المحكم والمتشابه

الرد على زعم ابن تيمية أن آيات الاستواء واليد والوجه وحديث النزول ونحو ذلك أنها ليست متشابهة (منقول)

بسم الله

يقول ابن تيمية عن آيات الصفات: فإني ما أعلم عن أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة، لا أحمد بن حنبل ولا غيره أنه جعل ذلك من المتشابه الداخل في هذه الآية، ونفي أن يعلم أحد معناه … إلخ قوله.

أخرج الذهبي في السير بإسناده، قال: قال ابن القاسم: سألت مالكا عمن حدث بالحديث: الذين قالوا: (إن الله خلق آدم على صورته)، والحديث الذي جاء: (إن الله يكشف عن ساقه) ، (وأنه يدخل يده في جهنم حتى يخرج من أراد)
فأنكر مالك ذلك إنكارا شديدا، ونهى أن يحدث بها أحد
فقيل له: إن ناسا من أهل العلم يتحدثون به.
فقال: من هو؟
قيل: ابن عجلان، عن أبي الزناد.
قال: لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء، ولم يكن عالما.

وذكر أبا الزناد، فقال: لم يزل عاملا لهؤلاء حتى مات.

وفي التمهيد لابن عبد البر: وقد كان مالك ينكر على من حدث بمثل هذه الأحاديث، ذكره أَصْبَغ وعيسى عن ابن القاسم، قال: سألت مالكًا عمن يحدث الحديث: إن الله خلق آدم على وصورته، والحديث: إن الله يكشف عن ساقه يوم القيامة، وإنه يدخل في النار يده حتى يخرج من أراد.
فأنكر ذلك إنكارًا شديدًا ونهى أن يُحَدِّثَ به أحدًا، وإنما كره ذلك مالك خشيةَ الخوض في التشبيه بكيف هاهنا. اهـ

قلتُ: هذا صريحٌ في أنه يرى أن بعض أحاديث الصفات من المتشابه الذي قد يوقع في اللبس.

قال ابن قدامة في روضة الناظر: والصحيح: أن المتشابه: ما ورد في صفات الله سبحانه مما يجب الإيمان به، ويحرم التعرض لتأويله، كقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان} ، {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَي} ، {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّك} {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} ، ونحوه.
ثم قال: ولأن قولهم {آمَنَّا بِهِ} يدل على نوع تفويضٍ وتسليمٍ لشيءٍ (لم يقفوا على معناه). اهـ

فإن قلتَ: إنما أراد أن كيفيته متشابهةٌ، بخلاف معناه؛ فإنه محكمٌ.
قلنا: قال في تحريم النظر: وأما إيماننا بالآيات وأخبار الصفات فإنما هو إيمان بمجرد الألفاظ التي لا شكّ في صحتها ولا ريب في صدقها، وقائلها أعلم بمعناها، فآمنا بها على المعنى الذي أراد ربنا تبارك وتعالى.
وقال أيضًا: وعائب هذه المقالة (أي: تفويض علم معاني الصفات) لا يخلو إما أن يعيب الإيمان بالألفاظ أو السكوت عن التفسير أو الأمرين معا
وإن عاب السكوت عن التفسير.. أخطأ؛ فإننا لا نعلم لها تفسيرًا، ومن لم يعلم شيئا وجب عليه السكوت عنه وحرم عليه الكلام فيه. اهـ
وقال في لمعة الاعتقاد: فإن قيل: فكيف يخاطب الله الخلق بما لا يعقلونه؟ أم كيف ينزل على رسوله ما لا يطلع على تأويله؟

قلنا: يجوز أن يكلفهم الإيمان بما لا يطلعون على تأويله؛ ليختبر طاعتهم، كما قال تعالى: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين}، {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم} الآية، {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس}، وكما اختبرهم بالإيمان بالحروف المقطعة مع أنه لا يعلم معناها. اهـ

وأخرج البيهقي في الكبرى بسنده؛ فقال: أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، ثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه ثنا محمد بن بشر بن مطر، ثنا الهيثم بن خارجة، ثنا الوليد بن مسلم قال: سئل الأوزاعي ومالك وسفيان الثوري والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي جاءت في التشبيه، فقالوا: أمروها كما جاءت بلا كيفية. اهـ
فتأمل قوله: (الأحاديث التي جاءت في التشبيه)؛ فإنه صريحٌ في كون تلك الأحاديث من المتشابه، ولا يصح أن يقال: إنما المتشابهه كيفيتها، دون معناها؛ لأنهم كانوا لا يفسرونها وينهون عن تفسيرها؛فقد ذكر التمهيد نقلًا عن أبي عبيد القاسم بن سلام: هذه الأحاديث حقٌ لا شك فيها، رواها الثقات بعضهم عن بعضٍ، إلا أنا إذا سئلنا عن تفسير هذه الأحاديث.. لم نفسرها، ولم نذكر أحدًا يفسرها. اهـ
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات بسنده عن سفيان بن عيينة أنه قال: ما وصف الله تبارك وتعالى به نفسه في كتابه فقراءته تفسيره، ليس لأحد أن يفسره بالعربية ولا بالفارسية. اهـ
والتفسير هو بيان المعنى؛ فلو كانت هذه الأحاديث والآيات من قبيل المجمل.. لما قصَّروا في بيانه وتفسيره، بخلاف ما لو كان من المتشابه.
ثم تأمل نهي ابن عيينة عن ترجمته بالفارسية؛ فإن لغة العرب إذا ترجمت.. كانت الترجمة للمعنى المطابقي للفظ؛ فلما كان المطابقي مشكلًا متشابهًا.. نهى عن ترجمته.
(وتأمل أنهم ما أجابوا سائلًا عنها إلا بأنه يجب عليه التسليم والاكتفاء بقراءتها دون تفسيرٍ، ولو كانوا يعرفون لها معنى.. لما اكتفوا في هذا الباب الخطير بالقراءة بلا تفسيرٍ، ولو كان لها معنى معلومٌ لنا يمكن بيانه.. لما غضب مالكٌ لما سئل عنها، ولو أنَّ السلف كانوا قد أثبتوا لله تعالى الكيف.. لَمَا أصاب الإمامَ مالكاً الرُّحَضاءُ, ولَمَا كان السؤال عن ما هو ثابتٌ له تعالى بدعةً, ولَمَا كان السائل مبتدعاً يستأهل الطَّردَ, فلمَّا لم يكن السلف ـ ومالكٌ تبعٌ لهم ـ يثبتون الكيفَ له تعالى.. قال مالك رحمه الله تعالى: ولا يقال: “كيفَ, وَكَيفَ عنه مرفوعٌ”.

منقول من د.مصطفى عبدالنبي .

السابق
[5] الوجه الثالث: في الجواب عن استدلال ابن تيمية بالآية 86 من سورة المؤمنين على أن المشركين موحدون توحيد ربوبية.
التالي
يقصد أهل السنة بقولهم إثبات الصفات على الحقيقة، الحقيقة اللائقة بجلال ﷲ، لا حقيقة معنى اللفظ في الظاهر اللغوي كما يروّج له الوهابية (منقول)