[ تأصيل القول بجواز قراءة سور من القرآن على القبر ]
إن الكلام في هذه المسألة سببه أن بعض المسلمين وطائفة ممن ينسبون انفسهم للمذهب يقولون ببدعيتها ، وأن من يفعلها ويقول بجوازها فهو مبتدع .
لذلك اقتضى نقض هذا الكلام وبيان الصواب فيها .
وأن معتمد الإمام أحمد رضي الله عنه والذي سار عليه الحنابلة هو جواز قراءة القرآن على القبر بعد الدفن سواء بالفاتحة او البقرة او يس .
بداية ليعلم أن هذه المسألة خلافية بين العلماء ويدور حكمها بين الكراهة وعدمها واستحبابها .
اولًا . فإن قيل : الشيخ الالباني ضعف هذه الاحاديث .
قلنا : أن الشيخ الالباني ليس بحجة في التصحيح والتضعيف عند الحنابلة :
1.لأن الحنابلة يعتمدون على إمامهم وعلماء المذهب في ذلك ولديهم قواعد لقبول الحديث أو رده .
2.إن الشيخ الالباني اجنبي على مذهب الحنابلة .
- إن الشيخ الالباني يخالف الإمام أحمد والحنابلة في قواعد التحديث .
فلا عبرة بتضعيفه للاحاديث ولأثر ابن عمر التي صحت عند الإمام وعلماء المذهب .
ثانيًا : فإن قيل : الإمام أحمد يقول ببدعية المسألة .
قلنا : نعم قد ورد المنع عن الإمام لكنه رجع ورجوعه مشهور عند أصحابه.
ووردت روايتان عن الإمام واحدة تنص على المنع وواحدة تنص على الاستحباب وعدم الكراهة . يراجع مسائل عبد الله وأبي داود ، والمروذي والامر بالمعروف للخلال .
إلا أن الرواية التي بينت رجوع الإمام عنها هي :
(( قال الخلال: وأخبرني الحسن بن أحمد الوراق قال: حدثني علي بن موسى الحداد وكان صدوقا وكان ابن حماد المقرئ يرشد إليه فأخبرني قال: كنت مع أحمد بن حنبل ومحمد بن قدامة الجوهري في جنازة فلما دفن الميت، جلس رجل ضرير يقرأ عند القبر.
فقال له أحمد: يا هذا إن القراءة عند القبر بدعة، فلما خرجنا من المقابر قال محمد بن قدامة لأحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله ما تقول في مبشر الحلبي؟ قال: ثقة.
قال: كتبت عنه شيئا؟
قال: نعم قال: فأخبرني مبشر عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وخاتمتها وقال: سمعت ابن عمر يوصي بذلك.
فقال له أحمد: فارجع فقل للرجل يقرأ. )) الامر بالمعروف للخلال .
فهذه الرواية دلت على رجوع الامام احمد الى الاستحباب .
وقد نقل رجوعه :
الموفق ابن قدامة في المغني : قال :
قال أبو بكر: نقل ذلك عن أحمد جماعة، ثم رجع رجوعا أبان به عن نفسه ثم ذكر رواية الخلال .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وقد تنازع الناس في القراءة على القبر، فكرهها أبو حنيفة ومالك، وأحمد في أكثر الروايات عنه، ورخص فيها في الرواية المتأخرة، لما بلغه أن عبد الله بن عمر أوصى أن يقرأ عند دفنه بفواتح البقرة، وخواتمها”الفتاوى الكبرى (3 / 34).
قال المرداوي : قلت: قال كثير من الأصحاب: رجع الإمام أحمد عن هذه الرواية فقد روى جماعة عن الإمام أحمد: أنه مر بضرير يقرأ عند قبر فنهاه، وقال: القراءة عند القبر بدعة ثم ذكر رواية الخلال .
بهذا يتبين فساد قول من جعل رواية الامام غير المعتمدة هي المعتمدة .
أما حجة الحنابلة في استحباب قراءة القرآن على القبر .
أولًا . عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف عنهم يومئذ، وكان له بعدد من فيها حسنات}. وروي عنه عليه السلام {من زار قبر والديه أو أحدهما، فقرأ عنده أو عندهما يس غفر له}. المغني ، وغيره من الأحاديث .
ثانيا : فعل ابن عمر وفعل الأنصار كما في مصنف ابن ابي شيبة .
ثالثا .قول تابعي من الاكابر وهو عطاء قال : “إذا أردت حاجة فاقرأ بفاتحة الكتاب حتى تختمها، تُقضى إن شاء الله” . الاستعانة بالفاتحة على نجاح الأمور لابن عبد الهادي.
علماء المذهب بكل طبقاتهم المعتمد عدم كراهة القراءة على القبر بل استحبابها :
صاحب الاقناع : قال (ولا تكره القراءة على القبر ).
صاحب الانصاف : (ولا تكره القراءة على القبر في أصح الروايتين) ، وهذا المذهب .
صاحب الفروع : ( لا تكره القراءة على القبر وفي المقبرة، نص عليه، اختاره أبو بكر والقاضي وجماعة، وهو المذهب) .
المتوسطون :
صاحب الهداية : ( ولا تكره القراءة على القبر).
صاحب المغني : (فصل: قال: ولا بأس بالقراءة عند القبر ) .
المتقدمون : كالخلال في كتابه الامر بالمعروف والمروذي وعبد الله وغيرهم .
ومما ينبغي على طالب الحق ، أن لايتسرع ويطلق الأحكام التي تلزمه بأنه يطلقها على خير الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم وهم بعض الصحابة.
والله أعلى وأعلم
وكتب
فارس بن فالح الخزرجي
19 / 7 / 1443
20 / 2 / 2023