور ” . أخرجه الترمذي ( 3 / 359 ) من حديث جابر بن عبد الله، وقال : حديث حسن صحيح .
[4] أخرج الطبري عن قتادة قال: ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “البيت المعمور مسجد في السماء بحذاء الكعبة، لو خر لخر عليها، يدخله سبعون ألف ملك كل يوم إذا خرجوا منه لم يعودوا” وروى نحوه عن ابن عباس وعلي رضي الله عنها موقوفا، وروي عن ابن عباس وعن أبي هريرة مرفوعا ولكن بسند ضعيف كما في الدر المنثور للسيوطي 13/694/ بتحقيق التركي، وثمة أخبار أخرى في ذلك، وقد صحح لفظة “بحيال أو بحذاء الكعبة” بمجموع طرقها الألباني في السلسلة الصحيحة 1/858ـ 860، وفيه نظر لا سيما وأنه يتعارض مع علم الفلك الحديث كما هو ظاهر، وربما نعود لتحقيق ذلك لاحقا فإذن الله انظر:http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa…
[5] انظر: http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa…
[6] http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa…
[7] انظر : الموسوعة الفقهية الكويتية (32/ 245)، وانظر أيضا قوله: ” واختلفوا في المراد من أحاديث النهي عن الجلوس على القبر: ..” على الرابط: http://www.dar-alifta.org/ViewFatwa.aspx?ID=4679