💎 📜حول مشروعية الذكر الجماعي 💎
يقول الإِمام النَّوَوي- يرحمه الله- في كتابه المشهور “الأذْكَار”: “اعلم أنه كما يُستحبُّ الذكر يُستحبُّ الجلوس في حِلَق أهله، وقد تظاهرت الأدلة على ذلك، ويكفي في ذلك حديث ابن عمر رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه- صلى الله عليه وسلم-: “إذا مَرَرْتُمْ بِرِياضِ الجَنَّةِ فارْتَعُوا. قالُوا: وَمَا رِياضُ الجَنَّةِ يا رَسُولَ اللّه؟! قالَ: حِلَقُ الذّكْرِ، فإنَّ للّه تعالى سَيَّارَاتٍ مِنَ المَلائِكَةِ يَطْلُبُونَ حِلَقَ الذّكْرِ، فإذَا أَتَوْا عَليْهِمْ حَفُّوا بِهِمْ”.
أصله عند البزار بسند حسن كما هو مذكور في آخر هذا المنشور عن مجمع الزوائد والقول البديع ١٨٠ سنده حسن
وفي صحيح مسلم عن معاوية- رضي اللّه عنه- أنه قال: خرج رسول اللّه- صلى الله عليه وسلم- على حلقة من أصحابه فقال: “ما أجْلَسَكُم؟ قالوا: جلسنا نذكُر اللّه تعالى ونحمَدُه على ما هدانا للإسلام ومَنَّ به علينا، قال: آللّه ما أجْلَسَكُمْ إلا ذَاكَ؟ قالوا: واللَّهِ، ما أجلسنا إلاّ ذاك، قال: أما إني لَمْ أستحلِفكُمْ تُهمةً لكُمْ، ولَكنَّهُ أتاني جبْرِيلُ فأخْبَرَنِي أنَّ اللّه تعالى يُباهي بكُمُ المَلائكَةَ”.
وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “ما جلس قوم مجلسًا يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده” (أخرجه مسلم).
وفي تعليق الصنعاني عليه يقول: “دلَّ الحديث على فضيلة مجالس الذكر والذاكرين وفضيلة الاجتماع على الذكر، والمراد بالذكر هو التسبيح والتحميد وتلاوة القرآن ونحو ذلك، وفي حديث البزار أنه تعالى يسأل ملائكته ما يصنع العباد وهو أعلم بهم فيقولون يعظمون آلاءك ويتلون كتابك ويصلون على نبيك ويسألونك لآخرتهم ودنياهم” (سبل السلام).
وفي الحديث عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قالَ: «إنَّ لِلَّهِ تَبارَكَ وتَعالى مَلائِكَةً سَيّارَةً، فُضُلًا يَتَتَبَّعُونَ مَجالِسَ الذِّكْرِ، فَإذا وجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ، وحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأجْنِحَتِهِمْ، حَتّى يَمْلَئُوا ما بَيْنَهُمْ وبَيْنَ السَّماءِ الدُّنْيا، فَإذا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وصَعِدُوا إلى السَّماءِ، قالَ: فَيَسْألُهُمُ اللهُ ﷿، وهُوَ أعْلَمُ بِهِمْ: مِن أيْنَ جِئْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: جِئْنا مِن عِنْدِ عِبادٍ لَكَ فِي الأرْضِ، يُسَبِّحُونَكَ ويُكَبِّرُونَكَ ويُهَلِّلُونَكَ ويَحْمَدُونَكَ ويَسْألُونَكَ، قالَ: وماذا يَسْألُونِي؟ قالُوا: يَسْألُونَكَ جَنَّتَكَ، قالَ: وهَلْ رَأوْا جَنَّتِي؟ قالُوا: لا، أيْ رَبِّ قالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأوْا جَنَّتِي؟ قالُوا: ويَسْتَجِيرُونَكَ، قالَ: ومِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي؟ قالُوا: مِن نارِكَ يا رَبِّ، قالَ: وهَلْ رَأوْا نارِي؟ قالُوا: لا، قالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأوْا نارِي؟ قالُوا: ويَسْتَغْفِرُونَكَ، قالَ: فَيَقُولُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأعْطَيْتُهُمْ ما سَألُوا، وأجَرْتُهُمْ مِمّا اسْتَجارُوا، قالَ: فَيَقُولُونَ: رَبِّ فِيهِمْ فُلانٌ عَبْدٌ خَطّاءٌ، إنَّما مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ، قالَ: فَيَقُولُ: ولَهُ غَفَرْتُ هُمُ القَوْمُ لا يَشْقى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ» صحيح مسلم ٢٦٨٩
يقول الإمام النووي: “وفي هذا الحديث فضيلة الذكر وفضيلة مجالسه والجلوس مع أهله وإن لم يشاركهم وفضل مجالسة الصالحين وبركتهم والله أعلم” (شرح النووي على صحيح مسلم).
كما يقول ابن حجر في فتح الباري: “ويؤخذ من مجموع طرق الحديث المراد بمجالس الذكر وأنها التي تشتمل على ذكر الله بأنواع الذكر الواردة من تسبيح وتكبير وغيرهما، وعلى تلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى وعلى الدعاء بخيري الدنيا والآخرة” (فتح الباري).
وفي الحديث عن يعلى بن شداد قال: حدثني أبي شداد وعبادة بن الصامت حاضر يصدقه. قال: كنا ثم النبي – صلى الله عليه وسلم- فقال غريب يعني أهل الكتاب. قلنا: لا يا رسول الله فأمر بغلق الباب، وقال: “ارفعوا أيديكم وقولوا لا إله إلا الله، فرفعنا أيدينا ساعة ثم وضع – صلى الله عليه وسلم- يده ثم قال: الحمد لله اللهم إنك بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بها ووعدتني عليها الجنة إنك لا تخلف الميعاد: ثم قال: ألا أبشروا فإن الله قد غفر لكم”. (أخرجه أحمد والطبراني والبزار ورجاله موثقون).
آثار عن الصحابة الكرام:
وقد وردت آثار عن الصحابة – رضوان الله عليهم – تؤكد حرصهم على الذكر في جماعة واجتماعهم عليه، فعن أنس بن مالك قال: كان عبدُ اللهِ بنُ رَواحةَ إذا لَقيَ الرَّجُلَ مِن أصحابِه يقولُ: تَعالَ نؤْمِنْ بربِّنا ساعةً، فقال ذاتَ يَومٍ لرجُلٍ، فغَضِبَ الرَّجُلُ، فجاء إلى النَّبيِّ ﷺ، فقال: يا رسولَ اللهِ، ألا تَرى إلى ابنِ رَواحةَ يَرغَبُ عن إيمانِك إلى إيمانِ ساعةٍ؟! فقال النَّبيُّ ﷺ: يَرحَمُ اللهُ ابنَ رَواحةَ؛ إنَّه يُحِبُّ المَجالِسَ التي تَتباهى بها الملائكةُ. (أخرجه أحمد وإسناده حسن). الترغيب والترهيب ٢/٣٣٣