رفع السارية في بيان أقوال العلماء في حديث الجارية “
أولا :
مقدمة وبيان وتوضيح
فأنا العبد الفقير لله أبومازن الأزهري غفر الله له وعفا عنه وعن والديه وأهله ومحبيه والمسلمين والمسلمات علي عقيدة أهل السنة والجماعة التي كان عليها النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم والأئمة الأربعة المتبعون وخصوصا إمام مذهبي الحنفي الذي أفخر بالإنتماء إليه الإمام التابعي المحدث الفقيه أبوحنيفة النعمان رضي الله عنه فيما نقل عنه في الفقه الأكبر والأبسط بالأسانيد الصحيحة وما نقل عن أئمة المذهب الحنفي وعلي رأسهم الإمام أبي جعفر الطحاوي في عقيدته المعروفة بالطحاوية بعيدا عن تدليس المحرفين وتزييف بعض الشارحين !!
ثانيا :
معنى سؤاله صلى الله عليه وسلم: أين الله؟ في حديث الجارية”.
حديث الجارية من الأحاديث المشكلة، وقد وقع في فهمه أوهامٌ وأغلاطٌ عند بعض المشتغلين بالعلم، فأثبتوا منه المكان لله تعالى؟
وللجواب عن حديث الجارية نقول: السؤال بأين في فصيح اللسان العربي قد يُراد به السؤال عن المكان أو السؤال عن المكانة، وقد جاء في الاستعمال الفصيح هذا وذاك، فإنهم يقولون عند الاستعلام عن منزلة فلان من الناس: أين منزلة فلان منك؟ وأين فلان من الأمير؟.
وكذا استعملوه في استعلام الفرق بين الرتبتين أو المنزلتين على جهة المقارنة، فيقولون: أين فلان من فلان؟ وأين أنت من فلان؟ ولا يريدون بذلك المكان والمحل؛ بل يريدون الاستفهام عن الرتبة والمنزلة.
وكذا يقولون: لفلان عند فلان مكان ومنزلة، ومكان فلان في قلب فلان حسن؛ ويريدون بذلك المرتبة والدرجة في التقريب والتبعيد والإكرام والإهانة.
وإنَّا لنسأل هؤلاء سؤالًا: لِمَ حملتم اللفظ على أحد المعنيين وتركتم الآخر؟
هل أقوى من جهة الدلالة اللغوية والشرعية أم لأن ظاهره يوافق عقيدتكم؟
فنحن نجزم بأن حمل لفظ (أين) الواردة في الحديث على معنى الرتبة والمكانة أجلّ وأكمل لجلال الله تعالى من حملها على معنى المكان، وذلك لأن إثبات المكان لله ــ على زعمهم ــ ليس دليلًا على إيمانها، بقدر ما يحمل المعنى الثاني من المكانة والتعظيم لله تعالى فإنه الأليق بأن يُحمل كلامها على الإيمان.
فمن زعم أن الرسول قد سألها بقوله: أين الله؟ ليستفسر عن مكان الله تعالى فهو غِرٌّ جاهلٌ بلغة العرب وأساليبها في الخطاب؛ بل جاهلٌ بمعرفة ربه جل وعلا وسلطانه ومجده، فإنَّ الإيمان يثبت لها بما في قلبها من تعظيم لله تعالى ورفعة مكانته ومنزلته، لا بشهادتها أن مكانه تعالى في السماء.
فظهر من هذا أنَّ معنى قوله ﷺ أين الله؟ استعلام لمنزلته وقدره سبحانه عندها وفي قلبها، وإشارتها إلى السماء دليل على أنه قدره في السماء عالٍ وعظيم، على حَدِّ قول القائل إذا أراد أن يخبر عن رفعة وعلو منزلة فلان: قال: في السماء، أي هو رفيع الشأن، عظيم المقدار، كذلك قولها: “في السماء” قد وقع على طريق الإشارة تنبيهًا عن محله في قلبها ومعرفتها به». راجع: مشكل الحديث وبيانه لابن فورك (1/158، 159) باختصار وتصرف.
وكل من له ذوق بلغة العرب يعلم أنه لا يراد بـ “أين” دائمًا المكان؟ ولا يقول بهذا إلَّا مَنْ كان جاهلًا بلغة العرب، ففي قوله تعالى {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص: 74].
وفي الحديث الصحيح: «أينَ المُتأَلِّي على اللَّهِ لا يَفعَلُ المَعروفَ؟».
وكذا جاء في الصحيح: «إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ يقولُ يَومَ القيامَةِ: أينَ المُتَحَابُّونَ بجَلالِي؟ اليَومَ أُظِلُّهُم في ظِلِّي يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلِّي».
إلى غير ذلك من النصوص المشهورة التي لا يراد السؤال فيها بـ “أين” عن المكان، بل المراد المنزلة والمكانة ونحو ذلك.
والذي يؤكد على هذا المعنى أنه قد جاءت رواية أخرى بلفظ صريح صحيح يؤكد ما قررناه، فلم تأت لفظة: «أين الله»، بل سألها رسول الله: مَنْ رَبُّكِ؟ قَالَتْ: اللهُ. قَالَ: مَنْ أَنَا؟ فَقَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» راجع: سنن أبي داود/ باب الرقبة المؤمنة (5/176)، برقم (3283)، وسنن النسائي/ باب فضل الصدقة عن الميت (6/252)، برقم (3653)، مسند أحمد/ حَدِيثُ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ الثَّقَفِيِّ (29/464، 465)، برقم (17945).
وقد فهم شراح السنن كافة هذا المعنى وقرروه في كتبهم، فقال الإمام الجليل أبو الوليد الباجي المتوفى 474 هـ في المنتقى شرح الموطأ (6/274): «وقوله ﷺ: للجارية أين الله؟ فقالت: في السماء لعلها تريد وصفه بالعلو، وبذلك يوصف كل من شأنه العلو، فيقال: مكان فلان في السماء، بمعنى علو حاله ورفعته وشرفه».
وقال الإمام المازري المتوفى 5366 هـ في المعلم بفوائد مسلم (1/412): «إنّما وَجْهُ السؤال بـ (أين) هاهنا سؤال عما تعتقده من جلال الباري تعالى وعظمته، وإشارتها إلى السماء إخبار عن جلالته سبحانه في نفسها، والسماء قبلة الداعين، كما أن الكعبة قبلة المصلين، فكما لم يدلّ استقبال الكعبة على أن الله جلت قدرته فيها، لم يدل التوجه إلى السماء، والإِشارة على أن الله تعالى حالٌّ فيها».
وقال الإمام شرف الدين الطيبي المتوفى 7433هـ في الكاشف عن حقائق السنن (7/ 2352): «لم يرد السؤال عن مكانه؛ فإنه منزه عنه والرسول ﷺ أعلي من أن يسأل أمثال ذلك، بل أراد أن يتعرف أنها موحدة أو مشركة؛ لأن كفار العرب كانوا يعبدون الأصنام، فكان لكل قوم منهم صنم مخصوص يكون فيما بينهم يعبدونه ويعظمونه، ولعل سفهاءهم وجهلتهم كانوا لا يعرفون معبودًا غيره، فأراد أن يتعرف أنها ما تعبد، فلما قالت: (في السماء) وفي رواية (أشارت إلي السماء إلي السماء) فهم منها أنها موحدة، تريد بذلك نفي الآلهة الأرضية التي هي الأصنام، لا إثبات السماء مكانًا له تعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا».
وقد قال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر المتوفى 8522هـ في فتح الباري (13/402): «فحكم بإيمانها مخافة أن تقع في التعطيل لقصور فهمها عما ينبغي له من تنزيهه مما يقتضي التشبيه؛ تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا»، وقال (3/ 30) عند حديث النزول: “استدل به من أثبت الجهة وقال: هي جهة العلو، وأنكر ذلك الجمهور؛ لأن القول بذلك يفضي إلى التحيز تعالى الله عن ذلك”.
وقال الإمام البدر العيني المتوفى 8555هـ في عمدة القاري شرح صحيح البخاري (4/186): «إنما أراد ﷺ أن يَتطلبَ دليلًا على أنها مُوحِّدَة، فخاطبَها بما يفهم قصدها؛ إذ من علامات الموحِّدين: التوجهُ إلى السماء عند الدعاء وطلب الحوائج؛ لأن العرب التي تعبدُ الأصنامَ تطلب حوائجها من الأصنام، والعجم من النيران، فأرادَ ﷺ الكشفَ عن مُعتقدها هل هي من جملة من آمن؟ فأشارت إلى السماء، وهي الجهة المقصودة عند الموحدين».
وقال العلامة المُناوي المتوفى 1031هـ في فيض القدير (1/4733): «فأشارت إلى السماء معبرة عن الجلال والعظمة لا عن المكان، وإنما ينسب إلى السماء لأنها أعظم وأوسع من الأرض، أو لعلوها وارتفاعها، أو لأنها قبلة الدعاء».
وبهذا ترى كيف فهم أئمة الحديث وعلماء الأمة عبر التاريخ حديث الجارية لترى حجم التضليل الذي يمارسه الوهابية على النصوص الشرعية، ونسأل الله تعالى أن يهديهم، وأن يعودوا إلى منهج أهل السنة والسلف، آمين آمين.
ثالثا :
” بيان أقوال العلماء وأهل العلم المعتبرين في حديث الجارية “
أقوال أهل العلم في حديث الجارية
أين الله،والدليل على أن الرواية شاذة لا تقوم بها الحجة:
وهذا ما جاء في كتاب فيض السديد شرح جوهرة التوحيد:
و أما احتجّوا به من أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم سأل الجارية، فقال: “أين الله ؟فهو شاذ من حيث السند واللفظ كما قال البيهقي في الأسماء والصفات – (ج 2 / ص 427): وهذا صحيح ، قد أخرجه مسلم مقطعا من حديث الأوزاعي وحجاج الصواف ، عن يحيى بن أبي كثير دون قصة الجارية ، وأظنه إنما تركها من الحديث لاختلاف الرواة في لفظه، قلت:والحديث:أخرجه مسلم في صحيحه – (ج 3 / ص 140) من طريق يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَال:” قَالَ وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُعْتِقُهَا قَالَ ائْتِنِي بِهَا فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ لَهَا أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ قَالَ مَنْ أَنَا قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ”.
وهلال بن أبي ميمونة هو هلال بن علي بن أسامة العامري وهو صدوق وليس ثقة باتفاق فقد قال فيه أبو حاتم: شيخ يكتب حديثه وقال النسائي: ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات ووثقه الدارقطني وابن مسلة وقد خالفه في هذا الحديث من أوثق منه فرواه بلفظ: أتشهدين أن لا إله إلا الله ؟ لا بلفظ :أين الله ، وهو ابن جريج الثّقة الحافظ المُتّفق عليه، كما رواه عنه عبد الرزاق في مصنفه
ج 9 / ص 175)، وإن كان أصل الحديث صحيحا لكن لفظ:”أين الله” شاذة فلا تقوم بها الحجّة، وخاصّة أن الحديث قد روي من عدة من الصحابة بأسانيد ثابتة وافقوا فيه ابن جريج في لفظ: أتشهدين أن لا إله إلا الله، وأغرب من ذلك فقد رواه مرة هلال بلفظ: من ربّك، كما رواه عنه فليح بن سليمان عنه أخرجه ابن قانع في معجم الصحابة – (ج 6 / ص 177) قال: حدثنا محمد بن أحمد بن البراء ، نا معافى بن سليمان ، نا فليح ، عن هلال ، عن عطاء بن يسار ، عن معاوية بن الحكم: أنه أراد عتق أمة له سوداء فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها : ” من ربك” ؟ قالت :” الذي في السماء فقال لها : ” من أنا “؟ قالت :” رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال ” أعتقها ؛ فإنها مؤمنة “.
*وأخرجه النسائي في سننه الصغرى – (ج 11 / ص 426) و أحمد بن حنبل في مسنده – (ج 36 / ص 378) و الدارمي في سننه – (ج 7 / ص 194) و ابن حبان في صحيحه – (ج 1 / ص 371) و البيهقي في سننه الكبرى – (ج 7 / ص 388) عَنْ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ:” أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ إِنَّ أُمِّي أَوْصَتْ أَنْ تُعْتَقَ عَنْهَا رَقَبَةٌ وَإِنَّ عِنْدِي جَارِيَةً نُوبِيَّةً أَفَيُجْزِئُ عَنِّي أَنْ أُعْتِقَهَا عَنْهَا قَالَ ائْتِنِي بِهَا فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رَبُّكِ قَالَتْ اللَّهُ قَالَ مَنْ أَنَا قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ فَأَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ”.
صحيح
فمن تدبّر من أهل الحديث طرق المتن علم أنّ لفظ أين الله شاذة من كلّ الوجوه فلا تقوم بها الحجّة. قال النووي كما في شرحه على مسلم (ج 2 / ص 298): هَذَا الْحَدِيث مِنْ أَحَادِيث الصِّفَات ، وَفِيهَا مَذْهَبَانِ تَقَدَّمَ ذِكْرهمَا مَرَّات فِي كِتَاب الْإِيمَان . أَحَدهمَا : الْإِيمَان بِهِ مِنْ غَيْر خَوْض فِي مَعْنَاهُ ، مَعَ اِعْتِقَاد أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَتَنْزِيهه عَنْ سِمَات الْمَخْلُوقَات . وَالثَّانِي تَأْوِيله بِمَا يَلِيق بِهِ ، فَمَنْ قَالَ بِهَذَا قَالَ : كَانَ الْمُرَاد اِمْتِحَانهَا ، هَلْ هِيَ مُوَحِّدَة تُقِرّ بِأَنَّ الْخَالِق الْمُدَبِّر الْفَعَّال هُوَ اللَّه وَحْده ، وَهُوَ الَّذِي إِذَا دَعَاهُ الدَّاعِي اِسْتَقْبَلَ السَّمَاء كَمَا إِذَا صَلَّى الْمُصَلِّي اِسْتَقْبَلَ الْكَعْبَة ؟ وَلَيْسَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مُنْحَصِر فِي السَّمَاء كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مُنْحَصِرًا فِي جِهَة الْكَعْبَة ، بَلْ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّمَاء قِبْلَة الدَّاعِينَ ، كَمَا أَنَّ الْكَعْبَة قِبْلَة الْمُصَلِّينَ ، أَوْ هِيَ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان الْعَابِدِينَ لِلْأَوْثَانِ الَّتِي بَيْن أَيْدِيهمْ ، فَلَمَّا قَالَتْ : فِي السَّمَاء ، عَلِمَ أَنَّهَا مُوَحِّدَة وَلَيْسَتْ عَابِدَةلِلْأَوْثَانِ . وقال العلامة الكوثري عند قوله صلى الله عليه وسلم للجارية: “أين الله”.. على أن “أين” تكون للسؤال عن المكان، وللسؤال عن المكانة. وقال أبو بكر العربي: المراد بسؤال بـ “أين” عنه تعالى: “المكانة” فإن المكان يستحيل عليه”.
وقد صحّ أيضا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه سئل: أين كان ربّنا؟ فأجاب: بنفي المكان عن الله تعالى ونزّهه عن الجهة والحدّ وذكر أنّ الله تعالى متّصفا بالعلّو والارتفاع قبل خلق الخلق وأنّ علوّه لا كعلوّ الأجسام أخرج الطبري في تفسيره – (ج 15 / ص 246) و أحمد بن حنبل في مسنده – (ج 32 / ص 414)و الترمذي في سننه – (ج 10 / ص 377) و ابن ماجة في سننه – (ج 1 / ص 214) و ابن حبان في صحيحه – (ج 25 / ص 325)و الطيالسي في مسنده – (ج 3 / ص 267) و ابن عبد البر في التمهيد – (ج 5 / ص 111) و الطبراني في المعجم الكبير – (ج 14 / ص 89) و البيهقي في الأسماء والصفات – (ج 2 / ص 341) و ابن أبي شيبة في العرش – (ج 1 / ص 9) و أبو الشيخ في العظمة – (ج 1 / ص 90) و ابن بطة في الإبانة الكبرى – (ج 6 / ص 157) وابن أبي زمنين في أصول السنة – (ج 1 / ص 15) عن أَبِي رَزِينٍ قَالَ:” قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ” ؟قَالَ:” كَانَ فِي عَمَاءٍ مَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ وَخَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاء”.
اسناده حسنِ
ومعنى قوله صلّى الله عليه وسلّم:”كَانَ فِي عَمَاءٍ” العماء هو السّحاب في اللغة، والعرب تقول فلان في السّحاب أي رفيع المنزلة،وليس مرادهم الجهة ، بدليل ما بعده حيث نفى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن الله تعالى الجهة والحدّ، فقال: ما فوقه هواء وما تحته هواء ، أي ليس فوقه شيء أو تحته شيء وذلك لأنّه ليس بجوهر تحدّه الجهات، والله تعالى أعلم.
-وأمّا حديث النزول:فقال ابن أبي زمنين في أصول السنة – (ج 1 / ص 21):
قَوْل أَهْل اَلسُّنَّةِ: أَنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ اَلسَّمَاءِ اَلدُّنْيَا، وَيُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحُدُّوا فِيهِ حَدًّا.
*وأخرج ابن أبي زمنين في أصول السنة – (ج 1 / ص 22) عن الحافظ اِبْنُ وَضَّاحٍ القرطبيّ: وَسَأَلْتُ يُوسُفَ بْنَ عَدِيٍّ عَنْ اَلنُّزُولِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ: أُقِرُّ بِهِ وَلَا أَحُدُّ حَدًّا، وَسَأَلْتُ عَنْهُ اِبْنَ مَعِينٍ فَقَالَ: نَعَمْ، أُقِرُّ بِهِ وَلَا أَحُدُّ فِيهِ حَدًّا.
وقال الحافظ كما في فتح الباري شرح البخاري – (ج 11 / ص 133) وَمَعَ ذَلِكَ فَمُعْتَقَد سَلَف الْأَئِمَّة وَعُلَمَاء السُّنَّة مِنْ الْخَلَف أَنَّ اللَّه مُنَزَّه عَنْ الْحَرَكَة وَالتَّحَوُّل وَالْحُلُول لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء.